المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث عشر: الفرية التاسعة تسميتهم بالوهابية - دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

[أحمد بن عبد العزيز الحصين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: المد والجزر في حياة المسلمين

- ‌الباب الثاني: الإسلام يتحدث عن ذاته بأبطاله في التاريخ

- ‌الباب الثالث: مفهوم البطولة في الإسلام

- ‌الباب الرابع: الإمام محمد بن عبد الوهاب والدعوة المباركة

- ‌الفصل الأول: حياة الإمام محمد بن عبد الوهاب ونشأته

- ‌الفصل الثاني: وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌الفصل الثالث: عقيدة الإمام وفكره

- ‌الباب الخامس: نماذج من منهجه في الدعوة إلى العقيدة السلفية

- ‌الفصل الأول: الأنموذج الأول حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌الفصل الثاني: الأنموذج الثاني فصل التوحيد ومايكفر الذنوب

- ‌الفصل الثالث: الأنموذج الثالث من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌الفصل الرابع: الأنموذج الرابع الخوف من الشرك

- ‌الفصل الخامس: الأنموذج الخامس الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌الفصل السادس: الأنموذج السادس تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌الباب السادس: فيما قاله أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب في إعتماده على الكتاب والسنة

- ‌الباب السابع: مؤلفات الإمام رحمه الله

- ‌الباب الثامن: طبيعة الدعوة

- ‌الباب التاسع: التمهيد للدعوة

- ‌الباب العاشر: نور التوحيد وبأس الحديد يصنعان الأبطال

- ‌الباب الحادي عشر: الدرعية والتلاحم العظيم بين الإمام محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود

- ‌الباب الثاني عشر: تأسيس الدولة السعودية الأولى

- ‌الباب الثالث عشر: الحملة المصرية على نجد

- ‌الباب الرابع عشر: تأسيس الدولة السعودية الثانية

- ‌الباب الخامس عشر: الإمام تركي بن عبد الله محرر نجد ومؤسس الدولة الثانية

- ‌الباب السادس عشر: الدولة السعودية الثالثة الحالية

- ‌الباب السابع عشر: شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخصائصه

- ‌الباب الثامن عشر: افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب "رحمه الله

- ‌الفصل الأول: الفرية الأولى الإمام محمد بن عبد الوهاب ادعى النبوة

- ‌الفصل الثاني: الفرية الثانية زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من الخوارج

- ‌الفصل الثالث: الفرية الثالثة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تكفير الناس

- ‌الفصل الرابع: الفرية الرابعة الإمام محمد بن عبد الوهاب وانتقاض الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامس: الفرية الخامسة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب منع الإستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السادس: الفرية السادسة الإمام محمد بن عبد الوهاب هدم القباب على القبور ونهى عن شد الرحال لزيارتها

- ‌الفصل السابع: الفرية السابعة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إنكار كرامات الأولياء

- ‌الفصل الثامن: الفرية الثامنة زعمو أن حديث نجد قرن الشيطان

- ‌الفصل التاسع: الأدلة النبوية الصريحة على أن العراق مطلع الفتن وقرن الشيطان

- ‌الفصل العاشر: أقوال الصحابة على أن العراق مطلع قرن الشيطان

- ‌الفصل الحادي عشر: أقوال التابعين على أن العراق مطلع قرن الشيطان

- ‌الفصل الثاني عشر: أقوال الأئمة والمحدثين على أن العراق قرن الشيطان

- ‌الفصل الثالث عشر: الفرية التاسعة تسميتهم بالوهابية

- ‌الفصل الرابع عشر: الفرية العاشرة موقف الإمام محمد بن عبد الوهاب من دولة الخلافة العثمانية

- ‌الباب التاسع عشر: موقف سليمان بن عبد الوهاب من دعوة أخيه الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌الباب العشرون: هل رجع سليمان بن عبد الوهاب عن ضلالته

- ‌الباب الواحد والعشرون: أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: الشام

- ‌الفصل الثاني: العراق

- ‌الفصل الثالث: اليمن

- ‌الفصل الرابع: مصر

- ‌الفصل الخامس: المغرب

- ‌الفصل السادس: الجزائر

- ‌الفصل السابع: ليبيا

- ‌الفصل الثامن: تونس

- ‌الفصل التاسع: السودان

- ‌الفصل العاشر: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب نبراس يقتدى بها

