الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: الفرية الرابعة الإمام محمد بن عبد الوهاب وانتقاض الرسول صلى الله عليه وسلم
…
الفرية الرابعة الإمام محمد بن عبد الوهاب وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم أدعى عباد القبور وما أكثرهم بأن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه كانوا ينتقصون مقام الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه إذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصلون عليه، وبذلك وضعوا خنجراً مسموماً على صدر الأمة الإسلامية ليوغروا قلوب المسلمين، ويكرهوا هذه الدعوة، ومن أبزر العلماء:
سليمان بن محمد بن سحيم1، قاضي "منفوحة"، كان أول من استجاب لهذه الدعوة الإسلامية المباركة، ولكن الحسد الشيطاني ساقة إلى عداوة الموحدين، فصار يكذب ويفتري على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، مما اضطر الشيخ إلى أن يقول له:"أنت رجل جاهل مشرك، مبغض لدين الله"2، فاستشاط سليمان غضباً، وأخذ يؤلب على الشيخ وعلى دعوته، وراسل علماء أهل البصرة والإحساء يحذرهم من الشيخ ودعوته ويكيل التهم والافتراءات.
1 هو سليمان بن أحمد بن سحيم العنزي، وهو خصم شديد للدعوة السلفية، وبذل وسائل عديدة في التشنيع بها وتحريض العلماء في الرد عليها، ولد سنة 1130هـ، توفي في الزبير سنة 1181هـ، انظر تحفة المستفيد ص 124.
2 روضة الأفهام ج1 ص138.
وكمثال على ذلك، فقد قال في إحدى رسائله:"إن الشيخ ينتقص الرسول صلى الله عليه وسلم".
وهذا نص الرسالة:
من الفقير إلى الله تعالى سليمان بن محمد بن سحيم، إلى من يصل إليه من علماء المسلمين، وخدام شريعة سيد ولد آدم من الأولين والآخيرن.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد:
فالذي يحيط به علمكم أنه قد خرج في قطرنا رجل مبتدع جاهل، مضل ضال، من بضاعة العلم والتقوى عاطل، جرت من أمور فظيعة، وأحوال شنيعة، منها: شيء شاع وذاع، وملأ الأسماع، وشيء لم يتعد أماكننا بعد، فأحببنا نشر ذلك لعلماء المسلمين، وورثة سيد المرسلين، ليصيدوا هذا المبتدع صيد أحرار الصقور لصغار بغاث الطيور، ويردوا بدعه وضلالاته وجهله وهفواته.
والقصد من ذلك: القيام لله ورسوله، ونصرة الدين، جعلنا الله وإياكم من الذين يتعاونون على البر والتقوى.
فمن بدعه وضلالته أنه عمد إلى شهداء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكائنين في الجبيلة: زيد بن الخطاب وأصحابه، وهدم قبورهم وبعثرها لأجل أنهم في حجارة ولا يقدرون أن يحفروا لهم، فطووا على أضرحتهم قدر ذراع ليمنعوا الرائحة والسباع، والدافن لهم خالد، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعمد -أيضاً- إلى المسجد في ذلك المكان وهدمه، وليس داع شرعي في
ذلك إلا اتباع الهوى. ومنها: أنه أحرق "دلائل الخيرات"1 لأجل قول صاحبها: سيدنا ومولانا، وحرق أيضاً "روض الرياحين"2، وقال: هذا روض الشياطين.
ومنها: أنه صح عنه أنه يقول: لو أقدر على حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هدمتها، ولو أقدر على البيت الشريف أخذت ميزابه، وجعلت بدله ميزاب خشب.
أما سمع قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج) .
ومنها: أنه ثبت أن يقول: "الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وتصديق ذلك أنه بعث إلي كتابا يقول فيه: "أقروا أنكم قبلي جهال ضلال".
ومن أعظمهما: أن من لم يوافقه في كل ما قال ويشهد أن ذلك حق يقطع بكفره، ومن وافقه وصدقه في كل ما قال، قال: أنت موحد، ولو كان فاسقاً محضاً أو مكاسا، وبهذا ظهر أنه يدعو إلى توحيد نفسه لا إلى توحيد الله.
