الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس عشر: الإمام تركي بن عبد الله محرر نجد ومؤسس الدولة الثانية
…
الإمام تركي بن عبد الله1 محرر نجد ومؤسس الدولة الثانية
لقد كان لعبد العزيز بن محمد بن سعود أخ اسمه عبد الله، أنجب ولداً اسمه تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، من أبناء عمومة أمير الدرعية، عبد الله بن سعود بن عبد العزيز، فر من وجه إبراهيم باشا الألباني، وظل متنقلاً في صحراء نجد ينشد السلامة في دينه ودنياه، وذكر هذا الفتى –تركي- ذلك العهد الذي قطعه جده محمد بن سعود للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب من العمل على نشر الدعوة إلى الله، ومحاربة الشرك والبدع والخرافات، فأخذ من عام 1235هـ يؤلف القلوب ويجمع الكلمة، ويدعو إلى ما كان يدعو إليه آباؤه، على يقين من أن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى شرف وتضحية، وأن طريقها ليس مفروشاً بالورود والرياحين، بل هو مملوء في أكثر الأحيان بالأشواك والعقبات والتضحيات، إلا أن التماس الأجر من الله تعالى يدفعه وهو مطمئن إلى وعد ربه تبارك وتعالى،
1 هو تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، توارى عن الأنظار بعد احتلال إبراهيم باشا الدرعية في سنة 1233هـ-1878م، استولى على حكم نجد سنة 1236هـ-1820م لفترة قصيرة انتهت سريعاً، ولكنه استعاد الحكم مرة ثانية سنة 1240هـ-1824م، نوط حكمه الذي شمل نجد والإحساء إلى أن قتل على يد ابن أخته مشاري ابن عبد الرحمن 1249هـ-1834م. انظر: العلاقات بين نجد والكويت تأليف خالد بن محمد السعد ط 1 الناشر جامعة الملك عبد العزيز ص 37.
وقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقض ذلك من أجورهم شيئاً"1.
وقد كانت سير الرجال وتراجم الأبطال الذي صهرتهم المحن وصقلتهم الشدائد ماثلة أمام ناظريه، يستلهم منها ويقتدي بها، فأحس بالمسؤولية الثقيلة، والتمس التوفيق من الله عز وجل في استمرار العون، ووضع كلمة نبي الله شعيب عليه السلام نبراساً:{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88) ، ومهما كانت الشدائد فلا تزيده إلا إصراراً وعزماً، فإيمانه يهون عليه المصاعب والأهوال، كهؤلاء الذين وصفهم الله تعالى بقوله:{وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} (الأحزاب:22) ، وعمل رحمه الله تعالى على استنهاض الهمم وتعميق اليقين بالله عز وجل، والثقة بنصره لاستعادة الدولة الإسلامية التي تكالب عليها الأعداء فأسقطوها، وشوق رجاله إلى التضحية بالنفس والمال، حتى أتت جهوده بأطيب الثمرات، وتمكن من غزو الإحساء والاستيلاء عليها، ومضى إلى الرياض 1236هـ فاسترداها من الأتراك، وطرد الحامية المصرية، وأسس فيها إمارته فكان الإمام الخامس.
وظل الإمام تركي بن عبد الله يعمل على نشر الدعوة، وبه انتقلت الإمارة من سلالة عبد العزيز بن محمد إلى سلالة أخيه عبد الله بن محمد، وما زالت فيها إلى هذا اليوم.
ولقد كبر على آل سعود الكبير أن تخرج الإمارة منهم إلى أبناء عمومتهم، فدبر
1 رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن.
