المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السيد علي أبو النصر المنفلوطي: - الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة - جـ ٣

[محمد كامل الفقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌تابع الأزهر والنشر

- ‌الشيخ عبد العزيز البشري

- ‌أزهريون لغويون أدباء

- ‌مدخل

- ‌الشيخ حسن قويدر الخليلي:

- ‌الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري:

- ‌الشيخ حسين المرصفي:

- ‌الشيخ حمزة فتح الله:

- ‌الشيخ سيد المرصفي:

- ‌الشيخ حسين والي:

- ‌الشعر في العصر الحديث

- ‌مدخل

- ‌شعراء الأزهر والتجديد في الشعر:

- ‌الثورة على الأوزان الشعرية:

- ‌نظر علماء الأزهر إلى الشعر:

- ‌الصبغة العامة في شعر الأزهريين:

- ‌شعراء الأزهر

- ‌مدخل

- ‌السيد إسماعيل الخشاب:

- ‌الشيخ حسن العطار:

- ‌السيد على درويش المصري

- ‌الشيخ محمد شهاب الدين المصري:

- ‌السيد علي أبو النصر المنفلوطي:

- ‌الشيخ علي الليثي:

- ‌الشيخ عبد الرحمن قراعة:

- ‌الأزهريون أساتذة شعراء العصر

- ‌مدخل

- ‌المرصفي والبارودي:

- ‌الشيخ البسيوني وشوقي:

- ‌الشيخ محمد عبده وحافظ:

- ‌قراعة وعبد المطلب:

- ‌خاتمة:

- ‌الفهارس

- ‌فهرست الجزء الأول

- ‌فهرست الجزء الثاني

- ‌فهرست الجزء الثالث

- ‌أهم مراجع البحث:

الفصل: ‌السيد علي أبو النصر المنفلوطي:

‌السيد علي أبو النصر المنفلوطي:

المتوفى سنة 1298هـ-1880م

نشأته وحياته:

ولد بمنفلوط من أعمال مديرية أسيوط، وقدم إلى القاهرة صبيًّا، ثم التحق بالأزهر بطلب العلم فيه، وقد شب مفطورًا على حب الأدب والتزود من فنونه، فبرع في قرض الشعر يافعا، ونظم الأزجال حدثا، ولم يلبث أن ذاع صيته وتسامع الناس به، وكان طيب المفاكهة والمجالسة لطيف المسامرة والمؤانسة، حاضر الذهن قوي الجدل لا يغلب في حوار، ولا ينهزم في مناظرة وكانت له مطايبات حافلة بالنكت الأدبية مع الحشمة، والحذر بما تأباه النفوس الأبية1، فكانت له مكانة عند أولي الأمر، وذوي الجاه يجلون قدره، ويلبون شفاعته، اتصل بالبيت العلوي من عهد محمد علي إلى توفيق، ورحل إلى القسطنطينية رحلتين أولاهما في عهد "محمد علي" سنة 1262هـ، حيث احتفل السلطان عبد المجيد بإعذار2 أنجاله، وطلب من محمد علي أن يوفد للحفل وفدا من العلماء والأمراء، فكان الشاعر في طليعة الذين أوفدهم "محمد علي" إلى القسطنطينية، وقد مدح شيخ الإسلام بقصيدة استجادها إذ قدمها إليه، وبكى متأثرا ببعض أبياتها، ثم سأله هل قلت في القسطنطينية شيئا؟ فأجابه بأن له "بيتين يستحي أن يعرضهما "لكونهما من زيف الكلام"، فقال: نسمعهما إن شئت فقال:

وكنا نرى مصر السعيدة جنة

ونحسبها دون البلاد هي العليا

فلما رأت دار الخلافة عيننا

علمنا يقينا أنها لهى الدنيا

فتبسم شيخ الإسلام، وقال له: "إن البيتين جيدان من جهة الأدب،

1 مقدمة الديوان للمحروم "أحمد باشا خيري".

2 أعذر الغلام ختنه كعذره يعذره: وللقوم عمل طعام الختان.

ص: 170

ولكنك في مدحك القسطنطينية فضلت مصر عليها؛ لأنك جعلت مصر هي العليا والقسطنطينية هي الدنيا، وفي علمك أن الدنيا تأنيث الأدون، فيفيد النظم أن القسطنطينية دون مرتبة مصر، فقال الشاعر مجيبا:"حب الوطن من الإيمان".

وأما رحلته الثانية إليها، فكانت في عهد الخديو "إسماعيل" سنة 1289هـ، حيث استصحبه إليها في خلافة السلطان عبد العزيز، وكان مقدمهما القسطنطينية مثقفا مع الاحتفال بعيد الجلوس، فأنشأ الشاعر قصيدة بليغة مطلعها:

تبسمت الآمال عن لؤلؤ القطر

ففاح شذاها في الحدائق كالعطر

وكان مصراع تاريخها

"جلوسك عيد الدهر أم ليلة القدر".

