المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في مصدر التلقي] - الأشاعرة في ميزان أهل السنة

[فيصل الجاسم]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ الشيخ / أ. د. سعود بن عبد العزيز الخلف

- ‌تقريظ الشيخ / أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (الأردن)

- ‌تقريظ الشيخ / أ. د. محمد أحمد لوح (السنغال)

- ‌تقريظ الشيخ / د. أحمد شاكر الجنيدي (مصر)

- ‌تقريظ الشيخ / أ. د. أبو عمر عبد العزيز النورستاني (باكستان)

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأولذكر أصول أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته وبيان مخالفة الأشاعرة لها

- ‌تمهيد

- ‌[تعريف أهل السنة والجماعة وبيان أوصافهم]

- ‌[مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في مصدر التلقي]

-

- ‌الفصل الأولفي إثبات أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة على الحقيقة لا على المجاز

- ‌[أساس دعوة الرسل: التعريف بالمعبود]

- ‌[الأصل في الكلام: الحقيقة]

- ‌[الخطاب نوعان]

- ‌[الطرق التي يُعرف بها مراد المتكلم]

- ‌[عدم تنازع الصحابة في الصفات]

- ‌المبحث الأولدلالة الكتاب والسنة على أن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة على الحقيقة

- ‌المبحث الثانيالآثار الواردة عن السلف في كون صفات الله محمولة على الحقيقة:

- ‌فرع: في تقرير هذا الأصل من كلام أبي الحسن الأشعري

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان إنكار حقائق الصفات لله]

- ‌[صحة إطلاق لفظ "بذاته" و"حقيقة" والجواب على من استنكرها]

- ‌فرع في إبطال شبهتهما في هذا الباب:

- ‌[إثبات لوازم الصفة مع نفي حقيقتها تناقض]

- ‌الفصل الثانيفي إثبات علم السلف بمعاني صفات الله تعالى، وجهلهم بكيفيتها وحقيقة ما هي عليهوبيان معنى قولهم في الصفات: (بلا كيف) وقولهم: (لا تُفسّر)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولآثار السلف الدالة على أن صفات الله معلومة المعنى مجهولة الكيفية

- ‌[معنى إمرار الصفات بلا تكييف]

- ‌[معنى قول الإمام مالك "الاستواء معلوم

- ‌[نعت الجهمية لأهل السنة بالمشبهة: دليل على إثبات معاني الصفات]

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان دعوى التفويض عن السلف وأنه يعود إلى التأويل]

- ‌[بيان معنى قول بعض السلف عن الصفات: "بلا معنى

- ‌[معنى قول السلف عن أخبار الصفات "أمروها كما جاءت بلا كيف

- ‌[بطلان دعوى أن نفي الكيفية هو نفي للمعنى]

- ‌[الجهل بكيفية الصفة لا يستلزم الجهل بمعناها]

- ‌[بطلان استدلالهم بحديث "عبدي مرضت فلم تعدني

- ‌[قاعدة السلف فيما يُنفى عن الله]

- ‌[معنى المكر والاستهزاء والنسيان في حق الله تعالى]

- ‌فرع في منشأ ضلال الأشاعرة في هذا الباب

- ‌[لا يُعلم عن أحد من السلف أنه جعل آيات الصفات من المتشابهات]

- ‌الفصل الثالثفي تقرير أن السلف كانوا يجرون نصوص صفات الله على ظاهرها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولآثار السلف الدالة على وجوب إجراء نصوص الصفات على ظاهرها

- ‌فرع: في تقرير كون صفات الله على ظاهرها من كلام أبي الحسن الأشعري

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الرابعفي تقرير أن السلف مجمعون على تحريم تأويل الصفات وإخراجها عن ظاهرها، وعلى وجوب الكف عن ذلك

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص أئمة السنة الدالة على تحريم التأويل بإخراج نصوص الصفات على ظاهرها

