المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رفاعة بك رافع الطهطاوي: - الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة - جـ ١

[محمد كامل الفقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌أثر الأزهر في النهضة الأدبية الحديثة

- ‌الفاطميون في مصر

- ‌مدخل

- ‌إنشاء الأزهر:

- ‌المعز وجوهر:

- ‌المساجد والجوامع

- ‌الغرض من إنشاء الأزهر:

- ‌عناية الخلفاء بالأزهر:

- ‌صلاة الجمعة في الأزهر:

- ‌تاريخ التعليم في الأزهر:

- ‌نشأة الحياة المدرسية في الأزهر:

- ‌تأثر الأزهر بإنشاء دار الحكمة

- ‌مدخل

- ‌طريقة التعليم بالأزهر:

- ‌مواد الدراسة في الأزهر:

- ‌الكتب التي كانت تدرس بالأزهر:

- ‌الحملة الفرنسية على مصر وأثرها الفكري

- ‌مدخل

- ‌حجر رشيد:

- ‌صلة الأزهر بالحملة الفرنسية:

- ‌نابليون وعلماء الأزهر:

- ‌تأليف الديوان:

- ‌محمد علي باشا:

- ‌كلمة عامة في فضل الأزهر

- ‌مدخل

- ‌الأزهر مصدر الثقافة:

- ‌اعتماد محمد علي في إنشاء المدارس على الأزهر:

- ‌فروع من دوحة الأزهر

- ‌مدخل

- ‌البعوث العلمية

- ‌الأزهر والبعوث:

- ‌البعوث بعد محمد علي باشا:

- ‌الترجمة والتأليف ونهوض الأزهر بهما

- ‌مدخل

- ‌إبراهيم النبراوي

- ‌أحمد حسن الرشيدي

- ‌أبو السعود:

- ‌رفاعة بك رافع الطهطاوي:

- ‌التحرير

- ‌الأزهر والتحرير

- ‌محمد عمر التونسي:

- ‌محمد عمران الهراوي:

- ‌الشيخ محمد قطة العدوي:

- ‌الشيخ أبو الوفا نصر الهوريني:

- ‌الشيخ إبراهيم الدسوقي:

- ‌مصححون آخرون أزهريون:

- ‌لمحة تاريخية عن الطباعة والصحافة بمصر

- ‌مدخل

- ‌الأزهر والصحافة

- ‌الشيخ على يوسف وصحفه:

- ‌الأزهريون والصحف الحاضرة:

الفصل: ‌رفاعة بك رافع الطهطاوي:

باشا، ونقله أبو السعود من الفرنسية إلى العربية، بأمر نظارة المعارف، وهو مطبوع بمصر سنة 1281هـ.

4-

له ديوانٌ جمع شعره الرقيق، وبه كثير من المنظومات المولدة؛ كالموالي والموشحات.

5-

وله أرجوزة في سيرة محمد علي، تبلغ ألف بيت.

6-

منحة أهل العصر بمنتقى تاريخ مصر، لخصه عن "الجبرتي".

وله غير ذلك آثارٌ قيمة في التأليف والترجمة.

ص: 90

‌رفاعة بك رافع الطهطاوي:

المتوفي سنة "1290هـ- 1873م".

التعريف به:

وهو السيد: رفاعة بك بن بدوي بن عليّ بن محمد بن عليّ رافع، ويلحقون نسبهم بمحمد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن فاطمة الزهراء.

نشأته:

ولد في طهطا بمديرة جرجا من صعيد مصر، ويؤخذ مما كتبه عنه نفسه في رحلته أن أجداده كانوا من ذوي اليسار، ولكن الدهر أخنى عليهم، والأيام تنكرت لهم، فلما وُلِدَ تفتحت عيناه على الضيق والعسرة، وسار به والده إلى منشأة النيدة بالقرب من مديرية جرجا، فالقى عصا تسياره بين قوم كرام النفوس، ذوي يسار ومجد، يقال لهم:"بيت أبي قطنة" فأقاما هناك مدةً، ثم نزحا إلى قنا، ولبثا بها حتى شَبَّ الغلام، وشرع يقرأ كتاب الله، ثم نقل إلى فرشوط التي عاد منها إلى طَهْطَا وطنه الاول، بعد أن أتمَّ القرآن حفظًا.

الأزهر الصغير:

وقد تهيأت له في حداثته ثقافةٌ أزهريةٌ؛ إذ قرأ كثير من المتون الأزهرية المتداولة على أخواله، وفيهم طائفة من علماء الأزهر الفضلاء؛ كالشيخ: عبد الصمد الأنصاري، والشيخ: أبي الحسن الأنصاري، والشيخ: فراج الأنصاري، وغيرهم.

ص: 90

ولما توفي والد رفاعة قدم هو إلى القاهرة، وانتظم في سلك الطلبة بالجامع الأزهر، في سنة "1223هـ" وجَدَّ في الدرس والمطالعة حتى نال من العلم حظًّا محمودًا، ولم يمض بضع سنين حتى صار من طبقة العلماء في اللغة والحديث والفقه، وسائر علوم المنقول والمعقول، وكان في جملة مَنْ تلقَّى عنهم العلم العالم واللغويّ الشاعر الكاتب الشيح: حسين العطار، المتوفى سنة "1250هـ" وقد تنبه إلى مخايل ذكائه، وأمرات نجابته، فميزه عن أقرانه، وخصه ببالغ عطفه، وكان يتردد على منزله لينهل من علمه، وينشد توجيهه، ويشترك معه في الاطلاع على الكتب الغربية التي لم تتداولها أيدي علماء الأزهر1.

نبوغه المبكر:

أشرق نبوغُ رفاعةَ وذكاؤُه وهو لدن العود، غَضِّ الصبا، وبدت لذلك علائم ودلائل، فقد أُثِرَ عنه أن أحد الفضلاء المدرسين سأله زمن حضوره بالأزهر، في صحن الأزهر، في جلسة خفيفة، فختم القطر بها ذلك المدرس، وعد ذلك على فضله مع حداثة سنه من أبلغ الدلائل، ومن ذلك الوقت اعترف له وهو ابن عشرين سنة جميع أبناء طبقته، بأنه تلقى راية العلم باليمين2.

مواهبه وجده:

قضى رفاعة في الدارسة في الأزهر زهاء ثماني سنوات، كان فيها مرموقًا بالأنظار لذكائه وجَدِّه وسلامة ذوقه ودقة فهمه، ولم يكن يلتزم طريقة زملائه الطلاب في مبدأ الطلبة، بل كانت دروسه تتعدد في اليوم الواحد تعددًا زائدًا عن طاقته ووسعه3.

1 الخطط التوفيقية ج13 ص54.

2 حلية الزمن في مناقب خادم الوطن للسيد صالح مجدي بك.

3 حلية الزمن في مناقب خادم الوطن للسيد صالح مجدي بك ص5.

ص: 91

وقد اشتغل في الأزهر بعد تخرجه بتدريس كتبٍ شتى في المنطق والبيان والبديع والعروض والأدب وغير ذلك، وكان سهل الأداء، عذب الأسلوب، فصيح التعبير، قادرًا على تصوير المعنى بطرق مختلفة، يجد الذكي وغيره في درسه نفعًا وإرشادًا وهداية.

