المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولسياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري - الأشاعرة في ميزان أهل السنة

[فيصل الجاسم]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ الشيخ / أ. د. سعود بن عبد العزيز الخلف

- ‌تقريظ الشيخ / أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (الأردن)

- ‌تقريظ الشيخ / أ. د. محمد أحمد لوح (السنغال)

- ‌تقريظ الشيخ / د. أحمد شاكر الجنيدي (مصر)

- ‌تقريظ الشيخ / أ. د. أبو عمر عبد العزيز النورستاني (باكستان)

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأولذكر أصول أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته وبيان مخالفة الأشاعرة لها

- ‌تمهيد

- ‌[تعريف أهل السنة والجماعة وبيان أوصافهم]

- ‌[مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في مصدر التلقي]

-

- ‌الفصل الأولفي إثبات أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة على الحقيقة لا على المجاز

- ‌[أساس دعوة الرسل: التعريف بالمعبود]

- ‌[الأصل في الكلام: الحقيقة]

- ‌[الخطاب نوعان]

- ‌[الطرق التي يُعرف بها مراد المتكلم]

- ‌[عدم تنازع الصحابة في الصفات]

- ‌المبحث الأولدلالة الكتاب والسنة على أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة على الحقيقة

- ‌المبحث الثانيالآثار الواردة عن السلف في كون صفات الله محمولة على الحقيقة:

- ‌فرع: في تقرير هذا الأصل من كلام أبي الحسن الأشعري

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان إنكار حقائق الصفات لله]

- ‌[صحة إطلاق لفظ "بذاته" و"حقيقة" والجواب على من استنكرها]

- ‌فرع في إبطال شبهتهما في هذا الباب:

- ‌[إثبات لوازم الصفة مع نفي حقيقتها تناقض]

- ‌الفصل الثانيفي إثبات علم السلف بمعاني صفات الله تعالى، وجهلهم بكيفيتها وحقيقة ما هي عليهوبيان معنى قولهم في الصفات: (بلا كيف) وقولهم: (لا تُفسّر)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولآثار السلف الدالة على أن صفات الله معلومة المعنى مجهولة الكيفية

- ‌[معنى إمرار الصفات بلا تكييف]

- ‌[معنى قول الإمام مالك "الاستواء معلوم

- ‌[نعت الجهمية لأهل السنة بالمشبهة: دليل على إثبات معاني الصفات]

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان دعوى التفويض عن السلف وأنه يعود إلى التأويل]

- ‌[بيان معنى قول بعض السلف عن الصفات: "بلا معنى

- ‌[معنى قول السلف عن أخبار الصفات "أمروها كما جاءت بلا كيف

- ‌[بطلان دعوى أن نفي الكيفية هو نفي للمعنى]

- ‌[الجهل بكيفية الصفة لا يستلزم الجهل بمعناها]

- ‌[بطلان استدلالهم بحديث "عبدي مرضت فلم تعدني

- ‌[قاعدة السلف فيما يُنفى عن الله]

- ‌[معنى المكر والاستهزاء والنسيان في حق الله تعالى]

- ‌فرع في منشأ ضلال الأشاعرة في هذا الباب

- ‌[لا يُعلم عن أحد من السلف أنه جعل آيات الصفات من المتشابهات]

- ‌الفصل الثالثفي تقرير أن السلف كانوا يجرون نصوص صفات الله على ظاهرها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولآثار السلف الدالة على وجوب إجراء نصوص الصفات على ظاهرها

- ‌فرع: في تقرير كون صفات الله على ظاهرها من كلام أبي الحسن الأشعري

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الرابعفي تقرير أن السلف مجمعون على تحريم تأويل الصفات وإخراجها عن ظاهرها، وعلى وجوب الكف عن ذلك

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص أئمة السنة الدالة على تحريم التأويل بإخراج نصوص الصفات على ظاهرها

