المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد عمران الهراوي: - الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة - جـ ١

[محمد كامل الفقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌أثر الأزهر في النهضة الأدبية الحديثة

- ‌الفاطميون في مصر

- ‌مدخل

- ‌إنشاء الأزهر:

- ‌المعز وجوهر:

- ‌المساجد والجوامع

- ‌الغرض من إنشاء الأزهر:

- ‌عناية الخلفاء بالأزهر:

- ‌صلاة الجمعة في الأزهر:

- ‌تاريخ التعليم في الأزهر:

- ‌نشأة الحياة المدرسية في الأزهر:

- ‌تأثر الأزهر بإنشاء دار الحكمة

- ‌مدخل

- ‌طريقة التعليم بالأزهر:

- ‌مواد الدراسة في الأزهر:

- ‌الكتب التي كانت تدرس بالأزهر:

- ‌الحملة الفرنسية على مصر وأثرها الفكري

- ‌مدخل

- ‌حجر رشيد:

- ‌صلة الأزهر بالحملة الفرنسية:

- ‌نابليون وعلماء الأزهر:

- ‌تأليف الديوان:

- ‌محمد علي باشا:

- ‌كلمة عامة في فضل الأزهر

- ‌مدخل

- ‌الأزهر مصدر الثقافة:

- ‌اعتماد محمد علي في إنشاء المدارس على الأزهر:

- ‌فروع من دوحة الأزهر

- ‌مدخل

- ‌البعوث العلمية

- ‌الأزهر والبعوث:

- ‌البعوث بعد محمد علي باشا:

- ‌الترجمة والتأليف ونهوض الأزهر بهما

- ‌مدخل

- ‌إبراهيم النبراوي

- ‌أحمد حسن الرشيدي

- ‌أبو السعود:

- ‌رفاعة بك رافع الطهطاوي:

- ‌التحرير

- ‌الأزهر والتحرير

- ‌محمد عمر التونسي:

- ‌محمد عمران الهراوي:

- ‌الشيخ محمد قطة العدوي:

- ‌الشيخ أبو الوفا نصر الهوريني:

- ‌الشيخ إبراهيم الدسوقي:

- ‌مصححون آخرون أزهريون:

- ‌لمحة تاريخية عن الطباعة والصحافة بمصر

- ‌مدخل

- ‌الأزهر والصحافة

- ‌الشيخ على يوسف وصحفه:

- ‌الأزهريون والصحف الحاضرة:

الفصل: ‌محمد عمران الهراوي:

لي في بلدكم، لعلكم تعرفونه، فقال: من هو؟ قلت: السيد عمر التونسي، من أهل العلم، فقال:"على الخبير به سقطت" وهو صاحبي، وأنا أعرف الناس به، وأرى بك شبهًا به، فكن ابنه، فقلت: أنا هو، على تغيير حالي وتبليل بالي، فقال: يا بُنيّ، ما يقعدك عن اللحاق بأبيك لترى عنده ما يهنيك؟ فقلت: قلة ذات يدي، فقال: إن أباك من أعظم الناس عند السلطان وأكرمهم عليه، وإن أردت التوجه إليه، فأنا على مؤنتك ومركوبك وراحلتك حتى تصل إليه1".

والتونسي أديبٌ، أقبل على التزود من الشعر والأدب العربيّ في صباه، وكانت همته مصروفةً إلى تحصيل العلوم، وجمع المنثور والمنظوم، إلّا أن أدبه في مرتبة وسطى، لا يبلغ درجة الإجادة، ولا يهبط إلى مستوى الغثاثة.

1 الخطط التوفيقة ج17 ص33، 34، 36، 37.

ص: 120

‌محمد عمران الهراوي:

يقول جورجي زيدان في الحديث عنه: "هوأقدم محرري النهضة في هذه النهضة، لم نقف له على أخبار كثيرةٍ من حيث أصله وترجمة حاله، لكنه طبعًا من تلاميذ الأزهر؛ لأنهم أوثق الثقات في علوم تلك الأيام، وخصوصًا اللغة1".

وعلى الرغم أن حديث جورجي زيدان عنه من حيث نسبته إلى الأزهر، كان مبنيًّا على الاستنباط، غير معتمد على حجة قاطعة بنسبة إلى الأزهر، إننا نذهب مذهبه، ونسلكه فيمن نهض بالتحرير من أبناء الأزهر في صدر النهضة، فلم يكن سواهم في هذه الفترة على تمكن من اللغة وعلومها وإلمام بشواردها ودقائقها.

ويذكر عبد الرحمن الرافعي بك "أن محمد علي" اختار طائفة من

1 تاريخ آداب اللغة العربية ج4، ص 205.

ص: 120

المحررين من علماء الأزهر، وأن ممن مهر من هؤلاء التونسي، ومحمد عمران الهراوي1.