مشاري بن عبد الرحمن بن مشاري بن سعود، أخو محمد بن سعود الكبير، فكرة اغيال الإمام تركي، والاستئثار بالإمارة من دونه، فعهد إلى أحد الخدم بذلك، فجاء إليه وهو خارج من المسجد عقب صلاة الجمعة عام 1249هـ وهو منشغل بقراءة عريضة رفعت إليه من أحد الرعايا، فأرداه قتيلاً، ومن الحق أن نقول:"بأنه لولا صبر الإمام تركي وجهاده وجهوده المتواصلة في سبيل إصلاح التركة التي تسلمها مثقلة بالخراب والدمار لما قامت الدولة العربية الإسلامية في جزيرة الإسلام، ولم يكتف تركي رحمه الله بتحرير البلدان من سيطرة الألباني محمد علي، وإنما أنقذها أيضاً من سيطرة الزعماء الإقليميين، "المتنافسين والمتقاتلين"، وفي ذلك يقول ابن بشر: "كان تركي رحمه الله شجاعاً مقداماً، مجاهداً في سبيل الله، افتتح قرى نجد واستولى عليها بالحرب والصلح بعد أن كان بعضهم يضرب رقاب بعض، وكان أمير كل بلد شاهراً سيفه لمحاربة البلد التي تليه، فجاهد حق الجهاد حتى أطاعت له البلاد والعباد، وصاروا كلهم جماعة، وبايعوه على السمع والطاعة1. ثم انتهت حياة هذا الإمام على يد ابن عمه مشاري الذي تقدم ونادى بنفسه أميراً على البلدة فخضع الناس له، وكان فيصل بن الإمام تركي -القتيل- غائباً في أطراف القطيف على رأس جيش عظيم لإقرار السلام في تلك الجهات، فما أن بلغه الخبر حتى قفل راجعاً إلى الرياض فبلغها في الحادي عشر من شهر صفر سنة 1250هـ، ودخلها عنوة فاحتمى مشاري بقصره، فاقتحمه أحد رجال فيصل، ودخل عليه فقتله بعد حكم دام أربعين يوماً فقط2، وبعد قتله تربع
1 المجلة العربية: العدد الثاني ص 99.
2 آل سعود –ماضيهم وحاضرهم: تأليف جبران شامية ص 70.
فيصل بن تركي على كرسي حكم البلاد، وكان فيصل من ضمن من نقل إلى مصر وتربى فيها، ثم رجع إلى أبيه وتولى قيادة جيشه ومعاونته على تدبير شؤون الإمارة، والبر بوالده إلى أن قتل، فأخذ بثأره ممن دبر قتله وتولى الحكم محله، وما أن قبض على أزمة الأمور وأصبح أميراً على نجد والإحساء والقطيف، وبعض قرى الحجاز حتى قام يعمل على نشر الدعوة التي أخذ آل سعود على أنفسهم حمايتها ونصرتها، لتكون كلمة الله هي العليا.
فلما سمع والي مصر محمد علي باشا الألباني بتجدد الدعوة الإسلامية في نجد على يد فيصل بن تركي أيقن أنه لا سبيل إلى القضاء على هذه الدعوة إلا عن طريق قادتها، فاختار من بين المبعدين في مصر من آل سعود شاباً استصفاه ورباه في قصره على النعيم والترف، وملأت قلبه مباهج الحضارة الغربية الزائفة، حتى نسى ما في البداوة من معان سامية، وشمائل عالية توحي إلى النفوس معنى العزة والكرامة، وتذيقها لذة الحرية والاستقلال، وتشعرها بفوائد الإيمان والثقة بالله عز وجل، ذلك هو الأمير خالد أصغر أبناء سعود الكبير، وأخو الإمام عبد الله الذي استسلم لإبراهيم باشا في الحملة المصرية الأولى، وأعدم في استانبول.
وكان لخالد أنصاره الذين لم يرضوا عن انتقال الإمامة من أولاد سعود الكبير إلى أولاد عبد الله بن محمد، وكان له –أيضاً- مؤيده الذي أعده ليتولى الحكم في الجزيرة نيابة عنه، وهو محمد علي باشا الألباني الذي وثق بأنه لن يدعو بدعوة آبائه، عند ذلك أرسله إلى نجد ومعه جيش بقيادة إسماعيل، ثم تبعهما بعد ذلك عام 1254هـ القائد العام خورشيد باشا، لانتزاع الحكم من يد فيضل بن تركي وتنصيبه بدلاً عنه. فسار الجيش –المذكور- حتى أشرف على الرياض، فلما سمع
به الإمام فيصل لم يشأ منازلته في الرياض، بل تنحى بجيشه إلى مكان يقال له "الدلم" في أنحاء الخرج، فتبعه هنالك الجيش المصري، وحصلت بينهما معركة لم يستطع معها الجيش المصري دحر قوة خصمه، لكنه ظل مرابطاً حوله والمناوشات دائرة بينهما عدة أيام حتى سئم الفريقان الحرب.