ولقد يبلغ به الجد والمثابرة أنه لا يقف على ذلك اليوم والليلة على وقت محدود، فكان ربما عقد الدرس للتلامذة بعد العشاء، أو عند ثلث الليل الأخير، ومكث نحو ثلاث أو أربع ساعات على قديمه في درس اللغة، أو فنون الإدارة والشرائع الإسلامية، والقوانين الأجنبية، وكذلك كان دأبه معهم في تدريس كتب فنون الأدب العالية؛ بحيث أمسى جميعهم في الإنشاء نظمًا ونثرًا أطروفة عصرهم، وتحفة عصرهم، ومع ذلك كان هو بشخصه لا يفتر عن الاشتغال بالترجمة أو التأليف، وكان مجامع الامتحان لا تزهى إلّا به1.

الوظائف التي شغلها:

شغل رفاعة بك كثيرًا من الوظائف العلمية والإدراية، فكان فيها مثلًا رفيعًا للكفاية والجد، ونموذجًا يحتذى في بروز الشخصية ووفرة الإنتاج، وقد عثر صالح بك مجدي صاحب كتاب "حلية الزمن في مناقب خادم الوطن" رفاعة بك على ورقة مختومة سرد فيها رفاعة المناصب التي تقلدها، والأعمال التي اضطلع بها، وذلك أنه عُيِّنَ خطيبا وواعظًا لدى حسن بك المانسترلي، الذي ارتقى فيما بعد رتبة الباشوية، وعين في منصب "الكتخدائية" في عهد المرحوم عباس باشا الأول، وتُوفِيَ في زمن المحروم محمد سعيد باشا، ثم نقل إلى مثل هذه الوظيفة لدى أحمد بك الشكلي، الذي منح رتبة الباشوية فيما بعد، وتوفي في عهد محمد سعيد باشا.

1 الخطط التوفيقية ج13 ص54.

ص: 92

رفاعة في البعثة:

ولما أراد المرحوم محمد علي باشا أن يرسل طائفةً من الشباب النابهين إلى باريس؛ لينقلوا علوم الغرب وآدابه وثقافته، وطلب من المرحوم الشيح: حسن العطار، أن ينتخب لهم إمامًا من علماء الأزهر، فيه الأهلية واللياقة، اختار تعيين صاحب الترجمة لتلك الوظيفة1.

وكان الشيخ حسن العطار من المعجبين بذكائه، المقدرين كفايته وعلمه، فزكَّاه لهذا العمل الذي كان باكروة نجاحه ومطلع شهرته وانبلاج صبحه.

واتجه مع هذه البعثة إلى باريس موصًّى من شيخه العطار بأن يجدي على بلاده بعمل رحلة، يسجل فيها ما يشاهده في فرنسا من أحوال وأخلاق وعادات، فألف رحلته المشهورة التي سماها:"تخليص الإبريز والديوان النفيس" وقد شرع يتعلم الفرنسية منذ غادر مصر، وبذل فيها همه وعزمه، واتخذ له بعد وصوله إلى باريس معلمًا خاصًّا على نفقته، وما لبث في هذه البلاد حتى عرفه العلماء والأدباء وقدروه حق قدره، وكان للمسيو "جوما" فضل سابغ عليه بإرشاده وتعليمه ووفائه له في وده، كما فعل ذلك معه العالم الشهير "البارون دساسي".

وفي المدة التي أقامها بباريس بين سنة 1241 و 1246هـ نبغ في العلوم والمعارف الأجنبية، ولا سيما في الترجمة في سائر العلوم على اختلاف مصطلحاتها، ولم تكن هذه المدينة البراقة الفاتنة لتصرفه عن التوفر على المثابرة والتضلع في ثقافة هذه البلاد، أو تجرح خلقه وحصانته، بل أكبَّ على عمله غير مدخر وسعًا، حتى ترجم خلال إقامته بباريس جمهرةً من الرسائل والكتب، منها:"قلائد المفاخر" الذي سنذكره في آثاره.

رفاعة بعد عودته:

ولما رجع من بعثته عُيِّنَ في سنة 1249هـ بمدرسة الطب بأبي زعبل في

1 الخطط التوفيقية ج13 ص54.

ص: 93

وظيفة مترجم ومدرس للغة الفرنسية، ورئيسًا لقسم الجغرافية بالمدرسة، ثم انتقل في السنة نفسها إلى مدرسة الطوبجية، وأقام بها إلى سنة 1251 هـ يشغل وظيفة مترجم، وكانت هذه المدرسة قائمةً على تحصيل الفنون العربية، مؤسسة لترجمة العلوم الهندسية والفنون العسكرية، ويقول صاحب "حلية الزمن" -ص12- "وقد عثرت له مدة إقامته بها على رسالةٍ مترجمةٍ في الهندسة العادية، مطبوعة بمطبعة بولاق البهية، وهذه الرسالة من جملة الرسائل الفرنسية التي يقرؤها التلامذة بمدرسة سانسيرا بفرنسا، وقد انتفع بها أبناء هذه المدارس.

ثم وكلت إليه نظارة "قلم إفرانجي" في عهد المرحوم محمد سعيد باشا، ونيطت به نظارة داركتب قصر العيني، وكانت ضخمة حافلة بالأسفار؛ إذ تضم اثنى عشر ألف، أوأخمسة عشر ألف مجلد، ومعظمها بالفرنسة والإيطالية1 كما وُكِّلَت إليه رئاسة فرقة تلامذة الجغرافية بهذا القصر.

رفاعة ومدرسة الألسن:

وكان هذه المدرسة من وحي رأيه، وثمرات فكره، فقد عرض على الجناب العالي أن تنشأ هذه المدرسة لتجدي على الوطن أبلغ جدوى، وليستغني بها عن الأجانب الدخلاء، وقد عهد إليه اختيار التلامذة لهذه المدرسة، فطاف بهم، وانتخب من وجد فيه صلاحية وكفاية.

أسس رفاعة مدرسة الألسن، وانتهت إليه إدراتها والإشراف على تلاميذها والترجمة بها، وعلاوة على قيامه بإدارة المدرسة من الوجهة الفنية، كان ناظرًا لها من الوجهة الإدارية، كما كان يشرف على مراجعة وإصلاح الكتب التي كان يمر بها تلامذته2.

1 تقويم النيل لأمين باشا سامي ج2 ص448.

2 دفتر رقم 2021 "مدارس تركي" جلسة شورى المدارس في 21 من ذي القعدة سنة 1252هـ.

ص: 94

ولما كان مرهقًا بكثرة العمل، والاضطلاع بمختلف الشئون، خصص له ديوان المدارس مدرسًا فرنسيًّا ليعاونه في إدارة المدرسة، والتفتيش على الدورس وأمانة المكتبة، وليخفف بمعاونته من هذه الأعمال التي يضيق الزمن عنها، فإنه كان يطوف كل عام بمكاتب المبتديان في الأقاليم؛ ليشرف على امتحان التلاميذ الذين يتقدمون إلى المدرسة التجهيزية؛ ليحلق المتفوقين منهم بها.