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الخامسفي بيان اطراد قاعدة السلف في الصفات في وجوب إمرار الجميع على الظاهر بلا تأويل، لا يفرقون بين صفة وأخرى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص السلف الدالة على إطراد قاعدتهم في الإثبات في جميع الصفات

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان تفريق الأشاعرة في الإثبات بين الصفات العقلية السبعة وبين غيرها]

- ‌الفصل السادسفي بيان أن إثبات الصفات لله تعالى لا يستلزم التشبيه بخلقهوأنه لا يلزم في حق الخالق ما يلزم في حق المخلوق

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولآثار السلف الدالة على أنه لا يلزم من صفات الله ما يلزم من صفات المخلوق

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان دعوى استلزام الجسمية في إثبات الصفات]

- ‌ تحرير معنى الجسم

- ‌[الكلام حول العقيدة المنسوبة للإمام أحمد لأبي الفضل التميمي]

- ‌[المصادر التي تمكن من خلالها معرفة عقيدة الإمام أحمد]

- ‌[مخالفة الأشاعرة لعقيدة التميمي المنسوبة للإمام أحمد]

- ‌الفصل السابعفي بيان حقيقة التشبيه المنفي في صفات الله عند السلف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص أئمة السنة في بيان حقيقة التشبيه المنفي عن الله

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الباب الثانيذكر الأدلة على إثبات بعض الصفات التي خاض فيها الأشعريان بالتحريف والتعطيل

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولفي ذكر الإجماع على علو الله تعالى على خلقه بنفسهوأنه تعالى فوق العرش بذاته

- ‌المبحث الأولتنوع دلالات الكتاب والسنة في إثبات علو الله تعالى بذاته على خلقه

- ‌المبحث الثانينصوص السلف في حكاية الإجماع المتيقن على إثبات علو الله تعالى بذاته على خلقه

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌[بيان نفي الأشاعرة لعلو الله تعالى وقولهم في هذا الباب بما يمتنع بداهة]

- ‌الفصل الثانيفي جواز السؤال عن الله تعالى بـ أين؟ والرد على من أنكر ذلك

- ‌المبحث الأولدلالة السنة على جواز السؤال عن الله تعالى بأين

- ‌المبحث الثانينصوص السلف الدالة على جواز السؤال عن الله بـ: أين

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الثالثإثبات أن الله تبارك تعالى يتكلم بحرف وصوت مسموعوأن كلامه لا يشبه كلام المخلوقين

- ‌المبحث الأولالأدلة من الكتاب والسنة على إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى

- ‌المبحث الثانينصوص السلف الدالة على إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفةالأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[موافقة الأشاعرة للجهمية في إنكار الحرف والصوت]

- ‌الفصل الرابعإثبات صفة اليدين لله تعالى على الحقيقة لا على المجاز

- ‌المبحث الأولتنوع دلالات الكتاب والسنة على إثبات صفة اليدين لله تعالى

- ‌المبحث الثانينصوص السلف في إثبات صفة اليدين لله تعالى حقيقة

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الخامسإثبات صفة النزول لله تعالى على الوجه اللائق به من غير تشبيه ولا تكييف

- ‌المبحث الأولتنوع دلالات السنة في إثبات صفة النزول لله تعالى

- ‌المبحث الثانينصوص السلف في إثبات صفة النزول لله تعالى على الحقيقة

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الباب الثالثبطلان ورود التأويل في صفات الله عن أحد من السلف

- ‌تمهيد

- ‌دعاوى التأويل الوارد عن السلف والجواب عليها

- ‌أولاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للكرسي:

- ‌ثانياً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه لمجيء الرب عز وجل:

- ‌ثالثاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الأعين)

- ‌رابعاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الأيد):

- ‌خامساً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى {الله نور السموات والأرض}:

- ‌سادساً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه لنصوص (الوجه):

- ‌سابعاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الساق):

- ‌ثامناً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الجنب):

- ‌تاسعاً: دعوى تأويل مجاهد والضحاك والشافعي والبخاري للفظ (الوجه):

- ‌عاشراً: دعوى تأويل الثوري للاستواء:

