الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجميعن.
تمر علينا أيام حالكة الظلام، ظلام يحجب عن معظم الناس الرؤية الواضحة في التصور: فليس هناك فرق لدى العامة بين ما يقوله الله تعالى، وبين ما يقوله الجهلاء من بني البشر، وظلام في التلقي فهذا يتلقى عن داعية القومية، وذاك ينادي بالوطنية، وثالث يرفع عقيرته منادياً بالعدالة الاجتماعية، ورابع يعبد الرأسمالية والديمقراطية.
وكثير ممن يزعمون أنهم من علماء الدين -وقد أضلهم الله على علم، نراهم يرقصون ويترنحون ما بين قبر البدوي ومقام الحسين، وغيره مما عرف بالعتبات المقدسة، وإذا ما أراد أحدهم أن يؤلف كتاباً عن إمام من أئمة الابتداع والتخريف ذهب إلى قبره يستشيره في تأليف هذا الكتاب.
وآخر نراه يتحدث في كل مناسبة بأن تلامذه يصافحون رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة وليس في المنام، وإذا ما زار أحدهم المدينة النبوية دعاه رسول الله إلى حفل غذاء أو عشاء، يحضره كبار الصحابة والتابعين وأولياء الله.
أما حديث التلاميذ عن شيخهم المعمم ففيه العجب العجاب، فإن الواحد منهم يقول: إنه إذا هم بمعصية يرى صورة شيخه أمامه، محذراً متوعداً له، فيخشاه ويتراجع عن معصيته خوفاً من شيخه، وليس خشية من الله، وهذا ليس افتراء منا على الشيخ، فهو يتحدث في دروسه العامة بهذا وبأكثر منه.
وإذا كان هذا شأن المنسوبين إلى العلم، فماذا ننتظر من دهماء الناس؟ إن عبادة الآلة من دون الله ما زالت قائمة وإن تغيرت الأسماء وتباينت الألفاظ، "فالقومية" بدلاً من "اللات"، و"الوطنية" بدلاً من "هبل"، و"الديموقراطية" بدلاً من "العزى".
والعواصم العربية مزدحمة بالأصنام، فهذه الأهرامات، وهذا صنم الزعيم فلان، وهذا تمثال للعامل، وذاك وثن للجندي المجهول
…
هي أصنام أشد خبثاً وشركاً من أصنام الجاهلية، إذ إن أصنام الجاهلية، بدائية ساذجة، أما هذه الأصنام فالواحد منها يكلف مليوناً أو أكثر من ذلك، لأنه قد صنع من معدن "البرونز" الثمين، ورحم الله حافظ إبراهيم الذي صاغ هذا الواقع المرير بأبيات رقاق من الشعر فقال:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم
…
وبألف ألف يرزق الأموات
ويقال: هذا القطب باب المصطفى
…
ووسيلة تقضى به الحاجات
وأنا أعذب في الحياة وليس لي
…
يا أم دفر مابه أقتات
في هذا الليل الذي أرخى سدوله، وزادت ظلمته، وتباعد فجره –نفتقد أمثال شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب" رحمه الله، لقد نهض داعية الجزيرة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في بيئة تشبه ما نحن عليه الآن، فالناس في "نجد" قد عادوا إلى الجاهلية الأولى، عادوا إلى حياة العزو والنهب والسلب، التي وصفها شاعر الجاهلية فقال:
وأحيانا على بكر أخينا
…
إذا لم نجد إلا أخانا
عادوا إلى الشرك، وعبادة الأحجار والأشجار، لتقربهم إلى الله زلفى، فناس يهيمون ويشدون الرحال إلى قبر زيد بن الخطاب، وآخرون يتوجهون إلى الشجرة المقدسة يسألونها أموراً هي من حقوق الله وحده، وناس يذبحون لغير الله.
