الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس عشر: الدولة السعودية الثالثة الحالية
…
الدولة السعودية الثالثة الحالية1
لقد أدرك المستعمر في مجيئه للمنطقة العربية متسلطاً وطامعاً دور العقيدة الإسلامية الصحيحة في التصدي لأعداء الإسلام، فكان من مهمته حجب كل دعوة إسلامية صحيحة، وكل حركة تجديد، تعيد المسلمين إلى منهج السلف الصالح، أو تعويقها ومشاغلتها حتى لا يتسع تأثيرها فتوقظ المسلمين وتردهم إلى صوابهم وأصالتهم، ويعيدوا بناء كيانهم على أساس الإسلام الخالص، وهذا في نظر الاستعمار كارثة رهيبة له، ولا يمكنه الحياة في العالم الإسلامي إلا في ظل التجزئة والضعف والتمزيق والتشتيت والفرقة وإثارة المشاكل وتقوية الاتجاهات الفرقة لوحدة المسلمين وتضامنهم، فالغرب الكافر والشرق الملحد ينظران إلى العالم الإسلامي على أنه عملاق نائم، ويعتبران يقظة المسلمين خطراً يهددهما، ولقد صرح البرومشادور في حديث عن المسلمين قائلاً:"إن المسلم الذكي الشجاع قد ترك لنا حيث حل آثار علمه وفنه، وآثار مجده وفخاره".
1 حكام الدولة السعودية الثالثة:
1-
الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل مؤسس الدولة الثالثة، توفي 1952م رحمه الله.
2-
سعود بن عبد العزيز تولى الحكم في 2 ربيع الأول 1373هـ 9 نوفنمبر 1953م حتى 27 جمادى الثانية عام 1384هـ -1نوفنمر 1964. توفي عام 1389هـ-1969م في أثينا عاصمة اليونان، وصلي عليه في مكة ثم نقل إلى الرياض، ودفن في مقبرة العود.
3-
فيصل بن عبد العزيز –تولى الحكم من 27 جمادى الثانية عام 1384هـ -2 نوفمبر عام 1964م حتى مقتله 13 من ربيع الأول 1395هـ -25 مارس 1975م، ودفن في مقبرة العود.
4-
خالد بن عبد العزيز: تولى الحكم 14 ربيع الأول 1395هـ -25مارس 1975م حتى وفاته في 21 شعبان 1402هـ-13يونيو 1982م، رحمهم الله.
5-
فهد بن عبد العزيز- الحاكم الحالي (خادم الحرمين) .
إن هذا المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين قد استيقظ وأخذ ينادي هأنذا لم أمت، أني أعود إلى الحياة لا لأكون أداة طيعة أو إمعة من البشر تسيرها العواصم الكبرى1 ثم يقول: "ومن يدري؟ قد يعود اليوم التي تصبح فيه بلاد الفرنج مهددة من المسلمين فيهبوطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب أو الزمن الموقوت لست أدعي النبوة، ولكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة لا تقوى الذرة، ولا الصواريخ على وقف تيارها2، ولهذا عندما قامت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب التجديدية تصحح ما دخل على الدين والعقيدة من شوائب سببها الجهل والبعد عن الإسلام والتقليد، وتجديد ما اندرس من وضوح الإسلام وبساطته ونقاوته، وإعادة المسلمين إلى بساط الإسلام في علاقتهم مع الله عز وجل والالتزام بما جاء به رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، عندها أدرك الأعداء أن عودة المسلمين لمنهج السلف الصالح تتعارض مع بقائهم معششين في ديار الإسلام مستثمرين لخيراتها، فكان لمفكريهم دور واضح في التصدي لها، واستطاعوا بوسائلهم المعروفة أن يوقعوا الفتن بين أبناء الأمير الذي احتضن الدعوة وصاحبها بالتأييد والنصرة، وحصل الانقسام بين الأخوة أبناء الإمام فيصل بن تركي، وسلبت الإمارة منهم طبقاً لما أخبر الله عباده بقوله:
{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} .
ثم صار الأمر في نجد لابن الرشيد بعد أن زالت دولة آل سعود لتنازعهم فيما
1 انظر لما هذا الرعب كله من الإسلام: جمع سعيد جودة –الناشر: لجنة مسجد جامعة دمشق –بدون تاريخ النشر- ص 16.
