الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلاصة
معنى كل من النشوز والخلع لغة وشرعا
أولا: (أ) النشوز: مصدر نشز ينشز، بضم الشين وكسرها في المضارع، معناه: ارتفع، وهو مأخوذ من النشز بسكون الشين وفتحها، وهو ما ارتفع من الأرض، ويطلق أيضا على ما ارتفع عن الوادي إلى الأرض، وليس بالغليظ، وقال أبو عبيد: النشز: الغليظ الشديد، ويجمع النشز مطلقا عن أنشاز ونشوز، وقيل: يجمع ساكن الشين على نشوز ومفتوحها عن أنشاز، ونشاز بكسر النون، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أنشز عظام الميت إنشازا إذا رفعها إلى مواضعها، وركب بعضها على بعض، ومنه قوله تعالى:{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} (1) ويطلق النشوز على النهوض إلى الشيء بقوة، ومنه قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} (2) ويقال للدابة: نشزة إذا لم يكد يستقر الراكب عليها ولا السرج على ظهرها، ونشوز الزوجين: كراهية كل منهما الآخر، وسوء عشرته له، يقال: نشزت الزوجة بزوجها وعلى زوجها فهي ناشز أبغضته، وترفعت عليه وخرجت عن طاعته واستعصت عليه، ونشز الزوج على امرأته جفاها، وترفع عليها لبغضه إياها، وقد يفضي هذا إلى طلاقها، أو منعها حقها في المبيت أو النفقة مثلا.
(1) سورة البقرة الآية 259
(2)
سورة المجادلة الآية 11
(ب) الخلع: مصدر خلع يخلع على وزن منع يمنع، ويطلق لغة على معان: منها: فصل القبيلة لرجل منها لسوء حاله حتى لا تتحمل جريرته، وهو خليع ومخلوع، ويطلق على التواء العرقوب وانتقاله عن محله، ويطلق على خلع الملابس، ويطلق بمعنى: النزع، إلا أنه أقل منه شدة، ويطلق على فصم عروة النكاح وإنهاء الحياة الزوجية، وكلها تدور على معنى الفصل، وخص في الشرع بفصم عقدة النكاح ومفارقة الرجل زوجته بعوض منها أو من غيرها.
ثانيا: إذا لم يعاشر الرجل زوجته بالمعروف بأن جفاها أو ترفع عليها، أو قصر فيما وجب لها عليه من نفقة أو بيت مثلا، أو توقع من نفسه حصول ما يسوءها فإن لم يكن ذلك عن إساءة منها إليه، فعليه أن يمسك عن ذلك، ويعاشرها بمعروف أو يفارقها بإحسان، ولا يجوز له أن يعضلها أو يضارها ليأخذ منها شيئا أو لتتنازل له عن بعض حقوقها؛ لقوله تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1) وقوله: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وللزوجة إذا تحققت من زوجها النشوز أو الإعراض عنها، أو توقعت ذلك منه، ورغبت في البقاء معه لمصلحة تراها: أن تصالح زوجها على التنازل عن بعض حقوقها عليه، أو على مال تدفعه إليه ليبقيها في عصمته؛ لقوله تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (3)
(1) سورة البقرة الآية 229
(2)
سورة النساء الآية 19
(3)
سورة النساء الآية 128
ولقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (1) ولأن سودة تنازلت عن ليلتها لعائشة لتبقى زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأقر ذلك، ولا حرج على الزوج فيما تصالحا عليه إلا أن يكون عن مضارة منه لها.
ثالثا: إذا نشزت المرأة فتركت الحقوق التي ألزمها الله بها لزوجها دون أن يكون منه إليها ما يسوءها وعظها ثم هجرها ثم أدبها، فإن أطاعته عاشرها بالمعروف، وإلا جاز له أن يضارها حتى تفتدي نفسها منه فيطلقها أو يخالعها على عوض، سواء كان نشوزها ترفعا عليه أم امتناعها من فراشه أم قولها له: لا أغتسل لك من جنابة، ولا أطأ لك فراشا، ولا أبر لك قسما، أم كان خروجا من بيته بغير إذنه، أم تمكينا لأحد من فراشه، أم زناها، إلى غير هذا مما يدل على سوء العشرة، وقال أبو قلابة وابن سيرين: لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا.
