الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
في بيان كون الكلابية ليسوا من أهل السنة والجماعة
وأن خلاف ابن كلاب مع الإمام أحمد كان خلافاً حقيقياً لا لفظياً
المبحث الأول: بيان حقيقة الخلاف بين الإمام أحمد وابن كلاب وأنه كان جوهريا حقيقيا
لقد استمات الأشعريان في ادعاء أن عبد الله بن سعيد بن كلاب كان من أئمة السنة، وأنه على عقيدة الإمام أحمد والسلف، وأن ما ثبت من الخلاف بينهما كان خلافاً لفظياً لا حقيقياً، كل ذلك لإثبات أن الأشاعرة من أهل السنة، لكون الأشاعرة من الكلابية في الجملة، لأن أبا الحسن الأشعري الذي تنتسب إليه الأشعرية سار على طريق ابن كلاب بعد تركه لطريق المعتزلة.
قال الأشعريان (ص47): (نسلم أولاً أن الإمام الأشعري بعد
تركه الاعتزال كان على طريق عبد الله بن سعيد بن كلاب، وهذا أمر يوافقنا عليه أصحاب الدعوى -أي من ينكرون كون الأشاعرة من أهل السنة والجماعة- ولكنهم يخالفوننا في أن طريق ابن كلاب وطريق السلف هما في حقيقة الأمر طريق واحد، لأن ابن كلاب كان من أئمة أهل السنة والجماعة السائرين على طريق السلف الصالح) اهـ.
ولقد صور الأشعريان أن الخلاف بين الإمام أحمد وبين ابن كلاب وأصحابه كالمحاسبي والأشعري، إنما كان يدور حول مسألة اللفظ، وهي مقولة (القرآن كلام الله غير مخلوق، ولفظي به مخلوق). وأن الإمام أحمد بدّع من قال بذلك لئلا يُتذرع بها إلى القول بأن القرآن مخلوق، وأن ابن كلاب وأصحابه صرحوا باللفظ وميزوا بين القرآن وأنه كلام الله، وبين أفعال التالين للقرآن وأنها مخلوقة.
ولم يكتفيا بذلك حتى جمعا مع ابن كلاب فيما زعماه: البخاري ومسلم والطبري، فنقلا عن ابن عبد البر قوله: (وكان الكرابيسي وعبد الله بن كلاب وأبو ثور وداود بن علي وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته .... وأنه حكاية عن كلام الله
…
) ثم زادا على من ذكرهم ابن عبد البر ولبّسا.
فقالا (52 - 53): (وعلى أية حال هذا القول الذي بُدّع عبد الله بن كلاب بسببه لا يقتضي وصفه بالبدعة أو أنه على غير طريق السلف،
لا سيما أن مسألة اللفظ بالقرآن كان يقول بها ثلة من أكابر أمة الإسلام مثل الذين ذكرهم ابن عبد البر، وممن كان يقول بذلك أيضاً الإمام البخاري والإمام مسلم والحارث المحاسبي ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم .. ) اهـ.
ولا ريب أن هذا تلبيس على القارئ إن لم يكن كذباً صريحاً، فإن الذي اخترعه ابن كلاب والمحاسبي والأشعري وداود بن علي في القرآن لم يكن مسألة اللفظ بالقرآن، مع اعتقاد أن القرآن كلام الله تعالى لفظه ومعناه غير مخلوق، وأنه كلام الله حروفه ومعانيه، ليس هو المعنى دون اللفظ ولا اللفظ دون المعنى، وأنه حرف وصوت، وهو نفس كلام الله الذي تكلم به فسمعه منه جبريل عليه السلام، فبلغه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
إذ أن ابن كلاب اخترع الكلام النفسي، وأنكر أن يكون الله تعالى يتكلم بحرف وصوت مسموع، أو أنه تعالى يتكلم بمشيئته.
قال أبو الحسن الأشعري في مقالاته: (قال عبد الله بن كلاب: إن الله سبحانه لم يزل متكلماً
…
وأن الكلام ليس بحروف ولا صوت ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير، وأنه معنى واحد بالله عز وجل
…
وزعم عبد الله بن كلاب أن ما نسمع التالين يتلونه هو عبارة عن كلام الله عز وجل، وأن موسى عليه السلام
سمع الله متكلماً بكلامه، وأن معنى قوله:" فأجره حتى يسمع كلام الله " معناه حتى يفهم كلام الله .. ) (1) اهـ.
وقال الشهرستاني في "الملل والنحل": (وكلامه واحد هو: أمر، ونهي، وخبر، واستخبار، ووعد، ووعيد؛ وهذه الوجوه ترجع إلى اعتبارات في كلامه، لا إلى عدد في نفس الكلام والعبارات ....... والكلام عند الأشعري: معنى قائم بالنفس سوى العبارة، والعبارة دلالة عليه من الإنسان؛ فالمتكلم عنده من قام بالكلام، وعند المعتزلة من فعل الكلام؛ غير أن العبارة تسمى كلاماً: إما بالمجاز، وإما باشتراك اللفظ)(2) اهـ.
وهذا الذي اخترعاه وابتدعاه لم يسبقا إليه، ولم يقل به أحد من الخلق قبلهما. قال الذهبي في ترجمة ابن كلاب:(وكان يقول بأن القرآن قائم بالذات بلا قدرة ولا مشيئة، وهذا ما سبق إليه أبداً)(3) اهـ.
(1) مقالات الإسلاميين (2/ 257 - 258).
(2)
الملل والنحل (1/ 83)
(3)
سير أعلام النبلاء (11/ 175).