الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصبغة العامة في شعر الأزهريين:
لشعر الأزهريين طابع يسوده، وصبغة تتمثل فيه، تطالع من يبحث في دواوينهم، ويمعن النظر في شعرهم.
ولما كانت الحياة العلمية هي التي شغلتهم، واستنفدت جهدهم رأيناهم قد تأثروا بالعلم في أسلوبه وتعبيره، ونضجت أقلامهم بهذه النزعة العلمية، واستعملوا ألفاظها في تصوير خيالهم الشعري، كل حسب ما تأثر به من نحو أو صرف أو بيان، أو منطق أو فلسفة أو فقه، أو غير ذلك مما شغلوا به متفاوتين في هذا التأثر.
وكان ظهور هذه الأساليب، والمصطلحات العلمية في شعرهم طبعيا؛ لأنها ملكت عليهم قواهم، وكانت حديث ألسنتهم، ومجال دراستهم وأداة ثقافتهم، فلم يكن من المستطاع لهم أن يتخلوا عنها مهما جهدوا، ولا أن يتحرروا منها التحرر كله مهما حاولوا ذلك.
شاعت الألفاظ العلمية في شعرهم، وظهرت في قصائد هو فذهبت بغير قليل من جمال الشعر وبهائه، وروعته وروائه، فإن الألفاظ العلمية جافة غليظة لا تعطيك من الروعة والأخذ، وحسن الموقع ما تجده من الألفاظ الشعرية الرقيقة العذبة، وقد يكون لنضوب معينهم الشعري، وجدب خيالهم وافتقارهم من المعاني ما دفعهم إلى التحلي بهذه الألفاظ بجانب تأثرهم بها ظنا منهم أن في تناولها دليلا على قدرتهم وتمهرهم، على أن هذه النزعة سرت إليهم من شعراء المماليك، فقد كانوا مغرقين في إدخال المصطلحات العلمية في شعرهم.
هذا وقد حرر "ابن خلدون" في ذلك بحثا ممتعا ذهب فيه إلى أن "الفقهاء، وأهل العلوم قاصرون في البلاغة، وما ذلك إلا لما يسبق إلى محفوظهم، ويمتلئ به من القوانين العلمية، والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة
والنازلة عن الطبقة؛ لأن العبارات عن القوانين والعلوم لاحظ لها في البلاغة. فإذا سبق ذلك المحفوظ إلى الفكر وكثر، وتلونت به النفس جاءت الملكة الناشئة عنه في غاية القصور".
ويقول: "وأخبرني صاحبنا الفاضل: "أبو القاسم بن رضوان" قال: -ذكرت يوما صاحبنا "أبا العباس بن شعيب" كاتب السلطان "أبي الحسن"، وكان المقدم في البصر باللسان لعهده، فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي، ولم أنبها له وهو هذا:
لم أدر حين وقفت بالأطلال
…
ما الفرق بين جديدها والبالي
فقال لي على البديهة: هذا شعر فقيه. فقلت: ومن أين لك ذلك؟ فقال: من قوله: من الفرق إذ هي من عبارات الفقهاء، وليست من أساليب كلام العرب. فقلت: لله أبوك إنه ابن النحوي1.
وإنا نسوق أمثلة من شعرهم ناطقة بصحة هذه الدعوى.
يقول الشيخ "حسن قويدر الخليلي":
خاطرت لما أن رأيته خطر
…
وحار فكري في بها ذاك الحور
وقلت: لا والله ما هذا بشر
…
ومن بشمس قاسه أو بقمر
فليس عندي بالقياس بدري
فلكمة "بالقياس" من مصطلحات علم المنطق استعملها الشاعر في شعره، وهو الذي يقول أيضا:
والنوفر الرطب يقول جسمي
…
كجسمه في حده والرسم
لكنني مخالف في الاسم
…
من أجل هذا حكموا بوسمي
وغرقوني وسط هذا البحر
فكلمة "الحد والرسم" من أدوات علم المنطق عدا ما أشار إليه الشاعر
1 مقدمة ابن خلدون ص578.
من قياس، فخلاصة المعنى تشير إلى تركيب الكلام تركيبا منطقيا على طريقة القياس الذي صغراه الشطران الأولان أي جسمي يماثله في الحد والرسم، وكبراء مطوية قائلة -وكل ما يماثله حدا ورسما يغرق في البحر، والنتيجة المشار إليها بالشطر الأخير قائلة-، فهذا النبات يغرق في البحر، ويقول الشيخ "مصطفى الصاوي" المتوفى سنة 1216هـ.