والعلماء جمود على الخرافة والتقليد، قد ألفوا هذا الواقع المرير، وانصرفوا إلى الدنيا ومتاعها وزينتها، وقعدوا عن إنكار المنكر، وعن الأمر بالمعروف. وما عاد أحد ينتظر منهم أي تغيير أو تجديد. في هذا الجو الخانق صدع الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته، وراح يجوب الأمصار والمدن والقرى، ويقطع الصحاري والقفار، يطلب العلم ويعلمه، وينذر الناس، ويذكر العلماء بواجبهم، ويطالبهم بأن يأدوا دورهم، فأوذي في
سبيل الله وهدد بالقتل، واعتدى عليه سفهاء الناس، وتنكر له علية القوم، فخرج إلى "الدرعية"، خرج وحيداً طريداً، ولأن الله يعلم منه إخلاص القصد فقد أكرمه بالنصرة والمنعة، ويسر له من يذود عن دعوته بماله وسلاحه، وبعد سنوات قلائل كانت الجزيرة العربية بأسرها قد توحدت تحت راية التوحيد الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأدرك أعداء الإسلام خطورة الدعوة الجديدة، بعد أن انطلقت جحافل الموحدين تقرع أبواب العراق والخليج وبلاد الشام، فسخرت فرنسا الصليبية صنيعتها محمد علي باشا، وأمدته بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات، واستعان بضعاف النفوس وأصحاب المطامح من وجهاء الجزيرة وأشرافها، الذين فقدوا زعامتهم التي ما كان لها أن تنمو لولا الخرافة والفرقة والجاهلية، واستطاع أعداء الإسلام أن يوقفوا زحف الدعوة الإصلاحية وأن يضعوا العراقيل في مسيرتها المظفرة، فخسر العالم الإسلامي خسارة كبيرة عندما توقف زحف الدعوة.
وأعداء الله منذ القديم يعملون على تشويه الإسلام وإيقاف مده، وإقامة مساجد الضرار التي تتظاهر بالإسلام وتبطن الخبث والإلحاد.
ثم عادت الدعوة بعد حين إلى ربوع الجزيرة، وانبثق عنها نظام حكم، وإذا كان امتدادها السياسي قد توقف في حدود شبه الجزيرة العربية، فامتدادها الفكري قد شمل العالم الإسلامي بأسره، وها نحن نجد أنصاراً لهذه الدعوة في الهند وباكستان، وبلاد الشام ومصر والسودان، وأثرهم يزداد يوماً بعد آخر، والحمد لله.
ولا يزال للدعوة أعداء في كل رقعة من العالم الإسلامي، ولا يجدون أسلوباً لمهاجمة هذه الدعوة غير الإفتراء والبهتان، فمثلاً: يقولون بأن أنصار "محمد بن عبد الوهاب" يكرهون الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا ذكر اسمه لا يصلون عليه، وأنهم اخترعوا مذهباً خامساً...... إلى آخر ما في جعبهم من أباطيل وترهات، وزيادة في تنفير العامة يسمونها "الوهابية" بدلاً من "السلفية"، وحاشاه مما افتروا عليه، فكل الذي قام به الشيخ هو إصلاح للعقيدة في نفوس من حادوا عنها، بإزالة ما علق بها من أضاليل الصوفية، وأباطيل الدهريين، لتعود كما كانت ناصعة بيضاء، كما فهمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين رضوان الله عليهم، فقد دعا محمد بن عبد الوهاب إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والتوجه بالتوحيد إليه سبحانه وتعالى، دون وسيلة ولا واسطة من بشر أو حجر أو شجر، ثم دعا إلى إعادة تحكيم الشريعة الإسلامية، وإقامة الحدود، وستبقى هذه الدعوة العظيمة ناصعة مشرقة، وسيبقى ذكر صاحب هذه الدعوة عطراً طيباً. فهو -بإذن الله- ليس ملكاً لبلد، ولا وقفاً على قبيلة، ولكنه أنموذجاً إصلاحياً للعالم الإسلامي بأسره، وعشريته هم الموحدون المؤمنون في كل بقعة من عالمنا الإسلامي الكبير، وشعوراً منا بفضل هذا الرجل، وحاجة المسلمين إلى أمثاله اليوم، قمنا بتأليف كتابنا هذا رداً على أعداء الدعوة والحاقدين عليها، وكشف زيفهم وافترائهم على هذه الدعوة المباركة، وكلنا أمل في الله عز وجل، ثم في هذا المد الزاحف من الدعاة الصالحين المصلحين، الذين يعلمون المسلمين ويرشدونهم إلى التوحيد الخالص والإسلام الصحيح، ويعيدون صورة المسلمين الأولين إلى أذهانهم، وإلى قلوبهم،
ويذكرونهم بسير أبطال الإسلام وشيوخه وأخلاقهم، ويحثونهم على الالتزام بتعاليم الله ورسوله، فعلى كل مسلم أن يراجع ماضيه، ويصحح نيته، ويبحث عن الخطأ، ويحاول معالجته بنفسه، وليكن على نور من ربه وسنة نبيه، ويجدد العهد لإعادة مجد الإسلام الذي لا يمكن أن يظهر وينتشر إلا بعود المسلمين إلى سابق عهدهم –أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم، وهكذا حتى يتم الله نوره بنصره.
