الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبدأ الشيخ في درسه حتى يتمه، فإذا ملَّ الطالب انصرف في هدوء، أو ظلَّ مكانه حتى ينتهي الشيخ فينصرف مع زملائه، أما اليوم، فللدروس مواقيت معروفة، تبدأ وتنتهي في حدودها.
ولم يكن حاضر الأزهر متصلًا بماضيه، فيما يتعلق بالأهلية للتدريس، والتصدر له، فلا يكفل التدريس "أجازة" من شيخ، بل امتحان دقيق، وقانون يخصص اتجاه كل متخرج، ووضعه في الحياة.
وقد سلب الطلاب حريتهم في التخلف، وأصبحوا خاضعين لنسبة معينة من الحضور، من نقص عنها حرم دخول الامتحان عقوبةً له.
مواد الدراسة في الأزهر:
كانت العلوم الدينية في مقدمة العلوم التي تدرس بالأزهر، وهي: علوم القرآن، والحديث، والكلام، والأصول، والفقه على مختلف المذاهب.
وأوّل ما درس بالأزهر من مذاهب أهل السنة، المذهب الشيعيّ، وقد بقي هذا المذهب منتصرًا في مصر قضاءً، وفي الأزهر دراسةً، حتى انقرضت دولة الفاطميين سنة 567هـ، فعادت لمصر دراسة المذاهب الأربعة.
وكان في مقدمة العلوم التي تدرس بالأزهر أيضًا، علوم اللغة؛ من نحو، وصرف، وعلوم البلاغة، والأدب، والتاريخ.
ولما خفت الحدة المذهبية، أخذ الأزهر بنصيب وافر من العلوم المدنية، إلى جانب العلوم الدينية، وكانت الفلسفة، والطب، والمنطق، والرياضة، تدرس بالأزهر، إلّا أنها في نطاقٍ ضيقٍ، ولفريق خاصٍّ من طلابه.
وبعد ذهاب الدولة الفاطمية في أواخر القرن السادس، وفي مستهلِّ الدولة الأيوبية، أصبح الأزهر مدرسةً حرةً تدرس فيها العلوم العقلية والمدنية بجانب العلوم الدينية، وإن كانت الصبغة الدينية لا تزال هي الغالبة.
وفي كتاب "التعليم العام في مصر" ما يفيد أن العلوم التي كانت تدرس غالبًا في الأزهر حتى منتصف القرن التاسع الهجريّ "الخامس عشر الميلاديّ" هي الآداب والفقه والتوحيد، وكانت تدرس بصفة استثنائية علوم الفلك والعوم الرياضية والطبيعة والتجريبية إجمالًا.
ولقد أخذ القول بحرمة بعض العلوم العقلية يقرب شيئًا فشيئًا إلى الأزهر، كغيره من الجوامع الإسلامية، فتلقص ظل هذه العلوم، وأصبح الأزهريون ينظرون إلى العلوم الرياضية والجغرافية والفلسفية نظر السخط والبغضاء، حتى قال المرحوم مبارك "وينهى أهل الأزهر من يقرأ كتب الفلسفة، ويشنّون عليه الغارة، وربما نسبوه إلى الكفر" فعلوا ذلك مع جميع من اشتهر عنهم الاشتغال بهذه العلوم، وخاصَّةً مع السيد جمال الدين الأفغاني.
ثم رأى ولاة الأمور أن يعيدوا إلى الأزهر دراسة هذه العلوم تدريجيًّا، فاستأنسوا برأي فريق من علمائه، فصدرت الفتاوى التي تبيح أن يدرس في الأزهر علوم الرياضة والجغرافية والطب، وأباحت أيضًا دراسة الطبيعيات، على شرط أن يكون البحث "على طريق أهل الشرع" أما إن كان على طريقة الفلاسفة، فالاشتغال بها حرام؛ لأنه يؤدي للوقوع في العقائد المخالفة للشرع، كما أفاد ابن حجر، نعم يظهر تجويزه لكامل القريحة الممارس للكتاب والسنة للأمن عليه مما ذكر -وقد جوّز بعضهم تعليمه مطلقًا، كما حرمه بعضهم مطلقًا- وأما علم الكيمياء، فقد أباحت الفتوى دراسته بدون تعرضٍ لما يخشى منه على العقيدة الإسلامية1.
وفي عهد الخديوي عباس الثاني، صدر الأمر المؤرخ في 20 من المحرم سنة 1314هـ بتدريس بعض هذه العلوم في الأزهر، فأصبحت العلوم التي تدرس فيه شاملةً للعلوم الدينية، وبعض العلوم الدنيوية، وغيرها من العلوم الجليلة
1 انظر ص26 رسالة الأزهر لمصطفى بيرم، والفتوى التي أصدرها إذ ذاك مفتي الديار المصرية، بتاريخ 17 ذي الحجة سنة 1305هـ.
الشأن؛ كتاريخ الإسلام، وصناعة الإنشاء كتابة وقولًا، واللغة متنًا وأدبًا، ومبادئ الهندسة، وتقويم البلدان.
وقد رأى أولو الغيرة على الأزهر، وفي طليعتهم المرحوم الشيخ محمد عبده، أن يشجعوا الطلاب على تنشيط هذه العلوم، والتبريز فيها، فخصصوا مبلغ ستمائة جنيه سنويًّا، تعطي مكافأةً للنابغين في هذه العلوم الحديثة، فكانت هذه الرعاية البالغة يدًا تنهض بها هذه العلوم، ولفتةً كريمةً شجعت على المضيّ في هذه الطريق.
هذا وقد جد إصلاحان كريمان، يرمي كل منهما إلى توسيع مواد الدراسة بالأزهر؛ كي تكون شاملةً لكل ما يدرس بالمعاهد المصرية الأخرى، مما يعين على رسالة الأزهر، وإلى جعل العلوم الحديثة إجباريةً بعد أن كانت اختيارية، أولهما: الإصلاح الذي صحب عهد المرحوم الشيخ سليم البشري، ويرجع الفضل فيه إلى طائفة من كبار علماء الأزهر، وخاصةً المرحوم الشيخ محمد شاكر.
ومما يجدر ذكره، أن الأزهر أخذ بحظٍّ وافر منذ إنشاء الكليات الأزهرية؛ من تعليم اللغات الأجنبية في كلية أصول الدين، واختياريًّا في غيرها1.
كما فرض تعليم اللغات الشرقية؛ كالسريانية والعبرية في بعض أقسام التخصص، وأن تعليم اللغات الأجنبية في الأزهر وسيلةٌ جليلةٌ تهيء الاطلاع على الثقافات المختلفة، وتعين على نشر تعاليم الإسلام في كل بلد بلسانه.
ولا ينبغي أن نغفل عن تعلُّم علم النفس، وفن التربية العملية والعلمية، اللذين هيآ للخريجين من كليات الأزهر أن يعترف بأهليتهم للتدريس بمدارس الحكومة المصرية، وقد تمّ منذ سنين تعيين فريق منهم مدرسين للغة العربية في هذه المدارس.
1 منذ سنين تدرس في كلية اللغة العربية اللغة الإنجليزية إجباريًّا.