الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامساً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى {الله نور السموات والأرض} :
زعم الأشعريان أن ابن عباس رضي الله عنه تأول وصف الله تعالى بالنور.
فقالا (ص 234): (جاء في تفسير الطبري ما نصه: عن ابن عباس قوله {الله نور السموات والأرض} النور35، يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض) اهـ.
والجواب: أن يقال:
أولاً: أن هذا الأثر مداره على علي بن أبي طلحة.
فقد رواه ابن أبي حاتم (8/ 2593) وابن جرير (18/ 135) وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات (ص102) واللالكائي (2/ 201) في شرح أصول أهل السنة كلهم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه به.
وهذا إسناد منقطع، لأن علي ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس.
قال دحيم: لم يسمع التفسير من ابن عباس، وقال ابن حبان: روى عن ابن عباس ولم يره.
وقد اختلف أيضاً في حاله، فقواه بعضهم كأبي داود والنسائي وابن حبان، وضعفه آخرون، فقال يعقوب بن سفيان: ضعيف
الحديث، منكر ليس محمود المذهب (1). ولخص ابن حجر القول فيه فقال في التقريب: صدوق قد يخطئ، وقال الذهبي في الكاشف: قال أحمد: له أشياء منكرات.
ثانياً: إن صح هذا الأثر فإنه ليس من التأويل الذي يزعمانه، لأن تفسيره بالهادي لا يمنع من كون الله تبارك وتعالى نوراً، فإن من معاني كونه تبارك وتعالى نوراً هدايته لخلقه، فهما إذاً متلازمان. وابن عباس وغيره لم ينفوا ما سوى ذلك.
ولذلك قال تعالى بعده: {مثل نوره} أي في قلب العبد المؤمن.
ومن عادة السلف أن يذكروا بعض صفات اللفظ المُفسّر، أو بعض أنواعه، ولا ينافي ذلك ثبوت بقية أنواعه وأوصافه، بل قد يكونان متلازمين.
ومثال ذلك قول بعضهم في: {الصراط المستقيم} الفاتحة6، أنه: الإسلام، وقال آخرون: إنه القرآن، وقال آخرون: إنه السنة والجماعة، وقال بعضهم: إنه طريق العبودية،
(1) انظر تهذيب التهذيب (7/ 393 - 341)
وهذه كلها صفات متلازمة للصراط المستقيم، ليست متباينة.
ثالثاً: أنه قد ثبت وصف الله تبارك وتعالى بالنور.
قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها} الزمر69.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: (إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور -وفي رواية أبي بكر النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)(1).
وروى أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه في حديث المعراج أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه) (2).
وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حين عودته من الطائف بعد دعوته لهم إلى الإسلام: (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة .. )(3) الحديث.
(1) مسلم (179).
(2)
مسلم (178)
(3)
رواه اابن عدي في الكامل (6/ 2124) والطبراني في الدعاء (ص315) والخطيب في الجامع (2/ 275).