الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الأئمة قبلناه، وإن تفرد نبذناه وأعرضنا عنه إعراضنا عن تأويل الخلف) (1) اهـ.
عاشراً: دعوى تأويل الثوري للاستواء:
قال الأشعريان (ص236): (وأول سفيان الثوري الاستواء على العرش: بقصد أمره، والاستواء إلى السماء: بالقصد إليها (مرقاة المفاتيح 2/ 137)) اهـ.
وهذا الأثر ذكره ملا على القاري في "المرقاة" جزافاً بلا إسناد ولا عزو، ولا يُعرف هذا التأويل عن الثوري. بل المعروف المتواتر عنه قوله في جميع الصفات:(أمرّوها كما جاءت بلا كيف). وقد سبق تخريجه والكلام عليه.
ولا يُعرف عن أحد من السلف قط أنه أوّل الاستواء لله تعالى بغير العلو، سواء ما عُدّي بـ على (استوى على) أو ما عُدّي بـ إلى (استوى إلى).
الحادي عشر: دعوى تأويل الإمام مالك لصفة النزول:
زعم الأشعريان أن الإمام مالكاً قد أول صفة النزول لله تعالى فقالا: (سئل الإمام مالك رحمه الله عن نزول الرب عز وجل، فقال:
(1) نقض التأسيس (مخطوط 2/ 220) نقلاً عن الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الاعتقاد (1/ 296).
"ينزل أمره كل سحر، فأما هو عز وجل فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلا هو) ا. هـ
فالجواب: أن هذا الأثر لا يصح عن الإمام مالك لأمور:
أولها: أنه من رواية حبيب كاتب مالك، وهو كذاب
قال أبو داود: (كان من أكذب الناس)، وقال:(أحاديثه كلها موضوعة)، وقال ابن حبان:(يروي الموضوعات عن الثقات)(1).
وقال ابن عدي: (وعامة حديث حبيب موضوع المتن مقلوب الإسناد، ولا يحتشم حبيب في وضع الحديث على الثقات، وأمره بيّن في الكذابين)(2) اهـ.
وللأثر طريق آخر ذكره ابن عبد البر في التمهيد من طريق محمد بن علي الجبلي عن جامع بن سوادة عن مطرف عن مالك أنه سئل عن حديث التنزل فقال: (يتنزل أمره)(3).
وهذا إسناد مظلم، فإن محمد بن علي الجبُّلي قال عنه الخطيب:(قيل إن كان رافضياً شديد الرفض)(4) اهـ.
(1) ميزان الاعتدال (1/ 452).
(2)
الكامل في ضعفاء الرجال (2/ 414).
(3)
التمهيد (7/ 143).
(4)
تاريخ بغداد (3/ 101) وميزان الاعتدال (3/ 675) ولسان الميزان (5/ 303).
وأما جامع بن سوادة فمجهول، وقد روى له الدارقطني في غرائب مالك حديثاً ثم قال:(الحديث باطل، وجامع ضعيف)(1) اهـ.
وقال عنه ابن الجوزي في الموضوعات بعد أن روى له حديث الجمع بين الزوجين: (هذا موضوع وجامع مجهول)(2) اهـ.
الثاني: أن هذا الأثر مخالف للمعروف المستفيض عن الإمام مالك من إمرار الصفات على ظاهرها، وعدم التعرض لها بتأويل ولا غيره.
كما في رواية الوليد بن مسلم عنه حيث قال: (سألت الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف)(3) اهـ.
وكما في الأثر المشهور المستفيض عنه لما سئل عن كيفية الاستواء فقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول .. )(4).
وكذا ما رواه ابن أبي زمنين في "أصول السنة" حيث قال في "باب الإيمان بالنزول": (ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء
(1) ميزان الاعتدال (1/ 387) ولسان الميزان (2/ 93).
(2)
الكشف الحثيث لابن سبط ابن العجمي (ص83).
(3)
سبق تخريجه حاشية 117.
(4)
سبق تخريجه حاشية 127.
الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره إلى أن قال: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد قال: ومن أدركت من المشائخ مالك، وسفيان، وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك، ووكيع، كانوا يقولون: إن النزول حق) (1) اهـ. فهذا هو المعروف المشهور المستفيض عن الإمام مالك.
أما قول الأشعريّيْن عن هذا الأثر مدافعين عن ضعفه وعدم ثبوته (حاشية ص130): (إلا أن أصحاب المذهب أعرف بأقوال إمامهم من غيرهم، لا سيما إذا كان القول مشهوراً عندهم شهرة مستفيضة) اهـ.
ولا أدري هل يعرف الأشعريان معنى الشهرة المستفيضة أم لا؟
فإن القول المستفيض المشهور عن الإمام هو الذي يُروى عنه بطرق متعددة، وينقله كبار أصحابه ومعاصريه، أما ما رواه المتأخرون عنه بسند موضوع، ولا يعرف له أصل صحيح عنه، ولا ذكره أحد من ثقات أصحابه الذين لازموه، ولا سطروه في كتبهم مما نقلوه عن إمامهم، فكيف يكون هذا مشهوراً شهرة مستفيضة!!!
وهذا الأثر لا يثبت عن الإمام مالك، فضلاً عن شهرته عنه، وإنما ينقله من يعتقد تأويل الصفات، وأنها ليست على حقيقتها،
(1) سبق تخريجه حاشية 64.
فيفرح بمثله معرضاً عما في الكتاب والسنة وما تواتر عن سلف الأمة، ومعرضاً عما هو المعروف عن إمامهم.
وحسبك بهذا الأثر نكارةً أنه لم يُذكر في شيء من كتب السنة التي تنقل معتقد السلف وأقوالهم قط، ولا في شيء من كتب أصحاب الإمام مالك التي تنقل أقواله واختياراته كالمدونة وغيرها، ولم يُسطر في كتاب يحكي عقيدة الإمام مالك، كالرسالة لابن أبي زيد القيرواني. فكيف بمكن بعد هذا أن يكون مشهوراً مستفيضاً عن الإمام مالك!!!
وأظهر منه في البطلان والكذب ما حكياه عن الإمام مالك فقالا (ص129): (ذكر الإمام ناصر الدين بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه "المنتقى في شرف المصطفى" لما تكلم عن الجهة وقرر نفيها قال: "ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله "لا تفضلوني على يونس بن متى" فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه رفع إلى العرش، ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل، ولَمَا نهى عن ذلك) ا. هـ) اهـ.
وهذا كذب على الإمام مالك بلا ريب، وافتراء عليه وبهتان، فأين وجدتم هذا القول عن مالك؟، وفي أي كتاب مسند أثرتموه؟!!!