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الخامسفي بيان اطراد قاعدة السلف في الصفات في وجوب إمرار الجميع على الظاهر بلا تأويل، لا يفرقون بين صفة وأخرى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص السلف الدالة على إطراد قاعدتهم في الإثبات في جميع الصفات

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان تفريق الأشاعرة في الإثبات بين الصفات العقلية السبعة وبين غيرها]

- ‌الفصل السادسفي بيان أن إثبات الصفات لله تعالى لا يستلزم التشبيه بخلقهوأنه لا يلزم في حق الخالق ما يلزم في حق المخلوق

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولآثار السلف الدالة على أنه لا يلزم من صفات الله ما يلزم من صفات المخلوق

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[بطلان دعوى استلزام الجسمية في إثبات الصفات]

- ‌ تحرير معنى الجسم

- ‌[الكلام حول العقيدة المنسوبة للإمام أحمد لأبي الفضل التميمي]

- ‌[المصادر التي تمكن من خلالها معرفة عقيدة الإمام أحمد]

- ‌[مخالفة الأشاعرة لعقيدة التميمي المنسوبة للإمام أحمد]

- ‌الفصل السابعفي بيان حقيقة التشبيه المنفي في صفات الله عند السلف

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص أئمة السنة في بيان حقيقة التشبيه المنفي عن الله

- ‌المبحث الثانيبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الباب الثانيذكر الأدلة على إثبات بعض الصفات التي خاض فيها الأشعريان بالتحريف والتعطيل

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولفي ذكر الإجماع على علو الله تعالى على خلقه بنفسهوأنه تعالى فوق العرش بذاته

- ‌المبحث الأولتنوع دلالات الكتاب والسنة في إثبات علو الله تعالى بذاته على خلقه

- ‌المبحث الثانينصوص السلف في حكاية الإجماع المتيقن على إثبات علو الله تعالى بذاته على خلقه

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌[بيان نفي الأشاعرة لعلو الله تعالى وقولهم في هذا الباب بما يمتنع بداهة]

- ‌الفصل الثانيفي جواز السؤال عن الله تعالى بـ أين؟ والرد على من أنكر ذلك

- ‌المبحث الأولدلالة السنة على جواز السؤال عن الله تعالى بأين

- ‌المبحث الثانينصوص السلف الدالة على جواز السؤال عن الله بـ: أين

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الثالثإثبات أن الله تبارك تعالى يتكلم بحرف وصوت مسموعوأن كلامه لا يشبه كلام المخلوقين

- ‌المبحث الأولالأدلة من الكتاب والسنة على إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى

- ‌المبحث الثانينصوص السلف الدالة على إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفةالأشاعرة للسلف في هذا الباب والرد على شبهاتهم فيه

- ‌[موافقة الأشاعرة للجهمية في إنكار الحرف والصوت]

- ‌الفصل الرابعإثبات صفة اليدين لله تعالى على الحقيقة لا على المجاز

- ‌المبحث الأولتنوع دلالات الكتاب والسنة على إثبات صفة اليدين لله تعالى

- ‌المبحث الثانينصوص السلف في إثبات صفة اليدين لله تعالى حقيقة

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الفصل الخامسإثبات صفة النزول لله تعالى على الوجه اللائق به من غير تشبيه ولا تكييف

- ‌المبحث الأولتنوع دلالات السنة في إثبات صفة النزول لله تعالى

- ‌المبحث الثانينصوص السلف في إثبات صفة النزول لله تعالى على الحقيقة

- ‌المبحث الثالثبيان مخالفة الأشاعرة للسلف في هذا الباب

- ‌الباب الثالثبطلان ورود التأويل في صفات الله عن أحد من السلف

- ‌تمهيد

- ‌دعاوى التأويل الوارد عن السلف والجواب عليها

- ‌أولاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للكرسي:

- ‌ثانياً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه لمجيء الرب عز وجل:

- ‌ثالثاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الأعين)

