الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيما يلي
ذكر بعض من أقوال أهل العلم فيما اختلفوا فيه مما ذكر:
1 -
الاشتراك فيما لا يقبل القسمة من العقار
اختلف أهل العلم في ثبوت الشفعة بالشركة فيما لا يقبل القسمة من العقار، كالحمام الصغير والحانوت:
فذهب جمهور الشافعية والحنابلة: إلى أن الشركة في ذلك لا تعتبر سببا للأخذ بالشفعة؛ لأن الشفعة مشروعة لدفع ضرر مئونة القسمة، واستحداث المرافق، وهذا غير موجود فيما لا يقبل القسمة، فانتفت الشفعة.
قال في [المنهاج] : وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة كحمام ورحى لا لشفعة فيه على الأصح. اهـ (1) .
وقال في [المجموع] : ولا تجب إلا فيما تجب قسمته عند الطلب، فأما ما لا تجب قسمته؛ كالرحى، والبئر الصغيرة، والدار الصغيرة فلا تثبت فيه الشفعة، وقال أبو العباس: تثبت فيه الشفعة؛ لأنه عقار، فتثبت فيه الشفعة قياسا على ما تجب قسمته، والمذهب الأول؛ لما روي عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر، والأرف تقطع كل شفعة، ولأن الشفعة إنما تثبت للضرر الذي يلحقه بالمقاسمة، وذلك لا يوجد فيما لا يقسم. اهـ (2) .
(1)[المنهاج] ومعه شرحه [المغني](2\297) .
(2)
[المجموع](14\132) والأرف: جمع أرفة، كغرفة، وهي الحد بين الشيئين.
وذكر الشربيني وجه الخلاف في المذهب في ذلك فقال: هذا الخلاف مبني على ما مر من أن علة ثبوت الشفعة دفع ضرر مئونة القسمة واستحداث المرافق. . إلخ.
والثاني: مبني على أن العلة دفع ضرر الشركة فيما يدوم، وكل من المسلمين حاصل قبل البيع، ومن حق الراغب فيه من الشريكين أن يخلص صاحبه منهما بالبيع له فإذا باع لغيره سلطه الشرع على أخذه منه؛ لما روى مسلم عن جابر:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به (1) » اهـ (2) .
وقال ابن قدامة رحمه الله: الشرط الثالث: أن يكون المبيع مما يمكن قسمته، فأما ما لا يمكن قسمته من العقار؛ كالحمام الصغير، والرحى الصغيرة، والعضادة، والطريق الضيقة، والعراص الضيقة، فعن أحمد روايتان.
إحداهما: لا شفعة فيه، وبه قال يحيى بن سعيد وربيعة والشافعي.
والثانية: فيها الشفعة.
إلى أن قال: والأول ظاهر المذهب، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة» والمنقبة: الطريق الضيقة، رواه أبو الخطاب في [رءوس المسائل]، وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال:(لا شفعة في بئر ولا فحل) ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع؛ لأنه لا
(1) صحيح البخاري الشركة (2495) ، صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3513) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/310) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
(2)
[مغني المحتاج](2\297) .
يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة، وقد يمنع المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع، وقد يمتنع البيع فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها.
ويمكن أن يقال: إن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج إليه من إحداث المرافق الخاصة، ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم.
وقولهم: إن الضرر هاهنا أكثر لتأبده.
قلنا: إلا أن الضرر في محل الوفاق من غير جنس هذا الضرر، وهو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة فلا يمكن التعدية، وفي الشفعة هاهنا ضرر غير موجود في محل الوفاق، وهو ما ذكرناه فتعذر الإلحاق. اهـ (1) .
وقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك رحمه الله في ذلك:
قال أبو عبد الله المواق: قال ابن رشد: الشفعة إنما تكون فيما ينقسم من الأصول دون ما لا ينقسم، وهذا أمر اختلف فيه أصحاب مالك في [المدونة] :
قال مالك: إذا كانت نخلة بين رجلين فباع أحدهما حصته فلا شفعة لصاحبه فيها، وفي [المدونة] أيضا، قال مالك: في الحمام الشفعة، وهو أحق أن تكون فيه الشفعة من الأرض؛ لما في قسم ذلك من الضرر، وقاله
(1)[المغني](5\259، 260) .