ومن العجيب أن يضطلع إلى جانب هذا كله بنظارة مدرسة التجهيزية، والوقائع المصرية، والكتبخانة الأفرنجية، ومخزن عموم المدارس، والإشراف على قلم الترجمة الذي أُسِّسَ بمردسة الألسن، والإشراف على مدرسة المحاسبة، والفقه الشرعيّ، والإدارة، والأحكام الأفرنجية، وملاحظة المكتب العالي "بالخانقاه" وقد ظل رفاعة بك مديرًا لمدرسة الألسن، والمدارس الملحقة بها، حتى أوائل عصر عباس الأول؛ حيث نقلت من الأزبكية إلى الناصرية، ولما ألغيت مدرسة الألسن، عُيِّنَ ناظرًا للمدرسة الابتدائية التي أنشئت في الخرطوم.

تلك هي الوظائف التي شغلها رفاعة بك، الذي كان حركةً دائبةً، وعملًا موصولًا، وإنهاءً لجهود جبارة تتقاصر دونها جهود الرجال، وتعيا عن حملها قوى متضافرة وعزائم متعاونة، عدا ما اضطلع به من أعمال جسام عقب عودته من الخرطوم.

نفيه إلى الخرطوم:

لنظارته لمدرسة الخرطوم بالسودان قصةٌ تهوى النفوس معرفتها:

تولى عرش مصر عباس باشا الأول، بعد وفاة إبراهم، وكان محمد علي لا يزال ينوء بمرضه، ولعباس نفس تلح عليه أن ينسخ ما فعله محمد علي، وينتهز فرصة موته لتنفيذ خطته الرجعية.

ويقول الأستاذ أحمد عزت عبد الكريم في كتابه تاريخ التعليم: "إن

ص: 95

عباسًا أظهر منذ تولي الحكم في مصر أنه لن يكون الحاكم الذي يتابع سياسة جده، ويحنو على مؤسساته، ويؤيد نظمه، وأن سياسة عباس في الإصلاح الداخليّ كانت فشلًا متصلًا، ولا يشفع له في ذلك أن حكمه كان قصيرًا، وهو أيضًا يرجع السبب في ذلك إلى أن سياسة عباس قامت على تسفيه الجهود التي بذلها محمد علي وإبراهيم في ميدان الإصلاح الداخليّ، والسياسة التي اعتقد أنهما كانا يتمسكان بها، ويدعوان إليها.

فإذا ارتسمت لنا سياسة عباس على هذه الصورة، فقد هان علينا أن نفهم السر في إغلاقه معظم المدارس الخصوصية في أول عهده، وقد كان مدرسة الألسن أول مدرسة ألغيت في عهد عباس، فمؤسسها وناظرها رفاعة بك، أحد الأدنين من جده وعمه الناعم بعطفهما وثقتهما، ورسالة هذه المدرسة هي نقل الحضارة الغربية والثقافة الأوربية، والذي رسم هذه الخطة الرشيدة هما: محمد علي وإبراهيم، والذي اضطلع بتنفيذ هذه السياسة، وبذل فيها أعظم الجهود، إنما هو رفاعة بك، وعباس- كما يقول المؤرخ الإيطاليّ "وساماركوا":"يتجلى عداؤه للحضارة الغربية، وكرهه لجميع الأعمال التي كونت مجده، ويبذل كل الجهد لتحطيمها شيئًا فشيئًا" فلا عجب إذن أن يجافي رفاعة بطل هذه الحضارة، وحامل لواء تلك النهضة، وأن يحصل له من البغض والشنآن ما ينتهي به إلى نفيه إلى السودان.

ويرى الأستاذ عبد الرحمن بك، أن لكتاب "تخليص الإبريز" سببًا يتصل بنفيه؛ إذ لا يخفى أنه طبع للمرة الثانية سنة 1265هـ، أي: في أوئل عهد عباس، والكتاب يحوي آراء ومبادئ لا يرغب فيها الحاكم المستبد، وعباس كان بطبعه مستبدًّا، فلا بد أن الوشاة قد لفتوا نظره إلى ما في كتاب رفاعة، مما لا يروق عباس، فرأى أن يبعده إلى الخرطوم؛ ليكون السودان منفًى له، وليبعده، ويبعد من يشاكله في آرائه وأفكاره عن مصر، ويتخذ لإبعاده وإبعادهم علةً منتحلةً وسببًا مخادعًا.

ص: 96

والأستاذ عزت عبد الكريم في كتابه "تاريخ التعليم في عهد محمد علي" يرى أن هناك احتمالين لإبعاد رفاعة إلى السودان:

أحدهما: سعي علي مبارك الذي عاد من أوربة ممتلئًا بالأطماع، والذي كان يحقد على رفاعة لما أصابه من مكانة وبلوغ شهرة.

والثاني: ما يحتمل أن يكون رفاعة قد لقيه من معارضة بعض المشايخ المتعصبين الذين ربما عدوه متطفلًا على مبادئهم في دراسة الشريعة والفقه.

هذه تكهنات يضرب فيها المؤرخون والباحثون، إلّا أنها لم تتكئ على وقائع ملموسة تكون أقرب إلى الجزم واليقين، وأنه وإن كانت هذه مجتمعةً، أو منفردةً، تصلح أسبابًا لنفي رفاعة، وتغير عباس عليه، إلّا أن رفاعة نفسه جَلَّى السبب وأزال إبهامه؛ فقد ذكر أنه سافر إلى السودان بسعي بعض الأمراء بضمير مستتر، بوسيلة نظارة مدرسة الخرطوم1.

وأنه، وإن لم يذكر أسماء السعادة، ولم يشرح السعاية التي قاموا بها، أشار إلى الوشاة والوشاية في قصيدته التي نظمها بالخرطوم، مستنجدًا بحسن باشا كتخدا مصر -ومما قاله في هذه القصيدة:

وما خلت العزيز يريد ذلي

ولا يصغي لأخصام لداد

لديه سعوا بألسنة حداد

فيكيف صغى لألسنة حداد؟

مهازيل الفضائل خادعوني

وهل في حربهم يكبو جوادي؟

وزخرف قولهم إذ زخرفوا

على تزييفه نادى المنادي

فهل من صبر في المعنى بصير

صيحح الانتفاء والانتقاد؟

قياس مدارسي قالوا عقيم

بمصر فما النتجية في بعادي؟

1 مناهج الألباب المصرية ص167.