ومما يذكر له بالفضل أنه هو الذي وضع نواة التحرير في النهضة الحديثة، فقد حَرَّرَ أول كتاب مترجم في الطب، في صدر هذه النهضة، وهو كتاب "القول الصريح في علم التشريح" الذي ألفه "كلوت بك"، وترجمه "يوحنا عنحوري" وقد طبع هذا الكتاب سنة 1248هـ.

كما حَرّرَ كتاب "العجالة الطبية فيما لابد منه لحكماء الجهادية" ألفه: "كلوت بك" وترجمه "أوغسطين سكاكيني" وطبع في مطبعة أبي زعبل سنة 1248هـ، وهو الكتاب الثاني من مطبوعاتها، على أن "الهواري" حرر كثيرًا مما ترجمه "يوحنا عنحوري" والمدرسة لا تزال في أبي زعبل، وقد ظلَّ في عمله حتى بعد انتقالها إلى القصر العيني.

الأزهر والتصحيح:

لما أنشأ محمد على المدارس التي تدرس بها العلوم الحديثة؛ كمدارس الطب، والهندسة، والألسن، والزراعة، كانت اللغة الأجنبية لغة الدارسة، وكان يقوم على ترجمتها للتلامذة فريق ممن يجيدون الترجمة بهذه المدارس، وبقلم الترجمة الخاص بذلك، ثم تُعَرَّبُ هذه الدروس، ويتولى المحررون وضع مصطلحاتها بعد البحث عنها في معاجم اللغة، ثم تنتهي إلى المصححين الذين يقومون على إصلاح هذه الدروس المعربة وتنقيها من الخطأ من الوجهة اللغوية والبيانية.

ولم يجد محمد علي إلّا أزهريين يقومون بهذا العمل الجليل الذي كان له أثر عظيم في نشر الكتب القيمة المحدثة، وإخراجها صحيحة بعد الاعتلال، مستقمية بعد اعوجاج، ولولا العناية التي بذلها المصححون، والجهد الذي تفرغوا له، لبقيت هذه الكتب يتداول الناس أخطاءها، ويتناقلون فسادها، ولكنهم أذهبوا في تهذيبها سواد العيون، فخرجت في ثوبٍ قشيبٍ، وسَهُلَ الانتفاع بما فيها من كنوز.

1 عصر محمد علي ص835.

ص: 121

وكان من أهم أسباب النهضة الأدبية في هذا العصر، التوفر على طبع الكتب الأدبية القديمة الحافلة بالأدب الحيّ، والعلم الدقيق، مما هو نتائج عقول الأدباء والعلماء، وقد عُهِدَ إلى علماء الأزهر بتصحيح طائفةٍ ضخمة من هذه الثقافات؛ من أدب وتاريخ وفقه وتفسير، وغير ذلك مما هو من أمهات الأصول من كل فَنٍّ، فجهدوا في تصحيحها من كل خطأ يقعون عليه، وأخطاء هذه الكتب كثيرة شاقة، تحتاج في معالجتها إلى العلم الدقيق، وسعة الدارية، وطول المثابرة، فكم عثر هؤلاء المصححون على تقديم في هذه الكتب وتأخير فيها، وكم ارتطموا بحذفٍ يَخِلُّ بالمعنى، ويتعسر به فهمه، هذا إلى ما ينتج عن جهل النساخ حينًا، وخطأ الطبع حينًا آخر.

والتصحيح فَنٌّ دقيقٌ ينبني عليه إخراج الكتب والمؤلفات صحيحة خالية من الأغلاط المطبعية التي تشوبها، ولعلك تلاحظ في الكتب التي كانت تطبع في ذلك العصرخلوها من الأغلاط، وهذا راجع إلى حسن اختيار المصححين في مطبعة بولاق1.

والحق أن هؤلاء العلماء كانوا يمتازون في عصرهم بثقافةٍ أوسع من ثقافة أمثالهم، واقتضاهم عملهم أن يطلعوا على كثير من الكتب؛ في التاريخ، والأدب، واللغة، والفلسفة، وغير ذلك، فاتسعت مداركهم وآفاقهم، واضطرهم علمهم أن يكتبوا خاتمة الكتب، أو شرحًا للغامض، أو ينشئوا تقريظًا لكتاب، أو تعليقًا عليه، أو قصيدة في مثل هذه الأغراض، فجرت أقلامهم في زمانٍ عَزَّ فيه الأديب، وندر فيه الكاتب، وإن كان إنشاؤهم وكتابتهم مقيدة بنمط العصر من التزام السجع المتكلف، والاستعارة المشدودة، وما إلى ذلك2.

وكثيرًا ما يكتب هؤلاء المصححون في خاتمة الكتب التي يتولون تصححيها ترجمةً وافيةً عن مؤلف الكتاب، تبين طرفًا من حياته ونشأته وآثاره العملية والأدبية، وفي ذلك نفعٌ كبير.

1 تاريخ الحركة القومية، لعبد الرحمن الرافعي بك ج3 ص537.

2 الأستاذ أحمد أمين بك، في الثقافة العدد 126.

ص: 122