2 المصدر السابق.
بينهم، وكان يقع بين الأخوة منهم من تنافس على الإمارة ما سالت فيه الدماء، ومع أفول نجم الدولة السعودية الثانية خبا وهج الدعوة الإسلامية، وضعف أثرها بضعف أهلها وتخاذلهم وإهمالهم لتعاليم الإسلام، وإذا أراد الله تعالى أمراً هيأ أسبابه، فقد رزق الإمام عبد الرحمن الفيصل بمولود فرح به كثيراً، أسماه عبد العزيز1، أملاً أن يقر الله تعالى به ويعلي كلمته، فلكل امرئ من اسمه نصيب2، وأخذ يمرنه من طفولته على الفروسية وقيادة الجند من الأطفال، ويعوده على التقشف وخشونة البادية، وتحمل آلام الجوع والعطش والصبر على المكاره، ويشجعه على ارتياد الصحراء لتعلم الفروسية والرماية، وتعرف أحوال القبائل، وما أن بلغ الخامسة من عمره حتى عهد به والده إلى فقيه من فقهاء الخرج اسمه عبد الله الخرجي فعلمه القرآن الكريم، ليحكم بذلك الصلة بينه وبين مولاه، فلم يمض على ذلك أربع سنوات حتى ختم القرآن الكريم. ثم عهد به إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف من آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فعلمه علوم الدين، ليتفقه فيها، [من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين] ، وفي هذه الأثناء كان والده يحرص على مرافقته له في مجالس الرجال، ويشركه معهم في الرأي، ليتعود على الصراحة في القول والجرأة على الكلام، بل ويصحبه معه في أكثر الغزوات، ويزجه معه للقتال في الساحات، وما أن اشتدت به الأيام واعتزل الإمام عبد الرحمن الحكم أرسله مع أسرته إلى البحرين فالإحساء فالكويت، وظل بها إلى أن التحق به فيها، ومن ذلك التاريخ أخذ الإمام عبد الرحمن يبث في نفس ابنه
1 ولد عبد العزيز بن عبد الرحمن ليلة عيد الأضحى، 10 من ذي الحجة سنة 1299هـ، الموافق 21 أكتوبر سنة 1880م.
2 الإمام العادل –عبد الحميد الخطيب ص 18.
عبد العزيز الروح الدينية، ويغرس في قلبه حب التضحية والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل، ويذكره بالعهد الذي تم بين جده محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب من العمل على نشر الإسلام الصحيح وجذب الناس إلى توحيد الله عز وجل، ويقيم له الأدلة والبراهين على ثمرة التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، وما يجنيه المرء من وراء ذلك من سعادة الدنيا والآخرة، حتى اشتعلت في قلب الفتى عبد العزيز نار الغيرة على دين الله عز وجل، وعاهد ربه على العمل لما يقربه إليه ويرفع من شأن دينه الحق، وهكذا يتضح لنا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تسير جنباً إلى جنب مع مراحل الدولة السعودية، وكان عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي لم يشهد من تاريخ أسرته التي امتد سلطانها على الجزيرة العربية المسلمة إلا أطلالاً من الذكريات ينطوي عليها قلبه المفئود وهو يربض إلى جوار أبيه في منفاه بأرض الكويت.
وظلت ذكريات المجد الذاهب تلهب عاطفته وهو في منفاه حتى إذا استوى عوده فصار شاباً جلداً كانت فكرة الثأر قد استولت على جميع مشاعره، وأقسم ليستردن ملك آبائه وأجداده، وليعودن بأبيه وأهله إلى عاصمة ملكهم مظفراً منصوراً بعون الله عز وجل.
