الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريقة التعليم بالأزهر:
بدأ نظام التعليم بالأزهر على الوضع القديم الذي كان متبعًا في مصر والعواصم الإسلامية، ونعني به: نظام الحلقات ومجالس الدروس الخاصة، وقد اشتهر هذا النظام بمصر في القرن الثاني للهجرة.
كان لكل مذهبٍ من المذاهب الأربعة عُمُدٌ خاصَّةٌ داخل الأزهر، مقصورة عليهم، يجلس الشيخ في ظلال هذه العمد، ويلتف الطلاب حوله حلقًا، وكان الشيخ الذين يدرس ملمًّا بشتى العلوم، فيحدث في نواحٍ من العلم مختلفة، ويستطرد في فنونٍ متنوعة كلما سنحت الفرصة.
وكانت الطريقة المتبعة في تلقين الدروس هي الطريقة الإملائية، ولبث الحال على ذلك إلى أن كثر التدوين والتأليف، فشرعوا في دراسة الكتب، وتفهم أغراضها، وقد بالغوا في ذلك مبالغةً نجم عنها وضع شروح للمتون، وحواشٍ لهذه الشروح، وتقريرات لتلك الحواشي.
وكان كثير من الطلبة المجدين يطالعون الدروس قبل أن يغشوا حلقاتها، وكثيرًا ما كان يقوم النجباء من الطلبة بالتدريس لزملائهم، أو المتأخرين عنهم بقليل.
ولم تكن الدراسة دراسة موضوعات محددة في مناهج معروفة، بل كانت دراسة كتب لمدة دراسية غير محددة.
وكان جلُّ الاعتماد على المدرس لا على المنهج، أو طريقة البحث، فأساس التعليم:"الشيخ أو الكتاب".
ولم تكن على الطلبة رقابة في غيابهم، أو حضورهم، وفي جدهم أو فتورهم، فليس أمامهم امتحانٌ يميز الخبيث من الطيب، ولكن يلتمس الطالب من شيخه "إجازةً" تتضمن الشهادة له بالمهارة في العلوم، والأهلية للتدريس والإفتاء. على أنهم كانوا مقبلين على العلم مشوقين إليه، يجدون من نفوسهم دافعًا إلى المحافظة على الدروس والإقبال عليها، بل كان إقبالهم بالوازع أشد من إقبال المعاصرين بالرادع.
ولم يكن الشيخ لينسى أن يوصي تلميذه في "إجازته" بالتقوى، والتحري في الأحكام.
ولما استحدثت الشهادة الرسمية، لم تكن لتخلو من الدعاء لحاملها بالتوفيق في خدمة العلم والدين.
وهذه الحرية التي تتسم بها طريقة الأزهر في التعليم والبحث، وخاصَّةً فيما
سلف من الزمان، تساوت معظم النظم الجامعية التي لا تُضَيِّقُ على الطلاب في دراستهم، والتي تقوم على الحرية الفردية؛ فتعدهم لحياة الرجال التي تنتظرهم، فوق أنها ترهف الأذهان، وتفسح الملكات، وتطبع العقول على التفطن لما دق من الأفهام، وخفى من الأغراض.
هذا إلى أن إجالة الفكر، وتقليب الرأي، تساعد على قوة الحجة، والرصانة في الجدل، والاقتدار على المحاورة، ومحاجة الخصم، والثبات للبحث المتشعب، والصبر على التفهم العميق، وهذه الطريقة في التعليم هي التي أشاد "سعد زغلول" بذكرها، فقد قال في خطبة ألقاها بالأزهر، بعد عودته من أوربة سنة 1921م:
"جئت اليوم لأؤدي في هذا المكان الشريف فريضة صلاة الجمعة، وأقدِّمُ واجبَ الاحترام لمكانٍ نشأت فيه، وكان له فضل كبير في النهضة الحاضرة، تلقنت فيه مبادئ الاستقلال؛ لأن طريقته في التعليم تربي ملكة الاستقلال في النفوس؛ فالتلميذ يختار شيخه، والأستاذ يتأهل للتدريس بشهادةٍ من التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه، ومتأهل له يوجه إليه كل منهم الأسئلة التي يراها، فإن أجاب الأستاذ، وخرج التلميذ ناجحًا من هذا الامتحان، كان أهلًا لأن يجلس مجلس التدريس، وهذه الطريقة في الاستقلال التي تسمى الآن خللًا في النظام، جعلتني أتحول من مالكيّ إلى شافعيّ؛ فقد وجدت علماء الشافعية في ذلك الوقت أكفأ من غيرهم1".
ومما عرف المدرس باتباعه في إلقاء الدرس، أن يستهلَّ بالبسملة، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقرر الدرس بأن يقرأ بنفسه، أو يستقرئ أحد النبهاء من طلابه، وتراه متمكنًا من مادته، مترسلًا في أدائه، فصيحًا في عبارته، مطربًا في نغمته.
ولم تكن أوقات الدروس في ماضي الأزهر محدودةً بأوقاتٍ معينةٍ، بل
1 سعد زغلول للعقاد ص61.