الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول "بلا كيف"، فمن يقول: إن الله لا ينزل، أو أن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفى الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف.
[معنى قول السلف عن أخبار الصفات "أمروها كما جاءت بلا كيف
"]
وقولهم "أمروها كما جاءت" يقتضى إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال "أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد" أو "أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة" وحينئذ فلا تكون قد أُمِرَّت كما جاءت، ولا يقال حينئذ "بلا كيف" إذ نفى الكيف عما ليس بثابت لغوٌ من القول.
وقد سبق أن بينا أن الأمر بإمرار الأحاديث كما جاءت، قد قاله السلف في كثير من الأحاديث المعلومة المعنى في غير الصفات.
[بطلان دعوى أن نفي الكيفية هو نفي للمعنى]
وبهذا يتبين خطأ الأشعريين حين ذكرا أن مراد السلف بقولهم في الصفات "بلا كيف"، نفي المعنى، وأن الكيفية يعبر بها عن المعنى.
فقالا (ص148): (وقوله -أي الترمذي- "ولا يقال كيف" أي: بلا استفسار عن معانيها، أو تعيين المراد منها، وبه يفارقون أهل التشبيه) اهـ.
وقالا أيضاً (ص151): ("بلا كيف" عبارة المقصود منها زجر السائل عن البحث والتقصي، لا إثبات المعنى الحقيقي وتفويض الكيف!!) اهـ.
وقالا (ص152): (من هنا يتبين مراد السلف بقولهم "بلا كيف"، ومنه تعلم أن من ينسب إلى السلف إثبات المعاني الحقيقية لهذه الألفاظ والتفويض في كيفياتها ينسب إليهم التشبيه من حيث لا يدري) اهـ.
فالذي استنكراه هنا واستبعداه هو عين مذهب السلف كما قررناه في هذا الفصل، وهو إثباتهم لمعاني الصفات وتفويضهم لكيفياتها، وأما على ما ذكراه فيكون جميع السلف مشبهة في حكم الأشعريّيْن ابتداءاً من الصحابة وإلى يومنا هذا!!
وليت الأشعريّيْن وقفا عند هذا الحد، ولكنهما تجاوزاه إلى أمر لا ينقضي منه العجب، فزعما أن السؤال عن الكيف لغةً: هو السؤال عن المعنى.
قالا (ص152): (فيقول أنهم -أي السلف- يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضون الكيف، وقائل هذا لا يدري ما يقول، فإن حقائق هذه الألفاظ كيفيات، فكيف يزعم إثبات معانيها وتفويض كيفياتها؟! .... ) إلى أن قالا: (فعندما يقال في جواب السائل "بلا كيف" يفهم منه أنه "بلا معنى" لأن لفظ الـ"كيف" هنا مستفهم به عن المعنى) اهـ.
ولا ريب أن هذا كذب على اللغة والشرع والعقل:
أما كونه كذباً على اللغة: فلأن الاستفهام بـ "كيف" استفهام عن الحال والكيفية والماهية.
قال في مختار الصحاح في معنى "كيف": (وهو للاستفهام عن الأَحوال، وقد يقع بمعنى التعجب)(1).
وأما الاستفهام عن المعنى فيكون بـ "ما" فيقال: ما معنى كذا؟ أو ما المراد بكذا؟ ونحو ذلك.
فليت شعري بأي لغة وجدوا أن الاستفهام بـ "كيف" استفهام عن المعنى.
أما كونه كذباً على الشرع فلأمور:
أولها: أن نصوص الكتاب والسنة وعبارات السلف صريحة في إثبات معاني الصفات، وأنها مفهومة معلومة كما سبق نقل بعض كلامهم في هذا. ومن أشهرها تفسيرهم لمعنى الاستواء لله تعالى، وتصريحهم بفوقية الله تعالى على خلقه.
الأمر الثاني: أن هذا القول يستلزم استجهال النبي صلى الله عليه وسلم واستجهال سلف الأمة، وكونهم لا يعلمون معاني ما أنزل الله عز وجل عليهم، وأمرهم بتدبره وتعقله، وتعرّف إليهم به، وحينئذ
(1) مختار الصحاح/ مادة "كيف".
يكون ما وصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه، لا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم معناه، ولا الصحابة، ولا من بعدهم.
ولا ريب أن هذا قدح في القرآن أولاً حيث لم يكن تبياناً لكل شيء، ولم يكن هدىً للناس، ولا بلاغاً مبيناً. وقد قال تعالى:{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم4.
وقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم ثانياً حيث لم يكن عالماً بأشرف ما في كتاب الله تعالى من الإخبار عن الرب وعن صفاته وأفعاله.
وبناءاً عليه فيكون الهدى في هذا الباب لا يؤخذ لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من الصحابة وسلف الأمة، ولكنه يؤخذ من أفواه المتأخرين الحيارى المتناقضين في أسماء الله وصفاته. سبحانك هذا بهتان عظيم.
ولما رأى الأشعريان أن هذا لازم لقولهما لا محالة، راما الخروج منه بطرق ملتوية عادت بهم إلى نفس الطريق الذين ابتدأوا منه.
فقالا في الجمع بين النقيضين (ص153): (يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تعارضاً بين إدراك معاني هذه النصوص، وبين إمرارها الذي هو عدم العلم بالمراد منها، وفي الحقيقة ليس ثمة أي تعارض بين الأمرين، فالمقصود بعدم العلم بالمراد الذي فُسّر به الإمرار هو عدم العلم بالمراد تفصيلاً وعلى سبيل القطع والتحديد، وهذا