ومنشأ الخلاف بينهما وبين الجمهور: الخلاف في المراد بالفاحشة في قوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (2) هل المراد بها خصوص الزنا، أو كل ما يدل على سوء العشرة وترك الحقوق التي ألزمها الله بها لزوجها. وقال بكر بن عبد الله وعطاء والمالكية: لا يحل له أن يمسكها ويضيق عليها حتى تفتدي منه وإن
(1) سورة النساء الآية 4
(2)
سورة النساء الآية 19
أتت بفاحشة من زنا أو بذاء أو نشوز لعموم قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (1) الآيتين، وقوله:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2) وادعوا أن الإذن في العضل إذا أتت بفاحشة منسوخ بهذه النصوص.
وأجاب الجمهور عن ذلك: بمنع النسخ، لإمكان الجمع بحمل الإذن في العضل والمضارة على ما إذا أتت بفاحشة، وحمل النهي عن المضارة وأخذ العوض على ما إذا لم يحصل منها نشوز.
وقيل: لا يجوز أخذ الزوج العوض منها إلا إذا خافا جميعا ألا يقيما حدود الله، لكراهية كل منهما الآخر؛ لقوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (3) و [هو] اختيار ابن جرير، واعترض عليه بأنه يلزمه ألا يحل للزوج أخذ الفدية إذا كان سوء العشرة من قبلها فقط.
وأجاب عنه: بأن الأمر ليس كما ظن، فإن سوء عشرتها يقتضي كراهيته إياها وذلك يقتضي الخوف ألا يقيما حدود الله.
رابعا: اتفق العلماء على بعث حكمين إذا وقع الشقاق بين الزوجين ولم يعلم الناشز منهما، أو كان كل منهما ناشزا فأبى الزوج أن يمسك بمعروف
(1) سورة النساء الآية 20
(2)
سورة النساء الآية 4
(3)
سورة البقرة الآية 229
أو يسرح بإحسان، وأبت الزوجة أن تؤدي الحقوق التي ألزمها الله بها لزوجها.
واتفقوا: على أن أحد الحكمين يكون من أهل الزوج والآخر من أهلها إن أمكن، وإلا فمن غيرهما حسب ما تقضتيه المصلحة.
واتفقوا: على أن الحكمين ينفذ ما رأياه في الصلح بينهما، وعلى أنهما إذا اختلفا لم ينفذ قولهما.
واختلفوا بعد ذلك في مسائل:
الأولى: اختلافهم في المخاطب ببعث الحكمين في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (1) فقيل: السلطان أو نائبه؛ لأنه هو الذي إليه الفصل في الخصومات والأخذ على يد الظالم، وقيل المخاطب بذلك: الزوجان؛ لأن الشأن شأنهما، وكل منهما أدرى بمن يحرص على استيفاء حقه والدفاع عنه، وقيل: أولياء الزوجين.
ويمكن أن يقال: إن الأمر ببعث الحكمين مطلق فإن قام به الزوجان فبها، وإلا بعث أولياؤهما من يقوم بالواجب، فإن لم يتم البعث من قبل أوليائهما تعين على السلطان أو نائبه بعثهما.
الثانية: اختلافهم في الحكمين، هل هما وكيلان أو بمنزلة القضاة؟
فقيل: هما وكيلان ينفذ قولهما فيما وكلا فيه فقط؛ لأن الطلاق بيد
(1) سورة النساء الآية 35
الزوج لا يملكه غيره إلا بتوكيل منه؛ ولأن التعويض عن الطلاق لا يكون إلا برضا الزوجة وطيب نفسها، ولحديث علي وفيه: فقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال علي:(والله لا تنقلب حتى تقر بمثل ما أقرت به المرأة) فاعتبر بذلك إذنه كما أذنت.
وقيل: هما حاكمان فينفذ قولهما إذ هما بمنزلة السلطان، والسلطان يطلق بالضرر إذا تبين كما في مسألة العنين، ولحديث علي، فإنه قال للحكمين: هل تدريان ما عليكما، إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، ولتسمية الله المبعوثين حكمين، والحكم كالقاضي ينفذ ما حكم به من جمع أو تفريق بعوض أو بغير عوض، رضي الزوجان بذلك أم كرها.
وقال بعض العلماء: إذا بعث السلطان أو نائبه حكمين فليس لهما إلا النظر لمعرفة المسيء منهما والنصح لهما والإصلاح بينهما، فإن تم الصلح فبها، وإلا رفعا الأمر للسلطان أو نائبه، كانا بمنزلة الشاهدين، أما الحكم فإلى السلطان أو نائبه دونهما.