119 84 240 41 470 335 سنة 1289هـ.

ومما اتسم به أنه كان راجح العقل نافذ الرأي عالما بالأحوال السياسية خبيرا بشئون الأمم، محبا لتربية الأمة داعيا لتثقيفها ونضتها.

وكان شعره شتيتا غير مجموع حتى قيض له المغفور لهما "محمد باشا سلطان"، و"وحسين بك حسني" ناظر المبطعة الأميرية إذ ذاك، فجمعا أشتاته وضما متفرقة وعهدا إلى المرحوم "محمد أفندي الحسني" رئيس مصححي المطبعة بجمعه في ديوان صدر بخطبة الأخير، وبترجمة للشاعر بقلم المرحوم "أحمد باشا خيري" ناظر المعارف العمومية في ذلك الحين.

هذا عدا ماكان له من الطرف والملح والمواليا، والأزجال وغير ذلك مما عبثت به يد التفريط والإهمال.

شعره:

أقيس شعره بشعر عصره، فأراه شبيها به موافقا له يتجه متجه وينزع نزعته، وهو يميل إلى الجناس لكن في غير استكراه، ويطلبه لكن في غير

ص: 171

تكلف شديد، ويوري غير أنه لا يلحف في رجاء التورية، ولا يرتصد لطلبها، وتدور الصنعة في شعره غير مفتون بها، وإن تهيأت له فبغير إفراط ولا إسراف، أما التاريخ الشعري، فهو مغرى به متافت عليه، ملتزم له في الجمهرة العظمى في شعره، فمن تجنيسه قوله:

في الحان قد جس معسول اللمي وترا

فانهض لتسمع ألحان الصبا وترى

فقد أوقع الجناس بين "الحان"، وهو محل بيع الخمر و" ألحان" الصبا جمع لحن، كما أوقعه بين الوتر الذي هو شرعة القوس، ومعلقها الواقع مفعولا والفعل المضارع و"ترى" مقرونا بوار العطف، ويبدو لك تكلفة الجناسين إلا أنهما أقرب إلى القبول، ومن تجنيسه أيضًا قوله:

أبدًا تقلب فكرتي أبدى الأسى

طوعا لأمر الدهر أحسن أو أسا

فقد أوقع الجناس بين لفظ الأسى بمعنى الحزن، والفعل الماضي "أساء" محذوف الهمزة ليتم الجناس بحذفها، والجناس هنا مقصود للشاعر إلا أنه لم يبلغ من الثقل مداه، ومن تجنيسه أيضًا قوله:

كم ذا أحاول نصحا بالعظات وفي

ظني وجود سميع بالعهود وفي

فالجناس بين حرف الجر "فى" مقرونا بالواو، ولفظ "وفى" الصفة المحذوف إحدى يائية، وهو أقل ثقلا من صاحبه الماضي، ومن جناسه المقبول قوله:

رياض المجد أهدت نفح طيب

فقلت مهنئا يا نفس طيبي

ويغرب أن يلتزم الجناس في مطالع قصائده، وهو في هذا الموضع أكثر طلبا له واستشراقا إليه.

ص: 172

ومن التورية التي يستعملها في شعره:

على مضض صبرت وكم أداري

بتاريخ الغرام وأنت داري

يجاذبني الهوى فأذوب وجدا

ويسلبني النوى ثوب اصطباري

وهذا لي دروا ما بي فلاموا

كأن هوى الأحبة باختباري

وإن سألوا عن اللآحي ودمعي

اقبول كلاهما لا شك جاري

فقد ورى يقوله "جاري" عن اسم الفاعل من جرى بمعنى سال، والاسم الذي هو بمعنى مجاور مضافا لياء المتكلم.

ويقول في رجل يدعي العلم يسعى "النخلي":

بروض الفضل أغصان

خلت عن حلية الفضل

سألناها أجابتنا

دهتنا غلطة التخلي

فيحتمل أن براد "الشجر" أو اسم الرجل، ومما يؤدي به قوله:

حروف ودي وسائل

والد مع جار وسائل

أي أن قطرات دمعة الشبيهة بالحروف وسائل تترضى الحبيب، فقد جانس بين "وسائل" الأولى جمع وسيلة و"سائل" الثانية التي هي اسم فاعل من سال بمعنى جرى مقرونا بالواو، ثم في وسائل الثانية تورية إذ يحتمل أن تكون اسم فاعل بمعنى جار، أو اسم فاعل من سأل بمعنى طلب.