ص: 97

وهو يعجب كيف يؤدي لوطنه هذه الخدمة الجليلة، ثم يُجْزَى هذا الجزاء، ويبدي جزعه على أطفاله الصغار الذين ملكوا عليه فكره فيقول:

على عد التواتر معرباتي

تفي بفنون سلم أو جهاد

و"ملطبرون" يشهد وهو عدلٌ

"ومنتسكو" يقر بلا تماد

ولاح لسان "باريس" كشمسٍ

بقاهرة المعزِّ على عمادي

رحلت بصفقة المغبون عنها

وفضلي في سواها في المزاد

وما السودان قط مقام مثلي

ولا سلماي فيه ولا سعادي

وقد فارقت أطفالًا صغارًا

"بطهطا" دون عودي واعتيادي

أفكر فيهمو سرًّا وجهرًا

ولا سمري يطيب ولا رقادي

أريد وصالهم والدهر يأبى

مواصلتي ويطمع في عنادي

وكان الشيخ ماكرًا، فقد وضع القصيدة على وزن وقافية:

لقد أسمعت إذ ناديت حيًّا

ولكن لا حياة لما تنادي1

قياس رفاعة:

من المصادفات الغريبة والتنبؤ الطريف، ما نرويه في هذه القصة التي وقعت بين رفاعة وكبار المصريين في السودان؛ ففي غضون شهر شوال سنة 1270 هـ أعدَّ جزايرلي سليم -حكمدار السودان- وليمةً بإحدى السفن الراسية بمياه النيل تجاه الخرطوم، ودعا إليها سفراء الدول، والمرحوم رفاعة بك، وقد شرعت السفينة تتهادى في الماء وتختال قبل الموعد بقليل، والمدعوون يسمرون ويمرحون، وبينما هم كذلك فأجأهم رفاعة بقوله: إن الوالي عباسًا قتل، فاضطرب الجمع، واضطر الحكمدار المُوَلَّى من قبل عباس أن يلغي الواليمة، وتفرق الجمع، ولما عاد رفاعة إلى مدرسة الخرطوم سأله المدرسون عن

1 أحمد أمين بك عدد الثقافة 333 ص5.

ص: 98

عودته، فأخبرهم بأن عباسًا قتل، فقالوا له من أين علمت؟ فقال لهم: انتهيت في ترجمة تلماك إلى اجتماع الملوك المتعاهدة، وانضمام تلماك معهم على محاربة الملك "أدرسته" ملك الدونية، وإعدامه بيد تلماك؛ لارتكابه كل الأمور التي أرى أن عباسًا ارتكبها تمامًا، وحيث كانت عاقبة "أدرسته" القتل، فقياسًا على هذا قلت: لابد أن يكون عباس قتل مثله، فقالوا: ألم يكفك اغترابنا في الخرطوم حتى رحت تجترئ على هذا القياس الخرافي الذي يترتب عليه إبعادنا إلى ما أبعد من الخرطوم.

وفي اليوم التالي للحادث، اسْتُدْعِىَ رفاعة بك من الحكمدار، وزفَّ إليه بشرى أن سعيد باشا أمر بإعادته ومن معه إلى القاهرة، وسلمه الحكمدار جانبًا من التبر هديةً لوالي مصر الجديد.

هذه رواية عن قياس رفاعة، وما من شك في أن رفاعة كان حزينًا لنفيه، موجعًا لبعده، آسفًا لما لقيه من والٍ أغفل فضله العريض في نهضة البلاد، ولم يجازه إلّا بالنفي والاغتراب.

كان ذلك الألم يحز في نفس رفاعة، ويبلغ من شعوره كل مبلغ، ويتغلغل في نفسه كل تغلغل، وربما صقل الحزن نفسه، وتجسم الأمل في نفسه، وتملكه الخيال الذي تمثّل له في قصة تلماك، فراح يقرن بين حال الملكين ويتكهن بأن يكون أحدهما كالآخر في مصرعه، ولم يدع له الغيظ قوةً يكتم بها إحساسه، فأرسل حدسه في صورة الخبر، وأبرز خياله في معرض اليقين، وكم في الأمور من مصادفات.

أثر رفاعه في السودان:

قضى رفاعة في السودان زهاء أربعة أعوام، شعر فيها بمرارة الحزن والألم، وكانت صابًا وعلقمًا لمعنى الظلم والجور الذي يتمثل له، ولاغترابه عن أطفال صغار لا يدري ما فعل بهم الزمان، ولجزعه في منفاه على علم من أعلام النهضة، وهو محمد بيومي، أستاذ الرضيات، ورئيس أحد أقسام الترجمة، فقد صحب رفاعة في رحلته إلى باريس، وعاونه في نشر العلم بالسودان، وكان مصرعه به، وقد أشار إلى الجزع على فقده نصف صحبه الذي كان معه بقوله:

ص: 99

وحسبي فتكها بنصيف صحبي

كأن وظيفتي لبس الحداد

أما شعوره نحو السودان، فقد كان شعور حبٍّ وعاطفةٍ، وهو الذي قال على لسان مصر والسودان.

نحن غصنان ضمَّنَا عاطف الوجد

جميعًا في الحب ضم النطاق

في جبين الزمان منك ومني

غرة كوكبية الانفلاق

وأيَّا ما كان، فقد نشر رفاعة في السودان ثقافةً وعلمًا، وقام على إدارة هذه المدرسة بإرشاده وجهوده، ونظم في محنته شعرًا أودعه مكنون نفسه وخوالج حسه، وشغل كثيرًا من وقته بالترجمة، فكان مما ترجمه قصة تلماك الرائعة.

بعد عودته من السودان:

وبعد عودته من السودان جُعِلَ عضوًا ومترجمًا في مجلس المحافظة، تحت رئاسة المرحوم أدهم باشا، ثم جُعِلَ ناظرًا لمدرسة الحربية بالحوض المرصود، وبعد شهور تجددت المدرسة الحربية بالقلعة، فأحيلت إليه نظارتها مع نظارة قلم الترجمة، ومدرسة المحاسبة، والهندسة الملكية، والتفتيش، والعمارة، وفي سنة "1277هـ ألغيت المدرسة الحربية المذكورة وقلم الترجمة، وما معهما، فظَلَّ خاليًا من الوظيفة حتى سنة "1280هـ "وفيها أحليت إليه نظارة "قلم ترجمة" وجُعِلَ من أعضاء قمسيون المدارس، مع الإشراف على صحيفة "روضة المدارس".

وقد ظلَّ كذلك في جهدٍ وعمل دائبين حتى كانت غرة ربيع الآخر سنة تسعين ومائتين وألف، فخبت بالموت شعلته، وانطفأت بالمنية حياته وعبقريته.

أثره في النهضه:

كان رفاعة بك شعلةً منقدةً لا يخبو نورها، وحركة يقظةٍ لا يفتر نشاطها.

ص: 100

اضطلع بهذه الجهود الجبارة التي تعجز الجهد وتعين الطاقة، فكان مجموعةً من الرجال، وجمهرةً من النباهين، وطائفةً من المواهب؛ ألَّفَ وترجَمَ ووجَّهَ وعَلَّمَ وشَرَّعَ ونَظَمَ ونقل إلى مصر ما كانت تنشده من علم الغرب وآدابها وفنونها ومختلف ثقافاتها، ودرج على نظمها وأسباب مجدها، وصنع على عينه تلامذة أذكياء أفذاذًا، كانوا أقباسًا من ضوئه، ومشاعل من هداه، فنهجوا نهجه، وسلكوا طريقه، وكانوا الغاية البعيدة التي تنشدها البلاد، والحقّ أن رفاعة كان في الناهضين والمصلحين ورجال العلم أمة وحده، وهو الأديب البارع، والشاعر المقبول، والعالمُ الفَذُّ المتمكنُ في غير ما ناحيةٍ من نواحي العلم، والمترجم الذي فتح العيون على أطايب آداب الغرب وعلومه، ولعمري أنه لمفخرة هذا الجيل، والآية الناطقة بفضل الأزهر وجلائل آثاره.

