المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشيخ حسين المرصفي: - الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة - جـ ٣

[محمد كامل الفقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌تابع الأزهر والنشر

- ‌الشيخ عبد العزيز البشري

- ‌أزهريون لغويون أدباء

- ‌مدخل

- ‌الشيخ حسن قويدر الخليلي:

- ‌الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري:

- ‌الشيخ حسين المرصفي:

- ‌الشيخ حمزة فتح الله:

- ‌الشيخ سيد المرصفي:

- ‌الشيخ حسين والي:

- ‌الشعر في العصر الحديث

- ‌مدخل

- ‌شعراء الأزهر والتجديد في الشعر:

- ‌الثورة على الأوزان الشعرية:

- ‌نظر علماء الأزهر إلى الشعر:

- ‌الصبغة العامة في شعر الأزهريين:

- ‌شعراء الأزهر

- ‌مدخل

- ‌السيد إسماعيل الخشاب:

- ‌الشيخ حسن العطار:

- ‌السيد على درويش المصري

- ‌الشيخ محمد شهاب الدين المصري:

- ‌السيد علي أبو النصر المنفلوطي:

- ‌الشيخ علي الليثي:

- ‌الشيخ عبد الرحمن قراعة:

- ‌الأزهريون أساتذة شعراء العصر

- ‌مدخل

- ‌المرصفي والبارودي:

- ‌الشيخ البسيوني وشوقي:

- ‌الشيخ محمد عبده وحافظ:

- ‌قراعة وعبد المطلب:

- ‌خاتمة:

- ‌الفهارس

- ‌فهرست الجزء الأول

- ‌فهرست الجزء الثاني

- ‌فهرست الجزء الثالث

- ‌أهم مراجع البحث:

الفصل: ‌الشيخ حسين المرصفي:

‌الشيخ حسين المرصفي:

المتوفى سنة 1307هـ-1889م:

نشأته وحياته:

هو، الشيخ "حسين المرصفي" نسبة إلى "مرصفا" بلده بالقليوبية أنجبت بجمهرة من أعلام الفقه واللغة والأدب، وكان والده الشيخ "أحمد حسين المرصفي" من أئمة العلم في عصره.

ولد المترجم له في مصر ونشأ بها، وبعد أن أتم حفظ القرآن التحق بالجامع الأزهر، فتلقى العلم على كبار شيوخه، وما زال يكد، ويبحث حتى صار من العلماء الفحول، وتصدر للتدريس، فقرأ بالأزهر أمهات الكتب في العلوم العربية كمغني اللبيب في النحو لابن هشام.

وكان رحمه الله مكفوف البصر، وقد عرف منذ صغره بحدة الذهن، وتوقد الذكاء، وإذا صح ما قيل من أن والده حفظ القرآن في ستة أشهر، فإن ذكاءه موروث عن أبيه، وكان إلى ذلك جادا مثابرا شديد التوافر على كتب الأدب يرتوي من محاسنها، ويستظهر من روائعها، لم يسترح إلى الأدب الشائع في عصره ولم يرقه نهجه، بل كان من أوائل من تفطنوا في هذه البلاد إلى قدر الأدب القديم1.

وكان من حبه للأدب العربي القديم، وقدرته على تفهم أسراره، وتذوق بلاغته يقرأ كثيرًا في كتب البلاغة العربية، ودواوين الشعراء الفحول ويبذل جهده في استظهار ما يهتز له، ويجيل قلمه على غرار ما بهره من هذه الآداب حتى استقام له بيانه الرصين.

وكان إلى جانب هواه بالأدب شديد الميل إلى العلوم العربية، دائم البحث

1 المفصل في تاريخ الأدب العربي ج2 ص398.

ص: 40

في أسرارها وتفهم دقائقها، واكتناه خفاياها حتى صار في العلم بها حجة ثبتا.

وقد قرأ الخط العربي والفرنسي في أقرب زمن مع انكفاف بصره، وهو حروف اصطلح عليها اصطلاحا جديدا تدرك بالجس باليد1.

