الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد،،
فقد وقع في يدي كتاب بعنوان "أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم" لاثنين من الأشاعرة. فوجدت مؤلفيه قد حاولا فيه إثبات كون الأشاعرة المنسوبين لأبي الحسن الأشعري هم أهل السنة والجماعة، وتكلفا ذلك حتى خرجا بالكتاب عن البحث العلمي الموضوعي، فقررا بغير دليل، وادعيا بغير برهان ولا حجة، وملآ كتابهما بأقوال الأشاعرة أنفسهم على كونهم أهل الحق والصواب في باب أسماء الله وصفاته.
ومما يظهر للمتأمل أن كثيراً من بحوثه، إن لم تكن أكثرها، لا تخرج عما كتبه محمد زاهد الكوثري في مقالاته، وحواشيه، ومقدماته، وما كتبه أيضاً وهبي سليمان غاوجي كذلك، كما أن بعضها مأخوذ مما كتبه حسن السقاف وهو المعروف بالافتراء والتلفيق مع عدم الأمانة في النقل والتحقيق، وهو لا يختلف كثيراً عن الكوثري، فهما إمامان في هذا!
والكتاب إجمالاً مليء بالمغالطات والمؤاخذات، حتى صار إلى الحشو والتلفيق أقرب منه إلى البحث والتحقيق. وذلك لأمور كثيرة:
الأمر الأول: أن مؤلفيه لم يذكرا على ما يدعيانه من صحة طريقة الأشاعرة في أسماء الله وصفاته أدلة: لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من أقوال سلف الأمة. وإنما ملئاه بدعاوى مجردة بلا بينة ولا برهان. والغريب أنهما ذكرا في عنوانه "وأدلتهم" فصار اسماً على غير مسمى.
الأمر الثاني: أنهما قد ادعيا مراراً وتكراراً موافقة الأشاعرة في معتقدهم لمعتقد السلف والأئمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ومع ذلك لم يستدلا بكلام واحد من السلف، ولم ينقلا من كتب أئمة السلف في المعتقد البتة، ككتاب "أصول السنة" للإمام أحمد، و"السنة" لابنه عبد الله، و"السنة" للخلال، ولابن أبي عاصم، وكتب الدارمي كـ"الرد على الجهمية"، و"الرد على المريسي"، وكتاب "خلق أفعال العباد" للبخاري، و"التوحيد" لابن خزيمة، ولابن منده، وكتب الطبري كـ "التبصير" و"صريح السنة"، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" لللالكائي، و"الإبانة" لابن بطة، وغيرها كثير من كتب السنة والردود على المخالفين (1). وإنما اكتفيا بالنقل من كلام أئمة الأشاعرة ما يزعمون أنه معتقد سلف الأمة. ولا ريب أن هذا خلل كبير، وقصور عظيم في نقل المذاهب والمعتقدات، وهو يدل على جهلهما بأقوال أئمة السنة، وعدم اطلاعهما عليها،
(1) للمزيد في معرفة مؤلفات السلف في الاعتقاد انظر "تاريخ تدوين العقيدة السلفية" للشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم.
وهذا خطأ جوهري يفقد الكتاب قيمته، ويسقطه عن درجة البحث الموضوعي إلى درجة الحشو والتلفيق والدعاوى المجردة.
وصدق أبو نصر السجزي إذ يقول في رسالته إلى أهل زبيد (ص101): (فكل مدع للسنة يجب أن يُطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك عُلم صدقه، وقُبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف عُلم أنه مُحدِث زائغ، وأنه لا يستحق أن يُصغا إليه أو يُناظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به، بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنه بيّن، وكتبهم عارية عن إسناد، بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي
…
) (1) اهـ.
وقال المِبرَد في رده على من امتدح الأشاعرة: (وهذا الذي قال لا يُقبل قوله، لأنه من جملة أتباع الأشعري، ومن يمدح العروس غير أمها وأختها)(2).
الأمر الثالث: أن غاية ما استدلا به وحصلاه في إثبات كون الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، وأنهم أهل الطريقة المثلى، هو شهادة الأشاعرة أنفسهم لأنفسهم، وهذا عبث لا طائل من ورائه، وحال هذين كحال الرافضي الذي يستشهد على كون الرافضة هم أهل الحق بشهادة أئمة الرافضة.
ومن بدهيات البحث والتحقيق العلمي أن تقرير صحة الطرق والمناهج لا يكون بشهادة أصحابها لأنفسهم، وإنما بالدليل والحجة والبرهان من الكتاب والسنة وأقوال السلف وأئمة السنة.
وصدق أبو نصر السجزي إذ يقول في مثل هذا: (ويتعلق قوم
(1) رسالة السجزي إلى أهل زبيد (ص101).
(2)
جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر (ص131).
