الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والعشرون: وقفة مع أفكار المتصوفة
…
وقفة مع أفكار المتصوفة1
لقد قامت الدعوة إلى الله عز وجل نقية صافية، متمحصة عن سلامة العقيدة، وصفاء الطوية، والاقتداء بالسلف الصالح من القرون الثلاثة المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان. إلا أن المتصوفة الجهال الذين قامت بدعهم على التذوق، لا على النصوص الصحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، نراهم قد تعلقوا بأوهام ما أنزل الله بها من سلطان، وقد أبدى المسلمون الصالحون استياءهم، وتمرغت وجوهم من هؤلاء الجهلة، ومكابرتهم، وسوء معتقدهم، وخروجهم عن ربقة الإسلام بما ينشرون من شركيات وضلالات ومنكرات، فلما لاحظوا استغراب الناس لها منذ زمن بعيد، ودهشتهم منها، قالوا:"بأن علومهم علوم ذوقية، لا يكاد النظر يصل إليها إلا بذوق ووجدان، كالعلم بكيفية حلاوة السكر، لا يحصل بالوصف، فمن ذاقه عرفه2، ولذلك استعملوا طريقة الكشف، والأحلام والخواطر في تفسير القرآن الكريم، محتجين بحديث يسندونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه: "أن القرآن ما من آية إلا ولها ظاهر وباطن، وحد ومطلع، ولكل مرتبة من هذه المراتب رجال، ولكل طائفة من هذه الطوائف قطب، وعلى ذلك القطب يدور فلك ذلك الكشف3، ولا نستغرب إذا علمنا أن المصادر التي يستقي منها المتصوفة الجهال
1 انظر كتابنا: "ماذا تعرف عن الصوفية" الجزء الأول.
2 عوارف المعارف على هامش إحياء علوم الدين 1/246.
3 روي هذا الحديث الموضوع ابن عربي في الفتوحات المكية 1/242، وقال فيه:"وقد أجمع أصحابنا أهل الكشف على صحته"
…
!
هي علم الكلام1، والأفلاطونية2، والزهد الأعجمي3، والرهبنة النصرانية4 تبين لنا فساد عقائدهم، وهي التي أخذ عنها الحلاج عقيدة الحلول، حيث يقول:
وحلت روحك في روحي كما
…
تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني
…
فإذا أنت أنا في كل حال5
وقد سموا أوهامهم إلهاماً وعلماً إلهياً، وغالوا في الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهرت منهم فيه عبارات خطيرة، وهو الذي حاطه الله عز وجل حياطة شديدة في سورة الإسراء6، حتى لا يدع مجالاً لمتخابث في حبه، أو مغال ذي نزعة فارسية، حاقدة على الإسلام الصافي –أن يعبث في مقامه صلى الله عليه وسلم ويربطه
1 راجع كتاب اللمع للسراج، والتعرف للكلاباذي، والرسالة للقشيري.
2 صاحب فكرة الكشف والشهود –راجع كتاب- الإيضاح في الخبر المحض.
3 يظهر هذا من خلال طقوسهم، ورياضتهم، وأساليب مجاهداتهم، وضربهم للشيش.. الخ.
4 واعتقادها اللاهوتي والناسوتي، يقول الحلاج:
سبحان من أظهر ناسوته
…
سر سنا لاهوته الثاقب
حتى بدا لخلقه في
…
صورة الآكل والشارب
5 الطواسين ص 134.
6 أعني الآيات: 11-90-93 من السورة ذاتها.
بالدواوين الباطنية المزعومة1، التي كونت لها في عالمنا الإسلامي المغلوب على أمره جيوشاً من المجانين، والمجاذيب، والدراويش، الذي اصطنعوا لهم كرامات مزعومة، وأساطير خرافية استمع لها الزنادقة، وخطبوا بها على المنابر والمحافل تمجيداً لأهلها، ودون أفكارها، وشنعوا على المسلمين الموحدين، وحملوا على العلماء الصالحين حملة قاسية، وشبهوهم بالفراعنة، حتى قال قائلهم: "وما خلق الله أشق ولا أشد من علماء الرسول على أهل الله المختصين بخدمته العارفين به من طريق الوهب الإلهي، الذي منحهم أسراره في خلقه، وفهمهم معاني كتابه، وإشارات خطابه، فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل
…
"2.
ويشكك أبو يزيد البسطامي في المصادر الشرعية لعلماء المسلمين فيقول: "أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، يقول أمثالنا حدثني قلبي عن ربي، وأنتم تقولون حدثنا فلان، وأين هو؟ قالوا: مات عن فلان، قال: وأين هو؟ قالوا: مات"3.
وقد اعتمد المتصوفة الجهال طريق التأويل، ومصطلحات الشيعة مما يثبت الصلة الوثيقة بين المتصوفة والباطنية، ولقد سمعت "هادي المدرسي"4 يؤكد هذا ويقول: "إن جميع الطرق الصوفية على الإطلاق تنتسب إلى آل البيت؟
1 انظر كتاب الإبريز 2/2.
2 راجع الفتوحات المكية 1/363-64-65.
3 لمحات عن التصوف ص 42.
4 هادي المدرسي: من علماء الشيعة، وهو لبناني الجنسية.
وتأويلاتهم واضحة في كتبهم، ومن هنا فلا غرابة إذا حمل علماء الشرع الشريف على المتصوفة، واتهموهم بالحمق والجنون، أو بالكفر والإلحاد، ولم يتقولوا عليهم أو يفتروا، وإنما أدانوهم من أقوالهم، كهذه التي يقول بها ابن عربي أنه هضم ما درس من الفلسفة اليونانية، ومن أصول الديانة اليهودية، والديانة النصرانية، والديانة الإسلامية، ثم أحال ذلك إلى مزاج من الفكر الفلسفي الدقيق يعز على من رامه ويطول"1 وعلى أثر ذلك كثر المرتزقة، والدجالون والمحتالون والمشعوذون، ونصبت فوق القبور القباب، وأقميت الأعياد، وكثر التكلم بالكرامات والأولياء.
ويقول عبد الوهاب الشعراني:
"إن سبب حضوري مولد أحمد البدوي كل سنة، أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي رضي الله عنه أحد أعيان بيته رحمه الله قد كان أخذ علي العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه وسلمني إليه بيده، فخرجت اليد الشريفة من الضريح (!!) وقبضت على يدي، وقال: يا سيدي، يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك، فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر. يقول: نعم.
وأضاف: "لما دخلت بزوجتي فاطمة، أم عبد الرحمن، وهي بكر مكثت خمسة شهور لم أقرب منها، فجاءني وأخذني وهي معي، وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات (!!)
1 التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق 1/201.
إليه، وقال: أزل بكارتها هنا، فكان الأمر تلك الليلة، وتخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، وكان هناك بعض الأولياء فأخبرني أن سيدي أحمد رضي الله عنه كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح ويقول:"أبطأ عبد الوهاب ما جاء"1، هكذا نحيت حقائق الإسلام وظهرت الخرافات، والبدع، وأخذت تتنامى في أرجاء العالم الإسلامي، وفي أطراف الجامع الأزهر باسم التصوف، وتحت حماية الطرق الصوفية التي لا أصل لها في الدين، ولا تدخل إلا في باب الشعوذة والعته آناً، واللهو واللعب والإباحية آناً آخر. وتحولت أنشطة الأزهر إلى رسوم شكلية جامدة باهتة في ذلك العصر، وغدت علومه مجرد محاكاة لسانيه، وصيغ وعبارات متوارثة لا علاقة لها بواضع الحياة التي رسمها الإسلام العظيم، وكانت الزوايا والتكايا الغاصة بالدراويش والمعتوهين مبعث اشمئزاز وكراهية المؤمنين الصالحين لتلك الأوضاع المخالفة لتعاليم الكتاب والسنة، وعقيدة التوحيد النقية التي راح يفهمها هؤلاء المتصوفة فهما بعيداً عن دين الله عز وجل، حتى قائل قائلهم في الرسالة القشيرية2: من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهوى ثنوي، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق به فهو غافل، ومن سكت عنه فهو جاهل3، ومن خلال دعوة الحب الإلهي،
1 الطبقات الكبرى 1/161-162.
2 نقلاً التصوف بين الحق والخلق ص 54.
3 من المؤسف أن يصدر هؤلاء المبتدعة صحيفة شهرية، وهي أقرب إلى النشرة، وتحت اسم "الإسلام وطن"، تصدرها مشيخة ما يسمى بالطريقة العزمية، ويتصدر افتتاحيتها هذه العبارات: ابن عبد الوهاب مجدد فكر الخوارج للقرن الثاني عشر الهجري –ابن عبد الوهاب تشد إليه الرحال، ويقام له مولد سنوي، ويمنع ذلك بالنسبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإلى هذا الحد وصل الافتراء والله المستعان –العدد (31) السنة الثالث ربيع أول 1410هـ القاهرة.
بزعمهم راحوا يتغنون بالعشق ومغامراته، والخمرة وكؤوسها، وخرجوا على الناس بدعوى الحلول، ووحدة الوجود، وكان من أشهرهم في ذلك "الحلاج" الذي شرح عقيدته بقوله:"من هذب نفسه في الطاعة، وصبر على اللذات والشهوات ارتقى إلى مقام المقربين، ثم لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاه حتى يصفو عن البشرية، فإذا لم يعد فيه من البشرية حظ حل فيه روح الإله الذي حل في عيسى ابن مريم، ولم يرد حينئذ شيئاً إلا كان كما أراد، وكان جميع فعله فعل الله تعالى1، أما داعية مذهب وحدة الوجود "ابن الفارض" فقد كان ينشد وهو على فراش الموت
قوله:
إن كان منزلتي في الحب عندكم
…
ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي2
أمنية ظفرت روحي بها زمنا
…
واليوم أحسبها أضغاث أحلام
فإنه كان يظن أنه هو الله، فلما حضرت ملائكة الله لقبض روحة تبين له بطلان ما كان يظنه3.... أما دعواهم عن الحقيقة المحمدية فقد جاءوا بها لتشكيك المسلمين في أصول دينهم، ودعائمه الأساسية، وهي نظرية
1 دائرة معارف القرن العشرين –مجلد 1/354.
2 ديوان عمر بن الفارض ص105.
3 فتاوى ابن تيمية 11/247، 248.
مأخوذة عن النصرانية1 التي تقول: "لولا عيسى لامتنعت الصلة بين الله وبين الوجود، وها نحن نرى الغلو الذي يقضي بأنه لولا محمد ما ظهر شمس ولا قمر، ولا نجوم، ولا أنهار ولا بحار ولا شجر ولا مدر ولا جبال، نراه في شعر "ابن نباته المصري"، حيث يقول:
لولاه ما كان أرض ولا أفق
…
ولا زمان ولا خلق ولا جيل
ولا مناسك فيها للهدى شهب
…
ولا ديار بها للوحي تنزيل
ويقول البوصيري في البردة:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
…
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
وقوله:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
…
إذ الكريم تجلى باسم منتقم
فإن من وجودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
1 التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق 1/201-279.
وقال غيره:
لولاه ما خلقت شمس ولا قمر
…
ولا نجوم ولا لوح ولا قلم
وهكذا جعلوا محمداً صلى الله عليه وسلم أصل الوجود، وضربوا بكلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم عرض الحائط.
ومما يؤسف له أن لهم ولعاً بإمدادات الشياطين، وحيل فقراء الهنود، والخوارق التي يسمونها كرامات، وقد شاهدنا منها الكثير المضحك، ونحن مع إيماننا بكرامات الأولياء الصالحين ننكر هذه الشعوذة1 والحيل، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:"إذا رأيت أحداً سار على الماء أو طار في السماء فلا تغتر به، حتى تزن عمله بميزان الكتاب والسنة"2، هذا هو الميزان الذي يجب على كل مسلم أن يزن نفسه وقوله وعمله به، فإن رجح وإلا فلا، لأن مداخل الشيطان كثيرة ومزالقه خطيرة، وهو يحاول جاهداً زحزحة الإنسان عن الصراط المستقيم ليوقعه في الهلكة، وفي هذه المناسبة نسوق ما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله حكاية عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله أنه قال: "كنت مرة في العبادة، فرأيت عرشاً عظيماً وعليه نور، فقال لي: يا عبد القادر أنا ربك، وقد حللت لك ما حرمت على غيرك، فقلت له: اخسأ يا عدو الله. فتمزق ذلك النور وصار ظلمة، وقال: يا عبد القادر نجوت مني بفقهك في دينك وعلمك
…
لقد فتنت بهذه
1 راجع الكرامة والخرافة في الفكر العربي –د. محمد سليم العواد.
2 التصوف بين الحق والخلق –محمد فهر الشفقة ص 105.
القضية سبعين رجلاً. فقيل للجيلاني: كيف علمت أنه الشطان؟ قال بقوله لي: حللت لك ما حرمت على غيرك، وقد علمت أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا تنسخ ولا تبدل1..".
وهذه الحقيقة لم يفهمها المتصوفة الجهال فراحوا يحملون المفاهيم الدخيلة المتمثلة كما قلنا في نظريات وحدة الوجود2 والحلول3 والاتحاد والفناء4 والتناسخ والإشراق5 لزلزلة مفهوم التوحيد الخالص عند المسلمين، وخلق جو من الشكوك والريب والاستسلام للجبرية، وبذلك يعزلون المسلمين عن إسلامهم خدمة لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى واليونان والمجوس واليهود، وتحقيق رغبتهم في تحريف الإسلام وتدميره وإخراجه من حقيقته الأصلية انتصاراً للوثنيات التي هدمها القرآن الكريم، وكشف زيفها وأبرز فسادها، ولهذا كان المتصوفة الجهال يسيرون في ركاب أعداء الإسلام ويتعاونون معهم، ومن الأمور المشهورة عن احتلال فرنسا للقيروان في تونس أن رجلاً فرنسياً
1 قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 28.
2 هو مذهب هندي برهمي، ويعني تأليه المخلوقات واعتبار الكون هو الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وهذا المذهب الفلسفي يتعارض مع الإسلام جملة وتفصيلاً، ويمثله في المتصوفة: محيي الدين ابن عربي، وتلميذه ابن سبعين، وعمر بن الفارض.
3 ويزعمون أن الله يحل في الإنسان، وهي عقيدة نصرانية مارقة، ويمثلها الحلاج.
4 وهي فكرة هندوسية، والتناسخ وهو فكرة فيثاغورثية انتقلت إلى الشيعة، ومنهم إلى المتصوفة، يقول الدباغ في "الإبريز":إن روح الولي تقدر على أن تتصور بصورة غير صورته ص 204.
5 الإشراق مذهب يوناني وثني ممزوج بالفلسفة الفارسية والمجوسية، وينسب إلى أفلاطون الذي يعبر عن الله بالنور، ويصف العالم بأنه أنوار مستمدة، وهو ما لم يقل به القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. انظر كتابنا "ماذا تعرف عن الاستشراق"، الجزء الأول.
دخل في الإسلام وسمى نفسه سيدي أحمد الهادي، واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجة عالية، وعين إماما لمسجد كبير في القيروان، فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها، وجاءوا يسألونه أن يستشير لهم ضريح شيخ في المسجد يعتقدون فيه، فدخل سيدي أحمد الضريح ثم خرج مهولاً لهم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم بأن الشيخ ينصحكم بالتسليم، لأن وقوع البلاد صار محتماً، فاتبع القوم البسطاء قوله، ولم يدافعوا عن مدينة القيروان أقل دفاع، بل دخلها الفرنسيون آمنين في 26 أكتوبر سنة 1881
…
"1، ولا شك أن المتصوفة الجهال يعارضون مفاهيم الإسلام الصحيحة وسماحتها الربانية إلى مفهوم الوثنيات والنحل والتعقيدات الباطنية، وذلك من نشأتهم إلى يومنا هذا، فتراهم يرقصون ويترنحون عند القبور، وفي الزوايا، وينسجون الأكاذيب من أخيلتهم الفاسدة، وفاتهم أن دين الله عز وجل لم يعرف الطلاسم والألغاز، ودولة الإسلام قامت على الوضوح والصراحة، والعجب أشد العجب أن الدول الظالمة كلما شنت حملات الإبادة على المسلمين الصالحين تقرب المتصوفين والجهال وتحتفل معهم بأنصابهم الوثنية، والتاريخ القريب خير شاهد، فلما ضرب المسلمون في مصر نشطت الطرق الصوفية كالرفاعية2 والقادية والنقشبندية والسعدية والبيومية والخلوتية والبراهامية والختمية والأحمدية والشعيبة والشاذلية
1 التصوف في الإسلام د. عمر فروخ ص 109 نقلاً عن كتاب المسألة الشرقية –مصطفى كامل المصري.
2 الرفاعية: ينتسبون إلى أحمد الرفاعي المدفون في العراق، والرفاعيون كثير منهم من ينتسب إلى أحمد الرفاعي المدفون في مصر، ومنهم من ينتسب إلى أحمد الرفاعي المدفون في العراق في مقاطعة الرفاعية، وينسب إليها حفيده يوسف سيد هاشم الرفاعي، وله حلقات ذكر في مجلسه، وهو الذي رد على ابن منيع وابن باز.
والعنانية والميرغنية والسمانية والغنيمية والتسقيانية، وشكلت الدولة المصرية مجلساً أعلى للطرق الصوفية، وعينت له شيخ مشايخ1، وكان مقرباً لجمال عبد الناصر وخلفه السادات، أما في سوريا2 فقد صار على قارعة كل طريق زاوية صوفية وخمارة نصرانية، وشيدت القباب في كل من مصر والشام في هذا العصر بالذات، وعادت الجاهلية من جديد تحمل الأفكار السامة وتعمل بأسلوبين:
1-
أسلوب المتصوفة الجهال، وتحريفهم لتشوية جمال الإسلام أمام العالم.
2-
أسلوب الشيوعيين الذين يتخذون من سخافات المتصوفة ذريعة للتهجم على الإسلام وضرب القائمين عليه. وبخاصة وهم يشاهدون أفواج المعتوهين البلهاء يقفون بذل وخضوع أما المقبورين يطلبون منهم أشياء لا يقدر عليها إلا رب العالمين.
1 تقول جريدة الأخبار المصرية في عددها 11259 بتاريخ 15/6/1988م مفوض الدولة: إلغاء قرار حظر نشاط الشيخ الفاسي بمصر –انتهى تقرير مفوض الدولة إلى إلغاء قرار حظر النشاط الصوفي للشيخ الفاسي في مصر، قال التقرير الذي قدمه للمحكمة المستشار محمد البهنساوي: أن القرار خالف القانون والعرف الصوفي، وكان المجلس الأعلى للطرق الصوفية بريئاسة الدكتور أبو الوفا التفتازاني قرر في 7 يناير من العام الماضي حظر نشاط الشيخ عبد الله الفاسي في مصر وعدم الاعتراف به شيخاً للطريقة الفاسية الشاذلية، جاء بتقرير المفوض أن المجلس الصوفي أقحم نفسه في مسألة لا ولاية له فيها، وهي الخلاف القائم بين الشيخ عبد الله الفاسي للطريقة الفاسية الشاذلية باعتباره أكبر أبناء والده الشيخ الحقيقي للطريقة.
2 نكتفي بما قاله إمام المنحرفين وشيخ المنافقين أحمد كفتارو، وهو يتحدث به في كل مناسبة: "أن تلاميذه يصافحون رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة، وليس مناماً، وإذا ما زار أحدهم المدينة المنورة دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حفل غداء أو عشاء يحضره كبار الصحابة والتابعين وأولياء الله. أما حديث التلاميذ عن شيخهم ففيه العجب العجاب
…
ودروسه في مسجد الصالحية أكبر شاهد.
يقول الكاتب الأميريكي استودارد: stoddard:
أما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبسوا الوحدانية التي عملها صاحب الرسالة سخفاً من الخرافات، وقشوراً من الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين، يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور.
وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتك ستر المحرمات على غير خشية ولا استحياء، إلى أن قال: فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى من كان يدعي الإسلام لغضب، وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين كما يلعن المرتدون عبدة الأوثان.
أما في اليمن: فهناك قبور ينسبونها إلى الأولياء، ويحجون إليها، مثل قبر الحاوي والبرعي، وابن علوان والأهدل وغيرهم.
وفي العراق: أمرّ وأدهى، حيث تجد الشرك عند القبور: الإمام أبي حنيفة، والكرخي وعتبات كربلاء (؟) والقبر المزعوم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فتراهم يتوجهون إليهم بالعبادة والدعاء والذبح والاستغاثة، وطلب الحاجات ولطم الخدود وشق الجيوب.
تقول جريد السياسة الكويتية في عددها (6714) 19 شعبان 1407هـ بمناسية اليوم الخامس عشر من شعبان، الذي هو يوم النسخة، حيث يحتفل
بضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، رأس الصوفية، وشيخ الإمام الشاذلي، الذي تنتشر طريقته من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، حيث تقام حفلات دينية تستمر ثلاثة أيام، يقصد المغاربة خلالها الضريخ من كافة البلاد، ويرتلون القرآن الكريم والصلاة المشيشية المشهورة، وبهذه المناسبة كلف الملك الحسن الثاني كعادته في كل سنة، وفداً مكوناً من مستشاره الأستاذ أحمد بن سودة وزير الدولة مولاي أحمد العلوي.
ولا يوجد بلد في عالمنا الإسلامي إلا وتشاهد فيه الأوثان السياسية والأصنام البشرية، والأنصاب الوثنية، والهياكل الجاهلية، وترى سدنتها من الزنادقة والمشعوذين يزينون للدهماء من الناس عبادتها ويبتزون عن طريقها أموالهم، حتى وصف الشاعر المصري حافظ إبراهيم الواقع المرير بأبيات من الشعر، قال فيها:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم
…
وبألف ألف ترزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة
…
قامت على أحجارها الصلوات
يسعى الأنام لها ويجري حولها
…
بحر النذور وتقرأ الآيات
ويقال هذا القطب باب المصطفى
…
ووسيلة تقضي بها الحاجات
ونراه يتوجه من الحالة التي وصل إليها الناس في البدع والشركيات، فيقول:
إمام الهدى إني أرى القوم أبدعوا
…
لهم بدعاً عنها الشريعة تعزف
رأوا في قبور الميتين حياتهم
…
فقاموا إلى تلك القبور وطوفوا
وباتوا عليها جاثمين كأنهم
…
على صنم للجاهلية عكف1
1 ديوان حافظ إبراهيم –دار العودة بيروت 1/318.
ولو أردنا أن نسرد حديث الأغاليط وترهات المتصوفة الجهال لأحوجنا ذلك إلى مجلدات، ولكننا نختم هذه النبذة بقصة أوردها الشيخ محمد جميل زينو1 يوم كان نقشبندياً في مدينة حلب، فيقول:"كنت شاباً صغيراً، وآتي شيخ الطريقة النقشبندية الصوفية في المسجد. فأمر أحد المشايخ الحاضرين أن يعطيني ورد الطريقة النقشبندية، فأعاطني بعض الأوراد في الصباح والمساء، وكنت أحضر مع خالي حلقة الذكر التي يسمونها "ختماً"، وكان قريبي يطلب مني قراءة عشر من القرآن الكريم في آخر الختم، لأنني أحفظ القرآن غيباً، وكان الذكر في الحلقة خفياً، وكان واحد من الجالسين يعيطه مدير الختم حصيات صغيره يقرأ بعددها تسبيحات أو شيئاً من القرآن الكريم، وكنت ألاحظ في الختم ما يلي:
1-
كنت أسمع آخر الذكر رجلاً يقول: "الرابطة الشريفة، وسرعان ما تنطق الأصوات العالية من بعض الجالسين: هو. هو" وتهتز الأجسام، ويحصل البكاء، فسألت عن معنى كلمة "الرابطة الشريفة" فقالوا لي: أن تتصور صورة
1 هو الشيخ الفاضل محمد جميل زينو، سوري المولد، مدرس في التوحيد في الحرم المكي، مدرسة التوحيد، وله مؤلفات منها:
1-
توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع.
2-
أركان الإسلام والإيمان.
3-
منهاج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
4-
العقيدة الإسلامية من الكتاب والسنة الصحيحة.
5-
قطوف من الشمائل المحمدية، والأخلاق النبوية، والآداب الإسلامية.
6-
حكم الإسلام في التدخين.
7-
تنبيهات على مؤلفات محمد علي الصابوني.
وهو من دعائم الدعوة الصحيحة، يدافع عنها بلسانه وقلمه، أطال الله عمره "المؤلف".
الشيخ أمامك وقت الذكر، لذلك تجدهم لا يخشعون عند التسبيح وتلاوة القرآن بل يخشعون عند ذكر الشيخ، فيبدأ الصراخ والبكاء.
2-
سألت قريبي مرة عن الوسائل التي تجلب للمصلي الخشوع وتطرد الوساوس، فقال لي: تصور الشيخ في صلاتك، فقلت له: كيف أتصور الشيخ في الصلاة؟ فهل أنا أصلي للشيخ؟ أم أصلي لله؟
3-
ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، روها مسلم. فهذه المرتبة الكبيرة أن تعبد الله كأنك تنظر إليه. ولما كان الله لا يمكن لأحد أن يراه في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم:"اعبد الله وصل له وأنت تعتقد أنه يراك"، هذه مرتبة الإحسان التي هي مراقبة الله عز وجل أعطاها -المتصوفة الجهال- لمشايخهم، فبدلاً من أن يراقبوا الله الذي يراهم راحوا يراقبون شيخهم بدلاً من الله تعالى، وهذا هو الشرك والضلال.
4-
تعرفت على شاب موحد كان متصوفاً فحكى لي سبب تركه للتصوف قائلاً: بعد أن أعطانا وكيل الشيخ أوراد الطريقة وانصرفنا وإذا به ينادينا جميعاً فيقول لنا: نسيت أن أقول لكم: عليكم أن تتصوروا الشيخ عند قراءتكم الورد في الذكر، فلما سمع الشاب هذا الكلام ترك الصوفية، وأصبح موحداً –على منهج السلف الصالح.
إن طريقة هذا الشاب ليست طريقتي التي اتخذتها على الشيخ الذي رآني في المسجد، ولكن طرق التصوف رغم كثرة عددها واختلافها فإنها متفقة على تصور الشيخ أثناء الذكر.
5-
دعاني قريبي إلى حفل مولد في بيته، فلما دخلت الدار سمعت الحاضرين
ينشدون:
دلوني بالله دلوني
…
على الشيخ النصر دلوني
يبري العليل
…
ويشفي المجنون
وقفت على الباب وقلت لقريبي هل يستطيع شيخكم أن يشفي المريض والمجنون؟ فقال لي: نعم بإذن الله. فقلت له: ولماذا تقولون بإذن الله كما قال عيسى عليه السلام، وهي معجزة له ذكرها الله في القرآن، ولا يستطيع أحد أن يفعلها مثله؟ ثم رجعت ولم أدخل إلى البيت يعلن فيه الشرك جهاراً، لأن إبراهيم عليه السلام حكى عن عقيدته في القرآن، فقال على لسانه:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} ، أكدت الجملة بالضمير المنفصل، فهو ليعلم المسلم أن الشافي هو الله وحده لا غير.
6-
زرت قريبي في أيام العيد، فرأيت صورة شيخه معلقة فوق جدار القبلة، وقلت له:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت، ونهى الرجل أن يصنع ذلك"1، وكيف تجوز صلاتك وصورة شيخك أمامك؟ فهل تصلي لله؟ أم تصلي للشيخ؟ فلم يقتنع، وبعد جدال طويل طلبت منه أن يحول صورة شيخه من جدار القبلة إلى جدار آخر فرفض لاعتقاده أنه يستمد من صورة شيخه الذي أمامه الخشوع.
1 رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
7-
ثم أتى عيد آخر: فترددت في زيارته وهو من الأرحام، فقلت أذهب إليه لنصحه حتى لا أكون آثماً عند الله بزيارته، فجلست أنظر إلى الصورة كي أنزعها من جدار القبلة، فقلت لولدي الشاب هل تستطيع رفعها من الجدار فلم يفعل، ثم أمسكتها بيدي وألقيتها خلف الطاولة، وقلت لولده: يا أحمد أنت شاب مثقف متخرج من كلية الشريعة خذ الصورة وأخفها ولا تعلقها امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعدني بذلك ولم يعلقها.
8-
كان قريبي يستيقظ كل يوم قبل الفجر ليذكر الله عدة آلاف، وصورة الشيخ وشعره في جيبه يستمد منه المدد والخشوع.
9-
لقد جالست المتصوفة –وحضرت أذكارهم، وتعرفت على طرقهم المختلفة فلم أر طريقة تسير وفق منهاج الإسلام الصحيح، فقصائدهم وأناشيدهم في الزوايا والمساجد لا تخلو من دعاء غير الله تعالى، وهو سبب بلاء الشعوب في الدنيا وخلودهم في العذاب يوم القيامة، فقد سمعت أحد الصوفية ينشد في حلقة ذكر في المسجد قائلاً:
"رجال الغيب، المدد ساعدونا، أنقذونا، انصرونا". فقلت بعد انتهاء الذكر لشيخهم. كيف تسموا هذا ذكراً وهذا المنشد لم يذكر الله جل وعلا ولم يدعه، بل سأل غيره من رجال الغيب، ومن هم رجال الغيب؟؟ أهؤلاء الذي يزعمون علم الغيب وقد ماتوا وانقرضوا، ثم يسألهم النصر على الأعداء؟ القرآن يقول لمثل هؤلاء:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (فاطر: 14) .
10-
كنت أحضر دروس شيخ مسجد قريب لي، وكان هذا الشيخ عالماً بالتفسير واللغة العربية والبلاغة، واستفدت من دروسه، وكنت أشترك معه في
تأليف كتب صغيرة لطلاب المدارس، وأغلبها توزع مجاناً على نفقة أهل الخير، كنت أقرأ عليه حديث ابن عباس:"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
وشرح النووي له وتأكيده على دعاء الله وحده لا شريك له –في الشفاء والرزق والهداية، ولكن الشيخ لم يعجبه هذا التفسير، وذهبت أناقشه بأن هذا الحديث الصحيح صريح في طلب الاستعانة بالله، فقال لي: إن عمتي تقول الشيخ سعد ولي مدفون في مسجده على زعمهم، فأقول لها: يا عمتي هل ينفعك الشيخ سعد؟ فتقول له: يتدخل على الله فيستعين. فقلت له: عجباً لك أيها الشيخ، أنت رجل عالم تدرس الطلاب، وتقرأ الكتب الكبيرة، ثم تأخذ عقيدتك من عمتك الجاهلة الأمية!! فقال لي: أنت عندك أفكار وهابية، ثم تركني وتركته، وبدأت أقرأ كتب الموحدين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من الذين ينكرون دعاء غير الله عز وجل ويعتبرونه شركاً.
لقد بدأت أشعر بلذة التوحيد ومرارة الشرك، وأدعو غيري من المسلمين أن يكونوا على عقيدة التوحيد التي دعا إليه قرآننا العظيم ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
وهكذا اطلعنا في هذه العجالة على جناية الزوايا، ونسأل الله أن يجعلنا من المسلمين الموحدين، أتباع سيد المرسلين، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يهدي ضلال المسلمين، إنه سميع مجيب.