- ‌رابعاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الأيد):

- ‌خامساً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى {الله نور السموات والأرض}:

- ‌سادساً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه لنصوص (الوجه):

- ‌سابعاً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الساق):

- ‌ثامناً: دعوى تأويل ابن عباس رضي الله عنه للفظ (الجنب):

- ‌تاسعاً: دعوى تأويل مجاهد والضحاك والشافعي والبخاري للفظ (الوجه):

- ‌عاشراً: دعوى تأويل الثوري للاستواء:

- ‌الحادي عشر: دعوى تأويل الإمام مالك لصفة النزول:

- ‌الثاني عشر: دعوى تأويل الإمام أحمد مجيء الله تعالى:

- ‌الثالث عشر: دعوى تأويل البخاري لصفة الضحك:

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الباب الرابعتبرئة أئمة السنة من فرية الانتساب إلى الأشعرية والكلابية

- ‌تمهيد

- ‌فصلذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها

- ‌خلاصة الفصل:

- ‌الباب الخامسبيان أن الكلابية والأشعرية فرقتان مباينتان لأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأولفي بيان كون الكلابية ليسوا من أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: بيان حقيقة الخلاف بين الإمام أحمد وابن كلاب وأنه كان جوهريا حقيقيا

- ‌[بيان أن خلاف الكرابيسي مع الإمام أحمد يختلف عن اختلاف ابن كلاب معه]

- ‌[الكلام حول الكرابيسي وحقيقة خلافه مع الإمام أحمد]

- ‌المبحث الثانينصوص العلماء في مخالفة الكلابية والأشعرية لأهل السنة ولطريق السلف

- ‌[بطلان دعوى أن جميع المالكية والشافعية والحنفية أشاعرة أو ماتريدية]

- ‌الفصل الثانيفي إثبات صحة كتاب الإبانة المطبوع للأشعري وبيان بطلان كونه قد تلاعبت به الأيدي

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولالجواب على الأمر الأول الذي استدلا به على دخول التحريف في كتاب "الإبانة

- ‌المبحث الثانيالجواب على الأمر الثاني الذي استدلا به على دخول التحريف في كتاب "الإبانة

- ‌[إجماع السلف على أن لله عينين]

- ‌المبحث الثالثالجواب على الأمر الثالث الذي استدلا به على دخول التحريف في كتاب "الإبانة

- ‌المبحث الرابعافتراءات وطعون محمد زاهد الكوثري في الصحابة والأئمة

- ‌الفصل الثالثفي إثبات المرحلة الأخيرة لأبي الحسن الأشعري وهي مرحلة العودة إلى السنة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولسياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

- ‌المبحث الثانيالرد على ما أورده نفاة المرحلة الأخيرة

- ‌[الجواب على عدم إيراد كثير ممن ترجم له من أصحابه وغيرهم المرحلة الأخيرة]

- ‌المبحث الثالثأسباب انتقال الأشعري لمذهب أهل السنة وتركه للطريقة الكلابية

- ‌الفصل الرابعبيان مخالفة متأخري الأشاعري للأشعري ولكبار أصحابه

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنصوص أئمة أصحاب الأشعري في إثبات الصفات لله تعالى والمنع من تأويلها

- ‌المبحث الثانيبيان بطلان أن يكون للأشعري قولان في الصفات وبيان خطأ من حكى عنه ذلك

- ‌[قيام أهل الحديث بمن فيهم الخليفة ضد الأشعرية في القرنين الرابع والخامس]

- ‌[أسباب انتشار المذهب الأشعري في القرنين السادس والسابع]

- ‌[بطلان تقسيم أهل السنة لثلاثة طوائف]

- ‌[أكثر تأويلات متأخري الأشاعرة هي عين تأويلات قدماء الجهمية]

- ‌[التهويل بادعاء أن تضليل الأشعرية يستلزم تضليل الأمة]

الفصل: ‌[مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في مصدر التلقي]

فاعتقادهم في ربهم تبارك وتعالى مستند إلى ما في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوزنهما. مقتفين بذلك هدي سلف الأمة ونقلة الدين والشريعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذبن هم أبرُّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، فهم القوم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه.

قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} التوبة 100.

وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} النساء 115.

فتراهم يستدلون على ما يجب من الاعتقاد بالكتاب، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم التابعين لهم بإحسان، ثم أتباعهم، ثم بأقوال الأئمة بعدهم.

وهذه هي طريقتهم في جميع كتب المعتقد، لا يذكرون شيئاً مما يُعرف بأصول الكلام، ولا يخوضون في باب أسماء الله وصفاته بعقولهم القاصرة. وسيأتي مزيد بيان لذلك.

[مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في مصدر التلقي]

فطريقة البخاري في صحيحه في "كتاب التوحيد"، وكذا في كتاب "خلق أفعال العباد" في تقرير المعتقد، ظاهرة في كونه على منهج السلف وطريقهم، الذين يجعلون الكتاب والسنة أصلاً، ثم يتبعونه بكلام السلف من الصحابة والتابعين والأئمة.

وهذا هو ما يُعرف بمصدر التلقي، وهو أهم ما يميز أهل السنة والجماعة من غيرهم، من حيث تحديدهم لمصدر تلقّي الاعتقاد والأحكام بالوحي المتمثل في الكتاب والسنة.

ص: 65

قال إما السنة أبو محمد الحسن البربهاري: (واعلم رحمك الله، أن الدين إنما جاء من قِبَل الله تبارك وتعالى، لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله ورسوله، فلا تتبع شيئاً بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام

) (1) اهـ.

(1) شرح السنة (ص66).

ص: 66

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفرقان بين أهل السنة وأهل البدعة: (فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم باحسان وأئمة المسلمين، فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس ديناً غير ما جاء به الرسول، وإذا أراد معرفة شىء من الدين والكلام فيه: نظر فيما قاله الله والرسول، فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة.

وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم فى الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول، بل على ما رأوه أو ذاقوه، ثم إن وجدوا السنة توافقه، والا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضاً أو حرفوها تأويلاً.

فهذا هو الفرقان بين أهل الايمان والسنة وأهل النفاق والبدعة .. ) (1) اهـ.

(1) مجموع الفتاوى (13/ 62 - 63).

ص: 69

والعقل عند أهل السنة والجماعة وسيلة لفهم النصوص، وهو مناط للتكليف.

وأما المتكلمون من الأشاعرة والكلابية وغيرهم فقد انحرفوا في مصدر التلقّي، وخالفوا ما أمر الله به ورسوله وما كان عليه سلف الأمة، وهم مع ذلك مختلفون في تحديده، إلا إنه يجمعهم الاعتماد على العقل، فيجعلونه الأساس في تقرير مسائل المعتقد، ويقدمونه على النقل.

ولذا فهم يقسمون مباحث العقيدة إلى (عقليات) تشمل أكثر (الإلهيات) كالتوحيد والنبوات ونحو ذلك، وإلى (سمعيات) تشمل أمور الآخرة ولواحقها، وقرروا أن الأصل في العقليات هو العقل، بينما في السمعيات النقل (1).

قال أبو المعالي الجويني: (اعلموا وفقكم الله: أن أصول

(1) للمزيد انظر: درء التعارض والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، والصواعق المرسلة لابن القيم، و (منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى)(ص559 - 587) لخالد بن عبد اللطيف بن محمد نور، و (مواقف التفتازاني الاعتقادية في كتابه "شرح العقائد النسفية")(ص275 - 297) للدكتور محمد محمدي النورستاني.

ص: 70

العقائد تنقسم إلى ما يُدرك عقلاً، ولا يسوغ تقدير إدراكه سمعاً، وإلى ما يُدرك سمعاً، ولا يتقدر إدراكه عقلاً، وإلى ما يجوز إدراكه سمعاً وعقلاً.

