الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقريظ الشيخ / أ. د. سعود بن عبد العزيز الخلف
رئيس قسم العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ورئيس جمعية العقيدة في المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم،
…
وبعد،،،
فقد اطلعت على كتاب " الأشاعرة في ميزان أهل السنة نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم) " تأليف الأخ الفاضل: فيصل بن قزار الجاسم.
وقد استعرضته وتصفحته من أوله إلى آخره، وقرأت منه في مواطن عديدة وكنت أحب أن أقرأه كاملاً الاأن انشغالي وضيق الوقت حال دون ذلك، وقد ألفيته كتابا قيماً، أبان فيه صاحبه وفقه الله وجزاه الله خيرا عن موضوعه المتعلق بالأشاعرة، وما ادعاه بعض الأشاعرة من دعاوى عريضة تتعلق بما يعتقدان ويقولان به
ويثنيان به على المذهب الذي ارتضياه لنفسيهما، واعتقدا ما يعتقد الأشاعرة في الله تعالى، أعني الكلام في صفات الله تعالى، وادعيا أن الأشاعرة هم أهل السنة.
وحقيقة الأمر أن الأشاعرة خالفوا أهل السنة وخاصة المتأخرون منهم مخالفة جذرية في مسألة الصفات، وذلك لأنهم بنوا قولهم فيها على قول المعتزلة، لايغادرون من قولهم شيئاً في الأصول، فقرروا ما قرره المعتزلة من أن معرفة الله عقلية، واستدلوا لإثبات وجود الله تعالى بدليل الحدوث أو الامكان، ولما كانوا أتعبوا أنفسهم في إثباته، أعني تقرير وجود الله تعالى ظنوا أنهم فازوا بفرس السبق في هذا المسلك، فراحوا يحافظون على هذا المسلك بكل وسيلة، لأنه عندهم الطريق الوحيد لإثبات وجود الله تعالى، وهو الدليل الذي يقيمون به الحجة على ملاحدة بني آدم المنكرين لوجود الله تعالى، مع أنه دليل فاسد ومسلك كاسد لم يستدل به الأنبياء ولا أهل العلم والدين من الصحابة ومن سلك منهجهم.
أقول لما وصلوا إلى هذه النتيجة - على ضلع- بهذا الدليل راحوا يبطلون كل ما يتعارض معه ويردونه ولا يقبلونه، بل يذمون من قبله أو أخذ به لأنه في الحقيقة على زعمهم سيهدم أصلهم الذي أثبتوا به وجود الله تعالى، فبناءً عليه قرروا أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بصفة تدل على الحدوث أو الجسمية، فأبطلوا جميع الصفات الاختيارية الفعلية كالاستواء والنزول والكلام والرحمة والغضب
والمجئ والاتيان وغير ذلك، ثم أبطلوا جميع الصفات التي تدل في زعمهم على الجسمية لأن الجسمية دليل على الحدوث أيضاً، فأبطلوا وصفه جل وعلا بالوجه واليد والقدم والعين والاصبع وسائر ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم متذرعين مرة بالتأويل، ومرة بالتفويض، والأدهى من ذلك والأمر أنهم تجرأوا فقعدوا القواعد لإبطال الاستدلال بشئ من النصوص الشرعية على الصفات التي ينكرونها كما فعل الرازي في كتابه تأسيس التقديس فصاروا بذلك من غلاة النفاة المعطلة لصفات الله تعالى، لهذا صار الأشاعرة على قولين ظاهرين:
قول متقدميهم كالحارث المحاسبي وابن كلاب والأشعري في مذهبه المتوسط والباقلاني، الذين يثبتون الصفات الذاتية، وبعض الصفات الفعلية.
وقول متأخريهم الذين ينفون سائر الصفات الفعلية وسائر الصفات الذاتية إلا ما يسمونه الصفات العقلية: وهي: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر، على تفصيلات عديدة عندهم في مسألة السمع والبصر، حيث يرجعها بعضهم إلى العلم، أما الكلام فهم متفقون على نفي الحرف والصوت، مما يجعل إثباتهم لصفة الكلام دعوى لامعنى لها، بل ويصبح من لوازمها التي لا مفر لهم منها هو القول بخلق القرآن.
ومن هنا فإن الأشاعرة لا يمكن أن يكونوا من أهل السنة في باب الصفات، كما أنهم في الإيمان مرجئة، وفي أفعال العباد قاربوا مذهب الجبرية، ومع ذلك فهم أقرب الفرق إلى أهل السنة فهم أقرب من المعتزلة والجهمية ومن الرافضة والزيدية وغيرهم.