وغدا بنطق كماله يبدي لنا
…
عين النتيجة ضمن شكل أنور
فالنتيجة والشكل كلاهما من مصطلحات علم المنطق.
ويقول الشيخ "محمد شهاب الدين المصري" في قصيدته التي أنشأها لتكتب على جامع القلعة:
عروس كنوز قد تحلت بعسجد
…
مكللة تيجانها بالزبرجد
أم الجنة المبني عالي قصورها
…
بأبهج ياقوت وأبهى زمرد
أم المكرمات الآصفية أبدعت
…
هيولي أعاجيب بصورة مسجد
ويقول أيضا:
شخص ولكن هيولي روحه ملك
…
وجسمه صورة في شكل قديس
فكلمة "هيولي" المتكررة إنما هي من مصطلح علم الفلسفة.
ويقول الشيخ "مصطفى الصاوي":
نزلنا بهذا القصر والنيل تحته
…
فلله قصر قد تعاظم بالمد
وروي بالقصر عن معنييه ضد المد، وهو من مصطلح علم الصرف والبيت العظيم، كما روي بالمد عن معنييه ضد القصر الذي هو من مصطلح علم الصرف، وارتفاع الماء الذي هو ضد "الجزر".
ويقول "عبد الله فكري باشا":
جمعتهم الأقدار جمع سلامة
…
والله في أقداره مختار
فقد روي "بجمع سلامة" عن معنييه جمع المذكر السالم الذي سلم بناء
مفرده من التغير وهو من مصطلح الصرف، وجمع السلامة من كل ما يسوء.
ويقول الشيخ "حسن العطار":
كر القلب وما كان التقى
…
فيه من حين هواه ساكنان
وقد أخذ هذا المعنى من قول الشاعر:
يا ساكنا قلبي المعنى
…
وليس فيه سواك ثان
بأي معنى كسرت قلبي
…
وما التقى فيه ساكنان
ويقول الشيخ "حسن العطار" أيضًا:
وكيف أعبر عن حالة
…
ضيرك مني بها أعرف
فقد روي في البيتين بمصطلحات النحو.
ويقول الشيخ "محمد شهاب الدين" المصري مادحا "مصطفى بك المختار" مدير ديوان المدارس إذ ذاك:
رأيت "حالا مضى""فعل"
…
"أبرز" في "شأنه""الضمير"
فقد روي بالكلمات "حالا" و"مضى" و"فعل"، و"أبرز" و"شأنه" و"الضمير" عن معانيها النحوية.
وتدور في شعرهم أيضًا الألفاظ المصطلح عليها في علم الحديث، ومن ذلك ما يقوله الشيخ "مصطفى الصاوي".
"ويسند""إرسال" السحاب لدمعه
…
"مسلسل" أحزان بوجد مجدد
فالكلمات "يسند" و"إرسال" و"مسلسل" مصطلح علم الحديث، وألفاظه الشائعة فيه.
ومن ألفاظ علم الحديث المستعملة في شعرهم ما قاله الشيخ "محمد شهاب الدين" المصري يمدح "إبراهيم رأفت بك" الذي كان وكيلا لديوان المدارس:
إني على دعوى الهوى
…
والحب لي حجج قويه
وحديث أشواقي إليـ
…
ـك مسلسل بالأولية
ويقول الشيخ "عبد الهادي نجا الأبياري":
فارفع حديثك في ضعيف لحاظها
…
يا عاذلي فحديث وجدي أرفع
وصحيح حبي مسند لضعيف جفنيها يعنعنه الهوى، وينعنع1 الأبيات الأربعة حافلة بالألفاظ الشائعة في هذا العلم التي هي من مصطلحاته وتعبيره.
وتجري في شعرهم ألفاظ علوم البلاغة، وتعبيراتها الخاصة بها كقول الشيخ "محمد
شهاب الدين المصري":
ما لأيديه في الحقيقة "شبه"
…
إذ "مجاز" النوال فيهن "مرسل"
فالحقيقة والمجاز، والمرسل من مصطلح علم البيان، ويقول:
هو الفلك المحيط بكل معنى
…
وفياض الفضائل في الأنام
"بيان" حلى "معناه""بديع"
…
وسحر حديثه حكم الكلام
فالبيان والمعاني الذي أشار إليه بمعناه، والبديع إنما هي أسماء لعلوم البلاغة.