الثالثة: هل الخلع طلاق أو فسخ؟ وهل ينفذ طلاق الحكمين إذا طلقا ثلاثا دون تفويض في ذلك من الزوج؟ وهل للزوج الرجعة بعد الخلع ما دامت المخالعة في العدة؟ وهل يجوز الخلع دون السلطان أو لا يكون إلا عن طريقه؟ وهل الخلع خاص بحال الشقاق بين الزوجين أو عام فيها وفي غيرها؟ في كل هذه المسائل خلاف.
خامسا: اختلف العلماء في مقدار ما يؤخذ من العوض في الخلع:
فقيل: لا يأخذ الزوج أكثر مما أعطاها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمن أرادت فراق زوجها: «تردين إليه ما أخذت منه. قالت: نعم، وزيادة، فقال صلى الله عليه وسلم: أما الزيادة فلا» ، ويمكن أن يخصص عموم نصوص الافتداء بهذا الحديث؛ لما فيها من الاحتمال. وقيل: يجوز بأكثر مما أعطاها؛ لعموم قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1) ولما رواه الدارقطني عن أبي سعيد الخدري في مخالعة الأنصاري لأخته: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «تردين عليه حديقته ويطلقك قالت: نعم، وأزيده. قال: ردي عليه حديقته وزيديه» .
ويمكن أن يقال: إن هذا الحديث مقابل لحديث منع الزيادة على ما أعطاها، وعلى هذا يتم الاستدلال بعموم الآية على جواز أخذه ما تراضيا عليه أو حكم به حاكم، ولو كان أزيد مما دفع لها أو يقال: في كل من الحديثين مقال: فيتم الاستدلال بعموم الآية على ما ذكر.
سادسا: لم نقف على تحديد مدة تضرب للناشز، عقوبة لها وتأديبا أو زجرا لها عن النشوز عسى أن ترجع عن تقصيرها في حقوق زوجها، وتطيعه في أداء ما وجب عليها له شرعا، ويظهر أن ضرب مدة للنشوز وتحديدها من باب التعزير، وهو مما يختلف باختلاف الظروف والأحوال، وما يترتب عليه من أضرار قد تربو على سوء عشرتها للزوج وقد تنقص عنه، وما يرجى من جدوى التعزير وصلاح الأحوال به، وما يخشى من سوء
(1) سورة البقرة الآية 229
عاقبة الزيادة في التعزير من توتر العلاقات بين أسر المجتمع، وما قد يحدث عن شدته للنواشز من الانحدار إلى ما لا تحمد مغبته.
سابعا: ذهب بعض العلماء إلى أن حكم ولي الأمر أو نائبه بما يراه من جمع أو تفريق بعوض أو بغير عوض نافذ، سواء رضي الزوج بالطلاق أم أبى، ورضيت الزوجة بدفع العوض أم كرهت رعاية لمصلحة الأسرة خاصة ومصلحة المجتمع الإسلامي عامة، ورأوا أن هذا نظير التفريق باللعنة والإيلاء والعسر بالنفقة وطول الغيبة، وغير ذلك مما يلجأ فيه إلى التفريق لدفع المضرة والقضاء على مادة الفساد وذارئعه.
وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز التفريق إلا برضا الزوج؛ لأن الطلاق جعل بيده شرعا فلا يكون إلا منه أو بتوكيله، ولا يجوز أخذ عوض من الزوجة عن الفراق إلا برضاها وعن طيب نفس منها؛ لعموم قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1) ولحديث: «إن أموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا (2) » ولحديث: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه (3) » .
ويمكن أن يقال: إن هذه النصوص عامة دخلها التخصيص والاستثناء منها بالأدلة التفصيلية فليكن التفريق بالطلاق أو الفسخ من غير رضا الزوج، وكذا أخذ العوض من الزوجة مستثنى من عموم هذه النصوص كذلك بما ذكر من أدلة الرأي الأول؛ جمعا بين الأدلة بدلا من ضرب
(1) سورة البقرة الآية 188
(2)
صحيح البخاري الحج (1739) ، سنن الترمذي الفتن (2193) ، مسند أحمد بن حنبل (1/230) .
(3)
مسند أحمد بن حنبل (5/73) .
بعضها ببعض ومن وقوف المسلمين منها موقف الحيرة أو الاختلاف.
هذا ما تيسر إيراده، وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
…
رئيس اللجنة
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (26) وتاريخ 21\8\1394 هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا بني بعده، وبعد:
فبناء على ما تقرر في الدورة الرابعة لهيئة كبار العلماء من اختيار موضوع النشوز ليكون من جملة الموضوعات التي تعد فيها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحوثا أعدت في ذلك بحثا، وعرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الخامسة المنعقدة بمدينة الطائف فيما بين الخامس من شهر شعبان عام 1394 هـ والثاني والعشرين منه.
