الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة:
المراد بالرسالة هنا هو الخطاب المكتوب في غرض جزئي، يبعث به صاحبه إلى آخر.
وقد عرفت الرسائل منذ الجاهلية في بعض البيئات التي عرفت فيها الكتابة، ولما جاء الإسلام كتب الرسول عليه السلام إلى ملوك العرب والعجم يدعوهم إلى الدين وتبعه الخلفاء من بعده.
وأخذ هذا الفن يرقى، ويتنوع مع تقدم الحياة الإسلامية حتى صار من أكثر فنون الأدب شيوعا، وأغلبها على حياة الدواوين وبين الأفراد.
وكان كتاب الرسائل من أخص الرجال، وأقربهم إلى الخلفاء والملوك، وأسبقهم إلى مناصب الوزارة، كما كان لهم ذوق أدبي جميل، ورأي في النقد محترم سديد وتوالت منهم طبقات كانوا عماد الدولة وألسنتها الناطقة، ومستشاريها المأمونين، في وقت لم تكن هناك صحف منشورة، ولا منتديات عامة، ولا خطب قائمة.
وأشهر أنواع الرسائل اثنان: الرسائل الديوانية، والرسائل الإخوانية.
فالأولى هي ما تصدر عن الدواوين أو ترد إليها خاصة بشئون الدولة وصوالحها تيسيرًا للعمل، وتثبيتًا للنظام العام؛ ويغلب على هذا النوع، الدقة والسهولة في التعبير، والتقيد بالمصطلحات الحكومية والفنية، والمساوة في العبارة والبراءة من التهويل والتخيل؛ إذ كانت صورة موضوعات وزارية وأفكار خاصة، ومع ذلك كانت في العصور الإسلامية الأولى مجالًا للبلاغة، وحسن التقسيم والتعبير.
وأما الأخوانية فهي ما يدور بين الأفراد في تعزية أو تهنئة أو توصية أو عتاب وشوق أو تحذير ووعيد إلى نحو ذلك مما يصور العواطف والصلات الخاصة بين الأفراد؛ لذلك كانت أدخل في الأدب وأقبل للتخييل، والصور البيانية، والصنعة البديعية، تحتمل الاقتباس من المنثور والمنظوم وتنافس الشعر في جل أغراضه، فالفرق بين النوعين يشبه الفرق بين الأدب العام والخاص، وكلا النوعين لا بد فيه من مراعاة الأصول1 التي يجري عليها الناس فيما يتراسلون:
1-
من ذلك الإطناب والإيجاز والمساواة حسب مقتضيات الأحوال فكتب المرءوسين مفصلة، وكتب الرؤساء موجزة حتى إنها تكون في بعض الأحوال توقيعًا، ومن أمثلة الإيجاز ما كتب به جعفر البرمكي إلى عامل شكال له:"قد كثر شاكوك وقل شاكروك فإما اعتدلت وإما اعتزلت".
2-
ملاحظة الألقاب الخاصة بكل فرد، وكانوا قديمًا يكتبون: إلى ركن الإسلام والجناب الكريم والحضرة الطاهرة، أو إلى الحضرة السنية، وإلى عهد قريب كانوا يستعملون: صاحب العزة، أو صاحب السعادة أو الدولة، أو المقام الرفيع، أو حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم!! والآن يكتبون السيد فلان.
3-
تنوع العبارة بين السهولة والجزالة حسب الموضوع، والمكتوب إليه؛ وقد تكون مسجوعة، موشاة بالبديع، فيها أبيات من الشعر وأمثال وحكم، ولكنها يجب أن تبرأ من التكلف والإغراب، ومن ذلك ما كتب بديع الزمان معتذرًا "يعز علي -أطال الله بقاء الرئيس- أن ينوب في خدمته قلمي عن قدمي، ويسعد برؤيته رسولي دون وصولي، ويرد مشرع الأنس به كتابي، قبل ركابي، ولكن ما الحيلة والعوائق جمة:
1 راجع الصناعتين للعسكري ص146.
وعليَّ أن أسعى وليس عليَّ إدراك النجاح
وقد حضرت داره وقبلت جداره، وما بي حب الجدران، ولكن شغفًًا بالقطّان ولا عشق الحيطان، ولكن شوقًا إلى السكان، وحين عدت العوادي عنه. أمليت ضمير الشوق على لسان القلم معتذرًا إلى الشيخ على الحقيقة. لا عن تقصير وقع. أو فتور في الخدمة عرض. ولكن أقول:
إن يكن تركي لقصدك ذنبًا
…
فكفي ألا أراك عقابًا
4-
ملاحظة صور البدء والختام. وكانوا قديمًا يفتتحون رسائلهم بمثل: أما بعد أو من فلان إلى فلان. أو أدام الله نعمتك. أو كتابي إليك. وكانوا يختمونها بمثل قولهم: والسلام. أو السلام عليك. أو إن شاء الله. وفي عصرنا الحديث يقولون: بعد ذكر الألقاب في الافتتاح؛ ثم ينهون الرسائل بمثل قولهم: وتقبلوا تحياتي، وتفضلوا بقبول أصدق تحياتي، وسلامي إليك، ودمت للمخلص. إلى غير ذلك مما كان بعضه ترجمة عن التقاليد الأوربية.
وهناك نظم الكتابة والترقيم. كذكر عنوان الكاتب، وتاريخ الرسالة، والتوقيع، ثم نظام الكتابة على ظهر الرسالة. وعنوان المرسل إليه، وغير ذلك مما يقره العرف.
هذا وقد تتخذ صورة الرسالة. وسيلة لتأليف الروايات، أو الكتب، كما يبدو ذلك في رواية ماجدولين.
ومن الكتب العربية التي استوفت الكلام على نظام الرسائل وأدبها كتاب صبح الأعشى للقلقشندي المصري المتوفى سنة 821هـ ومختصرة ضوء الصبح المثمر.