المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استكمال المذهب الحنبلي بأقوال ابن تيمية: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌حكم السعيفوق سقف المسعى

- ‌وجهة نظرلفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي

- ‌حكم الأوراق النقدية

- ‌تعريف النقد:

- ‌نشأة النقود وتطورها

- ‌قاعدة النقد الورقي

- ‌سر القابلية العامة لاعتبار النقد واسطة تعامل

- ‌آراء فقهية في حقيقة الأوراق النقدية

- ‌القول الرابع: الأوراق النقدية متفرعة عن ذهب أو فضة:

- ‌القول الخامس: الأوراق النقدية نقد قائم بنفسه:

- ‌علة الربا في النقدين:

- ‌سبيل الله

- ‌ المراد بسبيل الله في القرآن:

- ‌معنى سبيل الله إذا قرن بالإنفاق:

- ‌ سبيل الله" في آية مصارف الزكاة:

- ‌الشرط الجزائي

- ‌ المراد بالشرط الجزائي والداعي إليه:

- ‌ ما للشرط الجزائي من صور مختلفة:

- ‌ ما يندرج تحته الشرط الجزائي من أنواع الشروط التي تشترط في عقود المعاملات أو إجارة أو نحو ذلك مع بيان وجه الاندراج:

- ‌ ما ورد من الأحاديث والآثار في الشروط المقترنة بالعقود

- ‌ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة عامة في العقود والشروط فيها

- ‌الشروط الفاسدة قد تبطل لكونها تنافي مقصود الشارع

- ‌ضوابط الشروط المقترنة بالعقد

- ‌ الشرط الذي يلائم العقد:

- ‌ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد:

- ‌الشرط الذي يلائم العقد يصح استثناء على سبيل الاستحسان عند الحنفية ويصح أصلا في المذاهب الأخرى

- ‌ الشرط الذي يجري به التعامل:

- ‌الشرط الفاسد

- ‌المذهب الحنفي

- ‌ شرط فاسد يفسد العقد:

- ‌ الصور المختلفة للشرط الفاسد الذي يفسد العقد:

- ‌ الأسباب التي دعت المذهب إلى القول بفساد الشرط والعقد في هذه الصور:

- ‌ العقود التي يكون فيها الشرط الفاسد مفسدا للعقد:

- ‌ شرط فاسد يسقط ويبقى العقد

- ‌شرط لا منفعة فيه لأحد وهو شرط فاسد فيسقط

- ‌ تأصيل المذهب الحنفي وتطور الفقه الإسلامي

- ‌السبب في تحريم تعدد الصفقة - وحدة العقد

- ‌تطور الفقه الإسلامي في المذاهب الأربعة

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب الحنفي:

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب الشافعي

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب المالكي:

- ‌الشرط الصحيح في مذهب مالك:

- ‌الشرط الفاسد في مذهب مالك:

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب الحنبلي

- ‌المذهب الحنبلي أبعد المذاهب تطورا في تصحيح الشروط:

- ‌الشرط الصحيح في مذهب الحنابلة:

- ‌الشرط الفاسد في مذهب الحنابلة:

- ‌استكمال المذهب الحنبلي بأقوال ابن تيمية:

- ‌مقارنة بين المذاهب الأربعة في تصحيح الشروط المقترنة بالعقد:

- ‌حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المسألة الأولى: حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌القول الأول: أنه محرم

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانية: ما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول: أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث: يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة:

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا:

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌وجهة نظر المخالفين

- ‌حكم النشوز والخلع

- ‌النشوز في اللغة وفي عرف الفقهاء:

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأة

- ‌باب مصالحة المرأة زوجها

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌الخلاصة

- ‌حكم الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌تعريف الشفعة:

- ‌الشفعة في اللغة:

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي:

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌ ذكر بعض من أقوال أهل العلم فيما اختلفوا فيه مما ذكر:

- ‌ الاشتراك فيما لا يقبل القسمة من العقار

- ‌ الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌ أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيع دون الجار أو الشريك في حق المبيع ومناقشتها:

- ‌ أدلة القائلين بثبوت الشفعة بحق المبيع ومناقشتها:

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌ الشفعة بشركة الوقف

- ‌ شفعة غير المسلم

- ‌ شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌ شفعة الغائب

- ‌ شفعة الوارث

- ‌وجهة نظر المخالفين

الفصل: ‌استكمال المذهب الحنبلي بأقوال ابن تيمية:

القرض وربحا له، وذلك ربا محرم، ففسد لو صرح به، ولأنه بيع فاسد فلا يعود صحيحا، كما لو باع درهما بدرهمين ثم ترك أحدهما) (1) .

هذا ويحتمل أن يبطل الشرط وحده، ولكن المشهور في مذهب أحمد: أن هذا الشرط الفاسد يبطل العقد.