وتجد في شعرهم كثيرًا من الألفاظ الفقهية، وما يجري على ألسنة الفقهاء كقول الشيخ "حسن قويدر الخليلي":
دعواكم يأيها الزهور
…
كما زعمتم باطل وزور
وكلكم بنفسه مغرور
…
وواجب في حقه التعزير
من جملة التعزير لوم الحر
فالتعزير الواجب الذي تحدث الشاعر عنه، إنما هو من تعبير الفقهاء، ويقول "السيد علي أبو النصر المنفلوطي":
وحبكم كل وقت
…
فرائض لا نوافل
فلفظا الفرائض والنوافل من الألفاظ الجارية على ألسنة الفقهاء.
ومما استعملوه من مصطلح العروض في شعرهم ما يقوله "عبد الله فكري باشا" في الخديو "توفيق"، ووصف بوارجه.
1 النعنعة: حكاية صوت -والتنعنع الاضطراب والتمايل والتباعد.
دوارع يلقين المخاوف آمنًا
…
بها سر بها من كل هول ومرغم1
من اللاء لا يتركن حصنا محصنا
…
ولا أنف برج شامخ غير مرغم
يطارحن أسلوب المدافع في الوغى
…
بكل رجيح "وزنه" عير أخرم2
فقد روي بالوصف أخرم الذي يحتمل أن يكون مرادًا به ما هو من ألفاظ العروض، أو كمال القذيفة التي يطلقها مدفع البارجة.
بل إنك لتعثر في شعرهم على الحوار الذي يجري على ألسنة العلماء في تشقيق البحث، وتفريع المسائل بقولهم فإن قيل، وقلنا، واستمع إلى الشيخ "حسن قويدر الخليلي إذ يقول:
إن قيل: بدر قلت: ذا قريب
…
وكامل في الحسن لا يغيب
والبدر فيه كلف يعيب
…
وذا الرشا جماله عجيب3
والفرق ظاهر لدى من بدري
فهاتان الكلمتان "إن قيل وقلت" كلتاهما مما يدور في أفواه العلماء الأزهريين في دراسة المسائل، وتقرير البحوث العلمية، ولا ننسى كلمة والفرق ظاهر أيضا، فإنها تنحدر من هذا الوادي.
ومما يحسن أن نشير إليه أن هذا الشاعر أخذ هذا المعنى من قول البهاء زهير في مثل هذا الغرض، وهو الموازنة بدره وبدر السماء، إذ قال:"البهاء زهير":
يهنيك بدرك حاضر
…
يا ليت بدري كان حاضر
حتى يبين لناظري
…
من منهما زاه وزاهر
بدري أرق محاسنا
…
والفرق مثل الصبح ظاهر
1 في الأساس رغم أنفه، ولأنفه الرغم والمرغم الذلة.
2 الخرم: أنف الجبل وفي الشعر ذهاب الفاء من فعولن، أو الميم من مفاعلن والبيت مخروم وأخرم "قاموس".
3 كلف الوجه كلفا تغيرت بشرته بلون علاه قال الأزهري: ويقال للبهق كلف، وخد أكلف أي أسفع.
وهذا التعبير "والفرق ظاهر" مع أن فيه تورية بين فرق الشعر، والفرق والذي هو الفصل بين الشيئين هو من مصطلح العلم وأسلوبه.
ويقول الشيخ "حسن قويدر الخليلي" أيضًا:
فقال: لا بد من الفراق
…
ولو رقانا اليوم ألف راق
قلت: إذن يا ناعس الأحداق
…
فهل يكون بعده تلاق
فقال: إن العسر ضد اليسر
فكلمة "فقال" المكررة وقلت: من سدى التشقيق العلمي ولحمته مع ملاحظة أن لفظ الضد علمي أيضا.
