المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث عشر: الحملة المصرية على نجد - دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

[أحمد بن عبد العزيز الحصين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: المد والجزر في حياة المسلمين

- ‌الباب الثاني: الإسلام يتحدث عن ذاته بأبطاله في التاريخ

- ‌الباب الثالث: مفهوم البطولة في الإسلام

- ‌الباب الرابع: الإمام محمد بن عبد الوهاب والدعوة المباركة

- ‌الفصل الأول: حياة الإمام محمد بن عبد الوهاب ونشأته

- ‌الفصل الثاني: وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌الفصل الثالث: عقيدة الإمام وفكره

- ‌الباب الخامس: نماذج من منهجه في الدعوة إلى العقيدة السلفية

- ‌الفصل الأول: الأنموذج الأول حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌الفصل الثاني: الأنموذج الثاني فصل التوحيد ومايكفر الذنوب

- ‌الفصل الثالث: الأنموذج الثالث من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌الفصل الرابع: الأنموذج الرابع الخوف من الشرك

- ‌الفصل الخامس: الأنموذج الخامس الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌الفصل السادس: الأنموذج السادس تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌الباب السادس: فيما قاله أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب في إعتماده على الكتاب والسنة

- ‌الباب السابع: مؤلفات الإمام رحمه الله

- ‌الباب الثامن: طبيعة الدعوة

- ‌الباب التاسع: التمهيد للدعوة

- ‌الباب العاشر: نور التوحيد وبأس الحديد يصنعان الأبطال

- ‌الباب الحادي عشر: الدرعية والتلاحم العظيم بين الإمام محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود

- ‌الباب الثاني عشر: تأسيس الدولة السعودية الأولى

- ‌الباب الثالث عشر: الحملة المصرية على نجد

- ‌الباب الرابع عشر: تأسيس الدولة السعودية الثانية

- ‌الباب الخامس عشر: الإمام تركي بن عبد الله محرر نجد ومؤسس الدولة الثانية

- ‌الباب السادس عشر: الدولة السعودية الثالثة الحالية

- ‌الباب السابع عشر: شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخصائصه

- ‌الباب الثامن عشر: افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب "رحمه الله

- ‌الفصل الأول: الفرية الأولى الإمام محمد بن عبد الوهاب ادعى النبوة

- ‌الفصل الثاني: الفرية الثانية زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من الخوارج

- ‌الفصل الثالث: الفرية الثالثة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تكفير الناس

- ‌الفصل الرابع: الفرية الرابعة الإمام محمد بن عبد الوهاب وانتقاض الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامس: الفرية الخامسة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب منع الإستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السادس: الفرية السادسة الإمام محمد بن عبد الوهاب هدم القباب على القبور ونهى عن شد الرحال لزيارتها

- ‌الفصل السابع: الفرية السابعة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إنكار كرامات الأولياء

- ‌الفصل الثامن: الفرية الثامنة زعمو أن حديث نجد قرن الشيطان

- ‌الفصل التاسع: الأدلة النبوية الصريحة على أن العراق مطلع الفتن وقرن الشيطان

- ‌الفصل العاشر: أقوال الصحابة على أن العراق مطلع قرن الشيطان

- ‌الفصل الحادي عشر: أقوال التابعين على أن العراق مطلع قرن الشيطان

- ‌الفصل الثاني عشر: أقوال الأئمة والمحدثين على أن العراق قرن الشيطان

- ‌الفصل الثالث عشر: الفرية التاسعة تسميتهم بالوهابية

- ‌الفصل الرابع عشر: الفرية العاشرة موقف الإمام محمد بن عبد الوهاب من دولة الخلافة العثمانية

- ‌الباب التاسع عشر: موقف سليمان بن عبد الوهاب من دعوة أخيه الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌الباب العشرون: هل رجع سليمان بن عبد الوهاب عن ضلالته

- ‌الباب الواحد والعشرون: أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: الشام

- ‌الفصل الثاني: العراق

- ‌الفصل الثالث: اليمن

- ‌الفصل الرابع: مصر

- ‌الفصل الخامس: المغرب

- ‌الفصل السادس: الجزائر

- ‌الفصل السابع: ليبيا

- ‌الفصل الثامن: تونس

- ‌الفصل التاسع: السودان

- ‌الفصل العاشر: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب نبراس يقتدى بها

- ‌الباب الثاني والعشرون: وقفة مع أفكار المتصوفة

- ‌الباب الثالث والعشرون: الإمام محمد بن عبد الوهاب وثناء علماء ومفكري الشرق والغرب عليه

- ‌الفصل الأول: ثناء علماء ومفكري الشرق

- ‌الفصل الثاني: ثناء علماء ومفكري الغرب

- ‌الباب الرابع والعشرون: الدعوة إلى الإسلام والحياة الطيبة في الدنيا ولأخرة

الفصل: ‌الباب الثالث عشر: الحملة المصرية على نجد

‌الباب الثالث عشر: الحملة المصرية على نجد

الحملة المصرية على نجد

وقد رأى الخصوم في هذه الدعوة خطراً على أغراضهم السياسية، (الأتراك- حكم محمد علي في مصر- الأشراف في مكة) .