ومنها: أنه بعث إلى بلداننا كتاباً مع بعض دعاته بخط يده، وحلف فيه بالله: أن علمه هذا لم يعرفه مشايخه الذين ينتسب إلى أخذ العلم منهم -في زعمه، وإلا فليس له مشايخ-، ولا عرفه أبوه، ولا أهل "العارض".
فيا عجبا إذا لم يتعلمه من المشائخ ولا عرفه أبوه، ولا أهل قطره، فمن أين علمه..؟
وعن من أخذه.؟
1 دلائل الخيرات: كتاب ألفه محمد بن سليمان المغربي الشاذلي طريقة، ت (854) هـ.
2 روض الرياحين- كتاب ألفه عبد الله بن أسعد بن سليمان اليافعي، ت (768) هـ.
هل أوحي إليه..؟
أو رآه مناماً..؟ أو أعلمه به الشيطان..؟
وحلفه هذا أشرف عليه جميع أهل العارض.
ومنها: أنه يقطع بتكفير ابن الفارض وابن عربي.
ومنها: أنه قاطع بكفر سادة عندنا من آل الرسول، لأجل أنهم يأخذون النذور، ومن لم يشهد بكفرهم فهو كافر.
ومنها: أنه ثبت عنه لما قيل له: اختلاف الأئمة رحمة، قال: اختلافهم نقمة.
ومنها: أنه يقطع بفساد الوقف، ويكذب المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم وقفوا.
ومنها: إبطال الحج.
ومنها: أنه قال: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها هي بدعة وضلالة، تهوي بصاحبها إلى النار.
ومنها: أنه يقول: "الذي يأخذه القضاء قديماً وحديثاً -إذا قضوا بالحق بين الخصمين، ولم يكن بيت مال لهم ولا نفقة –إن ذلك رشوة- هذا القول بخلاف النصوص عند جميع الأمة: أن الرشوة ما أخذ لإبطال حق أو لإحقاق باطل، وأن للقاضي أن يقول للخصمين: لا أقضي بينكم إلا بجعل. ومنها: أنه يقطع بكفر
الذي يذبح الذبيحة ويسمي عليها ويجعلها لله تعالى. ويدخل مع ذلك دفن شر الجن، ويقول: ذلك كفر. واللحم حرام، فالذي ذكره العلماء بذلك أنه منهي عنه فقط، وذكره في حاشية (المنتهى)1.
ولو تأملنا هذه الرسالة لوجدناها ألمت بأكثر التشنيعات التي أثارها خصوم الدعوة الإسلامية في مراحلها اللاحقة
…
فلما علم الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالرسالة التي بعث بها سليمان محرضاً على الدعوة وأهلها، رد عليه برسالة بعثها إليه يقول له فيها:
من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن سحيم"، وبعد:
ألفينا مكتوبك وما ذكرت وما بلغك، ولا يخفاك أن المسائل التي ذكرت أنها بلغتكم في كتاب العارض جملتها أربعة وعشرون مسألة بعضها حق. وبعضها بهتان وكذب.
وقبل الكلام فيها. لا بد من تقديم أصل، وذلك أن أهل العلم إذا اختلفوا، والجهال إذا تنازعوا ومثلي ومثلكم إذا اختلفنا في مسألة -هي الواجب اتباع أمر الله ورسوله وأهل العلم؟ أو الواجب اتباع عادة الزمان التي أدركنا الناس عليها، ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم..
وإنما ذكرت هذا -ولو كان واضحاً- لأن بعض المسائل التي ذكرت أنا قلتها لكن هي موافقة لما ذكره العلماء في كتبهم: الحنابلة وغيرهم.
ولكن هي مخالفة لعادة الناس التي نشأوا عليها، فأنكرها علي من أنكرها
1 انظر روضة الأفكار ص 295.
لأجل مخالفة العادة، وإلا فقد رأوا تلك في كتبهم عياناً، وأقروا بها وشهدوا أن كلامي هو الحق لكن أصابهم ما أصاب الذين قال الله فيهم:
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة: 89) .
