المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الحادي عشر: الدرعية والتلاحم العظيم بين الإمام محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود - دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

[أحمد بن عبد العزيز الحصين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: المد والجزر في حياة المسلمين

- ‌الباب الثاني: الإسلام يتحدث عن ذاته بأبطاله في التاريخ

- ‌الباب الثالث: مفهوم البطولة في الإسلام

- ‌الباب الرابع: الإمام محمد بن عبد الوهاب والدعوة المباركة

- ‌الفصل الأول: حياة الإمام محمد بن عبد الوهاب ونشأته

- ‌الفصل الثاني: وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌الفصل الثالث: عقيدة الإمام وفكره

- ‌الباب الخامس: نماذج من منهجه في الدعوة إلى العقيدة السلفية

- ‌الفصل الأول: الأنموذج الأول حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌الفصل الثاني: الأنموذج الثاني فصل التوحيد ومايكفر الذنوب

- ‌الفصل الثالث: الأنموذج الثالث من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌الفصل الرابع: الأنموذج الرابع الخوف من الشرك

- ‌الفصل الخامس: الأنموذج الخامس الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌الفصل السادس: الأنموذج السادس تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌الباب السادس: فيما قاله أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب في إعتماده على الكتاب والسنة

- ‌الباب السابع: مؤلفات الإمام رحمه الله

- ‌الباب الثامن: طبيعة الدعوة

- ‌الباب التاسع: التمهيد للدعوة

- ‌الباب العاشر: نور التوحيد وبأس الحديد يصنعان الأبطال

- ‌الباب الحادي عشر: الدرعية والتلاحم العظيم بين الإمام محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود

- ‌الباب الثاني عشر: تأسيس الدولة السعودية الأولى

- ‌الباب الثالث عشر: الحملة المصرية على نجد

- ‌الباب الرابع عشر: تأسيس الدولة السعودية الثانية

- ‌الباب الخامس عشر: الإمام تركي بن عبد الله محرر نجد ومؤسس الدولة الثانية

- ‌الباب السادس عشر: الدولة السعودية الثالثة الحالية

- ‌الباب السابع عشر: شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخصائصه

- ‌الباب الثامن عشر: افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب "رحمه الله

- ‌الفصل الأول: الفرية الأولى الإمام محمد بن عبد الوهاب ادعى النبوة

- ‌الفصل الثاني: الفرية الثانية زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من الخوارج

- ‌الفصل الثالث: الفرية الثالثة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تكفير الناس

- ‌الفصل الرابع: الفرية الرابعة الإمام محمد بن عبد الوهاب وانتقاض الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامس: الفرية الخامسة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب منع الإستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السادس: الفرية السادسة الإمام محمد بن عبد الوهاب هدم القباب على القبور ونهى عن شد الرحال لزيارتها

- ‌الفصل السابع: الفرية السابعة زعموا أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إنكار كرامات الأولياء

- ‌الفصل الثامن: الفرية الثامنة زعمو أن حديث نجد قرن الشيطان

- ‌الفصل التاسع: الأدلة النبوية الصريحة على أن العراق مطلع الفتن وقرن الشيطان

- ‌الفصل العاشر: أقوال الصحابة على أن العراق مطلع قرن الشيطان

- ‌الفصل الحادي عشر: أقوال التابعين على أن العراق مطلع قرن الشيطان

- ‌الفصل الثاني عشر: أقوال الأئمة والمحدثين على أن العراق قرن الشيطان

- ‌الفصل الثالث عشر: الفرية التاسعة تسميتهم بالوهابية

- ‌الفصل الرابع عشر: الفرية العاشرة موقف الإمام محمد بن عبد الوهاب من دولة الخلافة العثمانية

- ‌الباب التاسع عشر: موقف سليمان بن عبد الوهاب من دعوة أخيه الإمام محمد بن عبد الوهاب

- ‌الباب العشرون: هل رجع سليمان بن عبد الوهاب عن ضلالته

- ‌الباب الواحد والعشرون: أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: الشام

- ‌الفصل الثاني: العراق

- ‌الفصل الثالث: اليمن

- ‌الفصل الرابع: مصر

- ‌الفصل الخامس: المغرب

- ‌الفصل السادس: الجزائر

- ‌الفصل السابع: ليبيا

- ‌الفصل الثامن: تونس

- ‌الفصل التاسع: السودان

- ‌الفصل العاشر: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب نبراس يقتدى بها

- ‌الباب الثاني والعشرون: وقفة مع أفكار المتصوفة

- ‌الباب الثالث والعشرون: الإمام محمد بن عبد الوهاب وثناء علماء ومفكري الشرق والغرب عليه

- ‌الفصل الأول: ثناء علماء ومفكري الشرق

- ‌الفصل الثاني: ثناء علماء ومفكري الغرب

- ‌الباب الرابع والعشرون: الدعوة إلى الإسلام والحياة الطيبة في الدنيا ولأخرة

الفصل: ‌الباب الحادي عشر: الدرعية والتلاحم العظيم بين الإمام محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود

‌الباب الحادي عشر: الدرعية والتلاحم العظيم بين الإمام محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود

الدرعية 1 والتلاحم العظيم بين

الإمام محمد بن عبد الوهاب

والأمير محمد بن سعود

وسار رجل التوحيد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من العيينة إلى الدرعية تطوعاً لدعوته التي لا يجد طمأنينة حيالها، ولا راحة إلا حيث تستقر وتلقى الرحب والسعة.

ومن عجائب نقائض الحياة واختلاف الناس أن العيينة قالت للشيخ على لسان أميرها المأمور: إن سليمان أمرنا بقتلك، ولا نقدر على غضبه، ولا مخالفة أمره، لأنه لا طاقة لنا بحربه، وليس من الشيم والمروءة أن نقتلك في بلادنا، فشأنك ونفسك، وعلى العكس من العيينة التي شهرت سلاحها لقتل الشيخ استقبلته الدرعية وهي جذلانة طروب يتنافس رجالها على إكرامه، ووصل هناك وقت العصر.

يقول ابن بشر:

"إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد قدومه إلى "الدرعية" نزل عند عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم، وابن عمه حمد بن سويلم، فلما دخل على ابن سويلم ضاقت عليه داره خوفاً على نفسه من محمد بن سعود، فوعظه الشيخ وسكن جأشه، وقال: "سيجعل الله لنا ولكم فرجاً ومخرجاً، فعلم به الخاصة من أهل

1 الدرعية تقع شمال الرياض على بعد (10) كم.

ص: 186

الدرعية فزاروه خفية، فقرر لهم التوحيد، فراودوه أن يخبروا محمد بن سعود1 ويشيروا عليه بنزوله عنده ونصرته فهابوه، وأتوا إلى زوجته وأخيه ثنيان الضرير، وكانت المرأة ذات عقل ودين ومعرفة، فأخبروهما بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فوقر في قلبيهما معرفة التوحيد، وقذف الله في قلبيهما محبة الشيخ، فلما دخل محمد بن سعود على زوجته أخبرته بمكان الشيخ، وقالت له: إن هذا الرجل ساقه الله إليك، وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به، فقبل قولها، ثم دخل عليه أخوه ثنيان وأخوه مشاري وأشارا عليه مساعدته ونصرته، فقذف الله في قلب محمد محبة الشيخ ومحبة ما دعا إليه، فأراد أن يرسل إليه، فقالوا لو: لو تسير إليه برجلك وتظهر تعظيمه وتوقيره ليسلم من أذى الناس ويعلموا أنه عندك مكرم. فسار إليه محمد بن سعود ودخل عليه في بيت ابن سويلم فرحب به وقال: أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعز والمنعة، فقال له الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وأنت ترى نجداً كلها وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة والاختلاف والقتال لبعضهم البعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك2.3

1 آل سعود: من عشيرة عنزة من قبائل ربيعة، من حفدة بكر بن وائل، ولربيعة فروعها في نجد والعراق والشام، وكان جدهم مانع بن السب المريدي يقطن بلدة القطيف، وتربطه لحمة نسب بابن درع صاحب حجر اليمامة.

2 انظر ابن بشر ج1 ص41-50.

3 يذكر الدكتور عبد الله العثيمين أن الدكتور منير العجلاني قد ضعف من هذه الرواية، ورجح أن يكون انتقال الشيخ إلى الدرعية بدعوة من الأمير محمد بن سعود، مؤيداً كلامه بما نقله عن المؤرخ الفرنسي مانجان من أن الأمير محمد بن سعود قد دعا الشيخ إلى الدرعية، ويذكر ابن عثيمين أنه قد عثر على أوراق بخط المؤرخ النجدي ابن لعيون ذكر فيها أن الشيخ محمد قد انتقل إلى الدرعية بدعوة من الأمير محمد بن سعود.. انظر تاريخ المملكة العربية السعودية ج1 ص83-84.

ص: 187

فلما شرح الله صدر محمد بن سعود لذلك وتقرر عنده، طلب من الشيخ المبايعة على ذلك، فبايع الشيخ على ذلك، وأن الدم بالدم والهدم بالهدم، وعلى أن الشيخ لا يرغب عنه إن أظهره الله، إلا أن محمد بن سعود شرط مبايعته للشيخ ألا يتعرض له فيما يأخذه من أهل الدرعية مثل الذي كان يأخذه أمراء البلدان على رعاياهم، فأجابه الشيخ على ذلك، رجاء أن يخلف الله عليه من الغنيمة أكثر من ذلك فيتركه رغبة فيما عند الله سبحانه، فكان الأمر كذلك، ووسع الله عليهم بأسرع ما يكون1.

وكان الإمام محمد بن عبد الوهاب هو المرجع في مدينة الدرعية.

يقول ابن بشر:

"إن الشيخ كان له الرأي الأول في الدولة الفتية، فلم يكن الأمير محمد بن سعود ولا ابنه عبد العزيز يصدران أمراً دون موافقته.

وكان يرجع إليه في كل أمور الدين التي تنظم كافة جوانب الحياة في الدولة2.

ويقول أيضاً:

"كانت الأخماس والزكاة وما يجبى إلى الدرعية من دقيق الأشياء وجليلها كلها تدفع إليه يضعها حيث يشاء، ولا يأخذ عبد العزيز ولا غيره من ذلك شيئاً إلا عن أمره، فبيده الحل والقصد والأخذ والإعطاء والتقديم والتأخير، ولا يركب جيش ولا يصدر رأي من محمد بن عبد العزيز إلا عن قوله ورأيه".

1 انظر ابن بشر ج1 ص42-43.

2 انظر ابن بشر ج1 ص46.

ص: 188

وهكذا تمت البيعة1 بين الإمام والأمير رحمهما الله تعالى، وأينع الصبر وبدأ الجهد يثمر، واستغلظ زرع الدعوة، وأخذ يستوي على سوقه ليعطي الغلال الطيبة، ويبنشئ مداً إسلامياً زاخراً عظيماً ينتشر في العالم، وتتساقط أمامه معاقل البدع، وتتهاوى بين يديه الأنصاب والأزلام، وتذوب من حوله القيم الزائفة المصطنعة. جاءت هذه الثمار من خارج العيينة، وهذا في الواقع من الدلائل التي تكشف للمتأمل أن يد العناية الإلهية تحوط حياة الدعوة وظروفها من كل جانب، كي لا توجد في أي جانب منها ثغرة لمطعن يقوم به مشكك أو محترف غزو فكري، لأن الدعوة إلى الإسلام جزء لا يتجزأ من حقيقة الإسلام نفسه، وقد أخذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه بهدى النبي صلى الله عليه وسلم وصنع ما صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم وأنصاره في بيعة العقبة، واستعمل الصيغة النبوية نفسها، وهذا يدل على شدة العناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهكذا كانت البيعة بين الإمام والأمير نقطة تحول هامة في تاريخ الدعوة، وفي حياة نجد الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل وفي تاريخ الصحوة الإسلامية الحديثة.

وبقي الشيخ رحمه الله في الدرعية سنتين يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان يرسل برسائله ومناظراته إلى أهل البلدان المجاورة ورؤسائهم

1 يذكرنا القول ببيعة العقبة الكبرى كما جاء في الصحيح عن ابن إسحاق وابن هشام وأحمد وابن جرير وفيه: "أن أبو هيثم بن الثنيان قال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال -يعني اليهود في المدينة- حبالاً وإنا قاطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم".

ص: 189

وعلمائهم، فمنهم من قبل واتبع الحق، ومنهم من أبى وعارض، ولكن لم يستمر الحال على ذلك طويلاً، فقد قام أولئك المعارضون على الشيخ ودعوته بالعدوان، وأعلنوا تكفير الشيخ وأتباعه، وإباحة دمائهم، فأمر الشيخ حينئذ أتباعه بالجهاد دفاعاً عن النفس أمام أولئك المعارضين من ناحية، وكسر الطوق وإزاحة الحجر العثرة أمام نشر هذه الدعوة من ناحية أخرى، فانتقلت الدعوة بذلك إلى مرحلة جديدة ثالثة، هي (مرحلة الجهاد لحمل الناس على الحق) ، وتهيئة الجو الصالح لنشر الدعوة والعودة بالمسلمين إلى منهج الله وشرعه، واتباعه عقيدة ومنهج حياة1 لأن الله تبارك وتعالى قرر في كتابه العزيز أن المبادئ لا تعيش بغير قوة تساندها، والإسلام ذلك الوحي الإلهي جاء ليكون هو النظام القائم على الأرض كلها، فلا بد من قوة ينطلق بها في آفاق الأرض لتحرير الإنسان من عبوديته لغير الله عز وجل.

فكرامة هذا الإنسان مقصورة على الإيمان بالله وحده لا شريك له. ومن هنا جاء قول الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} (الأنفال:60) .

فوظيفة القوة تأمين الذين اختاروا الإسلام على دمائهم وأموالهم حتى لا يفتنوا في دينهم، ثم حماية طريق الدعوة وسبيلها حتى لا يتوقف المد الإسلامي، وكذلك تأديب الجبارين الذين يتخذون لأنفسهم صفة الإلوهية فيذلون البشر بما يزرعونه فيهم من ضغائن وأحقاد.

1 دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها على العالم الإسلامي، تأليف محمد بن عبد الله بن سليمان بن السيحان ص 32.

ص: 190