وأخذ الوالي التركي في تأليب القبائل العراقية لمناجزة أهل نجد، وأصدر الوالي العثماني أمره إلى والي البصرة ليغزو الدرعية، لكن الدرعية ردت الهجوم بهجوم الأمير سعود على القبائل بوادي شمر وغيرها، فوصل إلى منطقة السماوة، وتتابعت هزائم والي العراق، وعجز والي الشام، فرأت الأمبراطورية العثمانية أن تستعمل والياً تركياً أشد طموحاً من والي الشام والعراق، وأكثر توقاً لمرضاة السلطان، فأوكلت مهمة قتال الدعوة وأهلها إلى محمد علي والي مصر يومها، فسير محمد علي باشا جيشاً قوامه أربعة عشر ألفاً من المقاتلين إلى الحجاز في سنة 1226هـ بقيادة ابنه أحمد طوسن1، وتلاقى بجيش النجديين وعدته ثمانية عشر ألفاً بقيادة عبد الله بن سعود الذي نصره الله على طوسن وجيشه الذي لا يعرف شيئاً عن غاية الحرب، كما نقل الجبرتي عن المنهزمين الذين كانوا يقولون: أين النصر وأكثر عساكرنا على غير ملة، ومنهم من لا يدين بدين ولا ينتحل مذهباً وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرصتنا أذان ولا تقام فريضة الصلاة، ولا يخطر في بالهم شعائر الدين، والقوم إذا داخل الوقت أذن المؤذنون وانتظموا صفوفاً خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذنون

(1 تولى طوسن محمد علي الحملة المصرية الأولى على المسلمين في الجزيرة العربية عام 1811م، وكان عمره يومها سبعة عشر عاماً ومعه ضباط أوربيون. اهـ. انظر: آل سعود ص 67.

ص: 209

وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر أخرى للصلاة، وعسكرنا يتعجبون من ذلك، لأنهم لم يسمعوا به فضلاً عن رؤيته.

وعاد طوسن بجيشه بعد الهزيمة إلى ينبع، وعسكر هناك انتظاراً للنجدة المصرية، وعندما وصلت النجدات المصرية عام 1814م-1229هـ التقى الفريقان من (القنقذة) وانهزم المصريون مرة أخرى1، وبينما المعارك تجتاز هذه المرحلة الحاسمة والمسلمون النجديون يعدون العدة لخوض معركة شاملة، إذ بالمنية تحضر الأمير سعود2 بن عبد العزيز بن محمد، فينتقل إلى جوار ربه في الدرعية. وخلف ابنه الإمام عبد الله بن سعود3 بن عبد العزيز، لكن عمه عبد الله بن محمد نازعه الحكم. وانقسم آل سعود على بعضهم مما سهل مهمة الجيش المصري الذي أخذ استعداده لاكتساح نجد. فأصدر محمد علي الألباني أمره إلى ولد أحمد طوسن بسرعة العودة إلى مصر، ثم جهزه مرة ثانية بحملة وسيره إلى الجزيرة العربية، فتمكن طوسن في هذه المرة من فتح المدينة المنورة والاستيلاء عليها، ثم قصد مكة المكرمة واستولى عليها أيضاً، وبذلك عاد الحرمان الشريفان إلى الدولة

1 عنوان المجد 1/194.

2 توفي الإمام سعود ليلة الإثنين 11 جمادى الأولى سنة 1229هـ وهو في الثامنة والستين من عمره، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة، وكان رحمه الله أميراً وحاكماً قلما يوجد له مثال، وبموته خلا الجو لمحمد علي ومعاركه. راجع بتوسع مناقبه وصفاته في كتاب: محمد بن عبد الوهاب مصلح مفترى عليه –مسعود الندوي ص129-132.

3 هو: عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، تولى إمامة الدرعية بعد وفاة والده سنة 1229هـ، وحاربته جيوش العثمانيين القادمة من مصر بقيادة إبراهيم باشا، وسقطت الدرعية في عهده 1233هـ-1818م، وحمله إبراهيم باشا معه إلى مصر، ثم إلى الأستانة فقتل فيها سنة 1234هـ-1818م. (انظر: الإعلام جـ4 ص 89: للزركلي) .

ص: 210

العثمانية، وعادت بدع الحج، وأراد طوسن مطارة المسلمين النجديين، ولكن الله تعالى ألحق به هزيمة منكرة قرب مكة، وفي هذه الأثناء قدم الوالي المصري محمد علي الألباني إلى الحجاز، واستطاع أن يهزم الأمير عبد الله بن سعود، واحتل تربة ثم بيشة، واستولى على عسير. ثم عاد إلى مكة المكرمة ومنها إلى القاهرة.

وبقي أحمد طوسن في الحجاز بعد حملته على نجد1 ثم زحف على الرس في نجد فاستسلم أهلها، وجاء عبد الله بن سعود ليخرجه منها فلم يتمكن، وما لبث أن اتفق الفريقان على الصلح، فتعهد طوسن بالخروج من نجد وتعهد الأمير عبد الله بتأمين سبل الحج، ثم عاد أحمد طوسن إلى القاهرة حيث توفي هناك

إلا أن أباه لم يوافق على هذا الصلح فجهز ابنه إبراهيم محمد علي الألباني بحملة جديدة على نجد مجهزة بمدافع ضخمة، وعسكر بالحناكية شرق المدينة، وبدأ بإغراء البدو، فوقفت القبائل بقوة إلى جانبه، وقد كانت قبل ذلك مع الإمام سعود –فسبحان مقلب القلوب- وسار إبراهيم باشا بجيشه من الحناكية إلى الرس فقاومه أهلها، ثم استسلموا، ثم احتل عنيزة ويريدة والمذنب، ودخل الوشم وشقرا، وقامه أهل ضرمى فأباحها لجنوده، وساروا إلى الدرعية فحاصروها2 خمسة أشهر، كانت النجدات خلال هذه المدة تتوالى على إبراهيم باشا من مصر والبصرة والمدينة والقصيم، إلا أن هذه المسيرة لم تكن نزهة سهلة، وإنما كلفته غالياً من العدة والعتاد، وبقيت الدرعية التي انبثقت منها رسالة التوحيد كالطود الأشم3،

1 أمين الريحاني –تاريخ نجد الحديث ص 160.

2 راجع بتوسع: الكتاب القيم –الدرعية العاصمة الأولى تأليف عبد الله بن محمد بن خميس ص 349-459.

3 المرجع السابق.

ص: 212

إلا أن ضعاف النفوس أخبروا إبراهيم باشا بعورات المجاهدين مما كشف المدينة أمامه فحمل بجنوده ومدافعه. وبعد معارك طاحنة طارت فيها الرؤس وهدمت فيها القلاع والحصون واشتعلت الحرائق، وعلى الرغم من هول الموقف لم يفر رجال الدرعية رغم محاصرتهم، لعلمهم بقوله صلى الله عليه وسلم:"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم"1.

وصدق جلاد الرجال الأوفياء وشاء الله تعالى، وعقد الصلح مع سقوط آخر موقع ضرب فيه الموحدون أروع الأمثلة في التضحية والفداء، واستسلمت الدرعية للقضاء المقدر.

قال ابن بشر: ثم أمر العساكر أن يهدموا دورها وقصورها، وأن يقطعوا نخيلها وأشجارها، ولا يرحموا صغيرها ولا كبيرها. فابتدر العساكر مسرعين وهدموها وبعض أهلها فيها مقيمون. وقطعوا الحدائق، وهدموا الدور والقصور، ونفذ فيها القدر المقدور، وأشعلوا في بيوتها النيران، وأخرجوا جميع من كان فيها من السكان، فتركوها خالية من المساكن كأن لم يكن بها من قديم ساكن، وتفرق أهلها في النواحي والبلدان، وذلك بتقدير الذي كل يوم هو في شأن2.

وصدق الشيخ عبد العزيز بن حمد بن ناصر3 وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام

1 أخرجه الترمذي وابن ماجه، وسنده حسن.

2 عنوان المجد في تاريخ نجد ج1 ص213.

3 هو: العالم الجليل عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن معمر، ولد في الدرعية 1203هـ -تتلمذ- على والده العالم حمد بن ناصر، وعلى شيخ الإسلام عبد الله بن عبد الوهاب، وعلى الشيخ أبي بن غنام.

ص: 213

عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب برثاء الدرعية بقصيدة رائعة تسمى عند علماء الدرعية "الطنانة"، والتي أبكت الناس وهي تصور بطش إبراهيم باشا وجنوده:

يقول رحمه الله:

وكم قتلوا من عصبة الخير فتية

هداة "وضاء" ساجدين وركعا؟

وكم دمروا من مربع كان آهلاً؟

فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا

فأصبحت الأموال فيهم نهائباً

وأصبحت الأيتام غرثى وجوعا

وفرق الإخوان من كان قاطنا

وفرق ألف كان مجتمعا معا1

ثم دعا الناس إلى الصبر على قضاء الله، ونبذ اليأس وانتظار الفرج، يقول:

ألا أيها الإخوان صبراً فإنني

أرى الصبر للمقدور خيراً وأنفعا

ولا تيأسوا من كشف ما ناب أنه

إذا شاء ربي كشف ذاك تمزعا

1 عنوان المجد ج 2 ص 27.

ص: 214

عسى وعسى أن ينصر الله ديننا

ويجبر منا اليوم ما قد تصدعا

ويعمر للسمحا ربوعاً تهدمت

ويفتح سبلاً للهداية مهيعا1

وإبراهيم باشا الطاغية الذي لا يحترم كبيراً ولا صغيراً ولا عالماً، فقد أحضر في مجلسه العالم الجليل سليمان بن عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب2، وأظهر بين يديه آلات اللهو والطرب، وقال له:

ما تقول بهذه؟ فقال رحمه الله: إنها حرام، ولا يجوز الاستماع إليها. فقام هذا الطاغية وأخرجه إلى المقبرة وأطلق عليه خمس رصاصات، فسقط شهيداً وقد مثل بجثته، فقطعت إرباً إرباً، ومزقت عضوا عضوا وصدق الله العظيم:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (آل عمران: 169-170) .

1 عنوان المجد ج2 ص37-38.

2 هو سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ولد سنة (1200هـ) في بلدة الدرعية وكانت في أوج قوتها تعج بكثير من العلماء والأعلام، فنشأ بها وقرأ القرآن حتى حفظه، وقرأ على عدد من علمائها، وكان نادرة في العلم والحفظ، فكان فقيها ومتكلماً، ومفسرا ومحدثاً، من تصانيفه أوثق عرى الإيمان، والتوضيح عن توحيد الخلاف في جواب أهل العراق في مجلد واحد، وله تيسير العزيز الحميد في شرح التوحيد، وله تذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتوفي مجاهداً حيث استولى إبراهيم باشا على بلدة الردعية سنة (1233هـ) ، فغدر بالشيخ رغم العهود المبرمة بينه وبين الشيخ وأهل الدرعية، فأخرج الشيخ إلى المقبرة، ثم أمر جنده أن يطلقوا عليه النار، وفاضت روحه إلى بارئها وليس له عقبل. انظر مشاهير علماء نجد/ عبد الرحمن بن عبد اللطيف ص 29-31، وانظر معجم المؤلفين، عمر كحاله 4/268.

ص: 215

قال الشيخ إبراهيم محمد بن إبراهيم آل الشيخ في مقدمة كتاب الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب "تيسير العزيز الحميد".

"وكان رحمه الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، فلا يتعاظم رئيساً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتصاغر ضعيفاً أتى إليه بطلب فائدة، وقد أكرمه الله تعالى بالشهادة سنة 1233هـ، وذلك عندما وشى به بعض المنافقين إلى إبراهيم باشا بن محمد علي باشا بعد دخوله الدرعية، واستيلائه عليها، فأحضره إبراهيم باشا وأظهر بين يديه آلات اللهو والمنكر إغاظة له، ثم أخرجه إلى المقبرة، وأمر الجند أن يطلقوا عليه الرصاص جميعاً فخرقوا جسمه، وفاضت روحه إلى ربه، رحمه الله، وأجزل مثوبته، وأسكنه فسيح جناته".

يقول المؤرخون1:

إن إبراهيم لم يحترم شروط الاستسلام، رغم توقيعه عليها، ذلك أنه ذبح رؤساء العشائر التي وقفت إلى جانب الإمام في الدفاع عن عاصمة الدولة العربية السعودية الأولى، وتفنن في تعذيب الزعماء والعلماء على السواء، فطرح بعضهم مقيداً تحت سنابك الخيل، ووضع البعض الآخر أمام أفواه المدافع لتمزقهم القذائف شر ممزق.

كما أمر بتعذيب القاضي العلامة أحمد رشيد الحنبلي أمامه، وخلع أسنانه في مجلسه، وكان أفظع من ذلك كله أنه أمر بعد عدة أشهر من استسلام الدرعية بطرد

1 معجزة فوق الرمال –أحمد عسه- بيروت 1969م.

ص: 216

أهلها منها، بما في ذلك النساء والأطفال والشيوخ، ليأمر بعدها بدك المدينة جميعها بالمدفعية، ويشعل النيران في كل أحيائها، ويقطع أشجار النخيل من البساتين المحيطة بها، متوهما أنه بفعلته هذه سيقضي على الفكرة العربية الإسلامية التي كانت تمثلها الدولة العربية السعودية إلى الأبد.

ثم أمر إبراهيم باشا الألباني بعد المصالحة أن يتجهز الإمام عبد الله ابن سعود للمسير إلى السلطان، فخرج من الدرعية إلى القاهرة، ومنها إلى الأستانة، حيث طوفوه في الأسواق، ثم أعدموه.

يقول الزركلي: عبد الله بن سعود من أمراء نجد، وليها بعد وفاة أبيه سنة 1229هـ ونازعه أخوه فيصل بن سعود فضعفت شوكته، وحاربته جيوش العثمانيين القادمة من مصر، وتغلب عليه قائدها إبراهيم باشا، طلب الصلح وأجابه إليه إبراهيم فتم الصلح، وأرسله إبراهيم إلى مصر فأكرمه واليها محمد علي باشا، ووعده بالتوسط له عند حكومة الأستانة. فقال عبد الله (المقدر يكون) ، وحمل إلى الأستانة هو من معه فطيف بهم في شوارعها ثلاثة أيام متتابعات، وأعدموا في ميدان مسجد أيا صوفيا، وقطعت رؤسهم، وظلت جثثهم معروضة بضعة أيام. وكان عبد الله شجاعاً تقياً، في رأيه ضعف1.

فرحم الله الإمام عبد الله بن سعود وجزاه عن جهاده خير الجزاء، فقد كان كما يقول ابن بشر: "مقيماً للشرائع، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، كثير الصمت، حسن السمت، باذل العطاء، موقراً للعلماء، وكان صالح التدبير في مغازيه. وفي

1 شبه الجزيرة العربية في عهد عبد العزيز: خير الدين الزركلي.

ص: 217

الدرعية ومجالس الدروس، وفي قضاء حوائج الناس، وغير ذلك على سيرة أبيه سعود، وقد علمه الإسلام والتوحيد أن الحياة في خضوع العبيد ليست هي الحياة، وعلمته العقيدة أن الله بالغ أمره ومنفذ قدره، فتلك هي الخصوصية الأولى للمسلمين، ومن سار على آثارهم. وبوفاة الإمام عبد الله انتهت الدولة السعودية الأولى التي عمرها الرجال بفكر ابن تيمية وابن القيم وتلميذهما النجيب محمد بن عبد الوهاب، فرحمهم الله في الخالدين، بعد أن دامت ست وسبعين سنة".

قد قال الجبرتي في وصف القسوة البالغة التي لازمت عزوات جيوش محمد علي الألباني، والفظائع التي ارتكبها ابنه طوسن، وابن زوجته إبراهيم، وولاة الترك، في حوادث (1228-1229هـ-1230هـ-1234هـ-1236هـ) لا بد أن يتوقع العنف في ردود الأفعال عند اتباع دعوة الإمام ابن عبد الوهاب، فمن هذه الفظائع رمي جثث القتلى للوحوش والكلاب، وحمل الأسرى من أشراف القوم إلى مصر والأستانة في رقابهم الحديد، يطاف بهم في البلاد على هذه الحالة المهينة، ثم يقتلون، ومنها تخريب الدرعية مرتين، وقتل من طالته أيديهم من آل سعود وآل الشيخ، والتنكيل بالعلماء وقتلهم بعد تعذيبهم، فمنهم من كان يربط بأفواه المدافع ثم تطلق فتتناثر لحوم جثثهم في الفضاء، ومنهم من كانت تخلع جميع أسنانه قبل قتله، ومن هذه الفظائع التي تجاوزت حدود ما رواه الجبرتي في حوادث سنة 1227 من أعمال النهب والسلب وهتك الأعراض، وذلك كله مع ما عرفت به جيوش محمد علي الألباني من المجاهرة في ارتكاب المعاصي والاستخفاف بالدين وإشاعة الفاحشة جهاراً في رمضان ولياليه، مما وصفه الجبرتي عفى الله عنه في حوادث سنتي 1227و1229.

ص: 218