وقد انبرى لكشف تلبيس من يلبس منهم على من لايعرف حقيقتهم بدعوى أنهم من اهل السنة أخونا الشيخ فيصل بن قزاز الجاسم، في هذا الكتاب القيم، وأبطل دعواهم من جميع الوجوه، وقد استند في ذلك إلى الأدلة الدامغة من كلام الله تعالى، ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والتي ثبت أن الأشاعرة لايثبتون مدلولها.
كما نقل عن أئمة أهل السنة وعلمائها إثباتهم للصفات كما وردت في الكتاب والسنة وأنها على الحقيقة تثبت لله تعالى من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تكييف.
كما أثبت بما لايدع مجالاً للشك أن السلف ليسوا مؤولة وليسوا مفوضة.
ونقل عن أئمة السنة باستفاضة ما يؤيد ذلك، بل ذكر عنهم ما يدل على أنهم يحرمون التأويل ويرفضونه ويعتبرونه من باب تحريف كلام الله تعالى، كما يرفضون التجهيل المسمى التفويض، لأنه إبطال لدلالة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في أعظم عقيدة وأخطر مسائل الدين ألا وهي صفات الله تعالى، المرتبط بها يقيناً
معرفة الله تعالى المعرفة الصحيحة، والتي ينبني عليها عبادته جل وعلا والإيمان به.
كما بين فضيلة الشيخ فيصل بما لايدع مجالاً للشك ما يلبس به بعض المتحذلقين من الأشاعرة ممن يحاولون أن يدعموا دعوى الأشاعرة في التأويل ببعض النقول الشاذة المعزوة إلى بعض السلف يزعمون أن فيها تأويلاً.
فسبحان الله ما أعجب الهوى كيف يفعل بأصحابه - يترك ذاك الكم الهائل من النصوص والتصريحات المثبتة للصفات على منطوق الكتاب والسنة إلى كليمات أكثرها لايصح، أو يكون لها معنى غير ما زعم المستدل بها على التأويل، وصدق الله إذ يقول {فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منهم ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} .
كما جعل خاتمة الأبواب نقوله عن أئمة السنة في ذمهم للأشعرية وأنهم ليسوا من أهل السنة، وذلك لما ثبت عنهم من الابتداع في باب الصفات، وأنهم أرادوا تنزيه الله تعالى بالطريقة التي ينزه بها الجهمية الله تعالى، فوقعوا في شر مما فروا منه، فبدل أن يثبتوا إلهاً ورباً وخالقاً له صفات الجلال والكمال جعلوه تبارك وتعالى أبكم لا يتكلم وجماداً لايتحرك ليس له وجود، لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا يحب مؤمناً ولا يرضى
عنه ولا يغضب على كافر ولا يكرهه، ليس موصوفا بالرحمة، مع أن كل ما يرى من آثار رحمته تبارك وتعالى، فأين هذا الكلام الهراء الذي ليس فيه توقير للرب جل وعلا، ولا يوصل إلى ذلك مما يثبته السلف له جل وعلا من صفات الكمال والجلال وفق ما أخبر الله تعالى، وأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم.
فلأخينا الشيخ فيصل الجاسم الدعوات أن الله تبارك وتعالى يبارك في جهوده، ويجزيه خيراً عن أهل السنة، حيث انتصر للحق وأبان عن تلبيسات الملبسين وتقريرات المفسدين وتجهيلات الجاهلين، وقوم ما اعوج من كلامهم، وثقف ما مال من دعواهم في مسألة الصفات، متأسياً في ذلك بمن تقدم من أهل العلم الكبار، الذين ردوا على المبتدعة من الجهمية والمعتزلة في مسألة الصفات، وكذلك من خص من أهل العلم الأشاعرة بالرد كالسجزي رحمه الله في إثبات الحرف والصوت، وكالقاضي أبي يعلى رحمه الله في إبطال التأويلات، وكشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إبطال قاعدة المتكلمين العقلية في كتابه درء تعارض العقل والنقل، وكذلك نسفه لقواعد الرازي الكلامية الفاسدة في كتابه نقض تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، وغيرهم كثير.
وعليه فأقول: إن أخانا الشيخ فيصل الجاسم قد أجاد وأفاد في كتابه هذا، ونسأل الله أن يسلك بنا وبه سبيل العلماء الصالحين،
المدافعين والذابين عن سنة سيد المرسلين، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يوفقه لكل خير وفلاح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
وكتبه
سعود بن عبد العزيز الخلف
أستاذ العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
18/ 1/1428هـ