وبعد اطلاع المجلس على ما أعد من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها، وبعد تداول الرأي في ذلك قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
أن يبدأ القاضي بنصح الزوجة، وترغيبها في الانقياد لزوجها، وطاعته، وتخويفها من إثم النشوز وعقوبته، وأنها إن أصرت فلا نفقة لها عليه، ولا كسوة، ولا سكنى، ونحو ذلك من الأمور التي يرى أنها تكون دافعة الزوجة إلى العودة لزوجها، ورادعة لها من الاستمرار في نشوزها، فإن استمرت على نفرتها وعدم الاستجابة عرض عليهما الصلح، فإن لم يقبلا ذلك نصح الزوج بمفارقتها، وبين له أن عودتها إليه أمر بعيد، ولعل الخير في غيرها ونحو ذلك مما يدفع الزوج إلى مفارقتها، فإن أصر على إمساكها وامتنع من مفارقتها، واستمر الشقاق بينهما بعث القاضي حكمين عدلين ممن يعرف حالة الزوجين من أهلهما حيث أمكن ذلك، فإن لم يتيسر فمن غير أهلهما ممن يصلح لهذا الشأن، فإن تيسر الصلح بين الزوجين على
أيديهما فبها، وإلا أفهم القاضي الزوج أنه يجب عليه مخالعتها، على أن تسلمه الزوجة ما أصدقها، فإن أبى أن يطلق حكم القاضي بما رآه الحكمان من التفريق بعوض أو بغير عوض، فإن لم يتفق الحكمان، أو لم يوجدا وتعذرت العشرة بالمعروف بين الزوجين نظر القاضي في أمرهما، وفسخ النكاح حسبما يراه شرعا بعوض أو بغير عوض.
والأصل في ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (1) ويدخل في هذا العموم الزوجان في حالة النشوز، والقاضي إذا تولى النظر في دعواهما.
وقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} (2) الآية، والوعظ كما يكون من الزوج لزوجته الناشز يكون من القاضي؛ لما فيه من تحقيق المصلحة.
وقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (3) فكما أن الإصلاح مشروع إذا كان النشوز من الزوج، فهو مشروع إذا كان من الزوجة أو منهما.
وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (4) الآية، وهذه
(1) سورة النساء الآية 114
(2)
سورة النساء الآية 34
(3)
سورة النساء الآية 128
(4)
سورة النساء الآية 35
الآية عامة في مشروعية الأخذ بما يريانه من جمع أو تفريق بعوض أو بغير عوض.
وأما السنة: فما روى البخاري في [الصحيح] عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فردت عليه، فأمره ففارقها (2) » .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار (3) » فهذا يدل بعمومه على مشروعية الخلع عند عدم الوئام بين الزوجين وخشية الضرر.
وأما الأثر: فما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين، قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما، وقال: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا، ورواه النسائي أيضا.
وما رواه الدارقطني من حديث محمد بن سيرين عن عبيدة قال: جاء رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام من الناس، فأمرهم، فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وقال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا فاجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت
(1) سورة البقرة الآية 229
(2)
صحيح البخاري الطلاق (5277) ، سنن النسائي الطلاق (3463) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2056) .
(3)
سنن ابن ماجه الأحكام (2340) ، مسند أحمد بن حنبل (5/327) .
المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الزوج: أما الفرقة فلا، فقال علي:(كذبت والله لا تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به) .
ورواه النسائي في [السنن الكبرى] ورواه الشافعي والبيهقي، وقال ابن حجر: إسناده صحيح.
وما أخرجه الطبري في [تفسيره]، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الحكمين أنه قال:(فإن اجتمع أمرهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز) .
وأما المعنى: فإن بقاءها ناشزا مع طول المدة أمر غير محمود شرعا؛ لأنه ينافي المودة والإخاء، وما أمر الله من الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، مع ما يترتب على الإمساك من المضار والمفاسد والظلم والإثم، وما ينشأ عنه من القطيعة بين الأسر، وتوليد العداوة والبغضاء.
وصلى الله وسلم على محمد، وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الخامسة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد الله بن حميد
…
عبد الله الخياط
…
عبد الرزاق عفيفي
محمد الحركان
…
عبد المجيد حسن
…
عبد العزيز بن صالح
صالح بن غصون
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
…
سليمان بن عبيد
محمد بن جبير
…
عبد الله بن غديان
…
راشد بن خنين
صالح بن لحيدان
…
عبد الله بن منيع