وهذا هو ما نحن فيه بعينه، فإن الذي راسلكم هو عدو الله ابن سحيم، وقد بينت ذلك له فأقر به، وعندنا كتب يده في رسائل متعددة أن هذا هو الحق، وأقام على ذلك سنين، لكن أنكر آخر الأمر لأسباب أعظمها البغي:
{أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (البقرة: 90) .
وذلك أن العامة قالوا له ولأمثاله: إذا كان هذا هو الحق، فلأي شيء لم تنهونا عن عبادة "شمسان" وأمثاله، فتعذروا:"أنكم ما سألتمونا..؟ "
قالوا: "وإن لم نسألكم كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا، وظنوا أن يأتيهم في هذا غضاضة، وأن شرفاً لغيره.
وأيضاً: لما أنكرنا عليهم أكل السحت والرشا إلى غير ذلك من الأمور، فقام يدخل عندكم وعند غيركم بالبهتان.
والله ناصر دينه ولو كره المشركون.
وأنت لا تستهون مخالفة العادة على العلماء فضلا عن العوام، وأنا أضرب لك مثلا بمسألة واحدة وهي مسئلة الاستجمار ثلاثاً فصاعدا من غير عظم ولا روث، وهو كاف مع وجود الماء عند الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو إجماع الأمة ولا خلاف في ذلك -ومع هذا- لو يفعله أحد- لصار هذا عند الناس أمراً عظيماً ولنهوا عن الصلاة خلفه، ويدعوه مع إقرارهم بذلك ولكن لأجل العادة.
إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها –منها ما هو من البهتان الظاهر وهي قوله: إني مبطل كتب المذاهب، وقوله: إني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.
وقوله: إني أدعى الاجتهاد.
وقوله: إني خارج عن التقليد.
وقوله إني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة.
وقوله: إني أكفر من توسل بالصالحين.
وقوله: إني أكفر البوصيري، لقوله يا أكرم الخلق.
وقوله: إني أقول لو: أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب.
وقوله: إني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم، وإني أكفر من يحلف بغير الله.
فهذه اثنتا عشرة مسألة جوابي فيها أن أقول:
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (النور: 16) .
ولكن قبله من بهت النبي محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم، ويسب الصالحين {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} (البقرة) .
وبهتوه بأنه يزعم أن الملائكة، وعيسى، وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك:
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء:101) .
وأما المسائل الأخرى وهي أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى "لا إله إلا الله".
ومنها: أني أعرف من يأتيني بمعناها.
ومنها: أني أقول: الإله هو الذي فيه السر.
ومنها: تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير الله وأخذ النذر كذلك.
ومنها: أن الذبح للجن كفر، والذبيحة حرام ولو سمى الله عليها إذا ذبحها للجن.
فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قائلها.
ونبدأ بالكلام عليها لأنها أم المسائل، وقبل ذلك أذكر معنى "لا إله إلا الله" فنقول: التوحيد نوعان:
توحيد الربوبية: وهو أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم، وهذا حق لابد منه، لكن لا يدخل الرجل في الإسلام لأن أكثر الناس مقرون به.
قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} إلى قوله {أَفَلا تَتَّقُونَ} (يونس:31) .
وأن الذي يدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية، وهو: أن لا يعبد إلا الله لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث وأهل الجاهلية يعبدون
أشياء مع الله، فمنهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة فنهاهم عن هذا، وأخبرهم أن الله أرسله ليوحد ولا يدعى أحد من دونه لا الملائكة ولا الأنبياء، فمن تبعه ووحد الله فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة واستنصرهم، والتجأ إليهم فهو الذي جحد لا إله إلا الله مع إقراره أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، وهذه جملة لها بسط طويل، ولكن الحاصل أن هذا مجمع عليه بين العلماء.
..وما جرى في هذه الأمة ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".
وكان من قلبهم كما ذكر الله عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} (التوبة: 31) .
فصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء، مثل: عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي وعدي بن مسافر، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح، فأنكر عليهم أهل العلم غاية الإنكار، وزجروهم عن ذلك، وحذروهم غاية التحذير والإنذار- من جميع المذاهب في سائر الأقطار والأمصار فلم يحصل منهم انزجار؛ بل استمروا على ذلك غاية الاستمرار. وأما الصالحون الذين يكرهون ذلك فحاشاهم من ذلك.
