الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
في بيان أن إثبات الصفات لله تعالى لا يستلزم التشبيه بخلقه
وأنه لا يلزم في حق الخالق ما يلزم في حق المخلوق
تمهيد
إن مما أوقع الأشعريّيْن في تحريفهم للصفات باسم التأويل، وإخراجها عن ظاهرها، وادعاء أن ظاهرها غير مراد، أنهما فهما من إثبات الصفات لله تعالى لوازم صفات المخلوق الضعيف الفقير العاجز الممكن، فقالوا: لو أثبتنا كذا وكذا للزم كذا وكذا، جهلاً منهما بالشرع والعقل واللغة.
قال تعالى {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11.
فأثبت لنفسه السمع والبصر وهما مما يتصف بهما المخلوق، ونفى عن نفسه مماثلة شيء من خلقه.
وقال تعالى {هل تعلم سميا} مريم65.
وقال {ولم يكن له كفوا أحد} الإخلاص4.
وقال {فلا تضربوا لله الأمثال} النحل74.
وقال {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} البقرة22، أنه لا ند له ولا نظير.
ومن المعلوم أن لله ذاتاً لا تشبه ذوات المخلوقين، وأنه لا يلزم من إثبات الذات له ما يلزم من ذات المخلوق، فالذي صرف التشبيه عن إثبات الذات لله، هو نفسه الذي يصرف التشبيه عن إثبات جميع صفاته. فلما عُلم قطعاً مباينة الخالق للمخلوق في الذات والوجود، علم مباينته لخلقه في الصفات، إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، والله عز وجل ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كانت له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل صفات سائر الذوات.
فلا يلزم من صفات الله تعالى ما يلزم من صفات المخلوق، إذ المخلوق تلزمه أمور من النقص لنقص أصله وفقره وذله وضعفه، ولا يلزم هذا في صفة جبار السماوات والأرض، ومبدع كل شيء وخالقه، الذي لا تحيط بكنه ذاته وصفاته العقول، ولا تدركه الأوهام والظنون.
وأنا أنقل هنا بعض كلام الأئمة في أن إثبات الصفات لله تعالى لا يلزم منه ما يلزم من صفة المخلوق، وأن الذين يلزمون صفات الله ما يلزم من صفة المخلوق إنما هم المعطلة بأصنافهم وأنواعهم.