ومن شعره التاريخي قوله:

يا من بطالعه الأسعى حوى شرفا

يزين بدر علاه قبة الفلك

أنت الذي بحلي الأخلاق زدت علا

لا زلت ترقى بفضل المنعم الملك

إسعاد نجمك إذ لاحت بشائره

أرخت أوليت بكباشي وأنت زكى

......................

447 335 457 37

ص: 173

ولا شك أن هذا التاريخ أضعف هذا الشعر، وحال دون روعته وجماله، ولكنها سنة العصر الذي أغرق فته وغالى وله في تاريخ لحية.

لماذا ازدهى روض المحاسن والبها

وبدا به الريحان وهو شريف

خط العذار كما تحب صحيفة

تاريخها صان الجمال نظيف

...................

141 105 1040

سنة 1286هـ

وهو شعر ضعيف متهافت كما ترى، ومما لا أسيغه وصف الريحان بالشرف، ولست أدري متى يكون الريحان شريفا، أو غير شريف فلعل علم ذلك عند الشاعر، وقد يقصد أن الريحان وهو أخضر الأغصان يبدو كالعمائم الخضر التي هي سمة الأشراف.

وقد يولع بالتاريخ، فيجعل في كل شطر تاريخا كما قال:

بشير الهنا لا حب بيمن قدومه

بدور بها نور البثائر قد صفا

512 87 439 102 155

212 8 256 544 104 171

سنة 1295هـ.

وشعره إذ ذاك لا روعة فيه، ولا تتنسم منه روح الشعر بحال، غير أنه يتناول كثيرا من الأغراض في شعره، ويتسع أفقه لألوان مختلفة من الشعر فيمدح، ويهنئ ويرثي ويعتب ويشكو ويشكر، ويتغزل ويصف وينصح، وتجد في شعره الحكم والمدائح النبوية، والقصائد الوطنية والخمريات بغير إغراق كما تجد فيه الوداع والحماسة، ويتناول الألغاز يكثر منها فيجيء شعره بها معمى مستغلقًا، ويطول نفسه في بعض القصائد حتى لتبلغ مائة بيت إلا أن شعره أقرب إلى شعر العلماء منه إلى شعر الفحول من الشعراء، وشعره وسط بين الإجادة، والغثاثة والضعف والقوة.

فمما قاله متغزلا:

إلى الأوطان يجذبني الهيام

ولي قلب يقليه الغرام

وفي دمعي غرقت ونار وجدي

بتذكار الديار لها ضرام

ولى في كل منزه حديث

إذا كررته ناح الحمام

ص: 174

وما عندي من الأشواق خاف

ولو أبديته لبكى الغمام

ويوم وداعهم كانت حياتي

مكابرة وللدمع انسجام

أراهم أينما كانوا بقلبي

وزفي نومي وهي يغني المنام

وقائلة إلام تحن شوقا

وتعلو جسمك المضني السقام

أتحسب أن من تهواه باك

عليك ولو أضر بك الهيام؟

فقلت له: فديتك إن نومي

علي لبعدهم أبدا حرام

وهل يجدي أخا الوجد المعنى

إذا ضنوا بزورته اعتصام؟

دعيني فالنصيحة لو أفادت

لضاع الحب وانقطع الملام

كلفت بحبهم فألفت سهدي

ولم يخطر على جفني المنام

أهيم بهم ولي فيهم شجون

إذا ظعنوا بقلبي أو أقاموا

أخلائي احفظوا عني حديثا

يسر به المقلد والإمام

قتيل الشوق يحييه التداني

وينعشه التواصل لا المدام

فإن مر النسيم بكم سلوه

فأخبار الهوى منه ترام

وساعات الوصال كلمح طرف

لدى المضني ويوم البعد عام

هذه أبيات ساقها الشاعر متغزلًا، فجاءت من أجود ما قاله رقة وخفة روح ووضوح أسلوب لم يسع الشاعر فيها وراء صنعة لفظية، أو محسن من المحسنات البديعية، ولم يمس طرفا من ذلك إلا الجناس الذي شكه شكا، وتناوله برق في عجز البيت الأول بين "قلب""ويقلبه".