وبين أهل العلم أن أمثال هذا هو الشرك الأكبر، وأنت ذكرت في كتابك تقول: يا أخي مالنا والله دليل إلا من كلام أهل العلم.
وأنا أقول: كلام أهل العلم رضي، وأنا أنقله لك، وأنبهك عليه، فتفكر
فيه وقم لله ساعة ناظراً ومناظراً مع نفسك ومع غيرك، فإن عرفت أن الصواب معي، وأن دين الإسلام اليوم من أغرب الأشياء -أعني دين الإسلام الصرف الذي لا يمزج بالشرك والبدع.
ثم يقول: قال الشيخ تقي الدين: وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر، ومن أهل العبادة حتى قلبوا حقيقته، فطائفة ظنت أن التوحيد هو نفي الصفات، وطائفة ظنوا أنه الإقرار بتوحيد الربوبية، ومنهم من أطال في تقرير هذا الموضع وظن أنه بذلك قرر الوحدانية، وأن الألوهية هي القدرة على الاختراع ونحو ذلك، ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد.
قال تعالى:
{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (المؤمنون) .
وهذا حق لكن لا يخلص به عن الإشراك بالله الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص الدين لله فلا يعبد إلا الله فيكون دينه لله والإله هو المألوه الذي تألهه القلوب، وأطال رحمه الله الكلام.
وقال -أيضاً- في الرسالة "السنية" التي أرسلها إلى طائفة من أهل العبادة ينتسبون إلى بعض الصالحين، ويغلون فيهم، فذكر حديث الخوارج ثم قال: فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين ممن ينتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة -فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام قد يمرق من الدين وذلك بأمور:
منها: الغلو الذي ذمه الله تعالى، مثل: الغلو في عدي بن مسافر أو غيره، بل: الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه فكل من غلا في نبي أو
صحابي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الألوهية مثل أن يقول يا سيدي فلان أغثني أو أنا في حسبك ونحو هذا فهذا كافر يستتاب، فإن تاب وإلاقتل فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبد، ولا يدعى معه إله آخر.
والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل: الشمس والقمر والصالحين، والتماثيل المصورة على صورهم -لم يكونوا يعتقدون أنها تنزل المطر، أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين ويقولون:"هؤلاء شفعاؤنا عند الله".
فبعث الله الرسل، وأنزل الكتب تنهى أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة.
وقال –أيضاً- في أثناء الباب: ومن اعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أولا يجب عليه اتباعه، أو أن لغيره خروجاً عن اتباعه، أو قال:
"أنا محتاج إليه في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى -كفر في هذا كله".
وقال –أيضاً- في الباب: ومن سب الصحابة، واقترن بسبه دعوى أن علياً إله أو نبي أو أن جبريل غلط -فلا شك في كفر من توقف في تكفيره. فتأمل إذا كان كلامه هذا في "علي". فكيف بمن ادعى أن "ابن عربي أو عبد القادر" إلهان؟
وتأمل كلام الشيخ في معنى الإله الذي تألهه القلوب، واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدة، ويطلبون منهم تفريج الكربات وقضاء الحاجات، (والكفار زمن النبي) مع كونهم يدعون الملائكة والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب بهم؛
وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله فهم لا يدعونهم إلا في الرخاء فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا لله.
وقال أيضاً في "الإقناع": ويحرم تعلم السحر، وتعليمه وفعله، وهو عقد، ورقي، وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، ومنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يبعض أحدهما للآخر ويحبب بين اثنين، ويكفر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته.
وأما (الحنفية) فقال الشيخ قاسم في شرح "درر البحار": النذر الذي يقع من أكثر العوام، وهو أن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلا: يا سيدي فلان إن رد غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي فلك كذا وكذا باطل اجماعأً لوجوه:
منها: أن النذر للمخلوق لا يجوز.