فأما ما لا يُدرك إلا عقلاً، فكل قاعدة في الدين تتقدم العلم بكلام الله تعالى ووجوب اتصافه بكونه صدقاً، إذ السمعيات تستند إلى كلام الله تعالى، وما يسبق ثبوته في الترتيب ثبوت الكلام وجوباً، فيستحيل أن يكون مدركه السمع.

وأما ما لا يُدرك إلا سمعاً، فهو القضاء بوقوع ما يجوز في العقل وقوعه، ولا يجب أن يتقرر الحكم بثبوت الجائز ثبوته فيما غاب عنا إلا بسمع. ويتصل بهذا القسم عندنا جملة أحكام التكليف، وقضاياها من التقبيح والتحسين، والإيجاب والحظر، والندب والإباحة.

وأما ما يجوز إدراكه عقلاً وسمعاً، فهو الذي تدل عليه شواهد العقول، ويُتصور ثبوت العلم بكلام الله تعالى متقدماً عليه. فهذا القسم يُتوصل إلى دركه بالسمع والعقل. ونظير هذا القسم إثبات جواز الرؤية، وإثبات استبداد الباري تعالى بالخلق والاختراع، وما ضاهاهما مما يندرج تحت الضبط الذي ذكرناه. ....

فإذا ثبتت هذه المقدمة، فيتعين بعدها على كل معتن بالدين واثق بعقله أن ينظر فيما تعلقت به الأدلة السمعية، فإن صادفه غير

ص: 71

مستحيل في العقل، وكانت الأدلة السمعية قاطعة في طرقها، لا مجال للاحتمال في ثبوت أصولها ولا في تأويلها - فما هذا سبيله - فلا وجه إلا القطع به.

وإن لم تثبت الأدلة السمعية بطرق قاطعة، ولم يكن مضمونها مستحيلاً في العقل، وثبتت أصولها قطعاً، ولكن طريق التأويل يجول فيها، فلا سبيل إلى القطع، ولكن المتدين يغلب على ظنه ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته، وإن لم يكن قاطعاً، وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفاً لقضية العقل، فهو مردود قطعاً بأن الشرع لا يخالف العقل، ولا يُتصور في هذا القسم ثبوت سمع قاطع، ولا خفاء به.) (1) اهـ.

وتأمل قوله عمن يحق له الخوض في نصوص السمع بعقله: (كل معتنٍ بالدين واثق بعقله؟!!!).

وخلاصة هذا التقسيم أن العقل هو الأصل في العقائد، وعليه تُعرض السمعيات كالأحاديث والآثار، فما وافق منها عقل المتكلم من الأشاعرة وغيرهم قَبِلَه، وما خالفه حرّفه تأويلاً، أو عطله تفويضاً.

وقال الغزالي في الاقتصاد: (الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحق وأهل السنة

وتحققوا أن لا معاندة بين الشرع

(1) الإرشاد (ص358 - 360).

ص: 72

المنقول والحق المعقول. وعرفوا أن من ظن من الحشوية (1)

وجوب الجمود على التقليد، واتباع الظواهر ما أتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر .... وأنى يستتب الرشاد لمن يقنع بتقليد الأثر والخبر، وينكر مناهج البحث والنظر، أو لا يعلم أنه لا مستند للشرع إلا قول

(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/ 185 - 186) عن لفظ "الحشوية": (هذا اللفظ أول من ابتدعه المعتزلة، فإنهم يسمون الجماعة والسواد الأعظم الحشو، كما تسميهم الرافضة الجمهور، وحشو الناس هم عموم الناس وجمهورهم، وهم غير الأعيان المتميزين، يقولون: هذا من حشو الناس، كما يُقال: هذا من جمهورهم. وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد وقال: "كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه حشوياً"، فالمعتزلة سموا الجماعة حشواً كما تسميهم الرافضة الجمهور) اهـ.