فما كان من الإمام فيصل إلا أن يعرض على القائد المصري استعداده للتسليم إليه على شرط إعطائه الأمان لكل من كان يحارب معه، فقبل القائد المصري ذلك، وبادر الإمام فيصل بتسليم نفسه إليه في اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة 1255هـ- (1838م) ، فبعث به إلى مصر مع أخيه جلوي بن تركي وابنى أخيه عبد الله ومحمد، وأجلس خالدا على كرسي الحكم، وسلمه مقاليد الإمارة في نجد ليوجه الشعب إلى غير الاتجاه الذي كان عليه، ويسير به على النظم والتعاليم العصرية المتبعة في مصر، فقام خالد بما عهد إليه به، فنفر منه الناس، وأنكروا عليه أعماله، وقامت الثورات ضده، حتى توحدت القرى النجدية بزعامة عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود1، تريد التحرر من حكم الأتراك والمصريين، وتبغي المحافظة على الدين الإسلامي الصحيح على طريقة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقررت خلع الأمير المذكور، فما وسعه إلا أن ينجو بنفسه، ففر إلى الإحساء فالقطيف ثم الكويت، ومنها إلى الحجاز حيث مات بها في عام 1257هـ (1861م) ، وخلا الجو لعبد الله بن ثنيان فاستبد بالحكم وعمل على وضع الضرائب الباهظة على الشعب ليستعين بذلك
1 عبد الله بن ثنيان، هو من فرع ثالث من العائلة السعودية، ويعتبر الإمام التاسع، وقد دام حكمه سنتين (1843م) .
على توطيد إمارته، ولكن الإمام فيصل بن تركي لم يمهله كثيراً، ففر من مصر ثانية، أو ربما سهلت له مصر في عهد واليها عباس باشا الأول طريق الفرار لمناوأة خصمها الذي تزعم الثورة ضد عاملها الأمير خالد، لعجزها في هذه المرة عن مقاتلة نجد، وتوطيد حكمها فيها1.
وما أن جاء إلى نجد البشير بمقدم إمامها المحبوب فيصل حتى التفت حوله القبائل، فزحف بها إلى عنيزة، فاستولى عليها بعد أن أخلاها ابن ثنيان، ولجأ إلى الرياض، فتعقبه بها وحاصره بقصره فاستسلم له فعفا عنه، ولكنه مات بعد مرض ألزمه الفراش أياماً، وظل الإمام فيصل يعمل على استرجاع ما أخذ منه من البلاد حتى خضعت له الإحساء والقطيف، والعارض والقصيم وجبل شمر، ووادي الدواسر وعسير وجانب من أرض الحجاز، ودان له بالطاعة أمراء البحرين ومسقط وسواحل عمان وعنيزة، ولم يكن يهمه كل ذلك إلا أن يعمل على محاربة كل ما يؤيد إلى الشك والضلال مما يسبب غضب الله تعالى2، وقد أرك أن الزمن يتقدم بالإسلام وأمته إلى الأمام بين مد وجزر، يذهب الجزر كالزبد جفاء ويبقى من المد ما يمكث في الأرض وينفع الناس، فواجه الواقع بحكمة ماضية وعزم أبي مقدام حر، وهو يعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن أقدار الله تبارك وتعالى مرتبطة بنواصيه، فلا بد من عظيم العمل لتحقيق عظيم الأمل، وقد نفح الإسلام العظيم دعوته من خصائصه الفذة بمزايا البقاء والنماء والارقتاء، ولذا كانت فعاليتها مستمرة الزمان ممدودة المكان، وثمارها أكبر من أن يجحدها جاحد
1 راجع تاريخ نجد الحديث –أمين الريحاني.
2 راجع كتاب الإمام العادل –تأليف عبد الحميد الخطيب ص 11-14.
أو يختقها ظاغوت، إن في ديننا العظيم من الجدارات والقدرات والطاقات ما ليس في سواه، وهو وحده قادر على أن يمد الرجال الصالحين بنظام يتطلع لإنقاذ البشر ويستر وجودهم في ذاتهم، ويقيمهم في المقام الذي شرعه الله تعالى لهم، والسعيد السعيد هو الذي يضع نفسه من ربه ودينه وأمته وبلده في الاتجاه السديد الرشيد بكل قناعة وطاعة، وعلم وعزم وثقة وإخلاص مهما كانت العواثر، ومهما كثرت المخاطر، وهكذا كان الأئمة المسلمون في مختلف العهود أعلام دين وسياسة.
اتخذوا من دعوة الحق منهاجاً صالحاً، وسبيلاً واضحاً، استمدوه من القرآن الكريم، والسنة النبوية، ومن روح التشريع الإسلامي، وقاموا بتنفيذه بحكمة وسداد وصبر وعزم حتى انتشرت الدعوة الإسلامية، واستظل برايتها خلق كثير.