وتولى تدريس الأدب وعلوم العربية بمدرسة دار العلوم، وتخرج على يديه طليعة الناهضين من أبنائها الشعراء والأدباء.

أثره في النهضة الأدبية:

الشيخ "حسين المرصفي" شيخ الأدباء في ذلك العصر، وأستاذ الطبقة الأولى من دار العلوم، فقد تخرج عليه طلائع النابهين في هذه المدرسة من أمثال "حفني بك ناصف"، وأترابه.

وكان قبلة الشعراء والأدباء في هذا العصر ينهلون من علمه، وأدبه، وينتفعون بتوجيهه وإرشاده، صاحبه ولازمه أعيان البيان العربي، فعرضوا عليه منظومهم ومنشورهم فنقح ما شاء له ذوقه وعلمه، وهذب كثيرا من بيانهم، وراضهم على ما تهدي إليه من الأدب العربي القديم الرصين.

انتفع بتوجيهه "عبد الله فكري باشا"، فكان أحد تلامذته الذين أفادوا منه، بل إن "البارودي" نفسه، وهو زعيم النهضة الشعرية، ورافع لوائها في العصر الحاضر كان أحد تلامذته الذين صاحبوه ولازموه، علم المرصفي زعيم الشعراء اللغة العربية الفصيحة، وهداه إلى الأساليب المجودة الفحلة، وعرض عليه شعره فهذبته قريحته التي صقلها الأدب العربي وطبعها بطابعه الجميل، وإن لصلة البارودي به لحديثا طريفا نمر به سراعا، ولكنا أفضنا فيه حين تكلمنا عن شعر الأزهر، وكيف أن الأزهريين كانوا أساتذة زعماء الشعر في العصر الحاضر.

وكان من أثره في الأدب فصوله الممتعة التي كان ينشرها في صحيفة

1 الخطط التوفيقية ج14 ص40.

ص: 41

"روضة المدارس"، فقد رسم بها للأدباء أمثل الطرق في ممارسة البيان العربي الجزل، وكان قدوة الكاتبين بطريقته العذبة التي تجمع بين الجزالة والسهولة.

أما أسلوبه فطلي رصين واضح فصيح لا يلم بالسجع إلا إلماما، ولا تستهويه الصنعة التي يكلف بها أصحاب الأدب الفارغ، فيستروا بزخرفها نقص أدبهم وفراغه، وهو في سلاسته، وترتيبه المنطقي أقرب ما يكون شبها "بابن خلدون" في مقدمته، فهو بحق من أولئك الأفذاذ الأعلام الذين ردوا على اللغة في العصر الحديث ما كان لها من البهاء القديم في العصر القديم1.

ومن حديث المرحوم "الشيخ عبد العزيز البشري" عنه قوله، ويقوم ذلك الكاتب الأديب المجدد، فيلفت جمهرة الأدباء عن ذلك الأدب الضامر، ويوجه أذهانهم وأذواقهم جميعا إلى الخالص المنتخل من أدب العرب في جاهليتهم، وفي إسلامهم، ويبعث لهم شعر أبي نواس، وأبي تمام والبحتري وغيرهم من فحول الشعراء، كما يدل على بيان ابن المقفع والجاحظ، والصولي، وأحمد بن يوسف وأضرابهم من متقدمي الكتاب فسرعان ما يصفو البيان ويجلو، وسرعان ما يجزل القول ويعلو، وسرعان ما تنفرج آفاق الكلام، وتنبسط أسلات الأقلام في كل مقام وناهيك بغرس يخرج من ثماره "إبراهيم المويلحي" في الكتاب، "ومحمود سامي البارودي" في الشعراء2.

آثاره ومؤلفاته:

ألف كتاب "الوسيلة الأدبية للعلوم العربية"، وهو كتاب جليل القدر لا يستغني عنه أديب، وقد شاع الانتفاع بما فيه من الآداب والعلوم، ولا يزال منتجع الأدباء إلى يومنا هذا، والكتاب جزآن يقع الثاني منهما في صفحات تربى على ثلاث أمثال الجزء الأول.

1 المنتخب من أدب العرب ج2 ص583 هامش.