ومنها: ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر.. إلى أن قال: إذا عرف هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها وينقل إلى ضرائح الأولياء -فحرام بإجماع المسلمين، وقد ابتلي الناس بهذا لا سيما في مولد أحمد البدوي.
فتأمل قول صاحب النهر مع أنه في مصر مقر العلماء كيف شاع بين أهل مصر ما لا قدرة للعلماء على دفعه!! فتأمل قوله (من أكثر العوام) ، أتظن أن الزمان صلح بعده..؟
وأما (المالكية)، فقال الطرطوشي في كتاب "الحوادث والبدع": روى البخاري عن أبي واقد الليثي قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي حنين ونحن حديث عهد بالكفر، وللمشركين سدرة يعكفون حولها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها "ذات أنواط" فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا "ذات أنواط" كما لهم "ذات أنواط" فقال: "الله أكبر
…
لتركبن سنن من كان قبلكم".
فانظر -رحمكم الله- أينما وجدتم سدرة يقصدها الناس، وينوطون بها الخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها.
وقال صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ".
ومعنى هذا أن الله لما جاء بالإسلام فكان الرجل
…
إذا أسلم في قبيلته كان غريباً مستخفياً بإسلامه، قد جفته العشيرة فهو بينهم ذليل خائف، ثم يعود غريباً لكثرة الأهواء المضلة والمذاهب المختلفة حتى يبقى أهل الحق غرباء في الناس لقلتهم وخوفهم على أنفسهم.
وروى البخاري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: "والله ما أعرف من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعاً".
وذلك أنه أنكر أكثر أفعال أهل عصره.
انتهى كلام الطرطوشي.
فليتأمل اللبيب هذه الأحاديث، وفي أي زمان قيلت، وفي أي مكان، وهل أنكرها أحد من أهل العلم؟ والفوائد فيها كثيرة، ولكن مرادي منها ما وقع من الصحابة، وقول الصادق المصدوق، إنه مثل كلام الذين اختارهم الله على
العالمين لنبيهم: اجعل لنا إلهاً: يا عجباً إذا جرى هذا من أولئك السادة كيف ينكر علينا أن رجلا من المتأخرين غلط في قوله يا أكرم الخلق، كيف تعجبون من كلامي فيه وتظنونه خيراً وأعلم منهم.
ولكن هذه الأمور لا علم لكم بها، وتظنون أن من وصف شركاً أو كفراً أنه الكفر الأكبر المخرج عن الملة، ولكن أين كلامك هذا من كتابك الذي أرسلت إلي قبل أن يغريك الله بصاحب الشام، وتذكر وتشهد أن هذا هو الحق وتعتذر أنك لا تقدر على الإنكار..؟
ومرادي أن أبين لك كلام الطرطوشي وما وقع في زمانه من الشرك بالشجر، مع كونه في زمن القاضي "أبي يعلي" أتظن الزمان صلح بعده..؟..
وأما كلام (الشافعية) فقال الإمام محدث الشام أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، وقد وقع من جماعة من النابذين لشريعة الإسلام المنتمين إلى الفقر الذي حقيقته الافتقار من الإيمان، ومن اعتقادهم في مشايخ لهم ضالين مضلين فهم داخلون تحت قوله:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21) .
وبهذه الطرق وأمثالها كان بدادية ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا القسم ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وإسراج مواضع في كل بلد يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح فيفعلون ذلك، ويظنون أنهم يتقربون إلى الله، ثم يجاوزون ذلك إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، ويرجوا الشفاعة لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم، وهي بين عيون وشجر وحائط وحجر، وفي "دمشق" -صانها الله-
من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى، والشجرة الملعونة خارج باب النصر سهل الله قطعها فما أشبهها بذات أنواط،
…
ثم ذكر كلاماً طويلا إلى أن قال:
"أسال الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه ولا يجعلنا ممن أضله فاتخذ إلهه هواه".
فتأمل ذكره في النوع أنه نبذ لشريعة الإسلام، وأنه خروج عن الإيمان، ثم ذكر أنه عم الابتلاء به في الشام.
