الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتب التي كانت تدرس بالأزهر:
نستطيع أن نقول بوجهٍ عامٍّ، إن جلَّ الكتب القيمة التي عاصرت الأزهر كانت تدرس به، وخصوصًا الكتب المذهبية التي تلائم الروح الذي حرص الخلفاء المذهبيون على تنميته.
وأول كتاب درس في الأزهر هو كتاب "الاقتصار" أو "الإقصار" الذي وضعه أبو حنيفة النعمان بن محمد القيروانيّ، قاضي المعز لدين الله في فقه آل البيت، وكان يتولى قراءته وتدريسه بالأزهر ولده:"أبو الحسين عليّ بن النعمان" واستمرت قراءته مدى حين، على يد بني النعمان، المتعاقدين على قضاء مصر حتى نهاية القرن الرابع.
وكان -للنعمان القيروانيّ- كتب أخرى في فقه الشيعة، وهي كتاب "دعائم الإسلام" الذي عُنِيَ بتدريسه بالأزهر عنايةً خاصةً، وكتاب "اختلاف أصول المذاهب" وكتاب "الأخبار" وكتاب "اختلاف الفقهاء" يرجح ابن خلكان أنها كانت تدرس بالأزهر إلى جانب كتاب "الإقصار" حتى أواخر القرن الرابع.
ثم قرئ بالأزهر كتابٌ ألفه الوزير -ابن كلس- في الفقه الشيعيّ على مذهب الاسماعيلية، وهو المعروف بالرسالة الوزيرية، وكان يقرأ ذلك بنفسه، ويفتي الناس بما فيه -كما قلنا.
وقد شدّدَ في مراعاة المذهب الشيعيِّ بصفة رسمية فيما يدرس من الكتب أول الأمر، حتى أنه في سنة "381هـ" في عهد العزيز بالله، قبض على رجلٍ وجد عنده كتاب "الموطأ" للإمام مالك، وطيف به، وجلد لإحرازه1.
ولما فتر الاشتغال بالعلوم الإسلامية، وكان العلماء المتقدمون قد استوفوا
1 الخطط التوفيقية جـ4 ص157
الكلام عليها بمؤلفاتهم الكثيرة، لم يجد المتأخرون من مبدأ القرن الثامن الهجريّ ما يظهرون به فضلهم إلا أن يلجأوا إلى ما بين أيديهم من الكتب فيختصروها منظومةً مرةً، ومنثورةً مرةً أخرى، وقد كانت موجزة اللفظ، بالغة التعقيد، ثم أخذوا يضعون لها الشروح والتفسير، ثم تلتهم طبقات الحواشي والتقريرات التي أغفلت اللباب وعُنِيَتْ بالقشور، وللأعاجم في هذه السبيل نصيب وافر من إيثارهم للاستطراد والتعقيد والاستغلاق، مما أضعف الملكات، وصرف الأذهان عن لُبِّ العربية وسر البلاغة.
في أوائل القرن الرابع عشر الهجريّ، حين رأى أهل الرأي هذا الخطر المتافقم، قرروا حظر قراءة الحواشي والتقريرات في الأزهر، وجعلها مقصورةً على المتون مع الشروح الواضحة في أسلوبها.
وقد كان في ميزانية الأزهر والمعاهد الدينية منذ عهد المصلح الخطير المرحوم الشيخ: محمد عبده، إلى زمن قريبٍ اعتمادٌ بخمسمائة جنيه، داخلة في فصل المصروفات المتنوعة، خصصت لتكون مكافآت تنهض همم مؤلفي الكتب التي يستوثق مجلس الأزهر العليّ من نفعها في التدريس، وهذا المبلغ الذي حُبِسَ لهذا الغرض، كان يمكن أن يذكي القرائح ويوفظ العزائم، ويعين على إيجاد نهضةٍ مثمرةٍ في تأليف الكتب العلمية، ولكن مما يؤسف له أن ظلَّ هذا المال يدرج في الميزانية كل عام دون أن يستغلَّ في هذه الغاية الجليلة، حتى تنبهت الحكومة إلى تعطيله، فأسقطته في ميزانية "1923-1924م" ولم تتضمنه الميزانية بعد ذلك، على رغم أنه منصوصٌ عليه في قانون الأزهر رقم 10 لسنة 1911م.
ولا ريب في أن الكتب الأزهرية ثروةٌ علميّةٌ قيمةٌ، ولو أنها لقيت من حضرات المدرسين ما هي جديرة به من ضرورة التنقيح والتهذيب والإفصاح والإيضاح لتضاعفت ثمراتها، وأثمرت فائدتها.
وأهم وجوه الإصلاح التي تتطلبها هذه الكتب أن توضع لها الفهارس
التفصيلية؛ لتوفر على طلابها وقتهم وجهدهم، وتقرب لهم الفائدة في أقرب وقت مستطاع، ثم ضبط ألفاظها، وشرح كلماتها اللغوية؛ لتستغنيَ بأنفسها عن غيرها، ثم التعريف بما فيها من أعلام، والتقديم لها بذكر تاريخ مؤلفيها، والعصر الذي أُلِّفَت فيه.
وكان علماء الأزهر أولى بهذا العمل الجليل أن ينصرفوا إليه، وأقدر على هذه الرسالة أن يضطلعوا بها، بما استمكنوا فيه من المادة، واقتدروا عليه من معالجة البحث، ومرنوا على مزاولته من أساليبها، وتفهم أغراضها، فعسى أن تصحَّ العزائم، وأن تهيأ لبعض الأفذاذ من الأساتذة فرصةً من الزمن، وفسحةً من البحث والتشجيع، إذن لظهرت هذه الثروة العلمية نقيةٌ ناصعةٌ، وكان فيها للباحثين والطلاب أطيب الثمرات.
العصر الحديث:
يبتدئ هذا العصر من تاريخ دخول الفرنسيين مصر، بقيادة نابليون بونابرت في سنة "1213هـ 1798م" وقد كان الفرنسيون بغزوهم مصر أول من هدى المصريين إلى العلم الحديث الذي بهرهم نوره، وراعهم غريبه، وأوّل من لفت أنظارهم إلى نوع جديد من العلم، لم يألفوه من قبل، ولم يكونوا على عهد به، فالحملة الفرنسية بهذه المثابة حدث جديد، وتطور خطير، يصح اعتباره فاتحة عصر جديد.
قضى الفرنسيون بمصر ثلاث سنين من سنة "1213هـ 1798م" إلى سنة "1216هـ 1801م" وقد لبثوا هذه المدة في قلقٍ واضطراب، لم يهدأ لهم خاطر، ولم يطمئن لهم بالٌ، يجاهدون المصريين والعثمانيين وهم يجاهدونهم، فلم تتهيأ لهم الفرصة التي تمكنهم من تنفيذ خطتهم، ونشر ثقافتهم، إلّا أنهم على رغم قصر المدة، وانتشار الفتنة، خَلَّفُوا بمصر آثارًا أدبيةً، واتجهوا بها اتجاهًا ثقافيًّا، كان على قصره مطلع حياةٍ جديدةٍ، ونواةً لنهضةٍ تولاها عاهل مصر بالسقي والرعاية من بعدهم.