- ‌الباب الثاني والعشرون: وقفة مع أفكار المتصوفة

- ‌الباب الثالث والعشرون: الإمام محمد بن عبد الوهاب وثناء علماء ومفكري الشرق والغرب عليه

- ‌الفصل الأول: ثناء علماء ومفكري الشرق

- ‌الفصل الثاني: ثناء علماء ومفكري الغرب

- ‌الباب الرابع والعشرون: الدعوة إلى الإسلام والحياة الطيبة في الدنيا ولأخرة

الفصل: ‌الفصل الثالث عشر: الفرية التاسعة تسميتهم بالوهابية

‌الفصل الثالث عشر: الفرية التاسعة تسميتهم بالوهابية

الفرية التاسعة تسميتهم بالوهابية

اطلقوا على دعوة الإمام اسم "الوهابية"، وأحاطوا بكل شر، وجعلوها علماً على الجمود والهمجية، واخترعوا لها الأكاذيب وألصقوا بها التهم، فلو قالوا للناس: إن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب هي دعوة الإسلام الخالص، وأنه متبع للإمام أحمد بن حنبل في الفروع، ومتأسي بالإمام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، لما استغرب الناس الدعوة ونفروا منها، ولكنهم أطلقوا عليها اسم "الوهابية"، وصوروها بأقبح الصور، حتى أصبح الكثير من المسلمين في البلاد الإسلامية ينفرون من كلمة الوهابية أو المذهب الوهابي.

وبلغ حقدهم الدفين على هذه الدعوة المباركة حتى وصل الإمر إلى قتل المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي –وهو ممن يتحمسون لهذه الدعوة- بإيعان من محمد علي –حاكم مصر- الذي حارب هو وأبناؤه الدعوة انتقاماً من أبيه لتعاطفه مع هؤلاء1.

وقد بلغ الأمر في بعض البلاد الإسلامية أن تصادر وتحرق الكتب التي للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأنصاره، وبل وتطارد الأشخاص الذي يعتبرون "وهابيين"، ويسجنون، وتثور عليهم الجماهير، وقد يضربونهم، فأكثر الناس لا يعرفون من الوهابية إلا أنها مذهب آخر لا يقره الإسلام.

1 الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ج2 للدكتور عبد الرحمن عميرة –أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 6.

ص: 376

قال الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله:

"إن لقب الوهابية لقب لم يختاره أتباع الدعوة لأنفسهم، ولم يقبلوا إطلاقه عليهم، لكنه أطلق من قبل خصومهم تنفيراً للناس منهم، وإيهاماً للسامع أنهم جاءوا بمذهب خاص يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى، واللقب الذي يرضونه ويتسمون به هو: (السلفيون) ، ودعوتهم: الدعوة السلفية"1.

وقال الأستاذ أحمد علي:

"إن تلقيبهم بالوهابية جناية على الواقع والحقيقة لهذه الدعوة، فهي جناية على التاريخ نفسه، فقد أوقع ذلك كثيراً من المؤرخين والمستشرقين في غلطة، وهي تسمية هذه الحركة الإصلاحية المباركة نسبة إلى والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجعلوه مؤسساً لهذه الدعوة والحركة الإصلاحية"2.

وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز:

"نسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهي نسبة على القياس العربي، فلقد كان الصحيح أن يقال المحمدية، أي أن صاحب هذه الدعوة والقائم بها هو الشيح محمد لا أبوه عبد الوهاب، ومن أعجب العجب أنك لا تجد لهذا اللقب أثراً بنجد، بل يستنكر النجديون هذا اللقب لمن يخاطبهم به أو ينسبهم إليه، وهذا يدلك على أن التسمية جاءت من الخارج من خصوم الدعوة، وأكبرهم إذ ذاك الأشراف والأتراك، وأكثر علمائها"3.

1 انظر الوهابية وزعيمها محمد بن عبد الوهاب: بقلم حسن بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله مجلة العربي العدد 147 فبراير 1971.

2 آل سعود ص 212.

3 الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية أحمد بن حجر.

ص: 377

وهذا الملك عبد العزيز يخطب بالحجيج سنة 1347هـ الموافق 11/5/1929، قائلاً:

"يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.

نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح.

نحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا.

هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو بها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل، خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب.

