الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ أبو الوفا نصر الهوريني:
المتوفى سنة "1290هـ-1874م"
نشأ ببلدة هورين، من أعمال مركز السنطة، بمديرية الغربية، وتلقى العلم في الأزهر بجد ومثابرة وتوفر على العلوم العربية، حتى كان علمًا من أعلام الأزهر النابغين، الذين لهم شهرة بالتضلع في علوم اللغة العربية وتمكن فيها ودراية بأسرارها ودقائقها، ثم تولَّى التدريس في الأزهر، وكان قلم الترجمة الذي يقوم عليه رفاعة رافع بمدرسة الألسن، يخرج كتبًا مترجمةً تحتاج إلى تصحيح وتذهيب، فعُيِّنَ مصححًا به، ثم اختارها -المغفور له- محمد علي باشا، ليكن إمامًا للبعث الذي أرسل فيه أنجاله إلى فرنسا، سنة 1260هـ-1844م، وعهد إليه بتعليم هذا البعث، والرقابة على أعضائه، ومع أنه لم يكن من تلاميذ هذا البعث، ولم يوفد للتعلم بين أعضائه، بذل جهدًا جاهدًا في تعلم اللغة الفرنسية حتى أجادها، وأحسن التحدث والقراءة بها1.
ولما عاد من فرنسا، رجع إلى التدريس بالأزهر، ثم ألحق بالمطبعة الأميرية، فكان أشهر مصححيها وأكفأهم، وعُهِدَ إليه بتصحيح الكتب التي كانت تؤلَّف، أو تُتَرجَم بمدرسة الزراعة أيضًا.
آثاره ومؤلفاته:
بذل الهوريني مجهودًا شاقًّا في تصحيح الكتب المترجمة والمؤلفة، ولقي عناءً شديدًا في سبيل تخليص هذه الكتب من الأخطاء، وما وقع فيها من تحريفٍ، أو تصحيفٍ، أو تقدمٍ، أو تأخيرٍ، عدا ما كان يكتبه في كثير من
1- نقل ذلك الأمير عمر طوسون في كتاب العبثات العلمية عن حفيد الهوريني عباس عمر طوسون.
الكتب من مقدمة الكتاب، أو ترجمة للمؤلف، جليلة النفع، عظمية الفائدة.
فمن جهده في ذلك شرحه "ديباجة القاموس" بَيِّنَ فيه مصطلحات القاموس، وشرح خطبة الفيوزبادي، وترجم فيها لعلماء اللغة المتقدمين على صاحب القاموس؛ من أمثال الجوهريّ، وأبي زيد، والمعاصرين له، وأحصى مواد "اللسان"، و"الصحاح"، و"القاموس".
وكتب مقدمةً للصحاح، اشتملت على تاريخ تصنيف المعاجم، وعلى ميزة "الصحاح" وعلى ضبط اسم المعجم "الصحاح" بكسر الصاد أو فتحها، وعلى من كتب عليه حواشي، أو نقدًا، أو ترجمة، إلى لغة أخرى، أو اختصره، وعلى قواعد المؤلف في الكتاب، وبضبط الفصول الساقطة من كل باب، وصنع لذلك جدولًا، ثم هو بعد ذلك يكتب على النسخة المطبوعة: يضبط فيها كلمة أهمل الجوهريّ، ضبطها، أو ينبه على سهوٍ وقع فيه، أو تقصير في الشرح، وقَلَّمَا خلت صفحة من الكتاب من شيء من ذلك، غير أنه لم يُتِمّ إلّا الجزء الأول، وقام بتصحيح الجزء الثاني الشيخ: محمد الصباغ.