وقبل أن نختم المقدمة نقول لكم: تذكروا كيف صنع الإخلاص لدعوة التوحيد في العصور الأخيرة، وأفاد الله الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة عندما أخلص الإمام والأمير والمأمور (أو: الرعية) لله العلي الكبير.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الله
أحمد بن عبد العزيز الحصين
تمهيد
…
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم الكتاب
صاحب الفضيلة
الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ1
المتشار في الديوان الملكي السعودي
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين كالمبتدعة والمشركين، وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، وخلفائه الراشدين وصحابته أجمعين.
وبعد فقد تلقيت رسالة من فضيلة الشيخ أبي عبد الله أحمد بن عبد العزيز
1 هو صاحب معالي الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام ومجدد الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى وجزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، فهو من بيت سلالة وشرف وعلم وفقه وقد توارثوه أباً عن جد، فوالده المفتي العام للسعودي سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (ت1389هـ) .
تولى الشيخ عبد العزيز بن محمد مناصب كثيرة منها:
1-
وبعد صدور الأمر السامي بتحويل المعاهد والكليات إلى مسمى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية صدر أمر ملكي بتعيينه مديراً للجامعة.
2-
الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
واليوم يشغل مستشاراً في الديوان الملكي السعودي وله نشاطات أدبية وعلمية فبارك الله فيه وفي أولاده النجباء (المؤلف) .
الحصين يطلب مني الاطلاع على مؤلفه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب –سلفية لا وهابية) وقد طلب مني كتابة مقدمة لهذا الكتاب وبالاطلاع على الكتاب ودراسته ألفيته من المؤلفات القيمة القائمة على العلم بمقاصد الشريعة، ودعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهذا الكتاب جيد في أسلوبه ومضمونه وفهمه لدعوة الشيخ وأهدافها السلفية.
ومن المعلوم لكل عالم بصير بالأدلة الشرعية، وما درج عليه خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة في سبيل الدعوة وصدق المتابعة لرسول الهدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم، متجرد من الهوى والعصبيات والنعرات المضللة، وفهم حقيقة المذاهب الهدامة وبخاصة المبتدعة من سائر الطوائف الصوفية المنحرفة وأهل الطرق وأشباههم من الغلاة والذين لا فقه لهم في نصوص الكتاب والسنة ولا علم بما درج عليه سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم بإحسان.
والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله حين جرد نفسه للدعوة اهتم بتوحيد العبادة وإثبات التوحيد لله سبحانه وتعالى، وبخاصة توحيد العبادة (الألوهية) ، فقد انتشرت في العالم الإسلامي بدعة البناء على القبور حتى آل الأمر بكثير من سواد المسلمين إلى عبادة غير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة والشجر والحجر، فكانت دعوته دعوة سلفية هي مذهب أهل الحق منذ عهد النبوة حتى عصره.
وقد كان شيخه وقدوته وإمامه في هذا رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وكان من العلماء المحققين الذين فتح الله عليهم أبواب العلم النافع المستمد من الكتاب والسنة الإمام الحجة شيخ الإسلام العلامة أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني رضي الله عنه وأرضاه.
وتلميذه العلامة المحقق ابن قيم الجوزية تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولكي تعرف أيها القارئ الكريم عقيدة السلف الصالح التي درج عليها أئمتنا الأعلام منذ عهد النبوة فإني أنقل لك صدراً من الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية:
قال رحمه الله:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس: من الكلام في (التوحيد)(والصفات) وفي (الشرع)(والقدر) لمسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين، وكثرة الاضطراب فيهما.