أما (التجديد) الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوة أنه ينجينا من آلامنا فلا يوصل إلى غاية، ولا يدنينا من السعادة الأخروية، إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة.

إننا لا نبغي (التجديد) الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا.. إننا نبغي مرضاة الله عز وجل، ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره، فالمسلمون لا

ص: 378

يعوزهم التجديد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العلم بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، فانغمسوا في حمأة الشرور والآثام فخذلهم الله جل شأنه، ووصلوا إلى ما هم عليه من ذل وهوان، ولو كانوا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله لما أصابهم من محن وآثام، ولما أضاعوا عزهم وفخارهم.

لقد كنت لا شيء

وأصبحت اليوم وقد استوليت على بلاد شاسعة يحدها شمالاً العراق وبر الشام، وجنوباً اليمن، وغرباً البحر الأحمر، وشرقاً الخليج.. لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من الأعتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن العدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصراً عزيزاً1.

إن تسميتهم بالوهابية مجرد ذكر التسمية لا حرج فيه، ولكن أن يجعلوها مذهباً خارجاً عن الإسلام ويغذوها بالتضليل والكذب والافتراء فهذا شيء نحاربه أشد المحاربة.

يقول عبد الرحمن بن سليمان الرويشد:

"لم يكن إطلاق كلمة "الوهابية" التي يراد بها التعريف بأصحاب الفكرة السلفية شائع الاستعمال في وسط السلفيين أنفسهم، بل كان أكثرهم يتهيب إطلاقه على الفكرة السلفية. وقد يتورع الكثيرون من نعت القائمين بها بذلك الوصف، باعتباره وصفاً عدوانياً كان يقصد به بلبلة الأفكار والتشويه، وإطلاق المزيد من الضباب لعرقلة مسيرة الدعوة، وحجب الرؤية عن حقائق أهدافها وبمرور الزمن،

1 جريدة أم القرى –ذي الحجة 1347هـ- مايو 1929م.

ص: 379

وإصابة محاولات التضليل بالعجز عن أداء دورها الهدام، تحول هذا اللقب بصورة تدريجية إلى مجرد لقب لا يحمل أي طابع للإحساس باستقرار المشاعر، أو أي معنى من معاني الإساءة، وصار مجرد تعريف مميز لأصحاب الفكرة السلفية، ماهية الدعوة التي بشر بها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وأصبح هذا اللقب شائعاً ورائجاً بين الكتاب والمؤرخين الشرقيين والغربيين على حد سواء.

وبالتالي فليس هناك ما يبرر هجر استعمال تلك الكلمة كتعريف شائع أو تعبير يستخدم في إطاره الصحيح للرمز إلى المضمون الفكري المقصود: وهو التمسك بالكتاب والسنة ومحاربة مظاهر الشرك والبدع، وما زج به في العقيدة السلفية وأدخل عليها من انحراف، مع ضرورة العيش في قيادة إسلامية عادلة تحكم الشريعة، وتلتزم تطبيق منهجه عملاً وتحمل الرعية على امتثال ذلك بأسلوبي الترغيب والترهيب، وإن أصروا على هذه التسمية نقول لهم قد أجاب العلامة الشيخ "ملا عمران بن رضوان" رحمه الله صاحب مدينة لنجة بهذه الأبيات وهي فخر وشرف ووسام يفتخر بها كل نجدي وغير نجدي من الموحدين، وهو يرد على الخصوم قائلاً:

إن كان تابع أحمد متوهباً

فأنا المقر بأنني وهابي

أنفي الشريك عن الإله فليس لي

رب سوى المتفرد الوهاب

لا رقية ترجى ولا وثن ولا

قبر له سبب من الأسباب

ص: 380

أيضاً ولست معلقاً لتميمة

أو حلقة أو دعة أو ناب

لرجاء نفع أو لدفع بلية

الله ينفعني وينفع ما بي1

ويقول الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله في الرد على بعض الخصوم الحاقدين على هذه الدعوة والذين لقبوها بهذا اللقب:

نعم نحن وهابية حنفية

حنيفية نسقي لمن غاصنا السرا

بمحكم آيات وسنة أحمد

نصول على الأعداء فنأظرهم أطرا

حنابلة كنا على نهج أحمد

إمام الهدى من كان من كفركم يبرا

على السنة الغراء قد كان قدوة

لنا في الهدى لم يغد ما قاله شبر2

يقول أبو الهدي الصعيدي المصري رحمه الله:

"إذا كانت الوهابية كما سمعنا وطالعنا، فنحن أيضاً وهابيون"3.