من المغاربة علينا بأن أبا محمد بن أبي زيد وأبا الحسن القابسي قالا: "إن الأشعري إمام" وإذا بان صحة حكايتهم عن هذين فلا يخلو حالهما من أحد وجهين: أن يدعى أنهما كانا على مذهبه فلا يحكم بقولهما بإمامته، وإن كانت لهم منزلة كبيرة، كما لم يحكم بما يقول ابن الباقلاني وأشكاله) (1) اهـ.
الأمر الرابع: أنهما ينسبان لأئمة السنة من الأقوال ما لم يتثبتا من صحة نسبتها إليهم، فتراهما ينقلان عن بعض الصحابة والتابعين ما لم يطلعا على إسناده، ولم يخرجاه من مظانه، كأن ينسبا مثلاً قولاً لابن عباس رضي الله عنه، أو مجاهد، وينقلاه عن القرطبي أو غيره بلا إسناد ولا تمحيص، ويجعلاه حجة لهما على ما ادعيا، وهما لا يعرفان ثبوته من عدمه. وهذا يدل على جهل وقلة علم.
الأمر الخامس: أن كل ما لا يعجبهما من أقوال من يعظمونه كالأشعري وغيره، مما فيه إبطال لدعواهما يجعلانه مدسوساً. كما تكلفا إنكار ثبوت كتاب الإبانة المطبوع المتداول للأشعري، وزعما أن أيدي العابثين طالته.
(1) المرجع السابق (ص227).
الأمر السادس: أنهما يقرران المسائل اللغوية بغير مستند من أهل اللغة ولا رجوع إلى كتبها، ولكن بما تهواه أنفسهما، كما زعما: أن معنى الشيء هو كيفيته، وأن السؤال عن الكيفية: سؤال عن المعنى، ونفي الكيفية نفي للمعنى. كل هذا هروباً مما يلزمهما من الحجة.
الأمر السابع: أنهما أكثرا من الدعاوى العريضة، خاصة فيما يتعلق بنقل الإجماع على ما يدّعون، كقولهما: إن جميع المالكية والشافعية والحنفية والسمعانية أشاعرة أو ماتريدية. وقد أكثرا جداً من مقولة "هذا مذهب العلماء قاطبة"!!. مع أن دعوى إجماع السلف أو اتفاقهم على نقيض ما ادعوه أقرب وأظهر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في النبوات: (ولأهل الكلام والرأي من دعوى الإجماعات التي ليست صحيحة، بل قد يكون فيها نزاع معروف، وقد يكون إجماع السلف على خلاف ما ادعوا فيه الاجماع ما يطول ذكره)(1).
وقال في منهاج السنة: (ثم إن غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات ينقلون في أصول الملل والنحل من المقالات ما يطول وصفه، ونفس ما بعث الله به رسوله وما يقوله أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل الذي حكوا فيه أقوال الناس لا ينقلونه، لا تعمداً
(1) النبوات (ص108).
منهم لتركه، بل لأنهم لم يعرفوه، بل ولا سمعوه، لقلة خبرتهم بنصوص الرسول وأصحابه والتابعين) (1).
ولقد خاض الأشعريان في أمور خطيرة، كان الأجدر بهما أن يتأصلا قبل أن يقررا، وأن يتثبتا قبل أن يقلدا. والمؤاخذات عليهما عند التدقيق كثيرة جداً، قد يطول المقام في تفنيد كل واحدة منها، ولكن إيثاراً للاختصار، ورغبة في بيان الحق بأسهل طريق وأقربه، فسأجمل ما على الكتاب من مؤاخذات على النحو التالي:
لقد قررا أن الأشاعرة هم أكثر الأمة.
ثم أنكرا رجوع الأشعري عن معتقده الكلابي وطعنا في صحة نسبة كتاب الإبانة له رجماً بالغيب.
ثم تكلما حول عقيدة ابن كلاب وزعما أن عقيدته هي عقيدة السلف، وأنه موافق لمعتقد إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، وادعيا أن ما نُقل من الخلاف بينهما كان خلافاً لفظياً لا حقيقياً.
ثم افتريا على كثير من الأئمة بنسبتهم إلى الأشاعرة كالبخاري والطبري وكثيرين.
ثم ادعيا أن مذهب السلف في أسماء الله وصفاته هو التفويض الذي هو الجهل بالمعنى، وزعما أن مذهب التأويل والتحريف مذهبٌ لبعض السلف، وأن التفويض الذي عليه عامة السلف -كما زعما- هو في حقيقته يعود إلى التأويل، فإن كلا الطريقتين:
(1)(6/ 303)
التفويض، والتأويل في زعمهما قد اتفقا على أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ليست على حقيقتها، كصفة اليد، والنزول، والاستواء، والوجه، والضحك، والمحبة، ونحوها، وإنما هي على المجاز، وإنما الفرق بين التفويض والتأويل هو تحديد المعنى المجازي، فالمفوضة لا يحددون والمؤولة يحددون، وكلاهما فيما زعما مذهبان معروفان للسلف، وما سواهما فتشبيه وتعطيل.
