الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناية الخلفاء بالأزهر:
نظر الخلفاء الفاطميون إلى الأزهر نظرة عنايةٍ ورعايةٍ، فأدخلو عليه تجديدًا، وأحدثوا به تعميرًا في أزمنة مختلفة، وأعانوا على نشاط العلم والدراسة فيه؛ فهيأوا الأسباب لذلك.
وقد ذكر المقريزي أن أول من رتب من الملوك لأهل الجامع الأزهر، وبنى لهم مسكنًا هو الملك العزيز بالله، نزار بن الملك المعز لدين الله، وأن أول من رتب لهم من الأمراء صلة وزيره أبو الفجر يعقوب ابن يوسف، وقد سأل هذا الوزير الخليفة سنة 365هـ في صلة رزق جماعة من العلماء؛ فأطلق لهم ما يكفي لكل واحد من الرزق الناض، وأمر لهم بشراء دارٍ وبنائها، فبنيت بجانب الجامع الأزهر1.
وقال المقريزي في موضعٍ آخر من خططه، وجعل الحاكم بأمر الله للجامع الأزهر تنورين وسبعة وعشرين قنديلًا من الفضة، وشرط أن تعلق فيه في شهر رمضان.
ثم رتب له الحاكم في سنة 400هـ مع بعض المنشآت الفاطمية الأخرى أوقافًا ينفق من ريعها على إدارته وشئونه، فكانت هذه أول وقفية رتبت للجامع الأزهر.
ثم قام الخليفة -المستنصر بالله- فجَدَّدَ الأزهر، وقام بتجديده من بعده، الحافظ لدين الله، وأنشأ فيه مما يلي الباب الغربيّ مقصورةً عرفت بمقصورة "فاطمة الزهراء".
وفي عهد الملك -الظاهر بيبرس- "سنة 658هـ" قام الأمير -عز الدين أيدمر الحلى- نائب السلطان- بعمارته وتجديده تجديدًا شاملًا، وأعاد إليه جدته وبهجته، بعد أن كان قد تطرق البلى إليه.
وفي سنة "702هـ" في عهد الملك محمد الناصر - وقعت بمصر زلزلة عنيفة سقط بها منشآت عدة، منها: الجامع الأزهر، فقام أمراء الدولة بعمارة هذه المنشآت، وتولى عمارة الجامع الأزهر الأمير -سلار.
وأنشأ علاء الدين طيبوس مدرسته التي عرفت باسم "الطيبرسية-
1 خطط المقريزي جـ2 ص273- الناض، في القاموس: نَضَّ الماءُ ينضُّ نضًّا ونضيضًا، سال قليلًا قليلًا، والنَّضُّ الأظهار، ومكروه الأمر، والدرهم، والدينار، كالنَّاضِّ فيهما، أو إنما يسمى ناضًّا إذا تحول عينًا بعد أن كان متاعًا.
لتكون ملحقًا للأزهر، وكمل بناؤها سنة "709هـ" وقرر بها درسًا للشافعية.
تلك هي بعض آيات العناية والاهتمام ومظاهر التعمير والإنشاء في الأزهر في هذه الفترة المترامية من الزمان. إلّا أن أعظم عمارةٍ أحدثت به، هي التي قام بها الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدغلي- في أواخر القرن الثاني عشر الهجريِّ؛ إذ أنه أنشأ بهوًا فسيحًا يشتمل على خمسين عمودًا من "الرخام" تحمل مثلها من الأقواس المقوصرة1 في الناحية الشرقية من الجامع، كما أنشأ به منبرًا ومحرابًا جديدين، وأقام في أعلاه مكتبًا قائمًا على عُمُدٍ من الرخام، يتعلم به يتامى الأطفال المسلمين القرآن، وجدد المدرسة الطيبرسية، وأنشأ رحبةً فسيحةً شيد فيها قبره الذي عقدت قبة عليه، كما أقام بالجامع منارتين جديدتين، وأنشأ بالباب الذي ينتهي إليهن شارع الأزهر، وهو بابٌ سامقٌ عظيمٌ، نًقِشَ على صفحته الخارجية أبياتٌ مموهة بالذهب، مشتملة على تاريخ بنائه وهي:
إن للعلم "أزهرًا" يتسامى
…
كسماء ما طاولتها سماء
حيث وافاه ذا البناء ولولا
…
منة الله ما تسامى البناء
رب إن الهدى هداك وآيا
…
تك نور تهدي به من تشاء
مذ تناهى أرخت باب علوم
…
وفخار به يجاب الدعاء
أما الأسرة العلوية، فكانت دائمة العطف عليه، سخيَّةً في البرِّ به، تعنى بإصلاحه وتجديده، وتكفل له كل ما يتطلبه، مهما غلَا وعزَّ.
وفي عهد الملك فؤاد الأول، أنشئت كليَّاته على نظامٍ مثمرٍ، ووجد بالتخصص في فروع العلم للإجادة والتبريز فيها، وبذل المال الضخم لإزالة ما حول الأزهر من مساكن، طالما حجبت جماله ورونقه، وبُدِئَ في إنشاء مساكن للطلبة، وإدارة للأزهر، وقد جاءت آيةً في الإبداع والروعة، وفي
1 المقوصرة - تقوصر دخل بعضه في بعض.