1 الهدية السنية ص 42.

2 ديوان ابن سحمان ص 51-98.

3 بين الديانات والحضارات –طه المولي ص 142.

ص: 381

يقول الشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي:

"من معاملة الله لهم –أي خصوم الدعوة بنقيض قصدهم هو أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمهم، وأنهم مبتدعة، ولا يحبون الرسول كما زعموا، صار الآن لقباً لكل من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإلى الأخذ بالدليل، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والخرافات، والتمسك بمذهب السلف1.

ويقول مسعود النووي رحمه الله:

"وعلى كل حال، فنظراً إلى تلك المحاولات التي بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة، هذا الاسم منتقد أشد الانتقاد، ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء، فلا أرى حرجاً في هذه التسمية"2.

إن اجتماع المسلمين على الكتاب والسنة أشد على أعدائهم من السلاح والعتاد، وأفتك بهم من الموت، وتوالت العصور وكانت شعلة النور الإسلامي موقدة تنير العالم، ذلك عندما كان المسلمون على صدق مع الله ورسوله، مستمسكيم بعقيدة التوحيد، وتوالت الأيمام وتسللت الأفكار الخبيثة إلى صفوف المسلمين، وارتدت الجموع الفارسية واليهودية والجاهلية لتتأهب وتتاح لها فرصة العمر فتنقض بانحرافاتها داخل المعاقل الإسلامية تحاول الإجهاز على المسلمين ودينهم، ولم تساهم في هذه المعارك جيوش ضاربة، وإنما كانت عقائد باطلة تحاول طمس منهاج الله تعالى وتشويه حقائقه وإنهاء دولته وتقليص نفوذه،

1 محمد بن عبد الوهاب ص 51.

2 محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ص 165.

ص: 382

فتسللت الفلسفات اليونانية والإغريقية والفارسية، وظهرت التكايا والزوايا تربي الناس على الخمول والكسل والانحراف عن دين الله عز وجل، ولكن

هل انتهى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟

هل انتهت أمة الإسلام؟ .. لا

وألف لا

فالإسلام يحفظه الله:

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9) .

فبحفظ الكتاب والسنة لا تنتهي أمة الإسلام في الأرض، وبعلماء الإسلام العاملين وقادته المصلحين سيستمر العلم والتعليم لكشف الزيغ والحركات الضالة، وسوف تتربى الأجيال على الإسلام الصحيح وتتلقى القرآن فتفهم أحكامه وتحل حلاله وتحرم حرامه، وتفهم سياسته واقتصاده في شخوص رجال ونساء، إذا رأيتهم رأيت قرآناً يجري حركة حياة ونبضات قلوب تحتضن الوجود لتغمسه في بحر الإسلام ليغدو عطاء ورحمة، وهكذا كانت الدعوات الصحيحة والدعاة الصالحون في كل عصر وجدوا فيه، ولما قام الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته الإسلامية كان يسلك مسلك السلف الصالح ويعيد الناس إلى الإسلام الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، ويزيل عن الناس كثيراً مما كان قد جلبه عليهم ابتعادهم عن الدين الخالص، وقد كانت هذه الدعوة الإسلامية منطلقاً صحيحاً للمسلمين في الإصلاح والتصحيح في العقيدة والعبادة والعمل والسلوك، لأن دين الإسلام هو طب البشرية كلها من كافة أدوائها، وأن التماس الهدى في غير ضلال وضياع، فكان الإمام محمد داعية إسلامياً ظهر في زمان سيطرت على المسلمين فيه أسباب الضعف السياسي، وأنواع الضلال الفكري، وصنوف الانحراف عن الصراط المستقيم، فكان رحمه الله تعالى رائداً في دعوته إلى منابع الإسلام الأولى، واتباع ما كان عليه السلف1 الصالح، ولذلك نسبت إلى

1 السلف: بالفتح في اللغة: المتقدمون: والراحلون من الآباء الأولون السابقون، وبيع السلم، وفي الشرع: اسم لكل من يقلد مذهبه في الدين ويتبع أثره، كأبي حنيفة وأصحابه، فإنهم سلف لنا، والصحابة والتابعون فإنهم سلفهم، وقد يطلق السلف شاملاً للمجتهدين كلهم.