والمسلم الحق هو الذي يعمل للدين والدنيا معاً، وهكذا كانت حياة الإمام فيصل رحمه الله الذي مات في شهر رجب سنة 1282هـ (1865م)، وخلف من الأبناء أربعة:
الأول: وأكبرهم، عبد الله، الذي بويع بالإمامة بعد موت والده وأصبح الإمام الحادي عشر.
والثاني: محمد، أمير المنطقة الشمالية في نجد.
والثالث: سعود بن سعود، أمير الخرج والأفلاح، الذي اعترض على ولاية أخيه عبد الله، وادعاها لنفسه، ودب الخلاف بينهما من جديد فراح سعود يؤلب على أخيه القبائل، وقد نشأت عن ذلك الفتن والقلاقل، وظل الأخوان عبد الله وسعود أولاد فيصل يتقاتلان، والبلاد في حالة فوضى مستحكمة، والحرب الأهلية
تستعر في جميع الأنحاء، حتى تدخل في شؤونها الخاصة أمير حائل محمد بن الرشيد1، وشجع الفتنة للتخلص من نفوذ آل سعود، ومن الضريبة السنوية، كما شجعها الأتراك لاستعادة السيطرة على الإحساء، وتم استيلاء سعود على الإحساء، وساعده شيخ البحرين وسلطان مسقط، وقبائل بني خالد، والعجمان، وبني مرة، وبات الطريق مفتوحاً إلى الرياض، فدخلها سعود بن فيصل سنة 1288هـ (1871م) عندما أرسل عبد الله رسائل إلى مدحت باشا والي بغداد يطلب مساعدته، فكانت المناسبة المرجوة عند الأتراك لاستعادة الإحساء، فجهز مدحت باشا حملة من خمسة آلاف جندي، واستعان بناصر السعدون شيخ قبائل المنتفق، وبعبد الله الصباح شيخ الكويت، وأن سعوداً ثائر ضد الدولة العثمانية، وأنه يتعاون مع الإنكليز، وتطورت الأمور وزادت المحن، واتجهت الحملة من البصرة عام 1871م، وساعدتها الكويت بالمال والرجال فسارت بحراً إلى القصير، وبراً إلى القطيف، ثم احتل الإحساء وقطر فقطع مدحت باشا بذلك الصلة بين نجد وعمان، وأصدر مدحت باشا منشوراً على السلطان جاء فيه:
إن نجدا وملحقاتها جزءاً من الممتلكات العثمانية أسوة بالعراق واليمن ومصر وغيرها، وبما أن سعوداً أسقط سلطة عبد الله القائم مقام الذي عينه السلطان تابعاً لولاية العراق، فقد أرسلنا قوة لمساعدة عبد الله، وإخضاع القبائل لسلطته، وقد وعدنا سعوداً بالعفو إذا تقدم واعتذر عن تصرفه وإلا فسندمره مع القبائل التي تناصره2.
1 الإمام العادل –عبد الحميد الخطيب ص 14.
2 آل سعود ماضيهم وحاضرهم –تأليف: جبران شامية ص 81.
واستمرت السيطرة العثمانية على المنطقة الشرقية إلى قبيل الحرب العالمية الأولى، وشهدت نجد خلال ولاية الإمام سعود كثيراً من المحن، فقد اجتاحتها مجاعة عامي 1871و 1872م، فمن لم يمت بالسيف مات جوعاً، وكان الناس يأكلون جيف الحمير، ويحرقون جلود الماعز ويدقونها، بل كانوا يدقون حتى العظام، ويأكلون مسحوقها، وانفصل في تلك الأثناء جبل شمر والقصيم والإحساء عن سلطة آل سعود، وتعقدت الأحداث، ومات خلال ذلك الإمام الثاني عشر، سعود بن فيصل في الرياض سنة 1875م، وكان أخوه ومنافسه عبد الله بن فيصل في الصحراء مع أخيه محمد، وبعض رؤساء القبائل، وكان في الرياض عبد الرحمن الابن الرابع لفيصل الذي أخذ الأمر بيده، وأعلن نفسه إماماً خلفاً لأخيه سعود، فأصبح الإمام الثالث عشر وآزره أولاد أخيه سعود ضد أخيه وعمهم عبد الله بن فيصل، ولم يطل الوقت حتى اختلف عبد الرحمن مع أولاد أخيه سعود، فترك الرياض وأصلح شأنه مع أخيه عبد الله بن فيصل، وأقر له بالإمامة فشكل الأخوة الثلاثة عبد الله ومحمد وعبد الرحمن أولاد الإمام فيصل جبهة موحدة ضد أولاد أخيهم سعود بن فيصل، وعاد عبد الله بن فيصل إماماً وهو الرابع عشر والأخير قبل سقوط الدولة السعودية الثانية1.