ويبدو أن المذهب الحنبلي في منعه الجمع بين شرطين في العقد والجمع بين بيع وسلف إنما يحتفظ ببقايا من مبدأ وحدة الصفقة، كما فعل المذهب المالكي في منعه الجمع بين بيع وسلف، وإنما تخطى المذهبان الحنبلي والمالكي مبدأ وحدة الصفقة في البيع والشرط الواحد؛ لأن خطب الشرط الواحد يسير وهو تابع للعقد ومتمم له، فلا يخل بوحدته إخلالا جسيما، أما إذا كان لتعدد الصفقة مظهر أوضح بأن اجتمع في العقد شرطان لا شرط واحد عند أحمد أو بأن اجتمعت صفقتان متقابلتان في عقد واحد عند أحمد ومالك فهذا تعدد جسيم في الصفقة لا يجوز احتماله، وما احتمل منه اليسير لا يحتمل منه الكثير.

فالمذهبان المالكي والحنبلي وقفا جامدين هنا، ولم يتخطيا مبدأ وحدة الصفقة تخطيا تاما ولم يجيزا تعدد الصفقة في صورته السافرة.

وننظر الآن ماذا فعل ابن تيمية؟

(1)[المغني] ، (4\ 290، 291) .

ص: 271

‌استكمال المذهب الحنبلي بأقوال ابن تيمية:

يقول ابن تيمية: إن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا

ص: 271

يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمه وإبطاله نص أو قياس عند من يقول به، وأصول أحمد رضي الله عنه المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحا للشروط منه (1) .

ويستدل ابن تيمية لصحة ما يقول بالنقل والعقل:

أما النقل: فلقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (2) ولقوله عليه السلام «. . . والمسلمون على شرطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما (3) » .

وأما العقل: فإنه يقول: إن العقود والشروط من باب الأفعال العادية- أي: ليست من العبادات- والأصل فيها عدم التحريم، فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم، كما أن الأعيان: الأصل فيها عدم التحريم، وقوله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (4) عام في الأعيان والأفعال، وإذا لم تكن حراما لم تكن فاسدة؛ لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم، وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة (5) . فالوفاء بالشرط إذن واجب بالنقل والعقل، وبخاصة بعد أن رضيها المتعاقد مختارا، فإن الأصل في العقود رضا المتعاقدين، ونتيجتها هي ما

(1)[الفتاوى] ، (29\ 132، 133) .

(2)

سورة المائدة الآية 1

(3)

سنن الترمذي الأحكام (1352) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2353) .

(4)

سورة الأنعام الآية 119

(5)

[الفتاوى] ، (3\ 334) .

ص: 272

أوجباه على نفسيهما بالتعاقد، لقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) وقال: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2) فعلق جواز الأكل بطيب النفس تعليق الجزاء بشرطه، فدل على أنه سبب له، وإذا كان طيب النفس هو المبيح الصداق فكذلك سائر التبرعات، قياسا بالعلة المنصوصة التي دل عليها القرآن.

وكذلك قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (3) لم يشترط في التجارة إلا التراضي، وذلك يقتضي أن التراضي هو المبيح للتجارة، وإذا كان كذلك فإذا تراضى المتعاقدان أو طابت نفس المتبرع بتبرع ثبت حله بدلالة القرآن، إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله كالتجارة في الخمر ونحو ذلك (4) .

ويستخلص ابن تيمية من هذه المقدمات: أن الأصل في الشرط أن يكون صحيحا، ويصح معه العقد، سواء كان ذلك في المعاوضات، أو في التبرعات.

ففي المعاوضات: يجوز للبائع أن يشترط منفعة المبيع؛ كأن يسكن الدار شهرا أو ينتفع بزراعة الأرض سنة، ويجوز للمشتري أن يشترط على البائع أن يخيط له الثوب، أو يحمل المبيع إلى داره، أو يحصد الزرع، ويجوز أن يشترط البائع إذا باع الرقيق أن يعتقه المشتري، ولكن لا يجوز أن يشترط البائع أن يكون الولاء له عند الإعتاق؛ لأن هذا شرط يحلل حراما.

(1) سورة النساء الآية 29

(2)

سورة النساء الآية 4

(3)

سورة النساء الآية 29

(4)

الفتاوى، (3\ 336، 337) .

ص: 273

وفي التبرعات: يجوز لمن أعتق عبدا أن يشترط عليه أن يخدمه طول حياته، حياة العبد أو السيد، وقد ورد أن أم سلمة أعتقت عبدها سفينة، واشترطت عليه أن يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم ما عاش (1) .

ويجوز للواهب أو الواقف أن يشترط لنفسه منفعة ما يهبه أو يقفه مدة معينة أو طول حياته (2) ، بل يصح أن تكون المنفعة التي استثناها المتبرع وأضافها لنفسه منفعة غير معلومة، إذ يجوز في التبرعات من الغرر ما لا يجوز في المعاوضات، كما تقدم القول.