2 المختار ج1 ص41.

ص: 42

"والوسيلة الأدبية" مجموعة من الآداب والعلوم المختلفة من نحو، وصرف وفقه وبيان ومعان وبديع، وتاريخ ساقها المؤلف لتعليم الكتابة الإنشائية، وترويض الملكات البيانية على غرارها، ونهجها العربي الصحيح، وهو يتبع في هذه الكتابة طريقة الشرح والإفاضة، والتتابع والاستطراد، فإذا ألم ببحث علمي وفي جوانبه وبسط في آفاقه، ولم يدع فيه ما يحتاج إليه الباحث المتعقب، وإذا أورد قصيدة أو خطبة شرح معانيها اللغوية شرحا دقيقا متمكنا، ثم بين مراد الأديب مما قاله، وتعرض له بشيء من أخباره وآثاره، وقد يستطرد فيقرن المعنى بمشابه له، أو مقارب منه، أو مضاد له يفيض في كل ذلك بأسلوب رصين واضح فصيح، وقد عمد فيما اختاره من آثاره عربية إلى روائع الأدب من شعر ونثر، وخطب ورسائل، فهو حسن الذوق في كا ما يهتدي إليه، غزير المادة بما يفيض فيه، قريب الشبه في مسلكه بالكتب التي هي أصول للأدب من أمثال "الأماني"، و"الكامل" و"العقد" إلا أنه لم يغلب عليه ناحية خاصة تستأثر به، وتدعه ضعيفا في غيرها مما يقدم عليه بحثه وشرحه ونقده وتعليقه، وإنما هو في هذه النواحي جميعا المتمكن الذي يعدل بينها.

والوسلة بجزئيها تتضمن تمهيدًا وأربعة مقاصد، يشتمل كل منها على فصول ومقالات -فالتمهيد في باين فضل العلم وتقسيم العلوم، وتعريفات لعلوم العربية والأدب مع إفاضة بذكر الأمثلة، والمقصد الأول في العقل وشرح أنواع المعقول، والمقصد الثاني في تعريف اللغة، وبيان الداعي لوضع علوم العربية ونهايته نهاية الجزء الأول، والمقصد الثالث وهو أول الجزء الثاني يحتوي فنون البلاغة بإسهاب وشرح، وإفاضة مع دقة وتحليل، والمقصد الرابع، وهو أوسع المقاصد، وأكثرها بسطا يتضمن المكاتبة، والتربية الأدبية، والأدعية التي جرى السلف على استعمالها في مكاتباتهم، ومكاتبات النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ومكاتبة الملوك والأمراء والأدباء، وفي الأمثال العربية، وغير ذلك من البحوث الأدبية الممتعة، وقد ختم الجزء

ص: 43

الثاني بكلمة ضافية عن المرحوم "عبد الله فكري باشا"، ومن أهم ما حواه الجزء الثاني حديثه عن البارودي الشاعر العظيم -والكتاب مطبوع بمطبعة المدارس الملكية بمصر من سنة 1289 إلى سنة 1292هـ.

وله كتاب "الكلم الثمان":

وهو رسالة شرح فيها كلمات جرت على ألسنة الناس في عهده، وكثر ترديدهم لها ولهجوا بذكرها مما دعاه إلى بسطها، وتبيينها كلفظ الأمة والوطن والحكومة والعدل والظلم والسياسية، والحرية والتربية والإنسان والمربي، وكيف يجب أن يكون وما به تكون التربية، كتبها بأسلوبه الرصين الرشيق، وهي مطبوعة بالمطبعة الشرقية بمصر سنة 1298هـ.

وله أيضًا "دليل المسترشد في الإنشا":

وهو كتاب وضعه لتعلم طرق الإنشاء وأساليبها، وكيفية افتتاح المراسلات والمكاتبات والموضوعات الإنشائية المختلفة، وأورد فيه طائفة من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ومكاتبات النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب خلفائه الراشدين إلى القياصرة، والأكاسرة والعرب خاصتهم وعامتهم، وجمهرة من القصائد، والمقاطيع لمشهوري الشعراء من الطبقات الأولى الثلاث.