وأطلع أباه الشيخ على ما نوى من أمره فحذره العاقبة، وأشفق عليه من المصير
…
ولكنه أصر على رأيه ولسان حاله يقول:
لأستسلهن الصعب أو أبلغ المنى
…
فما انقادت الآمال إلا لصابر
وألح على على أبيه في أن يأذن له فأذن
…
وانطلق تحت جنح الظلام في أربعين
رجلاً من أهله وأصحابه، يضرب بهم في مضارب الصحراء ويجتاز بهم دروباً موحشة غير مطروقة حتى لا يلقاه أحد من الرعاة أو السابلة فينكشف أمره وتحبط خطته، وما زال يدلج بالليل ويتخفي بالنهار حتى بلغ مشارف الرياض في مكان يقال له ضلع الشعب، وهناك أناخوا ركابهم وتركوا متاعهم، وسار في منتصف الليل أربعون رجلاً مشياً على الأقدام بقيادة زعيمهم الفتى عبد العزيز، وما أن بلغوا سور المدينة حتى ترك الفتى عبد العزيز1 من جماعته ثلاثين رجلاً تحت امرة أخيه محمد بن عبد الرحمن، ثم تقدم بالباقين فتسلق سور البلد وخف إلى دار مجاورة لقصر الأمير عجلان –عامل ابن رشيد- فطرق الباب. وأجابت امرأة من داخل الدار: من الطارق؟
قال: رجل من خدم الأمير عجلان يريد زوجك لغرض.
قالت: اذهب لا بارك الله فيك. ما جئت تبغي إلا النساء. وهل يطرق باب الناس في الليل إلا فاسد
…
قال: لا والله يا خاله، ما جئت لهذا، ولكن أخشى على زوجك من القتل غداً إذا لم يلب نداء الأمير حالاً، وكان زوجها قد استيقظ ففتح الباب ليرى جلية الأمر، وكان الفتى عبد العزيز يعرف الرجل وأهل بيته، فمنهن من كن في خدمة بيوت آل سعود، فما خرج الرجل حتى قبض عليه عبد العزيز وهدده بالقتل إن هو تكلم، ثم دخل البيت فلما رأته النسوة صحن: عمنا عبد العزيز! قال: اسكن ولا بأس عليكن، ثم أغلق عليهن الباب وتسلق الجدار ثم ذهب إلى القصر، وكان قد بعث
1 الإمام العادل –عبد الحميد الخطيب ص 22.
إلى بقية رجاله فلحقوا به، ودخل إحدى الغرف فإذا بها زوجة الأمير، فصاحت به: أأنت عبد العزيز؟ قال: نعم، أنا هو....
قالت: من تبغي، وما مأربك هنا؟
قال: أريد عجلان لا سواه.
قالت: يا بني لا تغرر بنفسك، انج بنفسك في هذا الليل وإلا قتلوك.
قال: ما جئنا لنسمع منك النصيحة، ولكن لنعرف متى يخرج عجلان من القصر الداخلي
…
ولم تستطع المرأة وقد رأت الموت يطل من عينيه ويهتز في يمينه إلا أن تقول: بعد شروق الشمس بساعة..
قال: هذا كل ما نريد. وإنكن إذا لزمتن السكوت والسكون فلا بأس عليكن، وإلا فالموت لا محالة.
ثم أغلق على المرأة وصواحبها بابا...... وظل ينتظر شروق الشمس
…
وانفتح باب القصر الداخلي مع الصباح، وعبد العزيز ورجاله قد كمنوا على مقربة منه يتربصون.. ثم أهل الأمير فباغتوه وهو يحاول الفرار، فعاجله عبد العزيز بطلقة لم تدرك منه مقتلاً فتتبعه يعدو وراءه حتى أدركه، ونشب بين الرجلين صراع عنيف اشترك فيه رجال الأمير فانطلق وراءه عبد الله بن جلوي ابن عم عبد العزيز فأرداه قتيلاً1
…
ونشبت معركة بين حرس الأمير ورجال عبد العزيز ولم تلبث أن انتهت باستسلام الحرس، وسقطت القلعة في يد عبد العزيز، ودانت له العاصمة.
1 كان مقتل ابن عجلان في 3 شوال 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م.