ومما قاله في شكوى الزمان:

بشكوى الليالي كيف لا أتعلل

وديمة دمعي دائما تتهلل

رماني زماني في مكايد مكره

وفي وهمه أني له أتذلل

أكابد ما لا يستطاع من الأسى

وأحمل منه فوق ما يتحمل

وجربت أبناء الزمان بأسرهم

فلم أر منهم من عليه يعول

ص: 175

وسالمت إخواننا بدا لي أنهم

على نقض بنيان الصداقة عولوا

فيا دهر ماذا تبتغي من مجرب

وقد شاع في الآفاق أنك تجهل

تقدم من لا يستحق وتزدري

بمن هو أولى بالجميل وتعجل

تبرأ من أهل المعارف والتقى

وهم دولة الإسعادان كنت تعقل

وقربت أرباب الجهالة للعلا

كأنك لاستظارهم تتجمل

فهذه الأبيات من أجود ما قيل في شكوى الزمان صدرت من الشاعر مصورة عبث الزمان به، وتجهمه له وما يكابده من أساه الذي لا يستطاع، وما يحمله مما يشق حمله، وما لقيه من إخوان جربهم فلم ير فيهم من عليه المعول، وما سالمهم لما بدا له من تعويلهم عن نقض الصداقة ونكث العهد، وكان جميلا من الشاعر ما بينه ومن جهل الزمان من تقديم من لا يستحق، والزرارية بمن هو أولى بالجميل، وبراءة الزمان من أهل المعارف والتقى، الذين هم دولة الإسعاد لو ك ان يعقل ذلك، وتقريب أرباب الجهالة، وإيثارهم بالعلا كأنه يتجمل لاستظهارهم، فهي أبيات صادقة في شكوي الليالي، وصدق التجربة، وغدر الإخوان وعبث الزمان، كل ذلك مسوق بأسلوب غير نازل، ورصف رصين لم يتهالك على محسن ولا زخرف.

ومما قاله يمدح به النبي صلى الله عليه وسلم.

إذا هتف بمدحتك الموالي

وأنشد شعره فيك البديع

وحدث عنك من يروي حديثا

وصاغ من الثنا ما يستطيع

فما بلغوا اليسير ولو أطالوا

وكيف وأنت في الأخرى شفيع؟

إليك شكايتي من كل ذنب

وحصن حماك في حرز منيع

ومن يرجوك يسعف بالأماني

ومن قصد المشفع لا يضيع

ملأت سرادقات الكون فضلا

وجاهك سيدي جاه رفيع

فمن للمذنبين سواك يرجى

إذا ما استعظم الهول الفظيع؟

ص: 176

وهو شعر سهل رصين تتمثل فيه روح الشاعر المؤمن الذي يلتمس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون له حرزا منيعا، وشفيعا يغفر به كل ذنب، وإن كان في نفسي شيء من اللفظ الأخير "الفظيع".

وقال يعاتب بعض أصحابه:

لعمرك ما البواتر كالعصي

ولا الطرف المذلل كالعصي1

ولا فلق الصباح إذا تبدى

لذي بصر يقابل بالعشي

أراك رفعت أدنى الناس قدرًا

وآثرت الدنى على علي

شققت عصا الوفاق وبعت غبنا

صواب الرأي بالخطأ الجلي

وبدلت الأعزة من قريش

وأبناء الأماجد بالبذي2

ستعرف ما جهلت إذا التقينا

وبان لك الجبان من الكمي3

ولعل هذه الأبيات من أحسن شعره وأبلغه، وأحفلها بالتشبيهات المحكمة، وفيها جناس مقبول بين حرف الجر "على"، و"على" تورية لطيفة في لفظ "على" الذي يحتمل أن يكون وصفا مقابلا "للدنى"، وأن يكون مشيرا إلى اسم الشاعر "السيد علي" ومن رثائه قوله:

أمطري أعيني الدوامي دواما

إن غيث الكرام يأتي ركاما4

واستمدي من حبة القلب دمعا

فلعل الدموع تروي أواما5

1 البواتر السيوف القاطعة -الطرف الكريم من الخيل- المذلل السهل المنقاد.

2 البذي -كرضى الرجل الفاحش.

3 الكمي -كفنى الشجاع أو لابس السلاح.

4 الركام -السحاب المتراكم.

5 الأوام كغراب العطاش أو حره، وأن يضج العطشان.

ص: 177

ومن المهد للجفون اكتحالًا

ودعى عنك في الدياجي المناما

واسكبي الدمع خفية وجهارا

واستحلي من البكاء الحراما

واقرئي في صحيفة الدهر سطرا

نمقته يد القضا فاستقاما

واكتبي ما جنته أيدي المنايا

حيث لم تبق للأنام إماما

فهذه من أصدق المرثيات، وأرقها وأخصبها معنى وأحلفها تصويرا للجزع والأسى، ولم يكن الشاعر منصرفا فيها إلى الطلاء اللفظي اللهم إلا ما يكلف به من الجناس في مطالع قصائده، فإنه أوقع الجناس المتكلف بين "الدوامي" و"دواما" و"الكرام" و"ركاما"، ولكنه لم يستنفد جمال الأبيات، ولم يذهب بروعتها.

ص: 178