- ‌الحادي عشر: دعوى تأويل الإمام مالك لصفة النزول:

- ‌الثاني عشر: دعوى تأويل الإمام أحمد مجيء الله تعالى:

- ‌الثالث عشر: دعوى تأويل البخاري لصفة الضحك:

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الباب الرابعتبرئة أئمة السنة من فرية الانتساب إلى الأشعرية والكلابية

- ‌تمهيد

- ‌فصلذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الباب الخامسبيان أن الكلابية والأشعرية فرقتان مباينتان لأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأولفي بيان كون الكلابية ليسوا من أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: بيان حقيقة الخلاف بين الإمام أحمد وابن كلاب وأنه كان جوهريا حقيقيا

- ‌[بيان أن خلاف الكرابيسي مع الإمام أحمد يختلف عن اختلاف ابن كلاب معه]

- ‌[الكلام حول الكرابيسي وحقيقة خلافه مع الإمام أحمد]

- ‌المبحث الثانينصوص العلماء في مخالفة الكلابية والأشعرية لأهل السنة ولطريق السلف

- ‌[بطلان دعوى أن جميع المالكية والشافعية والحنفية أشاعرة أو ماتريدية]

- ‌الفصل الثانيفي إثبات صحة كتاب الإبانة المطبوع للأشعري وبيان بطلان كونه قد تلاعبت به الأيدي

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولالجواب على الأمر الأول الذي استدلا به على دخول التحريف في كتاب "الإبانة

- ‌المبحث الثانيالجواب على الأمر الثاني الذي استدلا به على دخول التحريف في كتاب "الإبانة

- ‌[إجماع السلف على أن لله عينين]

- ‌المبحث الثالثالجواب على الأمر الثالث الذي استدلا به على دخول التحريف في كتاب "الإبانة

- ‌المبحث الرابعافتراءات وطعون محمد زاهد الكوثري في الصحابة والأئمة

- ‌الفصل الثالثفي إثبات المرحلة الأخيرة لأبي الحسن الأشعري وهي مرحلة العودة إلى السنة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولسياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثانيالرد على ما أورده نفاة المرحلة الأخيرة

- ‌[الجواب على عدم إيراد كثير ممن ترجم له من أصحابه وغيرهم المرحلة الأخيرة]

- ‌المبحث الثالثأسباب انتقال الأشعري لمذهب أهل السنة وتركه للطريقة الكلابية

- ‌الفصل الرابعبيان مخالفة متأخري الأشاعري للأشعري ولكبار أصحابه

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص أئمة أصحاب الأشعري في إثبات الصفات لله تعالى والمنع من تأويلها

- ‌المبحث الثانيبيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌[قيام أهل الحديث بمن فيهم الخليفة ضد الأشعرية في القرنين الرابع والخامس]

- ‌[أسباب انتشار المذهب الأشعري في القرنين السادس والسابع]

- ‌[بطلان تقسيم أهل السنة لثلاثة طوائف]

- ‌[أكثر تأويلات متأخري الأشاعرة هي عين تأويلات قدماء الجهمية]

- ‌[التهويل بادعاء أن تضليل الأشعرية يستلزم تضليل الأمة]

الفصل: ‌المبحث الأولسياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

‌المبحث الأول

سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

وهذه المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة العودة إلى السنة وترك الكلابية، يدل على ثبوتها أمور:

أولاً: أنها مرحلة قد أثبتها المؤرخون وعلى رأسهم الحافظ ابن كثير وهو من هو في التاريخ وسعة الاطلاع.

فقال: (ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:

أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة.

الحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك.

الحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً

ص: 715

على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً.) (1) اهـ.

وأشار إليها الذهبي في السير فقال: (قلت: رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول، يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت، ثم قال: وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول)(2) اهـ.

بل ونص عليها في كتابه العرش قائلاً: (ولد الأشعري سنة ستين ومائتين، ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة رحمه الله، وكان معتزلياً ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه، وهو ما ذكرناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك، وأنه موافق لهم في جميع ذلك، فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في بعض دون البعض، وكان في غالب الأصول سنياً، وهو الذي علمناه من حاله .. )(3).