وقال بعضهم: السلف شرعاً: كل من يقلد ويقتفي أثره في الدين

والصدر الأول يسمون: "السلف الصالح"، ومنه حديث مذجح: نحن عباب سلفها، انظر السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. علي عبد الحليم محمود ص 9.

ص: 383

السلفية فالاتجاه السلفي في أساسه يعمل على نقاوة العقيدة الإسلامية وتخليضها من الشوائب التي تفسدها وتميعها، والرد على الانحرافات التي ظهرت في المجتمع الإسلامي، والصمود في وجه الفرق الضالة، وبهذا تكون الدعوة الإسلامية السلفية هي دعوة الكتاب والسنة والدين الصحيح، هي دعوة البر والبركة، ودعوة التوحيد الحق، والاتباع السليم، والتزكية والطهارة، أي أنها باختصار دعوة الإسلام الصحيح التي بعث بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واتفق العلماء على أن السلف يراد بهم:

أولاً: الصحابة، رضوان الله عليهم.

ثانياً: التابعون لهم بإحسان، رحمهم الله تعالى.

ثالثاً: تابعو التابعين.

وهذا ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقول: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". قال عمران: "فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. "ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن" 1.

1 رواه البخاري في فضائل الصحابة، ورواه مسلم وأبو داود.

ص: 384

ومذهب السلف هو –كما قلنا- ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وما كان عليه أعيان التابعين لهم بإحسان، وما كان عليه أتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظيم شأنه بالدين وتلقى الناس كلامهم خلفاً عن سلف، كالأئمة الأربعة والسفيانيين والليث بن سعد وابن المبارك والنخعي والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن دون من رمي ببدعة أو اشتهر بلقب غير مرضي، مثل: الخوارج والروافض والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة وسائر الفرق الضالة، والسلفية إذن تتمثل في توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالربوبية والألوهية، وإخلاص القول والعمل، والاتجاه به إليه سبحانه وتعالى وفق ما جاءت به الحنفية السمحاء والتي لا يقبل الله تعالى من أحد من عباده ديناً سواها، وهي العبودية الخالصة والتعبد لله وحده لا شريك له وفق ما جاء به نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد لازم الدعوة الإسلامية التي قام بها الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما يلازم الدعوات الكبرى من نشاط فكري وحركي على الجانبين الإيجابي والسلبي1، ومن المؤشرات التي توزن بها ضخامة الدعوات الجديدة عنف حركة التأييد والمعارضة على السواء. ذلك لأن الدعوات الكبرى تفاجئ الناس عادة بغير ما عهدوا من مألوف المعتقدات والعادات فيتهيبها الناس في أول الأمر، ويستعظمون ما جاءت به، فإذا تدبرها بعض العقلاء واكتشفوا ما تنطوي عليه من الحق والخير تعصبوا لها تعصباً شديداً، ثم تجيء ردود الأفعال عن الذين يأكل قلوبهم الحسد على المكانة التي يحظى بها صاحب الدعوة بين أنصاره ومؤيديه، والزعماء الذين يتمسكون بالأمر الواقع الذي سودهم ولا يرحبون

1 من مقال للدكتور محمد محمد حسين أستاذ ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة الإسكندرية رحمه الله تعالى.