ثم عاد الشيخ وأهله من منفاه في أرض الكويت، واستقبله الفارس الشاب المظفر مترجلاً عن جواده خارج الرياض، وقد بر بقسمه: ليستردن ملك آبائه وأجداده، وليعودن بأبيه وأهله إلى عاصمة ملكهم مظفراً منصوراً، وأقبل أهل الرياض على القصر يهنئون الأمير عبد العزيز بفوزه ونصره ويقدمون الطاعة، ويعربون له عن خالص الحب وعظيم الولاء، وترامى الخبر في البادية فهرع شيوخها إلى الرياض يؤيدون آل سعود، ويؤكدون للأمير الإخلاص، ويعاهدونه على الانضمام تحت رايته ومحاربة أعدائه، فقام بإصلاح ما هو مهدم من سور المدينة والحصن، وكان أول عمل أتاه عبد العزيز هو إرسال ناصر بن سعود إلى الشيخ مبارك مبشراً وطالباً المدد1، كما أعلم حاكم البصرة بأنه سيحكم الرياض باسم السلطان العثماني2 ليحول دون مساعدة الدولة العثمانية لابن رشيد.
لبى الشيخ مبارك طلب المعونة، يقول عبد العزيز رشيد في ذلك الوقت: كان الشيخ مبارك ركن عبد العزيز الأعظم الذي يعتمد عليه فتراه يبعث إليه الإمدادات بسخاء وكرم، ويخرج إليه الحملات الواحدة تلو الأخرى، والقافلة إثر أختها، تحمل الأطعمة والذخيرة، والحقيقة أن مساعدات مبارك –حاكم الكويت- كانت حيوية لعبد العزيز في ذلك الوقت، لأن الكويت كان صلته الوحيدة بالعالم الخارجي3، على أن الأمر لم يستتب بعد للأمير عبد العزيز بعد دخوله الرياض، فما زال في صراع دائم، وجلاد مرير مدة عشرين عاماً تارة مع ابن الرشيد الذي لم
1 البلاد العربية –فؤاد حمزة ص 24.
2 العلاقات بين نجد والكويت –خالد السعدون ص 75.
3 تاريخ الكويت –عبد العزيز رشيد ص 175.
يقف مكتوف اليدين أما الحليفين مبارك وعبد العزيز، وأخرى مع الأشراف والأتراك حتى انتصر عليهم، وطوراً مع "الإخوان" الثائرين حتى قضى على ثورتهم1، ثم دانت له الجزيرة العربية نجدها وحجازها.
يقول هـ. س. أرمسترونغ:
"كان توحيد شبه الجزيرة العربية على يدي الملك عبد العزيز آل سعود في فترة زمنية تقل عن عشرين عاماً نموذجاً رائعا لعملية بناء أمة".
بعد ذلك الصراع للإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الدامي والمرير، تمت وحدة البلاد باسم المملكة العربية السعودية في 22 سبتمبر 1932م، وأخذ يعمل لتحقيق الغاية الأساسية التي يسعى إليه هو وآباؤه، وهي نشر الدعوة الصحيحة في الرجوع إلى حقيقة الدين والعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم عن طريق العلماء الثقاة، والكتاب من أنصار الإمام محمد بن عبد الوهاب، فسيرهم إلى المدن والقرى في جميع الأمصار، فجذبوا القلوب وهيأوا الأفكار لتقبل الدعوة الإسلامية المجددة، حتى أصبح لها في جميع الأقطار أنصار وأعوان.
وهذه رسالة "انظر الوثيقة" من توقيع العلماء بتاريخ 1345 هـ يفتون الإمام
1 لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة الكتب التالية:
-شبه الجزيرة في عهد عبد العزيز –خير الدين الزركلي.
-تاريخ نجد الحديث: أمين الريحاني.
-العلاقات بين نجد والكويت –خالد السعدون.
-الإمام العادل صاحب الجلالة –عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود- عبد الحميد الخطيب.
عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عن بعض الأمور العقدية التي سأل عنها قبل القدوم على فعله، "وهذه هي الشورى"، مثل هدم مسجد حمزة المزار، ودخول الحاج المصري بالسلاح، وغيرهم، وكان الموقعون من العلماء هم:
1-
محمد بن عبد اللطيف
2-
سعد بن حمد بن عتيق
3-
سليمان بن سحمان
4-
عبد العزيز بن عبد الله
5-
عمر بن محمد بن سليم
6-
صالح بن عبد العزيز
7-
عبد الله بن حسن
8-
عبد العزيز بن عبد اللطيف
9-
عمر بن عبد اللطيف
10-
محمد بن إبراهيم
11-
محمد بن عبد الله
12-
عبد الله بن زاحم
13-
محمد بن عثمان الشاوي
14-
عبد العزيز بن محمد الشتري