كان رفاعه أول مترجم مصريٍّ في النهضة الحاضرة، وقد استطاع أن يشرف على قلم الترجمة الذي ضم خسمين مترجمًا، كان له شرف توجيههم وإرشادهم، وما منهم إلّا وله اليد البارعة في ترجمة آداب الغرب وعلومه وفنونه.

وقد كان رئيس الترجمة قبله بمدرسة الطبِّ رجلٌّ شاميٌّ، يدعى:"عنحوري" فلما ألحق رافعه بهذه المدرسة كتب المترجم الشاميّ باختباره في الترجمة، وأعطاه فصلًا من كتابٍ، وقال له: ترجمه في مجلسنا هذا، فترجمه رفاعة من فوره؛ فإذ قرأه الممتحن ملكه العجب، وحمل ترجمة رفاعة إلى الديوان، وقال للرؤساء في ذلك الحين: هذا أستاذي، هو أحق بالرياسة مني؛ لأنه أدرى مني بالتعريب والتنقيح والتهذيب، وهذه شهادة الحق التي تقضي له بالسبق1.

وهو أول منشيء لصحيفة أخبار بالقطر المصريّ، فقد تكفَّل أثر عودته من باريس بنشر صحيفة خبرية وهي "روضة المدارس" مع تعذر الحصول

1 حلية الزمن بمناقب خادم الوطن للسيد صالح مجدي بك ص11.

ص: 101

على موادها إذ ذاك، وقد مكثت هذه الصحيفة مدةً، ثم انتكست قليلًا إلى نهوض ونشاط.

ومما امتاز به وقوفه على التواريخ القديمة والحديثة والأنساب، مما لم يكد يلحقه فيه غيره1 كما كان له أكبر الفضل في نشر العلوم والمعارف بِحَثِّهِ الحكومة على طبع طائفةٍ من أمهات الكتب العربية على نفقتها؛ كتفسير الفخر الرازي، ومعاهد التنصيص، وخزانة الأدب، والمقامات الحريرية، وغير ذلك2.

ما ألفه أو ترجمه:

1-

تخليص الإبريز والديوان النفيس:

وهو رحلته إلى باريس، وقد أبدع فيما تناوله فيها من وصف ما شاهده من مغادرته مصر إلى عودته إليها، فوصف أحوال فرنسا وأخلاق أهلها وعادتهم وعلومهم وفنونهم وأساليب حكمهم ومعيشتهم وأحوالهم الاجتماعية والسياسية، وقد تَمَّ ما كتبه في هذه الرحلة عن ميله إلى البحوث التاريخية والجغرافية، فإنه يقف عند كلِّ بلد يَمُرُّ به، فيحدث عن ماضيه وحاضره وطبيعته، مع دقةٍ في الملاحظة، ورقة في الأسلوب، ووفرة في مادة اللغة وتعبيرها، متعمقًا في بحثه، مستقصيًا في حديثه، ويدلك على شغفه بالعلم إسهابه في وصف علوم فرنسا وعلمائه ومكاتبها وجمعياتها العلمية ومدارسها ومعاهدها، وثروتها العلمية من الكتب والمجلدات والصحف3.

وقد أعجب محمد علي باشا بها، وسُرَّ لها، وأصدر أمره بقراءتها في قصوره، وتوزيعها على الداووين والوجوه والأعيان بعد طبعها، كما أمر بتلاوتها للانتفاع بها في المدارس المصرية، وقد طبعت هذه الرحلة مرتين وهي

1 حلية الزمن ص11.

2 تاريخ الحركة القومية، لعبد الرحمن الرافعي ج3 ص493.

3 تاريخ الحركة القومية، لعبد الرحمن الرافعي ج3 ص512.

ص: 102

أول رحلة مصرية بأروبة في تاريخ مصر الحديث، وقد انتفع بها الخاصُّ والعامُّ، بما فيها من الفوائد والتعليمات الأوربية والأزهرية1.

2-

قلائد المفاخر في غرائب الأوائل والأواخر:

وهو مجلد متوسط الحجم، ترجمه وهو في باريس، وتصرف في تعريبه بما رآه، ووضع فيه نبذةً لإيضاح ما فيه من أسماء البلدان والرجال، وحدَّث عنه بفصيح لسانه وواضح بيانه، وقد طبع ببولاق سنة 1833.

3-

المرشد الأمين في تربية البنات والبنين:

في مجلد واحد، ألفه للتعلم بمدارس البنات، وهو كتاب نفيس لم يؤلف مثله في حينه.

4-

التحفة المكتبية في النحو:

وهو كتاب لطيف يقع في مجلد، جمع فيه القواعد والأحكام والأصول النحوية، بطريقة سهلة منظمة، وحصر كل باب من هذا الكتاب في جدولٍ حتى يسهل الانتفاع به، وهو مطبوع على الحجر بمطبعة المدارس الملكية.

5-

مواقع الأفلاك في أخبار تليماك:

وهو تعريب وقائع تليماك الفرنسية، لمؤلفها الكاتب الروائي المستر "لافونتين" رئيس أساقفة "كمبراي" ترجمه رفاعة في منفاه بالخرطوم، وقد تصرَّفَ فيه كما رأى، فزاد ونقص وأفرغه في قالب عربيٍّ بديع، وهو مطبوع في بيروت.

6-

مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب المصرية:

وهو بحث يحتوي وصف مصر وبيان حضارتها وعلومها وصناعتها وأخلاق أهلها وحكومتها، وما هي عليه من اجتماع واقتصاد وسياسة، وعدا ما يشتمل عليه من بحوث قيمه في الآداب، مما هو من ثمار الكتب العربية

1 حلبة الزمن ص11.

ص: 103

والفرنسية وبحوث في الأخلاق والمواعظ، وهذا الكتاب من غرره، فهو آية في العلوم والآداب، فيَّاض بأمثال الحكماء وآداب البلغاء وكلام الشعراء، ولعله أغزركتبه مادةً، وأعمقها فائدةً، وأوفاها بيانًا.

7-

بداية القدماء وهداية الحكماء:

وهو كتابٌ يتضمن تاريخ بني إسرائيل، والسوريين، والعجم، والهنود، واليونان، وقبائل العرب في شرح وبيانٍ، بأسلوب عذبٍ، وتبويب محكمٍ، وضع خطبته رفاعة بك، واحتفل بأسلوبها المسجوع الرصين، وأبان قيمة هذا العلم، وأن التاريخ مطمح خديو مصر الأعظم محمد علي باشا، وأن له به ولعًا شديدًا، ولا سيما تاريخ اليونان المشتمل على فحول رجال تلك الأزمان.

وكان بمدرسة الألسن من يقوم بتعريب ظرفه، ويخرج دره من صدفه؛ فأعطاه رفاعة بك لجماعةٍ منهم، وقد اختص بالقسم الخاصِّ بتاريخ اليونان "مصطفى أفندي الزرابي" المترجم بالمدرسة، وما زاد عنه واضطلع به زملاء آخرون، ووضع اسم كلَّ واحد عند الجزء الذي ترجمه، وقد رأى رفاعة أن هذا المؤلف ينقص تاريخ الخليقة والعرب، وفي كتاب عماد الدين أبي الفداء سلطان حماة ما يفي بالأدب، فلذلك أضافه إلى الترجمة حرصًا على كماله.