وصحح الجزء الاول من "المزهر" لجلال الدين السيوطي، ماعدا الخمس والخمسين صفحة الأولى، فإنها من تصحيح غيره، وصحَّحَ في الجزء الثاني، من الصفحة الحادية والأربعين إلى آخره، ويقول ما نصه:
"هذه تصحيحات الجزء الثاني من "المزهر" الذي أوله "النوع الأربعون: الأشباه والنظائر" وكان أول تصحيحي فيه من صحفة 41، ولما تصفحته من أوله إلى آخره بالمقابلة على النسخ التي كانت مجلوبة للتصحيح، وجدت فيها نوعًا تخالف في بعض مواضع، وتواطؤ على تحريف في بعض آخر، ورأيت في أبنية الأسماء بعض أمثلة لا وجود لها في "القاموس" ولا "الصحاح"، فأحضرت شرح أبي حيان على التسهيل، من فن التصريف، فوجدت الجلال حذا حذوه في الأبنية المذكورة، إلّا أنه حذف الكثير من تعداده للأمثلة، وحذف ما بَيَّنَه أبو حيان
من معانيها، فاعتمدته في استخراج الصواب منه، وهو مرادي بالرمز الآتي: بحرف الشين، كما رمزت إلى القاموس بالقاف، واقتصرت على ذكر الصواب في هذا الجدول، رامزًا لعدد الصفحة أو السطور بالرقم الهندي، وللسطر بحرف السين بعد عدد الصفحة، وكذا كل عدد ذكرته مجردًا عن السين فهو للسطر من الصفحة المتقدم عددها أول السطر، ربما ذكرت كلمة الخطأ المطبوعة مسبوقة بالنفي؛ ليعتمد من يريد التصحيح بنسخته، على ما ذكره الفقير نصر الهوريني -عفا الله عنه.
ولعل ما يدل على دقة التصحيح، وما يلاقيه المصححون من عناءٍ، ما صادف الهوريني في تصحيح هذا الكتاب؛ إذ فطن لخطأٍ دقيقٍ لا يهتدي إليه إلّا ذوو البصر بأسرار اللغة الواسعة الاطلاع، والثقافة العربية.
وتفصيل ذلك أنه جاء في ترجمة تمام بن غالب التياني الأندلسيّ اللغويّ، أنه ألَّفَ كتابًا اسمه "الموعب "بفتح العين" فوردت في بعض الكتب مثل "وفيات الأعيان" و"المزهر" بسقوط لفظ "الموعب" فظنها بعضهم "تنقيح العين" إشارةً إلى كتاب الخليل في اللغة، ولكن تمامًا ليس له مؤلف بهذا الاسم، وكتابه في اللغة يدعى "الموعب" -بفتح العين، وهكذا كانت العبارة في الأصل، فسقطت من الناسخ كلمة الموعب، فالتبس الأمر على بعض المصححين، وظن أن اسم الكتاب "تنقيح العين".
وقد فطن أبو الوفا الهوريني لذلك في تقديمه للمزهر، فقال في ص44 س24: الذي سماه "الموعب" -بفتح العين- لفظ الموعب سقطت من خط المؤلف، كما يدل عليه كلامه بعد، ثم نبه لمن دفع في هذا الخطأ كابن خلكان وغيره.
ومماصححه الجزء الثاني من "الفتاوى الحامدية" لابن عابدين في الفقه، وديوان ابن هانئ الأندلسيّ، وأتم تصحيحه ببولاق في آخر جمادى الأولى سنة 1274هـ.
وصحَّحَ "مقدمة ابن خلدون" وله عليها هوامش في تفسير بعض الكلمات، كما صحح الجزء الثاني من كتاب "تاريخ ابن خلدون" وانتهى من تصحيحه في ذي الحجة، سنة أربع وثمانين وألف من الهجرة، ويقول في ختامه:
يقول مصححها الفقير: "كان معتمدي في تصحيحها على مراجعة "شرح المواهب اللدنية" فيما يتعلق بسيرة إمام المرسلين، وعلى "تاريخ ابن كثير" وابن الأثير، فيما يتعلق بالخلفاء الراشدين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير المخلوقات، وآله.
ومن مؤلفاته: رسالة قيمةٌ في قواعد رسم الحروف، سماها:"المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية" رتبها على مقدمة في معنى الكتابة في اللغة، حقيقةً ومجازًا، وعرفًا واصطلاحًا، وفي أصول الكتابات؛ من صينيةٍ، وروميةٍ، وحميريةٍ، وغيرها، وفي أولية الكتابة العربية، وعلى مقصدٍ في بيان ما يفصل ويوصل، وابتناء الكتابة على تقدير الوقف والابتداء، والحروف التي يختلف رسمها بحسب الإبدال؛ وهي: الهمزة، وأحرف العلة، وفي الألفاظ المتطرفة، وغير ذلك من المباحث التفصيلية، واشتملت أيضًا على خاتمة في الشكل والنقط وتاريخهما، وقد طُبِعَت هذه الرسالة مرارًا، وصححها الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري، وله كتاب:"تسلية المصاب على فراق الأحباب" ومنه نسخة محفوظة في المكتبة الخديوية.