وتلك هي كلمة نفرض فرضا التي هي مما يشيع في دراستهم، وتتناولها ألسنتهم وكلمة "والله أعلم" التي يختم بها العلماء الأجلاء بحوثهم العلمية تأليفا، ودراسة للتواضع ومجانبة الزهو يستعملها أحد شعراء الأزهر، وهو المرحوم الشيخ "محمد الأمير" المتوفى سنة 1332هـ، حيث يقول في الحث على الزهد:
دع الدنيا فليس بها سرور
…
يتم ولا من الأحزان تسلم
ونفرض أنه قد تم فرضا
…
فغم زواله أمر محتسم
فكن فيها غريبا ثم هيئ
…
إلى دار البقاء ما فيه مغنم
وإن لا بد من لهو فلهو
…
بشيء نافع والله أعلم
وهذه كلمة على فرض أن ذلك قد كان، وتسليم قولك يستعملها الشيخ "عبد الهادي نجا الإبياري" في شعره كاملة غير منقوصة، وذلك حيث يقول:
أين كانت قل لي لديكم جوار
…
من لدن آدم لهذا النهار
وعلى فرض أن ذلك قد كا
…
ن وتسليم قولك الفشار1
1 في القاموس -الفشار "كغراب" الذي تستعمله العامة بمعنى الهذيان ليس من كلام العرب.
ما الذي كان لي بهن من الآ
…
راب حتى إذ بان بان مزاري
وبتسليم أن ذلك قد كا
…
ن فقل لي فداك عصية جاري
وهاتان كلمتا زيد وعمرو الشائعتان في أفواه الأزهريين، وفي كتبهم للتمثيل للفاعل والمفعول، وغيرهما يأبى كثير من شعراء الأزهر إلا أن يسلكهما في شعره، ويديرهما في قريضه، كما يقول "عبد الله فكري باشا":
ترقت حلالها عن سواك وراقها
…
علاك فلم تجنح لزيد ولا عمرو
ويقول "السيد علي الدرويش":
خليلي فيها غنياني على الطلا
…
ولا تذكر إلى "حال" زيد ولا عمرو
فهو يريد أن يمتع نفسه بالغناء ليستمع له على الطلا، ولا يود أن يحدث بشيء عن حال زيد وعمرو من الناس، فقد سئم الحديث عنهما، وأراد أن يهجره إلى هذا المتاع، وقد يكون المعنى أنه يريد أن حرمة الغناء والشراب دون الغيبة بالحديث عن زيد وعمرو، أو أراد أن يفر من الجد، والدرس والكلام عن زيد وعمرو في مسائل النحو إلى ما ذكره من متعة الغناء والطلا، وأيا ما كان فقد تأثر بهذين اللفظين اللذين يدوران في المسائل النحوية، فتسللا إلى شعره.
استخدامهم الشعر في مسائل العلم:
ولما كان العلم هو شغل العلماء الأول، ومناط حرصهم ومثار اهتمامهم والمالك قواهم وجهودهم، بذلوا في تقييده وسائل مختلفة، واتخذوا الشعر إحدى هذه الوسائل، فأخضعوه للعلم وأودعوه مسائله ومشاكله، وعبروا به عن شوارده، وضمنوه ألغازا وحوارا وقواعد، وعساه أن يكون بهذه المثابة نظما لا شعرا، إذ أنه مقفر من الخيال، خلو من الفن عار من الروعة والسحر، ومن هذا الوادي كل ما نظموه في علومهم المختلفة.
فمن حوارهم العلمي الذي اتخذ الشعر أسلوبا له ما وقع بين الشيخ "محمد الأمير"، والشيخ "العوضي" المتوفى سنة 1214هـ، إذ يقول الأول:
حي الفقيه الشافعي وقل له
…
ما ذلك الحكم الذي يستغرب
نجس عفوا عنه فإن يخلط به
…
نجس فإن العفو باق يصحب
وإذا طرا بدل النجاسة طاهر
…
لا عفو بأهل الذكاء تعجبوا
ويجيبه الثاني بقوله:
حييت إذ حييتنا وسألتنا
…
مستغربا من حيث لا يستغرب
العفو عن نجس عراه مثله
…
من جنسه لا مطلقا فاستوعبوا
والشيء ليس يصان عن أمثاله
…
لكنه للأجنبي يجنب
وأراك قد "أطلقت ما قد قيدوا"
…
وهو العجيب وفهم ذلك أعجب
اقتباسهم من القرآن والحديث:
ومن الظواهر العامة في شعرهم إشراق القرآن في مجاليه، وظهوره في كثير من نواحيه، واقتباسهم من القرآن في شعرهم أمر طبعي؛ لأنهم أشد عناية بحفظ القرآن، ودراسة تفسيره واستنباط الأحكام الشرعية منه، واكتناها لأسراره وفهما لمغزاه، وتأدبا بأدبه وتذوقا لبلاغته، كما اقتبسوا من الأدب النبوي كثيرا من آياته البينات التي جرت على ألسنتهم من طول ما أخذوا من أحكامه الشرعية وآدابه الرفيعة، فمن اقتباسهم من القرآن قول الشيخ "حسن قويدر الخليلي":
فقال طب نفسا فقد زال الألم
…
والصفو من كل الجهات قد ألم
كأنه يتلو على القلب ألم
…
نشرح لك الصدر بهذه النعم
روض ووجه حسن ونهر
ويقول الشيخ "حسن العطار":
مرج البحرين فيضا دمعه
…
إذ رأى جفنيه لا يلتقيان
ويقول "السيد علي درويش" يمدح المرحوم محمد علي باشا، ويؤرخ مجيء الجراد عام البقر سنة 1259هـ:
لواحة للأرض لا
…
تبقي البنات ولا تذر
وصغيرة في حجمها
…
لكنها إحدى الكبر
ويقول "عبد الله فكري باشا":
أليس بكاف عبده وهو قائم
…
على كل نفس بالقضاء المحتم
كما يقول:
فمن بالعفو إني
…
منه على غير ياس
وإن عتبت فحق
…
"وما أبرئ نفسي"
ومن اقتباسهم من الحديث النبوي قول الشيخ "مصطفى الصاوي":
فالصبر عند الصدمة الأولى رضا
…
ما حيلة المحتال إن لم يصبر
وقول "عبد الله فكري باشا":
ألا إن أوساط الأمور خيارها
…
مقال نبي عن هدى الله مخبر
وخير عباد الله أنفعهم له
…
كما جاء في قول النذير المبشر
وقول "السيد عبد الله نديم":
دع عنك لومي في شيء خصت به
…
وانظر لنفسك تعذر مثلك الجاني
فتركك الشيء لا يعنيك منقبة
…
بل ذاك للمرء يدعى حسن إيمان
قراعة وعبد المطلب:
فضل الأزهر على المرحوم "محمد عبد المطلب" الشاعر معروف لا يجحد فقد اغتذى بثقافته في الصبا سبع سنين قضاها بين طلابه، وهي فترة ليست قصيرة في حساب ذوي الملكات والموهوبين، ثم التحق بمدرسة دار العلوم فدرس كتب الأزهر فيها، وتلقى العلم على أساتذه الأزهر بها كالشيخ "حسن الطويل" والشيخ "حسونه النواوي"، والشيخ "سليمان العبد"، وغيرهم من العلماء والأدباء الذين أمدوا هذه المدرسة بالحياة، ولولا أننا قصرنا حديث دراستنا على الأزهريين بدءا ونهاية لكان "عبد المطلب" أحد الذين نتناول حياتهم بالإسهاب، وشعرهم بالدراسة والتحليل، ولكنا نلمح إلى اغتذاثه بثقافة الأزهر، وانتفاعه بعد مرحلة الطلب به بعلم من شعرائه الأفذاذ، وهو المرحوم الشيخ "عبد الرحمن قراعة".
حين تخرج "محمد عبد المطلب" من مدرسة دار العلوم أصبح مدرسا بمدرسة سوهاج الابتدائية حيث قضى بها بضع سنين، ذاع صيته فيها بين كبار الحكام والأعيان، وتعطرت مجالسهم بخطبه وقصائده، واختصه منهم بصداقته علامتنا الفاضل الشيخ "عبد الرحمن قراعة" فاقتبس كثيرا من علمه وأدبه، وطيب أخلاقه وسجاياه1.
وانعقدت الصداقة بين الرجلين، والمرحوم الشيخ "قراعة" أديب كبير، وعالم فذ وشاعر ضخم، فكان ذلك قادحا فكر عبد المطلب، باعثا على نمو قريحته وببسط أفقه وتنشيط موهبته، ولا شك أن "قراعة" كان أسبق منه قرضا للشعر، وأكثر منه دراية بالعلم والأدب وفنونه، وهو بهذه المثابة أولى بتوجيه "عبد المطلب"، وتهذيب فكره وتقويم شعره، ولعلنا لا ننسى أثر المرحوم إسماعيل صبري باشا في ترويج الشعر، وتهذيبه وصقله، فقد كانت
1 من كلمة الأستاذ السكندري في تأبين عبد المطلب، وهي في مقدمة ديوانه.