ثم خاضا في تحريف بعض صفات الله كصفة الكلام لله تعالى، وإنكرا أن يكون الله يتكلم بحرف وصوت، وأنكرا كذلك أن يكون الله عالياً على خلقه بنفسه بائناً منهم، وحرّفا صفة الاستواء، والرؤية، والعين، واليد، وغيرها من الصفات الثابتة لله تعالى.
ثم خاضا في مسألة الجسم وأن الله منزه عنه، وادعيا أن اثبات الصفات لله يستلزم الجسمية.
ثم تكلفا التفريق بين الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة وهي: صفة العلم، والحياة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، وبين سائر الصفات التي لا يثبتون حقيقتها بل يتأولونها.
وقد خاضا في كثير من التأويلات بنسبتها إلى السلف بغير بينة ولا برهان، ولم يكتفيا بذلك حتى عدا الصحابة من المتكلمين وخاضا في أحاديث الآحاد.
هذه جملة مختصرة مما خاض فيه الأشعريان بالباطل.
ولما كان من الواجب رد الباطل وبيان زيفه حتى لا يلتبس على الناس، جاء هذا الرد والبيان المختصر على بعض ما ادعاه الأشعريان في كتابهما، وخاضا فيه بغير الحق.
ولما كان المقصود أيضاً من الرد هو بيان حقيقة معتقد سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والوقوف على أصوله التي يُبنى عليها في باب أسماء الله وصفاته، وبيان مخالفة طريقة الأشاعرة لهذه الأصول، فسيكون الرد عبر أبواب خمسة، يندرج تحت كل منها فصول تبين أصول معتقد السلف بالأدلة من كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكلام أئمة السنة.
ولم أنو استيعاب جميع ما قرره أهل السنة والجماعة في أبواب المعتقد، ولا أن أتعقب جميع أصول الأشاعرة التي خالفوا فيها السلف، فقد أُلّفت في ذلك كتب كثيرة، ولكني اهتممت بهدم ما بنى عليه الأشعريان كتابهما، واكتفيت بما يتحصل به المقصود، ويظهر به الحق، ويتبين به بطلان ما ادعاه الأشعريان من أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة.
ولم أنقل في تقرير المعتقد إلا عمن كان من أئمة السنة
المعروفين، ومن سار على دربهم من المتأخرين، ممن قد علم القاصي والداني فضلهم وإمامتهم.
وربما نقلت عن بعض من يُنسبون إلى شيء من التأويل من المتأخرين، أو بعض من عُرف عنهم شيء من المخالفات في بعض أبواب الاعتقاد أو العمل: ما وافقوا فيه الحق مما يبطل دعوى الأشعريين ويبين خطأها.
وقد أكرر بعض النقولات، لما تقتضيه من الدلالة في كل موضع بحسبه.
وقد تجنبت عن قصد النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلمكيذه ابن القيم في تقرير مسائل الاعتقاد، كما تجنبت النقل عن أئمة الدعوة النجدية كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وتلامذته، والعلماء المعاصرين، وغرضي في ذلك التدليل على أن ما قرره هؤلاء العلماء في كتبهم لم يكن أمراً مبتدعاً قد انفردوا به كما يزعم بعض الجهلة، ولكنه كلام السلف والأئمة فيما سطروه في كتبهم، وما نقله الثقات عنهم، فلم يأت شيخ الإسلام ابن تيمية بشيء جديد ولكنه أبان ما خفي على كثير ممن انطبع في قلوبهم التقليد، وترك البحث والتنقيب.
ولا أخفي أنني استفدت كثيراً مما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في الرد على شبهات المبطلين، واقتبست بعض
كلامهما مع شيء من التصرف من غير أن أشير إلى ذلك، إذ أن الغرض هو رد الشبهة وإبطال البدعة.
وربما نقلت عنهما شيئاً من كلامهما في الأمور التاريخية، والاستقرائية، والمنهجية، ونحو ذلك.
وقسمت الرد إلى خمسة أبواب، أدرجت تحت كل باب عدة فصول، وتحت كل فصل فروع، على النحو التالي:
(الباب الأول) ذكر أصول أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته وبيان مخالفة الأشاعرة لها.
وأدرجت تحته سبعة فصول.
(الباب الثاني) ذكر الأدلة على إثبات بعض صفات الله تعالى التي خاض فيها الأشاعرة بالباطل.
وأدرجت تحته خمسة فصول.
(الباب الثالث) الرد على ما نسبه الأشعريان للسلف من تأويل.
وأدرجت تحته اثني عشر فصلاً.
(الباب الرابع) تبرئة أئمة السنة من الأشعرية.
وأدرجت تحته سبعة فصول.
(الباب الخامس) بيان أن الكلابية والأشعرية فرقتان مباينتان لأهل السنة والجماعة. وأدرجت تحته أربعة فصول.