وأشار إلى هذا قبلهما شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: (إن الأشعرى وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب، فإنه تلميذ الجبائى،

(1) طبقات الفقهاء الشافعيين (1/ 210) ونقله عنه المرتضى الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (2/ 4) ولم يتعقبه.

(2)

سير أعلام النبلاء (15/ 86).

(3)

كتاب العرش للذهبي (ص302 - 303).

ص: 716

ومال إلى طريقة ابن كلاب، وأخذ عن زكريا الساجى أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه فى كتبهم) (1) اهـ.

وقال العلامة الآلوسي: (فقلت: يا مولاي يشهد لحقية مذهب السلف في المتشابهات، وهو إجراؤها على ظواهرها مع التنزيه {ليس كمثله شيء}: إجماع القرون الثلاثة الذين شهد بخيرتهم خير البشر صلى الله عليه وسلم

ولجلالة شأن ذلك المذهب ذهب إليه غير واحد عن أجلة الخلف

ومنهم: الإمام أبو الحسن الأشعري، فإن آخر أمره الرجوع إلى ذلك المذهب الجليل، بل الرجوع إلى ما عليه السلف في جميع المعتقدات.

قال في كتابه "الإبانة" الذي هو آخر مؤلفاته بعد كلام طويل: "الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل نصر الله تعالى وجهه قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون" انتهى.

(1) مجموع الفتاوى (3/ 228).

ص: 717

وهو ظاهر في أنه سلفي العقيدة. وكيف لا والإمام أحمد علم في ذلك، ولهذا نغص لميه من بين أئمة الحديث. ويُعلم من هذا أن ما عليه الأشاعرة غير ما رجع إليه إمامهم في آخر أمره من اتباع السلف الصالح، فليتهم رجعوا كما رجع، واتبعوا ما اتبع .. ) (1) اهـ.

ثانياً: أن ما قرره أبو الحسن الأشعري في "الإبانة" و"مقالات الإسلاميين" و"رسالة إلى أهل الثغر" من مسائل المعتقد ومنه صفات الله تعالى موافق لمعتقد السلف، ومخالف لما عليه الأشاعرة.

إذ أنه قد أثبت الصفات لله تعالى على ظاهرها، ومنع من تأويلها، وعد من تأولها مبتدعة وجهمية، كما سبق نقل كثيرٍ من كلامه في ثنايا الكتاب، وهذا يمنع تماماً أن يكون قد قرر فيه التفويض الذي يزعمه الأشاعرة، بل إنه صرح بأن الصفات حقيقة، وأوجب الأخذ بالظاهر، وبين أن آيات الصفات مفهومة معلومة، ورد على من تأولها وأخرجها عن حقيقتها. وهذا يؤكد أنها تمثل مرحلة مغايرة عن مرحلته الكلابية.

ومما يؤكد ذلك قول بعض الطاعنين في أبي الحسن الأشعري أنه إنما ألف الإبانة وقاية لأهل السنة.

(1) غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب (ص؟؟؟).

ص: 718

فقد قال أبو علي الأهوازي: (وللأشعري كتاب في السنة قد جعله أصحابه وقاية لهم من أهل السنة، يتولون به العوام من أصحابنا، سماه كتاب الإبانة، صنفه ببغداد لما دخلها، فلم يقبل ذلك منه الحنابلة وهجروه.

وسمعت أبا عبد الله الحمراني يقول: لما دخل الأشعري إلى بغداد جاء إلى البربهاري، فجعل يقول: رددت على الجبائي، وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى وعلى المجوس، فقلت وقالوا، وأكثر الكلام في ذلك، فلما سكت، قال البربهاري: "ما أدري مما قلت قليلاً ولا كثيراً، ما نعرف إلا ما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل.