ويقول رفاعة عن هذا الكتاب -بداية القدماء: "وهو أول ترجمة كتاب في تاريخ القدماء، جمع فأوعى، وإليه في هذه المادة الرجعة، وهو من الإتحافات الإفرنجية التي يصدق عليها قول الشاعر:

يحدث حاضرًا عنهن باد

ويتحف مغربي مشرقيًّا1

وقد تم طبع هذا الكتاب بمطبعة بولاق في ربيع الآخر سنة "1254هـ".

التعريبات الشافية لمريد الجغرافية:

ومجلد ضخم ترجمه من الفرنسية إلى العربية لتدريس الجغرافية في

1 بداية القدماء "المقدمة" ص6.

ص: 104

المدارس المصرية، وأضاف إليه بعض زيادات نافعة، وعرضه على المرحوم محمد علي باشا فارتاح له، وأمر بطبعه ونشره، وقد طبع غير مرةٍٍٍٍ، كما له في الجغرافية أيضًا كتابٌ يسمى:"الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار".

أنوار توفيق الجليل وتوثيق بني إسماعيل:

جمع هذا الكتاب من التواريخ القديمة والحديثة العربية والغربية طرفًا، فمنه تاريخ مَنْ حكموا مصر من الدول والملل في جميع الأعصر، سواء كانوا من أهلها، أم أجانب عنها، قبل الإسلام وبعده، وذلك بعد أن قسَّم التاريخ إلى أثريّ وبشريّ، ومهَّد لتاريخ مصر وقسمه أقسام وضعية مبنية على أطوارها الطبيعية، وقد طبع بمطبعة بولاق، وبأوله تقاريظ لبعض الأدباء.

وله غير ذلك.

مختصر معاهد التنصيص -وهو اختصار المعاهد مع بعض زيادات نافعة، وجمال الأجرومية وهي منظومة سهلة، المذاهب الأربعة -وهو بحث فيها ألفه حين كان ناظرًا لمدرسة الألسن وانتفع به تلامذته، وشرح لامية العرب، والقانون المدنيّ الإفرنجي؛ نقله من الفرنسية إلى العربية، وقد عاونه بعض تلامذته، وعَرّبَ أيضًا قانون التجارة الفرنسي، ومن القوانين التي عرَّبَها رفاعة وتلامذته، استمد الشارع المصريّ معظم أحكام قوانين المعاملات المدنية والمرافعات والعقوبات، تلك القوانين التي بُنِيَ على أساسها النظام القضائيّ الحديث، ومن ذلك يتبين فضل رفاعة بك وتلامذته في إقامة صرح العدالة في مصر1.

ومن آثاره أيضًا كتاب "هندسة ساسير" وترجمه من الفرنسية إلى العربية، وكتاب "نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز" وكان آخر مؤلفاته هذا الكتاب2 وقد عَرّبَ طائفةً أخرى من الرسائل منها:

1 تاريخ الحركة القومية، لعبد الرحمن بك ج3 ص496.

2 نشر هذه الكتاب تباعًا بمجلة "روضة المارس" في العدد 4 من السنة الثانية، وما وليه من السنة الثالثة والرابعة والخامسة.

ص: 105

نبذة في تاريخ الأسكند، مأخوذة من تاريخ القدماء، وكتاب "أصول المعادن" وتقويم سنة 1244 من الهجرة، ألفه مسيو "جومار" لاستعمار مصر والشام، وهو يتضمن شذارت عملية وتدبيرية، وكتاب "دائرة العلوم في أخلاق الأمم وعوائدها" ومقدمة جغرافية طبعية، وله ثلاث مقالات من كتاب "لجندر" في علم الهندسة، ونبذة في علم الهيئة، وقطعة من علميات الضباط، وله أصول الحقوق الطبعية التي عتبرها الإفرنج أصلًا لأحكامهم، ونبذة في جاهلية اليونان وخرافتهم، ونبذة في علم سياسة الصحة، ومن مؤلفاته "رسالة الكواكب النيرة في ليالي أفراح العزيز المقمرة" في تهاني الخديوي إسماعيل بأفراح أنجاله.

رفاعة "ومونتسكيو ومطلبرون" 1:

أشار رفاعة بك في بعض شعره الذي نظمه في السودان إلى أنه عَرَّبَ لمونتسكيو وملطبرون، فقال:

على عدد التواتر معرباتي

تفي بفنون سلم أو جهاد

وملطبرون يشهد وهو عدل

ومونتسكيو يقر بلا تماد

وقد أكد هذه الإشارة الدالة على تعريبه لهما الشيخ محمود كشك الطهطاوي، الذي أشرف على تصحيح الطبعة الثانية من كتاب "مناهج الألباب" فقد نوّه بجهد محمد بك رفاعة" حفيد رفاعة بك في نشر هذا الكتاب، وأن همته ستشع لأحياء بقية الكتب الأخرى التي ترجمها رفاعة بك عن الفرنسية كرواية "تليماك" وتجرمة ملطبرون ومونتسكيو وغيرها.

وأورد بعد ذلك صورة الخطاب الذي كتبه المرحوم الشيخ عبد الكريم سلمان إلى حفيد رفاعة بك، وقال فيه:"فاجعل كتابي هذا غير قاصر على تقريظ عملك الجديد المفيد، ومده إلى إيجاد ذينك السفرين" ترجمة ملطبرون

1 استأنسنا في هذا البحث بكلمة للأستاذ جمالة الدين الشيال الشايب، نشرت في مجلة الثقافة العدد 250.

ص: 106

ومونتسكيو، ولقد رويت عن عمك الأعز رحمه الله أن والده الأكرم -أكرم الله موثاهما- ترجمهما، وأن نسختهما موجودة، وأسمعني ما بقيت حافظه إلى الآن، مما يبرهن على أنه -طيَّبَ الله ثراه- ترجمهما، وهو:

وملطبرون يشهد وهو عدلٌ

ومونتسكيو يقول ولا يماري1

وعلَّق على هذا الخطاب بقوله: ونحن نَزُفُّ البشرى إلى الجمهور بوجود أصل هذين الكتابين في خزانة كتب المؤلف، وتعويل حضرة حفيده الأكرم على طبعهما إجابة لطلب فضلية الأستاذ، وحبًّا في تعميم النفع لأبناء العصر.

هذه دلائل قوية على ترجمة رفاعة بك لهذين الكتابين، ولكن بالرجوع إلى ما ترجم رفاعة في عهدي محمد على وإسماعيل باشا، لا توجد ترجمة مونتسكيو من بينهما، غاية الأمر أنه قرأ له، وتاثر به، وخاصَّةً كتاب "منهاج الألباب العصرية" فهو متأثر فيه بكتاب مونتسكيو، إلّا كتاب "براهان البيان وبيان البرهان في استكمال واختلال دولة الرومان"2 وكانت الترجمة تحت إشراف رفاعة، وقد ترجم هذا الكتاب الأخير حسن أفندي الجبيلي، وانتهى من ترجمته في12 من ربيع الآخر سنة "1210هـ" أي: بعد وفاة رفاعة، وتَمَّ طبع هذا الكتاب بعد ثلاث سنوات، في ذي القعدة سنة "1293هـ"، ومعنى ذلك: أن ليس فيما ترجم لمونتسكيو مما هو ثبت في الكتب المترجمة في عهدي محمد علي وإسماعيل إلا "بيان البرهان" ورفاعة فاخر بترجمة مونتسكيو في شعره، فلم يبق إلّا أن مسودات الكتاب في خزانة كتبه، أو امتدت إليه يد الضياع فعبثت به.