فأنت قل لصاحبكم: هؤلاء العلماء من الأئمة الأربعة ذكروا أن الشرك عم الابتلاء به وغيره، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، وذكروا أن الدين عاد غريباً، فهو أمام اثنتين:
إما أن يقول: كل هؤلاء العلماء جاهلون ضالون مضلون خارجون.
وإما أن يدعي: أن زمانه وزمان مشايخه صلح بعد ذلك
…
إذا تقرر هذا فخمس المسائل التي قدمت جوابها في كلام العلماء، وأضيف إليها مسألة سادسة، وهى: إفتائي بكفر شمسان وأولاده ومن شابههم، وسميتهم طواغيت، وذلك أنهم يدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله عبادة أعظم من عبادة اللات والعزى يعبدونها في الرخاء، ويخلصون لله في الشدة وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياه في شدائد البر والبحر، فإن كان الله أوقع في قلبك معرفة الحق والانقياد له والكفر بالطاغوت والتبري ممن خالف هذه الأصول ولو كان أباك أو أخاك -فاكتب لي وبشرني لأن هذا ليس مثل الخطأ في الفروع، بل ليس الجهل
بهذا -فضلا عن إنكاره- مثل الزنا والسرقة، بل والله، ثم والله، إن الأمر أعظم.. وإن وقع في قلبك إشكال فاطلب إلى مقلب القلوب أن يهديك لدينه ودين نبيه.
وأما بقيه المسائل: فالجواب عنها ممكن إذا خلصنا من شهادة لا إله إلا الله وبيننا وبينكم كلام أهل العلم، لكن العجب من قولك: أنا هادم قبور الصحابة. وعبارة "الإقناع" في الجنائز: يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أسست على معصية الرسول. والنبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه بعث علياً لهدم القبور"1.
وهكذا أجاب الإمام وأقام الحجة على ما كان عليه السلف الصالح والأئمة المهتدون، ومن الهدى ودين الحق، مناراً يضيء طريق الحيارى العابثين، والمخالفين الناقصين، الذين انقلبت لديهم الحقائق والتبست عليهم المعارف بالشقاق والتشكيك:{وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} (الكهف: 17) .
ويقول علوي الحداد: "الأفاك: كان ينقص النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً بعبارات مختلفة، منها قوله: "إنه طارش بمعنى أن غاية أمره أنه كالطارش الذي يرسل إلى أناس في أمر فيبلغهم ثم ينصرف، وكان بعضهم يقول عصايا خير من محمد، لأنها ينتفع بها بقتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع أصلاً، وإنما هو الطارش ومضى، وبهذا يكفر عند المذاهب الأربعة، ومن ذلك أنه كان يكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتأذى من سماعها، وينهى عن الجهر بها على المنابر، ويؤذي من
1 انظر روضة الأفكار ص 210.
يفعله، ومنع من الإتيان بها على المنابر ليلة الجمعة، ولذلك أحرق دلائل الخيرات، وغيره من كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتستر بدعوى أن ذلك بدعة".
ويقول ابن دحلان، الأفاك الأثيم، وهو يكذب على الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:"وكانوا -أي محمد بن عبد الوهاب وأشياعه" يمنعون من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على المنابر بعد الأذان، حتى أن رجلاً صالحاً كان أعمى وكان مؤذناً وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بعد أن كان المنع، فأتوا به إلى ابن عبد الوهاب فأمر به أن يقتل، فقتل1.
أرأيتم يا معشر المسلمين هذا المجرم لا يكتفي بالكذب بل يفتري على الدعوة المباركة.
ونسوق الأدلة من أئمة الدعوة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم التي تبين وتفضح هؤلاء الأفاكين الذين زوروا وكذبوا:
يقول الشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب في الرد على ذلك:
"جوابنا في كل مسألة من ذلك"..... {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} .
فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى، ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق ما عندنا، علم قطعياً أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنوع الشرك الذي نص عليه بأن الله لا يغفره، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
1 انظر فتنة الوهابية.
ثم يقول:
"والذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء، للنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته، إلا أنه لا يشد الرحال إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس. ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه الصلاة والسلام الواردة عنه، فقد فاز بسعادة الدارين، وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه"1.