فخرج من عنده وصنف كتاب الإبانة، فلم يقبلوه منه، ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها) (1) اهـ.

وظاهر هذا يدل على أن كتاب الإبانة ليس على طريقة الأشاعرة، ولذلك ظن بعض الطاعنين فيه أنه إنما ألفه إرضاءاً لهم، ووقاية لنفسه من إنكارهم عليه، وهذا الظن وإن لم يكن صحيحاً، إلا أنه يثبت أن منهج الأشعري في الإبانة موافق لأهل السنة، ومخالف للكلابية والأشعرية، وهو بيت القصيد.

(1) نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 341).

ص: 719

وقال الإمام القاضي كمال الدين أبو حامد محمد بن درباس المصري الشافعي (659 هـ) في رسالته "الذب عن أبي الحسن الأشعري": (فاعلموا معشر الإخوان

بأن كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده، وبما كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه عن الاعتزال بمن الله ولطفه. وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه، فقد رجع عنها، وتبرأ إلى الله سبحانه وتعالى منها. كيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها،

ص: 720

وروى وأثبت ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين، وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وأنه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. فهل يسوغ أن يُقال: أنه رجع إلى غيره؟ فإلى ماذا يرجع تراه!. يرجع عن كتاب الله وسنة نبي الله، خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون، وأئمة الحديث الماضين، وقد علم أنه مذهبهم ورواه عنهم. هذا لعمري ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين، كيف بأئمة الدين .. -إلى أن قال:(وقد ذكر هذا الكتاب، واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن رحمه الله، وأثنى عليه لما ذكره فيه، وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه: جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام، وأئمة القراء، وحفاظ الحديث وغيرهم -ثم ذكر جماعة منهم)(1) اهـ.

ثالثاً: أنه قد بيّن في "مقالات الإسلاميين" أن الكلابية فرقة مباينة لأهل الحديث، ونقل أقوالهم، في كثير من المسائل، ولم يجعلهم في جملة أهل الحديث، وقد سبق نقل أقواله، ولو كان كلابياً لم يفرق بينهم وبين أهل الحديث، ولجمعهم في مصطلح واحد، إما أن يدخلهم تحت مصطلح أهل الحديث، أو تحت الكلابية.

(1) رسالة الذب عن أبي الحسن الأشعري لابن درباس (ص107).

ص: 721

رابعاً: مما يؤكد هذا أن الأشاعرة لا ينقلون في كتبهم شيئاً مما ذكره الأشعري في كتبه الموجودة وهي "مقالات الإسلاميين" و"رسالة إلى أهل الثغر" و"الإبانة"، وحاولوا عبثاً أن ينكروا نسبة كتاب الإبانة المطبوع المتداول إليه، وما ذاك إلا لعلمهم أنه ينقض عليهم أصولهم، وقد سبق إثبات كونه كلامه غير محرف ولا معبوث به.

بل يكفي في إبطال دعواهم ما سطره في "مقالات الإسلاميين" و"رسالة إلى أهل الثغر"، وما نقله ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" والبيهقي في "الأسماء والصفات"، والذهبي في "العلو" من كتاب الإبانة، فضلاً عما نقله ابن تيمية وابن القيم منه في كتبهما التي سبق الإشارة إليها.

خامساً: أن أبا الحسن الأشعري ذكر في أول كتاب الإبانة: أنه سائر على درب الإمام أحمد ووصفه بأنه إمام أهل السنة، ولم ينتسب قط لابن كلاب ولا اعتزى إليه في شيء من كتبه الموجودة. ومعلوم أن ابن كلاب كان مبايناً لطريق الإمام أحمد، وأن الإمام أحمد كان ينهى عن الكلابية وكبارهم كالحارث المحاسبي وأصحابه، ويصفهم بالجهمية، كما سبق تقريره، وهذا مشهور مستفيض عنه، فلو كان الأشعري على طريق ابن كلاب لما انتسب إلى الإمام أحمد، مع علمه بنهيه عن ابن كلاب وتحذيره من طريقته.

ص: 722