1 روى المرحوم الشيخ عبد الكريم سلمان البيت هكذا، ولعل حافظته هي المسئولة عن تغيير الروي.

2 جمال الدين الشيال في العدد 205 من مجلة الثقافة.

ص: 107

أما جغرافية "ملطبرون" فقد عَرّبَ رفاعة منها أربعة مجلدات، وبقيت مجلدات أخرى بغير تعريب، ويقول جورجي زيدان:"ويظهر من مطالعتها أنه ترجمها على عجل، والواقع يؤيد ذلك؛ لأننا علمنا أنه ترجم مجلدًا منها في ستين يومًا سنة 1265هـ1".

وقد عَرَّبَ الجزء الأول منها بعنوان: "الجغرافية العمومية"2.

هذه آثار رفاعة التي كونت نهضةً أدبيَّةً علميةً، وسجَّلَت له بين العباقرة الأفذاذ ذكرًا محمودًا، وأثرًا مخلدًا، وله عدا ذلك ما ترجمه من تاريخٍ وأدبٍ وعلمٍ وفنٍّ شارك في تعريبها وتهذيبها النابهين من المؤلفين والمترجمين، ويقول جورجي زيدان:"وله من الرسائل والمقالات شيء كثير، وقفنا على بعضه3".

والحق أن رفاعة كان علم هذه النهضة، والمثل الرفيع للنباهة والجد والمثابرة، نشر العلم في أوساط فسيحة، وأسَّسَ نهضةً علميةً متوثبةً، وفتح للمتعلمين آفاقًا واسعةً لم يكن لهم بها عهدٌ، وذوقهم معنى العلم الصحيح، وشوقهم للاستزادة منه، وبصرهم بعيوبهم، وأبان المناهج لتكميل نقصهم، وليس ذلك بقليل على رجل4.

أسلوب رفاعة:

نشره:

كان رفاعه متأثرًا في أدبه بروح عصره، خاضعًا للتعمل والتكلف، متهافتًا

1 تراجم أشهر مشاهر الشرق، لجورجي زيدان ج2 ص22.

2 تاريخ الحركة القومية، لعبد الرحمن الرافعي ج3 ص 512.

3 تراجم أشهر مشاهير أدباء الشرق، لجورجي زيدان ج2 ص23.

4 أحمد أمين، العدد 235 من مجلة الثقافة.

ص: 108

على الصنعة، وكثيرًا ما يتعثر في السجع المصطنع، ويشد أنواع البديع شدًّا، ولكنه على رغم ذلك، أحد دعائم النهضة الأدبية، وأحد الذين تأثروا بأسلوب الغرب، وظهر عليهم طابعه من طول ما ترجم من علومه وفنونه، وإنه وإن كان في أسلوبه السجع المتكلف الممزوج بحسن اختيار الألفاظ وبلاغة العبارة، تجد في مؤلفاته السهل الممتع الذي يشبه أجود أساليب الصحف اليومية عندنا الآن1 وتتنسم منه روح الترسل والاطراد.

شعره:

أما عشره فهو متصل بنثره في طابعه العام، يتهافت على التصنع، وينجذب إلى البديع، وقد يكون في شعره ضعيفًا أشبه ما يكون بشعر الفقهاء2 إلّا أنه له مع ذلك خيالًا خصبًا، وتصويرًا رائعًا، وسهولةً متدفقةً، تجد ذلك أحيانًا في شعره، تأثرًا بالغرب الذي تمشى في بلاده، وأطال التقليب في ثقافته وشعره، بعد المرحلة التي عبرها الشعر العربيّ إلى مرحلة التجديد التي ظهر فيها أمثال البارودي وشوق وحافظ وإسماعيل صبري وغيرهم.

ولرفاعة قصائد وموشحات وأراجيز، وهي على كثرتها، على حظٍّ من الجودة، وله في المرحوم محمد علي ونجله الأكبر إبراهيم المدائح التي سارت بها الركبان، وله في مدح المرحوم سعيد من القصائد والمربعات والمخمسات والتواشيح والأدوار الكثير الطيب مما هو محفوظ في الصدور، مرقوم في السطور3 وله ديوانٌ يبلغ أربعة آلاف بيتٍ من الشعر.

1 المرحوم الدكتور أحمد ضيف، مقتطف شهر مايو سنة 1926.

2 أحمد أمين، مجلة الثقافة عدد 235.

3 الخطط التوفيقية ج13 ص 55.

ص: 109

نماذج من نشره:

كتب في "تخليص الإبريز" تعليقًا على موقف الملك شارل لما قامت الثورة في باريس فقال:

فلما اشتد الأمر، وعلم الملك بذلك، وهوخارج أمر بجعل المدينةمحاصرة حكمًا، وجعل قائد العسكر أميرًا على أعداء الفرنساوية، مشهورًا عندهم بالخيانة لمذهب الحرية، مع أن هذا خلاف الكياسة والسياسة والرياسة، فقد دلَّهم هذا على أن الملك ليس جليل الرأي، فإنه لو كان كذلك لأظهر أمارات العفو والسماح، فإن عفو الملك أبقى للملك، ولما ولّى على عساكره إلى جماعة عقلاء أحبابًا له وللرعية، غير مبغوضين ولا أعداء، ولكنه أراد هلاك رعيته حيث أنزلهم منزلة أعدائه، مع أن اصطلاح العدو أحزم من استهلاكه، ويحسن قول بعضهم:

عليك بالحلم وبالحياء

والرفق المذنب والإغضاء

وإن لم تقل عثرة من يقال

يوشك أن يصيبك الجهال

فعاد عليه ما فعله بنقيض مراده، وبنظير ما نواه لأضداده، فلو أنعم في إعطاء الحرية لأمة بهذه الصفة حرية، لما وقع في مثل هذه الحيرة، ونزل عن كرسيه في هذه المحنة الأخيرة، لا سيما وقد عهد للفرنساوية بصفة الحرية، وألفوها واعتادوا عليها، وصارت عندهم من الصفات النفسية. وما أحسن قول الشاعر:

وللناس عادات وقد ألفوا به

لها سنن يرعونها وفروض

فمن لم يعاشروهم على العرف بينهم

فذلك ثقيل عندهم وبغيض

من كلامه في حب الوطن:

"إن حب الوطن من الإيمان، ومن طبع الأحرار إحراز الحنين إلى الأوطان، ومولد الإنسان على الدوام محبوب، ومنشؤه مألوف له ومرغوب، ولأرضك حرمة وطنها، كما لوالدتك حق لبنها، والكريم لا يجفو أرضًا بها

ص: 110

قوابله، ولا ينسى داراً فيها قبائله، فإني وإن ألبستني المحروسة نعمًا، ورفعت لي بين أمثالي علمًا، وكانت أم الوطن العامِّ، وولية الآلاء والأنعام، وأحبها حبًّا جمًّا؛ لأنها ولية النعما.