فإنهما مع حاجة كل أحد إليهما، ومع أن أهل النظر والعلم والإرادة والعباد، لا بد أن يخطر لهم في ذلك من الخواطر والأقوال ما يحتاجون معه إلى بيان الهدى من الضلال لا سيما مع كثرة من خاض في ذلك بالحق تارة،
وبالباطل تارات، وما يعتري القلوب في ذلك من الشبه التي توقعها في أنواع الضلالات.
فالكلام في باب التوحيد والصفات هو من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات.
والكلام في الشرع والقدر هو من باب الطلب والإرادة الدائر بين الإرادة والمحبة وبين الكراهة والبغض نفيا وإثباتاً.
والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات والتصديق والتكذيب، وبين الحب والبغض والحض والمنع. حتى إن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة، ومعروف عند أصناف المتكلمين في العلم، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الإيمان، وكما ذكره المقسمون للكلام من أهل النظر والنحو والبيان فذكروا أن الكلام نوعان: خبر وإنشاء، والخبر دائر بين النفي والإثبات، والإنشاء أمر أو نهي، أو إباحة.
وإذا كان كذلك فلا بد للعبد أن يثبت ما يجب إثباته له من صفات الكمال، وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال، ولا بد له في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره فيؤمن بخلقه المتضمن كمال قدرته وعموم مشيئته ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من القول والعمل، ويؤمن بشرعه وقدره إيمانا خاليا من الزلل.
وهذا يتضمن (التوحيد في عبادته) وحده لا شريك له وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل، والأول يتضمن (التوحيد في العلم والقول) كما دل
على ذلك سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ودل على الآخر سورة:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وهما سورتا الإخلاص، وبهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك.
فأما الأول وهو (التوحيد في الصفات) فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله نفيا وإثباتا فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفى عنه ما نفاه عن نفسه.
وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل.
وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته، فإن الله تعالى ذمّ الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} الآية.
فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
ففي قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد للتشبيه والتمثيل، وقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} : رد للإلحاد والتعطيل.
والله سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} قال أهل اللغة هل تعلم له سميا أي نظيرا يستحق مثل اسمه، ويقال مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما (هل تعلم له سمياً) مثيلا أو شبيهاً.
وقال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، وقال تعالى:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه} ، وقال تعالى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ. بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ؟} .
وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} . وقال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ. أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ؟ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَفَلا تَذَكَّرُونَ. أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ. فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
فسبح نفسه عما يصفه المفترون والمشركون وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من الإفك والشرك وحمد نفسه إذ هو سبحانه المتسحق
للحمد بما له من الأسماء والصفات وبديع المخلوقات.
وأما (الإثبات المفصل) : فإنه ذكر من أسمائه وصفاته، ما أنزله في محكم آياته كقوله:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} الآية بكمالها. وقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ} السورة، وقوله:{وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ، {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ. ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ، وقوله:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} الآية. وقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} ، وقوله:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} ، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} ، وقوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَة} ، وقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} .
وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} ، وقوله:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} ، وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ
تَزْعُمُونَ} . وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، وقوله:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
إلى أمثال هذه الآيات والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أسماء الرب تعالى وصفاته، فإن في ذلك إثبات ذاته وصفاته على وجه التفصيل وإثبات وحدانيته بنفي التمثيل ما هدى الله به عباده إلى سواء السبيل فهذه طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان.
فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات.
فغلاتهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول؛ وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب، وما جاء به
الرسول فوقعوا في شر مما فروا منه فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات.
وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه قديم أزلي لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، فوصفوه بما يمتنع وجوده فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم.
وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم فوصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن لا فيما خرج عنه من الموجودات وجعلوا الصفة هي الموصوف، فجعلوا العلم عين العالم، مكابرة للقضايا البديهات، وجعلوا هذه الصفة هي الأخرى، فلم يميزوا بين العلم والقدرة والمشيئة جحدا للعلوم الضروريات.
وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم فأثبتوا لله الأسماء دون ما تتضمنه من الصفات، فمنهم من جعل العليم والقدير والسميع والبصير كالأعلام المحضة المترادفات، ومنهم من قال عليم بلا علم قدير بلا قدرة سميع بصير بلا سمع ولا بصر فأثبتوا الاسم دون ما تضمنه من الصفات.
