الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أزهريون لغويون أدباء
مدخل
…
أزهريون لغويون أدباء:
عني الأزهريون باللغة "أو أكثرهم"، فيما عنوا به من أصول النهضة الأدبية عناية بالغة فتوفورا على دراستها، وجدوا في معرفة خفاياها، وأسرارها ومن مظاهر عنايتهم بها دراستهم علم الصرف، فما هو إلا تصريف للكلمات اللغوية، وبيان ما فيها من إعلان، وقلب، وحذق، وغير ذلك.
ثم هم قد أكبوا على دراسة غريب القرآن، وغريب الحديث، وغريب الشواهد العربية، وأطالوا البحث في الوقوف على المعاني اللغوية في الأدب العربي بمختلف فنونه، فلذلك هم يقلبون مجفوات ما يرونه من الألفاظ اللغوية للوقوف على معانيها المختلفة، بل هم ينحون إلى اللغة في غير علومها، فتراهم يذكرون بصدد المصطلحات العلمية في شتى العلوم معانيها اللغوية، ويستطردون في شرحها، وترى الشروح والحواشي تتغالى في بيان مدلولاتها، والإفاضة فيها.
ومن مظاهر عنايتهم باللغة أيضا تصحيح كتبها، وتحرير معاجمها وقواميسها وتناولها بالنقد والتعليق، والتوسع في ذلك.
علاقة اللغة بالأدب:
وغير خاف ما بين علم اللغة والأدب من وشيج الصلة، وما يتطلبه الأدب والإضلاع في اللغة والغوص في أسرارها، فإن ذلك يعين على شرح غريب الأدب من شعر أو نثر، ويمكن من تفسير غامضه، وتجلية مبهمة، وقد درج المؤلفون في علم الأدب العربي، المتتبعون نهضته في مظاهرها المختلفة أن يتحدثوا عن اللغة واللغويين، وأن يتقصوا بالدراسة آثارهم، لما بين اللغة والأدب من شديد التآخي.
وقد تحدث "ابن خلدون" في مقدمته عن علاقة اللغة بعلم الأدب، فقال
"هذا العلم لا موضوع له ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته، وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم، فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به الكلمة من شعر عالي الطبقة، وسجع متساو في الإجادة، ومسائل من اللغة مبثوثة أثناء ذلك متفرقة يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية1.
على أن هؤلاء الذين نعقد لواء هذا البحث لهم، ونتحدث في هذا الوضع عنهم، لم تكن اللغة وحدها مناط نبوغهم، ومجال تبريزهم، والسمة التي استموا بها وحدها، فهم أدباء مبرزون، وأعلام في البيان مجلون، وما فيهم إلا من هو شاعر معروف أو كاتب مشهور، إلا أن النزعة اللغوية ظهرت في أدبهم، وغلبت على آثارهم، وكانت لهم باللغة شهرة وفي ميدانها سبق، ومن ثم أفردناهم بعنوان وخصصناهم ببحث -وقد جعلناهم بين الكتاب والشعراء لما أنهم واسطة العقد تتنازعهم الناحيتان، ويشرف بهم الفنان معا.
هذا وقد سبق لنا الحديث عن جمهرة من المضلعين في اللغة العربية وعلومها فيما بعنوان "الأزهر والتصحيح"، لما أن تصحيحهم الكتب والصحف كان أظهر آثارهم.
وسنترجم لأشهر اللغويين الأدباء مبينين فضلهم على النهضة الأدبية وآثارهم اللغوية، مرتبين الكلام عنهم حسب وفاتهم.
1 ص553.