ص: 385

بالجديد الذي لا يأمنون عواقبه، لأن أي خلخلة للاستقرار القائم ستجلب معها زعامات جديدة تلائم الواقع الجديد، وبين هاتين الطائفتين من المتعصبين للتأييد والمعارضة ينشأ التطرف الذي يسيء إلى الدعوة في تطبيقها وتفسيرها من ناحية، وفي سوء فهمها والادعاء عليها بما ليس فيها من ناحية أخرى، وسمة أخرى من سمات الدعوات الكبرى لازمت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وهي تتمثل في تعرضها على أيدي أعدائها ومعارضيها للمحن، وثبات صاحبها على المكاره، ذلك لأن اتساع نفوذ الدعوة على مر الأيام يدفع أعداءها إلى الشعور بالخطر على أنفسهم وعلى مصالحهم فيبذلون كل ما يسعهم من جهد للقضاء على الدعوة وعلى صاحبها، وقد يذهبون في ذلك إلى حد تدبير المكائد والتخلص من صاحب الدعوة نفسه بقتله، ثم إن هذا الأذى والاضطهاد هو الاختبار الأكبر الذي يمتحن به صدق الدعوة وإخلاص صاحبها فإذا ثبت على دعوته وصبر على ما يلقى من اضطهاد زاد صبره صلابة وثباتا على مر الأيام، لأنه يزكي ويمكن لإيمانه، ويقوي توكله على الله عز وجل، ولكي توزن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بميزان عادل يجب أن توضع في الاعتبار حالة المجتمع الذي نشأت فيه الدعوة قبل ظهورها لتقارن بحالتها بعد انتشارها، كما ينبغي أن توضع في الاعتبار ردود الأفعال التي لا بد أن تتسرب إليها وتشوبها في مقاومتها للوضع السائد الذي تعارضعه وتندد به، لأنها في دعوتها إلى نبذ الأوضاع القائمة والإنحرافات السائدة تشنع بها وتقدمها في أبغض الصور لكي تصرف الناس عنها وتبين لهم شناعة ما هم عليه من فساد الحال، ثم إن ذلك لا يزيد خصومها إلا لدداً في خصومتهم فيبالغون في التشنيع بها، ونشر قالة السوء عنها، وتصيد الأخطاء التي ربما وقعت من أتباعها، وحمل أفعالهم وتأويلها على أسوأ محمل، وربما فعلوا في ذلك أن يدعوا عليهم ما ليس

ص: 386

فيهم، وذلك كله مما يملأ قلوب أصحاب الدعوة وأتباعهم حنقاً فيكيلون لهم بمثل كيلهم، وهكذا فإن التفاعل لا بد أن يجر إلى شيء من هذه المبالغة التي يجب أن تكون موضع الاعتبار والتقدير عند الباحث، والذي يقرأ ما كتبه مؤرخو الدعوة عن عنف معارضيها1.

1 الدرعية العاصمة الأولى: عبد الله خميس ط (1) 1402 –الرياض.

ص: 387

قصة عجيبة

كان أحد العلماء الفضلاء في الهند يستقبل أبناءه الطلاب ويلقي عليهم دروس التفسير والحديث، وكان هذا الشيخ يبدأ درسه بعد الحمد لله والصلاة والتسليم على رسوله بالدعاء على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجماعته، يطلب من الله أن يطهر الأرض من شرورهم وآثامهم.

وكان أحد أبناء نجد تلميذاً لهذا الشيخ، وكان من المستحيل عليه أن يرد الشيخ إلى الصواب، وسط هذه الأجواء من الادعاءات والافتراءات التي يشنها الأعداء وتحرص دولة كبرى كدولة الخلافة العثمانية، ومن ورائها الاستعمار وأذنابه، وكل أصحاب المذاهب والنحل الباطلة على النيل من هذه الجماعة وصاحبها.

وفي يوم من الأيام

فكر الطالب في أمر يرد به الشيخ إلى جادة الصواب، ويعرفه بحقيقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية. فما أن كان منه إلا أن نزع غلاف كتاب "التوحيد" للشيخ وقدمه لأستاذه طالباً منه قراءته وإبداء حكمه عليه.

واستجاب الأستاذ لأمر الطالب وقرأ الكتاب فأثنى عليه ثناء منقطع النظير، بل وأضاف أنه من أحسن الكتب التي قرأها في هذا الباب، ومن أكثرها فائدة، وهنا كشف الطالب لأستاذه عن مؤلفه الذي يتقرب الشيخ إلى ربه بالنيل منه كل صباح.

ص: 388

فاستغفر الشيخ عما بدر منه في حق هذه الجماعة وصاحبها –وصار من أكثر المدافعين عنها الداعين لها"1.

فكشف الله تعالى لهؤلاء زيف المفترين وعرفوا صحة الدعوة وحقيقتها، وأصبحت تلك التسمية لا ذكر لها إلا عند بعض الجهلة والدجاجلة والحاقدين، ومضت الدعوة الإسلامية على نهج السلف الصالح، وقامت الصحوة الإسلامية، ونرى اليوم جل علماء الإسلام يتبنونها، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

1 انظر: بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول، بحث الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب. دكتور أبو عميرة ص 93-94.

ص: 389