الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بيان أن خلاف الكرابيسي مع الإمام أحمد يختلف عن اختلاف ابن كلاب معه]
وقال الذهبي أيضاً في بيان المسألة وذكر الفرق بين ما نسب إلى البخاري وما قاله ابن كلاب: (والذي ظهر من محمد -أي: البخاري- أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن، وتسمى مسألة أفعال التالين، فجمهور الأئمة والسلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وبهذا ندين الله تعالى، وبدّعوا من خالف ذلك.
وذهبت الجهمية والمعتزلة والمأمون وأحمد بن أبي داود القاضي وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق، وقالوا: الله خالق كل شيء والقرآن شيء، وقالوا: تعالى الله أن يوصف بأنه متكلم، وجرت محنة القرآن، وعظم البلاء، وضُرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك، نسأل الله السلامة في الدين.
ثم نشأت طائفة فقالوا: كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، ولكن ألفاظنا به مخلوقة، يعنون تلفظهم وأصواتهم به وكتابتهم له، ونحو ذلك وهو حسين الكرابيسي ومن تبعه، فأنكر ذلك الإمام أحمد وأئمة الحديث، وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم، وثبت عنه أن قال: اللفظية جهمية، وقال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، وسد باب الخوض في هذا، وقال أيضاً: من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي.
وقالت طائفة: القرآن محدث، كداود الظاهري ومن تبعه، فبدعهم الإمام أحمد، وأنكر ذلك، وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه من علم الله، وكفّر من قال بخلقه، وبدع من قال بحدوثه، وبدّع من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولم يأت عنه ولا عن السلف القول: بأن القرآن قديم، ما تفوه أحد منهم بهذا، فقولنا "قديم" من العبارات المحدثة المبتدعة، كما أن قولنا: هو محدث بدعة.
وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق، وصنف في ذلك كتاب "أفعال العباد" مجلد فأنكر عليه طائفة وما فهموا مرامه، كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر الأعين وغيرهم.
ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس، وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته، ودال عليه، وقالوا: هذا المتلو معدود متعاقب، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب، ولا التعدد، بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة، واتسع المقال في ذلك، ولزم منه أمور وألوان، تركها والله من حسن الإيمان وبالله نتأيد) (1) اهـ.
(1) المرجع السابق (11/ 510).
وقد سبق نقل كلام السجزي في أن ما قاله ابن كلاب ومن تبعه في الكلام النفسي مخالف لإجماع الأمة بل وكل العقلاء.
وأما قول داود بن علي الأصبهاني فقد روى اللالكائي في شرح أصول أهل السنة عن أبي عبد الله الوارق جوازا قال: (كنت أورّق على داود الأصبهاني، فكنت عنده يوماً في دهليزه مع جماعة من الغرباء، فسئل عن القرآن فقال: القرآن الذي قاله الله {لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة79، وقال: {في كتاب مكنون} غير مخلوق. وأما ما بين أظهرنا يمسه الجنب والحائض فهو مخلوق. قال القاضي أحمد بن كامل: وهذا مذهب الناشئ، وهو كفر بالله العظيم)(1) اهـ.
وقال الأشعري في المقالات: (وبلغني عن بعض المتفقهة أنه كان يقول: أن الله لم يزل متكلماً، بمعنى أنه لم يزل قادراً على الكلام، ويقول: أن كلام الله محدث غير مخلوق، وهذا قول داود الأصبهاني)(2) اهـ.
وبهذا يتبين بأن خلاف ابن كلاب للإمام أحمد مغايرٌ تماماً لخلاف الكرابيسي معه في مسألة اللفظ.
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (2/ 360).
(2)
مقالات الإسلاميين (2/ 256).