وقال في بيان تلبيس الجهمية (1/ 242): (قلت: مسمى الحشوية في لغة الناطقين به ليس اسماً لطائفة معينة لها رئيس قال مقالة فاتبعته، كالجهمية والكلابية والأشعرية، ولا اسماً لقول معين من قاله كان كذلك، والطائفة إنما تتميز بذكر قولها أو بذكر رئيسها، ولهذا كان المؤمنون متميزون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالقول الذي يدعون إليه هو كتاب الله، والإمام الذي يوجبون اتباعه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم) اهـ.

وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص77) عن وصف أهل البدع لأهل الحديث: (وقد لقبوهم بالحشوية، والنابتة، والمجبرة، وربما قالوا: الجبرية. وسموهم الغثاء والغثر، وهذه كلها أنباز لم يأت بها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) اهـ.

وقال عبد القادر الجيلاني كما في جلاء العينين (ص437): (إن الباطنية تسمي أهل الحديث: حشوية، لقولهم بالأخبار وتعلقهم بالآثار) اهـ.

ص: 73

سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وبرهان العقل هو الذي عرف به صدقه فيما أخبر

) (1) اهـ.

وصدق الإمام البربهاري وهو يصف حال هؤلاء فيقول: (ووضعوا القياس - أي في صفة الرب - وحملوا قدرة الرب، وآياته، وأحكامه، وأمره، ونهيه على عقولهم وآرائهم، فما وافق عقولهم قبلوه، وما لم يوافق عقولهم ردوه .. )(2) اهـ.

وصرح بعضهم بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة أصل من أصول الضلالة (3).

بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن قال: إن ذلك من أصول الكفر!!

قال السنوسي في "شرح الكبرى": (وأما من زعم أن الطريق إلى معرفة الحق الكتاب والسنة، ويحرم ما سواهما، فالرد عليه: أن حجيتهما لا تُعرف إلا بالنظر العقلي، وأيضاً: فقد وقعت فيهما ظواهر من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة أو ابتدع)(4) اهـ.

وقال فيه أيضاً: (أصول الكفر ستة

إلى أن ذكر في السادس: والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة

والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب

(1) الاقتصاد في الاعتقاد (ص27 - 28).

(2)

شرح السنة (ص96).

(3)

انظر حاشية الصاوي الأشعري على تفسير الجلالين (3/ 10).

(4)

شرح الكبرى (ص82 - 83) طبعة (حواش على شرح الكبرى للشيخ إسماعيل الحامدي).

ص: 74

والسنة من غير بصيرة في العقل هو أصل ضلال الحشوية، فقالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملاً بظاهر قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} ، {أأمنتم من في السماء} ، {لما خلقت بيدي} ، ونحو ذلك) (1) اهـ.

وترتب على ذلك اعتقاد أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة، ولا تفيد اليقين. كما صرح بذلك الرازي في "أساس التقديس" وتبعه التفتازاني في "شرح العقائد النسفية".

وعلى هذا الدرب سار الأشاعرة، فتراهم يقررون مسائل المعتقد بالحجج التي يسمونها عقلية ويجعلونها أصلاً، وليس الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، حتى لا تكاد تجدهم يذكرون من الآيات والأحاديث إلا على سبيل تأييد أصولهم العقلية، وكثيراً ما يقولون:"وهذا يستحيل على الله"، "وهذا يوجب الحد"، ويوجب كذا وكذا.

بل حتى الذين ألفوا منهم في المعتقد على الآيات والأحاديث كالبيهقي في كتابه "الأسماء والصفات" تراه يذكر الباب ويعقبه بالآيات والأحاديث، ثم يتبعه بالتأويل والخوض فيه بأصول أهل الكلام.

وإليك أهم أصولهم في ذلك:

(1) المرجع السابق (ص380 - 383) - طبعة الدسوقي -.

ص: 75