والكلام على فساد مقالة هؤلاء وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات.
وهؤلاء جميعهم يفرون من شيء فيقعون في نظيره، وفي شر منه، مع ما
يلزمهم من التحريف والتعطيل ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات وفرقوا بين المختلفات وكما تقتضيه المعقولات ولكانوا من الذين أوتوا العلم الذين يرون أنما أنزل إلى الرسول هو الحق من ربه ويهدي إلى صراط العزيز الحميد.
ولكنهم من أهل المجهولات المشبهة بالمعقولات يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات.
وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من وجود قديم غني عما سواه إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات كالحيوان والمعدن والنبات، والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع وقد علم بالاضطرار أن المحدث لا بد له من محدث والممكن لا بد له من موجد كما قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون لأنفسهم، تعين أن لهم خالقا خلقهم.
وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم: فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره.
فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود، وأن البعوض شيء موجود: إن هذا مثل هذا؛ لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود، لأنه ليس في
الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا وهو مسمى الاسم المطلق وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره مع أن الاسم حقيقة في كل منهما.
ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص واتفاقهما ولا نماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.
فقد سمى الله نفسه حيا فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، وسمى بعض عباده حيا؛ فقال:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَي} ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأنه قوله الحي اسم لله مختص به وقوله:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق.
ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته يفهم ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى.
وكذلك سمى الله نفسه عليما حليما وسمى بعض عباده عليما فقال:
{وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} يعني إسحاق، وسمى آخر حليما فقال:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} " يعني إسماعيل، وليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم.
وسمى نفسه سميعا بصيرا فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} . وسمى بعض عباده سميعا بصيرا فقال: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} ، وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير.
وسمى نفسه بالرؤوف الرحيم فقال: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} " وسمى بعض عباده بالرؤوف الرحيم فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، وليس الرؤوف كالرؤوف ولا الرحيم كالرحيم.
وسمى نفسه بالملك فقال: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} ، وسمى بعض عباده بالملك فقال:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} ، {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِه} ، وليس الملك كالملك.
وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن، وسمى بعض عباده بالمؤمن فقال:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} ، وليس المؤمن كالمؤمن.
وسمى نفسه بالعزيز فقال: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} وسمى بعض عباده بالعزيز فقال {وقالت امرأة العزيز} وليس العزيز كالعزيز.
وسمى نفسه الجبار المتكبر وسمى بعض خلقه الجبار المتكبر فقال:
{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} وليس الجبار كالجبار ولا المتكبر كالمتكبر ونظائر هذا متعددة.
وكذلك سمى صفاته بأسماء وسمى صفات عباده بنظير ذلك فقال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} ، {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ، وقال:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} ، وقال:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} . وسمى صفة المخلوق علما وقوة، فقال:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} ، وقال:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ، وقال:{فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْم} ، وقال:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} ، وقال:{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} ، وقال:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي بقوة، وقال:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} أي ذا القوة، وليس العلم كالعلم، ولا القوة كالقوة.
ووصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة، فقال:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، وقال:{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} .
وكذلك وصف نفسه بالإرادة وعبده بالإرادة فقال: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
ووصف نفسه بالمحبة ووصف عبده بالمحبة فقال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ، وقال:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} .
ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا، فقال:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ، ومعلوم أن مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد ولا إرادته مثل إرادته، ولا محبته مثل محبته، ولا رضاه مثل رضاه.
وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار، ووصفهم بالمقت، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} ، وليس المقت مثل المقت.
وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد، كما وصف عبده بذلك فقال:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} ، وقال:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً. وَأَكِيدُ كَيْداً} ، وليس المكر كالمكر، ولا الكيد كالكيد.
ووصف نفسه بالعمل فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ؟} ووصف عبده بالعمل فقال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وليس العمل كالعمل.
ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة، فقال:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} ، وقال:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} ، وقال:{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} ، ووصف عباده بالمناداة والمناجاة، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ، وقال:{إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} ، وقال:{إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَان} ، وليس المناداة والمناجاة كمالناجاة والمناداة.
ووصف نفسه بالتكليم في قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} ، وقوله: