المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في حد الأسلوب - الأسلوب

[أحمد الشايب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفهرس:

- ‌الباب الأول: مقدمات

- ‌الفصل الأول: البلاغة بين العلوم الأدبية

- ‌الفصل الثاني: في التعريف بالبلاغة

- ‌الفصل الثالث: في علوم البلاغة

- ‌الفصل الرابع: البلاغة بين العلم والفن

- ‌الفصل الخامس: موضوع علم البلاغة

- ‌الباب الثاني: في التعريف بالأسلوب

- ‌الفصل الأول: في حد الأسلوب

- ‌الفصل الثاني: تكوين الأسلوب

- ‌الفصل الثالث: عناصر الأسلوب

- ‌الباب الثالث: الأسلوب والموضوع

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: الأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي

- ‌الفصل الثاني: في أسلوب الشعر

- ‌الفصل الثالث: في اختلاف أساليب الشعر

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الحماسة

- ‌ثانيًا: النسيب

- ‌ثالثا: الرثاء

- ‌رابعًا: المدح والهجاء

- ‌خامسًا: الوصف

- ‌الفصل الرابع: في اختلاف أساليب النثر

- ‌النثر العلمي

- ‌المقالة:

- ‌التاريخ:

- ‌السيرة:

- ‌المناظرة والجدل:

- ‌التأليف:

- ‌النثر الأدبي:

- ‌الوصف:

- ‌الرواية:

- ‌المقامة:

- ‌الرسالة:

- ‌الخطابة:

- ‌الباب الرابع: الأسلوب والأديب

- ‌الفصل الأول: تمهيد

- ‌الفصل الثاني: الأسلوب والشخصية

- ‌الفصل الثالث: دلالة الأسلوب على الشخصية

- ‌أولا: في الشعر

- ‌ثانيًا: الخطابة

- ‌ثالثًا: الكتابة

- ‌رابعًا: التأليف

- ‌الفصل الرابع: أثر الشخصية في اختلاف الأساليب

- ‌الناحية الأولى

- ‌الناحية الثانية:

- ‌الناحية الثالثة:

- ‌الباب الخامس: صفات الأسلوب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: وضوح الأسلوب

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الدقة أو وضوح الفكرة

- ‌ثانيا: الجلاء أو وضوح التراكيب

- ‌الفصل الثاني: قوة الأسلوب

- ‌مدخل

- ‌أولًا: قوة الصورة

- ‌ثانيًا: قوة التركيب

- ‌الفصل الثالث: جمال الأسلوب

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الناحية السلبية

- ‌ثانيًا: الناحية الإيجابية

- ‌الفصل الرابع: تداخل الصفات وتعادلها

- ‌مراجع للمؤلف:

الفصل: ‌الفصل الأول: في حد الأسلوب

‌الباب الثاني: في التعريف بالأسلوب

‌الفصل الأول: في حد الأسلوب

1-

إذا سمع الناس كلمة الأسلوب فهموا منها هذا العنصر اللفظي الذي يتألف من الكلمات فالجمل والعبارات، وربما قصروه على الأدب وحده دون سواه من العلوم والفنون، وهذا الفهم -على صحته- يعوزه شيء من العمق والشمول ليكون أكثر انطباقًا على ما يجب أن يؤديه هذا اللفظ من معنى صحيح، وذلك أن هذه الصورة اللفظية التي هي أول ما تلقى من الكلام لا يمكن أن تحيا مستقلة، وإنما يرجع الفضل في نظامها اللغوي الظاهر إلى نظام آخر معنوي انتظم وتألف في نفس الكاتب أو المتكلم فكان بذلك أسلوبًا معنويًّا، ثم تكون التأليف اللفظي على مثاله، وصار ثوبه الذي لبسه أو جسمه إذا كان المعنى هو الروح، ومعنى هذا أن الأسلوب معانٍ مرتبة قبل أن يكون ألفاظًا منسقة، وهو يتكون في العقل قبل أن ينطق به اللسان أو يجري به القلم، فهذا وجه.

والوجه الثاني: أن كلمة الأسلوب صارت هذه الأيام حقًّا مشتركًا بين البيئات المختلفة، يستعملها العلماء ليدلوا بها على منهج من مناهج البحث العلمي، ويستعملها الأدباء في الفن الأدبي قصصًا أو جدلًا أو تقريرًا وفي العنصر اللفظي سهلًا أو معقدًا،

ص: 40

وفي إيراد الأفكار منطقية أو مضطربة، وفي طريقة التخييل جميلة ملائمة أو مشوهة نابية. وكذلك الموسيقيون يتخذونها دليلًا على طرق التلحين وتأليف الأنغام للتعبير عما يحسون أو يخالون، ومثلهم الرسامون فهي عندهم دليل على طريق تأليف الألوان ومراعاة التناسب بينها، وهكذا حتى أصبحت هذه الكلمة "أسلوب" تكاد ترادف كلمة الشخصية في المعنى. لهذا كله كان إطلاقها على هذا العنصر اللفظي ضرورة اقتضاها التعليم أولا، ولأنه هو مظهر العناصر الأخرى ومعرضها ثانيًا.. فما الأسلوب؟

في لسان العرب: ويقال للسطر من التخيل أسلوب. وكل طريق ممتد في أسلوب، والأسلوب: الطريق، والوجه، والمذهب. يقال: أنتم في أسلوب سوء، ويجمع على أساليب، والأسلوب الطريق تأخذ فيه، والأسلوب الفن يقال: أخذ فلان في أساليب من القول، أي أفانين منه.

هذه المعاني التي نقلناها عن ابن منظور قسمان: قسم حسي يمثل الوضع الأسبق للفظ، كسطر النخيل والطريق الممتد أو المسلوك، والأسلوب عليه خطة يسلكها السائر. وقسم معنوي هو الخطوة الثانية في الوضع اللغوي حين تنتقل الكلمات من معانيها الحسية إلى هذه المعاني الأدبية، أو النفسية، وذلك هو الفن من القول أو الوجه والمذهب في بعض الأحيان.

على أن هذه المعاني كلها تنتهي بنا عند فكرة إذا أردنا استعمالها في باب الأدب كانت ملائمة، فالأسلوب هو فن من الكلام يكون قصصًا أو حوارًا، تشبيهًا أو مجازًا أو كناية، تقريرًا أو حِكمًا وأمثالا. فإذا صح هذا الاستنباط كان للأسلوب معنى أوسع إذ يتجاوز هذا العنصر اللفظي فيشمل الفن الأدبي الذي يتخذه الأديب وسيلة للإقناع أو التأثير.

ص: 41

2-

وإذا تركنا لسان العرب إلى مقدمة ابن خلدون رأيناه يتناول الأسلوب في فصل صناعة الشعر ووجه تعلّمه حيث يقول:

"ولنذكر هنا سلوك الأسلوب عند أهل الصناعة -صناعة الشعر- وما يريدون بها في إطلاقهم، فاعلم أنها عبارة عندهم عن المنوال الذي ينسج فيه التراكيب، أو القالب الذي يفرغ فيه ولا يرجع إلى الكلام باعتبار إفادته أصل المعنى الذي هو وظيفة الإعراب، ولا باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التركيب الذي هو وظيفة البلاغة والبيان، ولا باعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض.

فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية، وإنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها، ويصيّرها في الخيال كالقلب أو المنوال، ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبيان فيرصّها فيه رصًّا كما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال، حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام ويقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكه اللسان العربي فيه، فإن لكل فن من الكلام أساليب تختص به، وتوجد فيه على أنحاء مختلفة؛ فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول، كقوله:"يَا دَار مَيَّةَ بالعليْاَءِ فالسندِ" ويكون باستدعاء الصحب للوقوف والسؤال، كقوله:"قِفَا نَسْألِ الدارَ التي خَف أهْلُها" أو باستبكاء الصحب على الطلل، كقوله:"قِفَا نَبْك من ذكْرَى حبيب ومنزل" وأمثال ذلك كثير في سائر فنون الكلام ومذاهبه، وتنتظم التراكيب فيه بالجمل وغير الجمل إنشائية وخبرية، اسمية وفعلية، متفقة وغير متفقة، مفصولة وموصولة على ما هو شأن التراكيب في الكلام العربي، في كل مكان كلمة من الأخرى

ص: 42

يعرفك فيه "كذا" ما تستفيده بالارتياض في أشعار العرب من القالب الكلي المجرد في الذهن من التراكيب المعينة التي ينطبق ذلك القالب على جميعها وهذه القوالب كما تكون في المنظوم تكون في المنثور، فإن العرب استعملوا كلامهم في كلا الفنيين وجاءوا به مفصلا في النوعين ففي الشعر بالقطع الموزونة والقوافي المقيدة واستقلال الكلام في كل قطعة، وفي المنثور يعتبرون الموازنة والتشابه بين القطع غالبًا وقد يقيدونه بالأسجاع وقد يرسلونه وكل واحدة من هذه معروفة في لسان العرب".

هذا النص الذي نقلناه عن ابن خلدون يضع أمامنا عدة قوانين قيمة في الدراسات الأدبية:

أولها: أن هناك فارقًا بين الوجهين العلمي والفني في تكوين الأسلوب الأدبي فعلوم النحو والبلاغة والعروض تنفعنا على أنها نظريات ترشدنا في إصلاح الكلام ومطابقته لقوانين النظم والنثر. وقد يعرفها الطالب ولا يحسن معها الإنشاء أو ينشئ الصحيح فقط. وأما صياغة الأسلوب الجميل فهي فن يعتمد على الطبع والتمرس بالكلام البليغ1، وتتكون من الجمل والعبارات والصور البيانية.

ثانيها: أن الأسلوب في الأصل صورة ذهنية تتملأ بها النفس وتطبع الذوق من الدراسة، والمرانة وقراءة الأدب الجميل، وعلى مثال هذه الصورة الذهنية تتألف العبارات الظاهرة التي اعتدنا أن نسميها أسلوبًا لأنها دليله، وناحيته الناطقة الفصيحة.

ثالثها: أن هذه الصورة الذهنية -التي هي الأصل الأول للأسلوب-

1 راجع المثال السائر ص30 والصناعتين ص147.

ص: 43

ليست معاني جزئية، ولا جملا مستقلة، بل طريقة من طرق التعبير يسلكها المتكلم، كخطاب الطلل، أو استدعاء الصحب للوقوف والسؤال أو الدعاء له بالسقيا، كقوله:

أسقى طلوهُم أجَشُّ هزيمُ

وَغَدتْ عليهم نَضرة وَنَعيمُ

أو بتسجيل المصيبة على الأكوان عند فقد شجاع كقوله:

مَنابتَ العُشب، لا حاَمٍ ولا رَاع

مَضَى الردى بطويل الرمح والباعِ

رابعها: هذه الفروق اللفظية والمعنوية بين المنظوم والمنثور من حيث الأسلوب، وأهم ما ذكره امتياز النظم والوزن، والقافية، واستقلال كل بيت بمعنى تام، كما هو مذهب العرب، وسيأتي تفصيل القول في ذلك.

والذي يعنينا هنا أن الأسلوب منذ القدم كان يلحظ في معناه ناحية شكلية خاصة هي طريقة الأداء أو طريقة التعبير التي يسلكها الأديب لتصوير ما في نفسه أو لنقله إلى سواه بهذه العبارات اللغوية. ولا يزال هذا هو تعريف الأسلوب إلى اليوم، فهو طريقة الكتابة، أو طريقة الإنشاء، أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير، أو الضرب من النظم والطريقة فيه. هذا تعريف الأسلوب الأدبي1 بمعناه العام.

وأما إذا أردنا أن يكون التعريف عاما يتناول العلوم والفنون. فإنا نعرفه بأنه طريقة التعبير؛ لأن الفنون الأخرى لها طرق في التعبير يعرفها الفنيون، ويتخذون وسائلها أو عناصرها من الألحان والألوان والأحجار، وكذلك العلماء لهم رموزهم، ومصطلحاتهم، ومناهجهم في البحث والأداء.

1 راجع دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ص361 و Gen. p16.

ص: 44

3-

ومع ذلك ففي الأدب وحده نرى -كما يمر بك تفصيله- أن التصرف والاختلاف يكون في صوغ العبارات بين إيجاز وإطناب، وسهولة وإغراب، وبساطة وتعقيد، وجمال وتنافر، ويكون قبل ذلك في اختيار الأفكار، وكيفية ترتيبها ترتيبًا منطقيًّا أو مضطربًا، ووضوحها أو غموضها، وصحتها أو خطئها، وإخضاعها لطريقة الاستقراء أو الاستنباط، ويكون بعد هذا في طريقة التخييل والتصوير: هل يسلك الكاتب طريقة التشبيه غالبا أو الاستعارة أو الكناية، وما مقدار ابتكاره في ذلك أو تقليده، فلكل كاتب مذهبه في ذلك أو أسلوبه الخاص، فالشيب في رأي المعري:

والشيبُ أزهار الشبابِ فماله

يخفى، وحسنُ الروضِ في الأزهار

وهو في رأي الفرزدق:

تَفارِيقُ شيب في الشباب لوامعُ

وما حُسْنُ ليلٍ ليس فيه نجوم

لكن الشريف الرضي يقول:

غالطوني عن المشيب وقالوا

لا ترع إنه جلاء حسام

قلت ما أمْنُ على الرأس منه

صارم الحد في يد الأيام

انظر بعد ذلك إلى كتاب السيرة المعاصرين؛ كيف اختلفوا في طريقة العرض بين البحث العلمي المنسق، والتمثيلي المقسم، والقصصي الجميل1، وانظر إلى هذه الشخصيات المتباينة في الخطابة كعلي ومعاوية وزياد والحجاج وفي الكتابة كالجاحظ وبديع الزمان وابن خلدون وفي الشعر كأبي تمام وابن الرومي والبحتري والمتنبي فإنا نجد أنماطا شتى، وأساليب متباينة تجعل لكل فرد طابعا، أفيكون من الغريب إذا قلنا: إن الأسلوب هو طريقة التفكير والتصوير والتعبير؟

1 حياة محمد لهيكل، ومحمد لتوفيق الحكيم، وعلى هامش السيرة لطه حسين.

ص: 45

الحق أن هذا التعريف الأخير يتناول عناصر الأسلوب كلها ويقوم على أساس الصلة بينها وإن كان العنصر اللفظي مظهر الفكر والصورة؛ لأنه الجانب الحسي لهما زيادة عما يتوافر له جمال خاص:

وهو أيضًا يتضمن المراد من الأسلوب في سائر الفنون، فهو تفكير وتصوير وتعبير.

4-

وأعود مرة ثانية إلى تعريف الأسلوب فقد غم الأمر على بعض الدارسين بصدد ذلك؛ أعود لأقول: إن تعريف الأسلوب يَنْصَبُّ بداهة على هذا العنصر اللفظي فهو الصورة اللفظية التي يعبر بها عن المعاني أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار وعرض الخيال، أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني إلا أننا -حين نريد الإيضاح والتقسيم- مضطرون إلى ملاحظة أمرين:

أولهما: وحدة النص الأدبي الذي لا يمكن الفصل بين عناصره، فاللفظ لا يتصور بدون سائر العناصر الأدبية كما أنها لا تبدو بغير اللفظ.

ثانيهما: أن الفرق بين الأسلوب العلمي والأدبي مثلا لا يمكن إلا بملاحظة ما وراء اللفظ من فكرة أو عاطفة أو خيال، لذلك كان هناك فرق بين تعريف الأسلوب، وتحليله، وبين تقسيمه

هو فرق أساسه وجهة النظر فقط، وإن النص الأدبي وحدة لا تتجزأ.

ص: 46