وفي هذا يقول ابن تيمية: (يجوز لكل من أخرج عينا عن ملكه بمعاوضة كالبيع والخلع، أو تبرع كالوقف والعتق أن يستثني بعض منافعها، فإن كان مما لا يصح فيه الغرر كالبيع فلا بد أن يكون المستثنى معلوما، لما روي عن جابر، وإن لم يكن كذلك كالعتق والوقف فله أن يستثني خدمة العبد ما عاش عبده أو عاش فلان، أو يستثني غلة الوقف ما عاش الواقف)(3) .

ويبني ابن تيمية على ما تقدم أن الشرط لا يفسد على سبيل الاستثناء، إلا في موضعين:

الأولى: إذا كان الشرط ينافي المقصود من العقد، مثل أن يشترط البائع على المشتري ألا يبيع ما اشتراه أو يؤجره، ذلك أن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره ثم شرط العاقد فيه ما ينافي هذا المقصود- فقد جمع

(1)[الفتاوى] ، (3\ 327) .

(2)

[نظرية العقد] ، لابن تيمية ص (16) ، و [الفتاوى] ، (3\ 389، 390) .

(3)

[الفتاوى] ، (3\ 342، 343) .

ص: 274

بين المتناقضين، بين إثبات المقصود ونفيه، فمثل هذا الشرط باطل.

ويقول ابن تيمية في تفسيره للمعنى المراد بالشرط الذي ينافي المقصود في العقد وفي تمييزه بين هذا الشرط والشرط الذي يناقض الشرع- ما يأتي: (إن العقد له حالان: حال إطلاق، وحال تقييد، ففرق بين العقد المطلق وبين المعنى المطلق من العقود. فإذا قيل: هذا شرط ينافي مقتضى العقد، فإن أريد به: ينافي العقد المطلق، فكذلك كل شرط زائد، وهذا لا يضره، وإن أريد: ينافي مقتضى العقد المطلق والمقيد احتاج إلى دليل على ذلك، وإنما يصح هذا إذا نافى مقصود العقد. فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشرط فيه ما ينافي ذلك المقصود فقد جمع بين المتناقضين، بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء، ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق، بل هو مبطل للعقد عندنا.

والشروط الفاسدة قد تبطل لكونها قد تنافي مقصود الشارع، مثل: اشتراط الولاء لغير المعتق، فإن هذا لا ينافي مقتضى العقد ولا مقصوده، فإن مقصوده الملك، والعتق قد يكون مقصودا للعقد، فإن اشتراء العبد لعتقه يقصد كثيرا، فثبوت الولاء لا ينافي مقصود العقد، وإنما ينافي كتاب الله وشرطه، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق (1) » فإذا كان الشرط منافيا لمقصود العقد كان العقد لغوا، وإذا كان منافيا لمقصود الشارع كان مخالفا لله ورسوله، فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما: إذا لم يكن لغوا، ولا اشتمل على ما حرمه الله ورسوله فلا وجه لتحريمه، بل الواجب حله؛ لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه، إذ

(1) صحيح مسلم العتق (1504) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2521) .

ص: 275

لولا حاجتهم إليه لما فعلوه، فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه، ولم يثبت تحريمه فيباح لما في الكتاب والسنة مما يرفع الحرج (1) .

الثاني: الشرط الذي يناقض الشرع فيحل الحرام، ويبدو أن ابن تيمية يبدأ بالتمييز بين منطقة الحرام ومنطقة المباح، فلا يستطيع الشرط في منطقة الحرام أن يجعل الحرام حلالا، بل كل ما كان حراما بدون الشرط فالشرط لا يبيحه، كالزنا، وكثبوت الولاء لغير المعتق، وأما ما كان مباحا بدون الشرط؛ كالزيادة في مهر المثل، وكالتبرع برهن لتوثيق الثمن- فيصح أن يوجب الشرط فعله بعد أن كان تركه مباحا، بل كان تركة هو الأصل المعمول به ما دام الشرط الموجب لفعله لم يوجد، وليس في ذلك تحريم للحلال أو تحليل للحرام، فيكون الشرط الموجب لفعل المباح شرطا مشروعا، ومن ثم يكون صحيحا. ويقول ابن تيمية في هذا المعنى ما يأتي:

فإن المشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله. وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبا بدونه، فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما. . وكل شرط صحيح فلا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا. . وكذلك إذا اشترط صفة في المبيع أو رهنا، أو اشترطت المرأة زيادة على مهر مثلها فإنه يجب ويحرم ويباح بهذا الشرط ما لم يكن كذلك، وهذا المعنى هو الذي أوهم من اعتقد أن الأصل فساد الشرط، قالوا: لأنها إما أن تبيح حراما أو تحرم حلالا أو توجب ساقطا أو تسقط واجبا، وذلك لا

(1)[مجموع الفتاوى] ، لابن تيمية (29\ 155، 156) .

ص: 276