وقضيت فيها الأربعين مجاورًا

كرام السجايا والبحور الطواميا

فلا زلت أتشوق إلى وطني الخصوصي، وأتشوق وأتطلع إلى أخباره السارة وأتعرف، ولا أساوي "بطهطا" الخصبة سواها في القيام بالحقوق وإكرام مثواها.

منازل لست أهوى غيرها سقيت

حبًّا يعم وخُصَّتْ بالتحيات

وأمنحها زمنًا بعد زمن الزيارة، وأجد فيها من هبات الحكومة بالعمارة، وأبذل في محبتها النفيس والنفس لتحصيل الأراضي للزرع والغرس، وأفتخر بها كما افتخر -عصام- بالنفس، وأنشد قول الحافظ كمال الدين الأدفوي:

أحسن إلى أرض الصعيد وأهله

ويزداد وجدي حين تبدو قباليا

وتذكرها في ظلمة اليل مهجتي

فتجري دموعًا إذ يزيد التهابيا

ومما قاله في مقدمة "تليماك":

أما بعد: فيقول المرتجى أن يكون لوطنه خير نافع، رفاعة بدوي رافع، ناظر قلم الترجمة بديوان المدارس، قد تقلدت بعناية لحكومة المصرية الفائقة على سائر الأمصار، في عصر المحمدية العلوية السامي على سائر الأعصار، بوظيفة تربية التلاميذ مدةً مديدةً وسنين عديدةً، نظارةً وتعليمًا وترتيبًا وتنظيمًا، وتخرَّج من نارات تعليمي من المتفننين رجال لهم في مضمار السبق، وميدان المعارف وسيع مجال، وفي صناعة النثر والنظم أبهر بديهة، وأبهى روية، وأزهى ارتجال، وحماة صفوف لا يبارون في نضالٍ ولا سجال، وعرَّبت لتعليمهم من الفرنساوية والمؤلفات الجمة، وصححت لهم مترجمات الكتب المهمة من كل كتاب عظيم المناقع، وتوفق حسن تمثيلها في مطبعة الحكومة وطبعها، ومالت طباع الجميع إلى مطبوع ذوقها وطبعها، وسارت بها الركبان في سائر البلدان

ص: 111

وحدا بها الحادي في وادٍ، وقصدها القصاد كأنها حسان، وكان زمني إلى ذلك مصروفًا، ديدني بذلك معروفًا، مجاراةً لأمير الزمن -يريد محمد علي- على تحسين حال الوطن الذي حبه من شعب الإيمان، وفي مدة نحو ثلاثين لم يحصل لهمتي فتور ولا قصور.

فإذا ملكت فجد فإن لم تستطع

فاجهد بوسعك كله أن تنفعا

نماذج من شعره:

قال وهو في باريس يحن إلى مصر وأهلها:

ناح الحمام على غصون البان

فأباح شيمة مغرم ولهان

ما خلته مذ صاح لا أنه

أضحى فقيد أليفه ومعاني

وكأنه يُلْقِي إليَّ إشارة

كيف اصطباري مذ نأى خلَّاني

مع أنني والله مذ فارقتهم

ما طاب لي عيش وصفو زماني

لكنني صب أصون تلهفي

حتى كأني لست باللهفان

وبباطن الأحشاء نار لو بدت

جمراتها ما طاقها الثقلان

أبكي دمًا من مهجاتي لفراقهم

وأود أن لا تشعر العينان

لي مذهب في عشقهم ورايته

ومذاهب العشاق في إعلان

ماذا عليّ إذا كتمت صبابتي

حتى لو أن الموت في الكتمان

وانتقل إلى التغني بمحاسن مصر فقال:

هذا لعمري أن فيه سادة

قد زينوا بالحسن والإحسان

يأيها الخافي عليك فخارها

فإليك أن الشاهد الحسنان

ص: 112

ولئن حلفت بأن مصر لجنة

وقطوفها للفائزين دواني

والنيل كوثرها الشهيّ شرابه

لأبرّ كل البرّ في أيماني

دار يحقُّ لها التفاخر سيما

بعزيزها جدوى بني عثمان

وقال يخاطب الجنود المصريين:

يا أيها الجنود

والقادة الأسود

إن أمكم حسود

يعود هامي الممدمع

فكم لكم حورب

بنصركم تؤوب

لم تثنكم خطوب

ولا اقتحام معمع

وكم شهدتم الوغى

وكم هزمتهم من بغى

فمن تعدّى وطغى

على حماكم يصرع

وقد يمدح محمد عليًّا:

ملأ الكون بشرًا عدله واعتداله

وأغنى البرايا برّه ونواله

حوى عزم كسرى في مهابة قيصر

وما اسكندر في هزم "دارًا" مثاله

متى قسته منهم بفرد ظلمته

فقد زينت كل الملوك خلاله

عظيم مقال ما كبا زند رأيه

سني فعال لا تسامي فعاله

يقول أناس طالع السعد حظه

وما السعد إلّا عقلة وعقاله

على الدهر نذر قد وفَّى فيه وعده

ببحر خِضَمٍّ قد روتنا سجاله

يفيض على العافي الجنوح فراته

ويطفو على الجافي الجموع زلاله1

1 العافي: الرائد، والوراد، والضعيف، وكل طالب فضل أورزق؛ كالمتعفي الجنوح الميال، ومن جنح بمعنى مال؟ والجافي: يقال: جفاني فلان، فعل بي ما ساءني، واستجفيته. وثوب جاف غليظ "أساس البلاغة".

الجموح: جمح الفرس؛ كمنع جمحًا وجموحًا وجماحًا، اغتر فارسه وغلبه "قاموس"، زلاله: الزلال ماء زلال صافٍ يزل في الحلق، ومنه: ذهب وفضة زلال، قال ذو الرمة:

ص: 113

مآثره بين الأنام مفاخر

وآثاره لا تنتهي وكماله

دهت كل ذي فهم عزائم حزمه

وما فوقت إلّا أصابت نباله

تراه دوامًا ظافرًا بعزيمة

ويحنو على مَنْ كبلته حباله

أما أنه مولى شمائله بما

حنان لمن تجنى عليه شماله

"لمصر" به شأن طريف زهت به

وهزّ عنيف قد أظلت ظلاله

ألَا أيها المرتاب في أن قطرنا

يفوق على كل الرجال رجاله

لها الآن في كل النواحي أدلة

بها زال عن رب الجدال جداله

أتاح لها الموالي مليكًا قد انتمى

إليها ومن أقصى البلاد ارتحاله

محمد أفعال على مكارم

بديع صفات لا تعد فعاله

وما مثلها مقدونيا إذ أتت به

وقد كان فيها حمله وفصاله

منازل منها "اسكندر" فاتح الورى

وإن لم يكن عم الأمير فخاله

=

كأن جلودهن مموهات

على أبشارها ذهبا زلالا

أساس البلاغة.

ص: 114