الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرط الحمل إلى المنزل فعملنا بالقياس فيه.. وأما بيع الثمر على الشجر بعد ظهوره وبيع الزرع في الأرض إن اشتري بشرط الترك فالعقد فاسد بالإجماع؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ولا يلائم العقد ولا جرى به التعامل بين الناس، ومثل هذا الشرط مفسد للبيع لما ذكرنا؛ لأنه لا يتمكن من الترك إلا بإعارة الشجرة والأرض: وهما ملك البائع، فصار بشرط الترك شارطا الإعارة، فكان شرطه صفقة في صفقة وأنه منهي عنه.
ونستعرض استخلاصا من النصوص المتقدمة مسائل ثلاث:
1 -
الصور المختلفة للشرط الفاسد الذي يفسد العقد.
2 -
الأسباب التي دعت المذهب إلى القول بفساد الشرط والعقد في هذه الصور.
3 -
العقود التي يكون فيها الشرط الفاسد مفسدا للعقد.
1 -
الصور المختلفة للشرط الفاسد الذي يفسد العقد:
يمكن القول بوجه عام أن الشرط الفاسد الذي يفسد العقد هو الذي فيه منفعة لها صاحب يطالب بها، وهذه المنفعة إما أن تكون للمبيع إذا كان رقيقا أو للبائع أو للمشتري أو لأجنبي غير المتعاقدين.
فمثل المنفعة التي تكون للمبيع إذا كان رقيقا: أن يشتري عبدا على ألا يبيعه أو يهبه أو يخرجه من ملكه بحال، أو على أن يبيعه من فلان دون غيره، أو على ألا يخرجه من بلد معين أو على أن يدبره أو يكاتبه، أو على
أن يعتقه على خلاف بين المذاهب، أو يشتري أمة على أن يستولدها، ففي هذه الأمثلة نرى الرقيق المبيع قد صارت له منفعة بعقد البيع يستوفيها من المشتري، فمن مصلحة الرقيق ألا يباع أو يخرج من ملك المشتري حتى لا تتداوله الأيدي أو في القليل ألا يباع إلا إلى شخص بالذات فيتحدد بذلك مجال التعامل فيه، أو أن يبقى في بلد معين له في الاستقرار فيه مصلحة ومن مصلحته أن يدبر أو يكاتب، أو يستولد إذا كان أمة، فهذا هو طريقه إلى العتق، ومن مصلحته بالأولى أن يشترط البائع عتقه.
والمنفعة التي تكون للبائع إما أن تكون منفعة تتعلق بالمبيع ذاته أو منفعة مستقلة عن المبيع.
فمثل المنفعة التي تتعلق بالمبيع أن يبيع عبدا ويشترط على المشتري أن يبقى في خدمته وقتا من الزمن، أو يبيع دارا ويشترط أن يسكنها شهرا، أو يبيع أرضا ويشترط أن يزرعها سنة، أو يبيع دابة ويشترط أن يركبها إلى مكان معين، أو يبيع ثوبا ويشترط أن يلبسه أسبوعا، ونرى في هذه الأمثلة أن البيع يتضمن إجارة أو إعارة، فيتضمن إجارة إن كان للشرط مقابل من الثمن فإن لم يكن له مقابل فالبيع يتضمن إعارة.
ومثل المنفعة المستقلة عن المبيع أن يشترط البائع على المشتري أن يقرضه قرضا، أو أن يهب له هبة، أو أن يتصدق عليه بصدقة، أو أن يشتري منه شيئا آخر أو أن يبيع له كما اشترى منه، أو أن يزوج منه ابنته، ونرى في هذه الأمثلة أن عقد البيع قد تضمن عقدا آخر: قرضا أو هبة أو صدقة أو بيعا أو زواجا.
والمنفعة التي تكون للمشتري تكون هي أيضا إما منفعة تتعلق بالبيع ذاته أو منفعة مستقلة عن المبيع.
فمثل المنفعة التي تتعلق بالمبيع أن يشتري حنطة ويشترط على البائع أن يطحنها أو ثوبا ويشترط على البائع أن يخيطه، أو محصولا ويشترط على البائع أن يحصده، أو يشترط أن يتركه في الأرض حتى ينضج، أو ربطة قائمة على الأرض ويشترط على البائع أن يجذها، أو يشتري ما له حمل ومؤونة ويشترط على البائع أن يحمل المبيع إلى منزله، وفي هذه الأمثلة نرى البيع قد اقترن بعقد آخر هو في أغلبها إجارة عمل البائع، وهو إعارة الأرض أو إجارتها في شرط ترك المحصول في الأرض حتى ينضج.
ومثل المنفعة المستقلة عن المبيع أن يشترط المشتري على البائع أن يقرضه قرضا، أو يهب له هبة، أو أن يتصدق عليه بصدقة، أو أن يبيع له شيئا آخر، أو أن يشتري منه كما باع له، أو أن يتزوج ابنته، وهذه هي نفس الأمثلة التي أوردناها في منفعة البائع المستقلة عن المبيع، وإنما جعلناها هنا لمصلحة المشتري لا لمصلحة البائع.
وقد تكون المنفعة لأجنبي غير المتعاقدين، كما إذا باع ساحة على أن يبني المشتري فيها مسجدا، أو باع طعاما على أن يتصدق به المشتري، أو باع دارا واشترط على المشتري أن يهبها لفلان أو يبيعها منه بكذا من الثمن، ويلاحظ أن هذه الصورة في الفقه الإسلامي تعدل في الفقه الغربي صورة الاشتراط لمصلحة الغير، ولما كان الشرط فاسدا في هذه الحالة فقد أقفل باب الاشتراط لمصلحة الغير في الفقه الحنفي.