والكتاب يتضمن مقدمة تحتوي على ما يحتاج إليه المنشئ من معرفة مبادئ العلوم، وتمييز بعضها عن بعض، ثم يحتوي بحوثا قيمة في تعريف الكتابة، وبيان طرق التعليم، والأغراض التي يحاول المنشئ أن تحسن بها صناعته، ويجود بها إنشاؤه -والكتاب مخطوط لم يطبع.

ص: 44

نماذج من إنشائه:

كتب في الوسيلة الأدبية بعنوان "تمهيد":

"اعلم أن الأدب معرفة الأحوال التي يكون الإنسان المتخلق بها محسوبًا عند أولي الألباب الذين هم أمناء الله على أهل أرضه من القول في موضعه المناسب له، فإن لكل قول موضعا يخصه بحيث يكون وضع غيره فيه خروجا عن الأدب، كما قال "جرول" الشاعر المشهور "بالحطيئة": فإن لكل مقام مقالا.

ومن الصمت وهو السكوت المقصود في موضعه، فإن للصمت موضعا يكون القول فيه خلاف الأدب يرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"رحم الله امرأ قال خيرا، فغنم أو سكت فسلم". وفي لامية الطغرائي:

ويا خبيرا على الأسرار مطلعا

أصمت ففي الصمت منجاة من الزلل

ولبعضهم:

عجبت لأزراء العيي بنفسه

وصمت الذي قد كان بالعلم أحزما

وللصمت خير للعيي وإنما

صحيفة لب المرء أن يتكلما

والكلام المنبه على مواضع الأقوال، وعلى مواضع الصمت كثير.

ومن الأحوال التي يكون التخلق بها أدبا، وضع الأفعال في مواضعها كما قال الله تعالى، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح، فأجره على الله فتنبه سبحانه وتعالى على أن المطلوب العفو المصلح دون المفسد، وقال النابغة الجعدي" بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

لبيب إذا ما أورد الأمر أصدرا

والناس في الأدب متفاوتون تفاوتا عظيما، فمن قرأ العلوم وطاف في

ص: 45

البلاد وعاشر طوائف الناس بعقل حاضر، وتنبه قائم وضبط جيد حتى عرف العوائد المختلفة، والأهواء المتشعبة وميز الحسن منها، وتخلق به يكون بالضرورة أكثر أدبا ممن قرأ وخالط، ولم يطف وممن قرأ وطاف ولم يعاشر، وموافقة جميع الناس أمر غير ممكن، فإن الدين والعقل يمنعان من ارتكاب أمور لا يسر بعض ذوي الأهواء غيرها، وأولئك هم السفهاء الذين لا ألباب لهم، فهم بمنزلة قشور الأشياء التي لولا لبها لم تصلح إلا للنار، أو ما أشبه".

وكتب في التخلق ببعض الأخلاق، فقال:

غير خاف أن التخلق بالكبر والخيلاء والعجب، والتعاظم على الناس بما أفضل الله به على الإنسان من علم وجاه ومال أمر غير حسن، لما حيلت عليه النفوس من الأباء، والنفرة عمن يتعاظم عليها، فما أكثر ما بدل حسن الود، والتآلف بأشنع العداوة والتنافر، لكن لذلك موضع يكون فيه حسنا.

وبيانه أن من المشاهد كون النوع الإنساني محتاجا في حسن تعيشه، وتحصيل أغراضه إلى ألفة ومودة، وإنصاف بأن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، فإذا خرج بعض الناس من الجمعية، وسعى في الأرض فسادا، وجب على الناس تأديبه بما يعيده إلى الصلاح، وربما كان التكبر والزهو عليه أنكى له وأرجى لمئاب فكره، وانحيازه إلى حيز الاستقامة، كما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فارسا من أصحابه يمشي بين الصفين مختالا يميل يمينا وشمالا، فقال:"هذه مشية يكرهها الله تعالى إلا في هذا الموضع"، فقد علمنا أن للتكبر موضعا يكون فيه حسنا.

ص: 46