مالك وأصحابه أجمع. اهـ (1) .
وذهب الحنفية ومن وافقهم من الشافعية والمالكية والحنابلة: إلى ثبوت الشفعة في العقار مطلقا، سواء أمكن قسمته أم لم تمكن.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أصحابه، كما اختاره بعض أصحاب الشافعي؛ كأبي العباس بن سريج، وهو رواية [المهذب] عن الإمام مالك رحمه الله.
قال السرخسي: واستحقاق الشفعة في الحمام والرحى قولنا، وذكر توجيه ذلك بأنه لدفع ضرر البادئ بسوء المجاورة على الدوام، وذلك فيما لا يحتمل القسمة موجود لاتصال أحد المالكين بالآخر على وجه التأبيد والقرار.
وحجتنا في ذلك ما روينا من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشفعة في كل شيء، ربع أو حائط (2) » ولأن الحمام لو كان مهدوما فباع أحد الشريكين نصيبه كان للشريك الشفعة، وما يستحق بالشفعة مهدوما يستحق بالشفعة مثبتا، كالشقص من الجدار.
ثم أجاب عن القول: بأن علة الشفعة دفع ضرر مئونة القسمة، وأنه لا قسمة فيما لا يقبلها فقال: وبهذا يتبين أن مئونة المقاسمة إن كانت لا تلحقه في الحال فقد تلحقه في الثاني، وهو ما بعد الانهدام إذا طلب أحدهما قسمة
(1)[التاج والإكليل على شرح مختصر خليل](5\315) .
(2)
صحيح البخاري الشركة (2495) ، صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3513) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/310) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
الأرض بينهما. اهـ (1) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اتفق الأئمة على ثبوت الشفعة في العقار الذي يقبل القسمة قسمة الإجبار؛ كالقرية، والبستان، ونحو ذلك، وتنازعوا فيما لا يقبل قسمة الإجبار، وإنما يقسم بضرر أو رد عوض فيحتاج إلى التراضي، هل تثبت فيه الشفعة؟ على قولين:
أحدهما: تثبت، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره بعض أصحاب الشافعي؛ كابن سريج، وطائفة من أصحاب أحمد؛ كأبي الوفاء بن عقيل، وهي رواية [المهذب] عن مالك، وهذا القول هو الصواب، كما سنبينه إن شاء الله.
والثاني: لا تثبت فيه الشفعة.
تم قال: والقول الأول: أصح، فإنه قد ثبت في [الصحيح] عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من كان له شريك في أرض أو ربعة أو حائط فلا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به (2) » ، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض والربعة والحائط أن يكون مما يقبل القسمة، فلا يجوز تقييد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير دلالة من كلامه، لا سيما وقد ذكر هذا في باب تأسيس إثبات الشفعة، وليس عنه لفظ صحيح صريح في الشفعة أثبت من هذا، ففي [الصحيحين] ، «عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا
(1)[المبسوط](14\135) .
(2)
صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3513) ، مسند أحمد بن حنبل (3/316) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
شفعة (1) » فلم يمنع الشفعة إلا مع إقامة الحدود وصرف الطرق، وهذا الحديث في الصحيح عن جابر، وفي [السنن] عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها، وإن كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا (2) » فإذا قضى بها للاشتراك في الطريق فلأن يقضي بها للاشتراك في رقبة الملك أولى وأحرى.
إلى أن قال: وأيضا فمن المعلوم أنه إذا أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما يقبل القسمة، فما لا يقبل القسمة أولى بثبوت الشفعة فيه، فإن الضرر فيما يقبل القسمة يمكن رفعه بالمقاسمة، وما لا يمكن فيه القسمة يكون ضرر المشاركة فيه أشد، وظن من ظن أنها تثبت لرفع ضرر المقاسمة لا لضرر المشاركة كلام ظاهر البطلان، فإنه قد ثبت بالنص والإجماع أنه إذا طلب أحد الشريكين القسمة فيما يقبلها وجبت إجابته إلى المقاسمة. ولو كان ضرر المشاركة (3) أقوى لم يرفع أدنى الضررين بالتزام أعلاهما، ولم يوجب الله ورسوله الدخول في الشيء الكثير لرفع الشيء القليل، فإن شريعة الله منزهة عن مثل هذا.