زخف الأخوة الثلاثة –عبد الله ومحمد وعبد الرحمن- على الرياض فتركها أولاد أخيهم سعود، واعتصموا بمنطقة الخرج، وبعد ثلاث سنوات زحفوا من الخرج على الرياض، وأسروا عمهم الإمام عبد الله، وكان هذا قد استنجد بمحمد بن رشيد شيخ شمر ضد أولاد أخيه، فهاجم ابن رشيد الرياض وداخل الدعوة
1 تاريخ نجد الحديث –أمين الريحاني ص 99.
الإسلامية التي أسسها (الإمام والأمير) شيء من حب الانتصار للذات، أو تطلب الاحتفاظ في الحكم والسلطان مما هو خارج عن أساس الغاية التي كان يعمل لها الإمام محمد بن عبد الوهاب، والإمام محمد بن سعود الأول رحمهما الله تعالى، وبهجوم ابن رشيد على الرياض استطاع فك أسر الإمام عبد الله بن فيصل وأخذه معه إلى الحائل كضيف دائم سنة 1889م، وسارعت القبائل النجدية بتقديم الطاعة لمحمد بن رشيد مع أنه لم يكن من رجال الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية، وإنما كان حليفاً للدولة العثمانية، ويستمد منها المال والسلاح، والجدير بالملاحظة أن آل رشيد استولوا على نجد، وقضوا على حكم آل سعود من دون معركة1، وكان من أهم أسباب نجاحهم النزاعات الداخلية والحروب الدامية بين أفراد العائلة الواحدة الطامعين بالإمامة، مما أضعف ولاء السكان للدعوة ورجالها.
وهكذا انتهت الدولة السعودية الثانية بعد وفاة الإمام عبد الله الفيصل في حائل، وانتقلت جذوتها إلى أخيه عبد الرحمن بن فيصل الذي عرف بالتقوى، والصلاح، ورأى أنه ليس من الصواب أن تراق دماء المسلمين في غير طاعة، فآثر الانزواء والهجرة بدينه في سبيل الله، فأخذ أسرته وأقاربه من الرياض وأرسلهم إلى البحرين، وظل منتقلاً في بعض المدن والأمصار يبحث عن مكان يصلح لأن يعد فيه العدة للعمل لما يرضي الله تعالى، حتى وقع اختياره على مدينة الكويت، فرحب به الأمير محمد بن صباح حاكم الكويت في ذلك الوقت، وأذن له بالإقامة عنده، وعين له مرتباً من الأرزاق، وبذلك خمدت الدعوة الإسلامية في جزيرة العرب، والتي رسم سبيلها الإمام محمد بن عبد الوهاب، ولكنها لم تخمد في
1 آل سعود ماضيهم وحاضرهم –جبران شامية ص 82.
نفس ابنها البار، وناصرهم الإمام عبد الرحمن، لأنها استولت على مشاعره، وأصبحت همه الوحيد في هذه الحياة، وأخذ يلقنها لابنه البار عبد العزيز1.
ويوصيه بالتمسك بها، والدأب عليها، وعدم التفريط فيها، فإنها سبيل السعادة ورأس النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
وثابر على ذلك إلى أن بلغه الله عز وجل أمنيته، فجعل من ولده عبد العزيز بن عبد الرحمن خير نصير لتلك الدعوة الحبيبة، وأعظم مجاهد في سبيلها بالنفس والمال، ومات الإمام عبد الرحمن قرير العين ناعم البال في الرياض سنة 1346، وترك ولده عبد العزيز ليقوم بالدور الذهبي الثالث لدولة الدعوة الإسلامية في الجزيرة الإسلامية العربية.
1 أمراء الدولة السعودية الثانية:
(1)
مشاري بن سعود (1234-1236هـ)(1818-1820م) .
(2)
الإمام تركي بن عبد الله بن سعود (1236-1249هـ) .
(3)
الإمام فيصل بن تركي وقد حكم مرتين:
- المرة الأولى من 1250-1255هـ.
- المرة الثانية من 1258-1282هـ.