وأما قولهم: هذا يستلزم ضرر الشريك البائع.
فجوابه: أنه إذا طلب المقاسمة ولم يمكن قسمة العين، فإن العين تباع ويجبر الممتنع على البيع ويقسم الثمن بينهما، وهذا مذهب جمهور العلماء؛ كمالك، وأبي حنيفة، وأحمد. اهـ (4) .
(1) صحيح البخاري البيوع (2214) ، صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3514) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/296) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
(2)
سنن أبو داود البيوع (3518) ، مسند أحمد بن حنبل (3/310) .
(3)
هكذا في المطبوع، ولعل الصواب: ضرر المقاسمة.
(4)
[المجموع](30\381 - 384) .
وقال ابن قدامة رحمه الله في معرض توجيه القول بثبوت الشفعة فيما لا تمكن قسمته بعد أن ذكر أنه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: ووجه هذا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «الشفعة فيما لم يقسم (1) » وسائر الألفاظ العامة، ولأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة، والضرر في هذا النوع أكثر؛ لأنه يتأبد ضرره. اهـ (2) .
وسئل الشيخ حمد بن ناصر والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله عن الشفعة في أرض لا تمكن قسمتها إجبارا.
فأجابا: هذه المسألة اختلف الفقهاء فيها وفيها قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد.
الأولى: أن الشفعة لا تثبت إلا في المبيع الذي تمكن قسمته، فأما ما لا تمكن قسمته من العقار؛ كالحمام الصغير، والعضادة، والطريق الضيقة، فلا شفعة فيه، وبه قال يحيى بن سعيد وربيعة والشافعي.
وهذا هو المذهب عند المتأخرين من الحنابلة.
قال الموفق في [المغني] : وهو ظاهر المذهب؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا شفعة في فناء، ولا في طريق، ولا في منقبة» والمنقبة: الطريق الضيق، رواه أبو الخطاب في [رءوس المسائل] .
والرواية الثانية: تثبت الشفعة فيه، وهو قول: أبي حنيفة، والثوري،
(1) سنن أبو داود البيوع (3515) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2497) .
(2)
[المغني](5\259) .
وابن سريج، ورواية عن مالك، واختاره ابن عقيل، وأبو محمد الجوزي، والشيخ تقي الدين.
قال الحارثي: وهو الحق؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «الشفعة فيما لم يقسم (1) » وسائر الألفاظ، ولأن الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالمشاركة، والضرر في هذا النوع أكثر؛ لأنه يتأبد ضرره، وهذا هو المفتى به عندنا، وهو الراجح. اهـ (2) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله إجابة لسؤال وجه إليه عن رأيه في اشتراط أن تكون الشفعة في أرض تجب قسمتها ما نصه:
وأما المسألة الثانية وهي: أنهم رحمهم الله لم يثبتوا الشفعة إلا في العقار الذي يمكن قسمته دون ما لا تمكن قسمته فهذا ضعيف أيضا؛ لأن حديث جابر المرفوع «قضى صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم (3) » وهو في [الصحيح] صريح في عموم الشفعة في كل عقار لم يقسم، سواء أمكنت قسمته بلا ضرر أم لا.
ومن جهة المعنى الذي أثبت الشارع الشفعة فيه للشريك لإزالة ضرر الشركة، وهذا المعنى موجود في الأرض التي لا يمكن قسمتها أكثر من غيرها لتمكنه في غيرها بإزالة ضرر الشركة في القسمة فيما يقسم بلا ضرر، وأما ما لا يمكن قسمته إلا بضرر فهو أعظم ضررا من غيره فكيف لا تثبت به؟ ! وهذا هو الصحيح، وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد. اهـ (4) .
(1) سنن أبو داود البيوع (3515) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2497) .
(2)
[الدرر السنية](5\226) .
(3)
صحيح البخاري الشفعة (2257) ، صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3514) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/399) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
(4)
[الفتاوى السعدية] ص 437.