ويقول الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في حق الرسول صلى الله عليه وسلم:
"ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع".
ويقول عليه الرحمة والسلوان:
"فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه"2.
ويقول رحمه الله:
"الأمر بطاعته "سبحانه" وطاعة رسوله، وأن الهدى في طاعته، كما قال تعالى:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} .
1 انظر الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية ص 41.
2 مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ج1 ص190، ج5 ص113.
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله:
"وقد قرر (محمد بن عبد الوهاب) رحمه الله على شهادة أن محمداً رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصر والمتابعة والطاعة، وتقديم سنته صلى الله عليه وسلم على كل سنة وقول، والوقوف معها حيث ما وقفت، والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين وفروعه، وباطنه وظاهره، كليه وجزئيه، ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله"1.
ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله :
"وإذا بانت لنا سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملنا بها، ولا نقدم عليها قول أحد كائنا من كان، بل نتلقاها بالقبول والتسليم، لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورنا أجل وأعظم من أن نقدم عيلها قول أحد"2.
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، حيث دخل في سنة 1218هـ:
وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً علىالخلق بأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبرة، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل عليه:
1 منهاج التأسيس ص 41، وانظر الدرر السنية وفتاوى علماء نجد ج1 ص264.
2 انظر الدرر السنية ج1 ص289.
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، مع كون الآية مدنية
…
وأننا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا وجه لذلك، فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا كان جوابنا في كل مسألة من ذلك" سبحانك هذا بهتان عظيك"، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى.
ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق معنا علم قطعاً أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة، وترك أنواع الشرك.
والذي نعتقده أن مرتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم علي وتسن زيارته.. فلا بأس، ومن أنفق أوقاته بالاستغال بالصلاة عليه عليه الصلاة والسلام الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين، وكفر همه وغمه كما جاء الحديث عنه"1.
ويقول الشيخ سلمان بن سحمان رحمه الله: "وأما قوله: ولا يتحاشون من الطعن بالرسول عليه الصلاة والسلام بكل بذاءة".
فالجواب: أن نقول: "سبحانك هذا بهتان عظيم"، ومن افترى علينا هذا ونسبه إلينا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعن، لا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً وفضحه على رؤس الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار"2.
1 انظر الدرر السنية ج1 ص127-128.
2 انظر كشف غياهب الظلام في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج4 ص833.
ويقول الشيخ فوزان السابق رحمه الله وهو يرد على مختار بن الحاج المؤيد، الذي ألف رسالة فيها الإلحاد وسماها "جلاء الأوهام على مذاهب الأئمة العظام":" قال الملحد: واعلم يا أخي أن للوهابين وإخوانهم أعداء الله ورسوله مطاعن كثيرة بالرسول صلى الله عليه وسلم كلها من المكفرات، وإن كانت بحد ذاتها من المضحكات، تجل عقول الصبيان عن التمسك بها".
ويقول:
"أقول على زعم هذا المفتري بأننا أعداء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، سبحانك هذا بهتان عظيم
…
فزعم أننا أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بغير برهان من الله تعالى، وما حمله على ما رمانا به من الافتراء علينا إلا أننا قد جردنا أتباعنا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحققنا ما جاء بهما قولاً وعملاً، مقتفين أثر السلف الصالح"1.
ومختار بن الحاج أحمد باشا المؤيد العظمى -هذا- الذي ألف كتاباً أسماه "جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام، وهذه الرسالة فيها من الزيغ والتخبط الفكري الشيء الكثير، حيث يقول فيها: إن أحكام الدين لا يمكن أخذها من الكتاب والسنة، لأن فيها الناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والمطلق والمقيد
…
هذه العبارة التي كتبها لم يجرؤ أحد من المنصرين والمستشرقين واليهود وغيرهم من أعداء الإسلام إلى الآن على التصريح بها، ويقول مثل قوله: وزاد الطين بلة حينما قال أيضاً: وأن كتب الحديث لا يوجد فيها بيان ولا إشارة تهدى إلى
1 انظر البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار تأليف فوزان السابق الفوزان ط 1 1372هـ ص292.
الصواب، وأن من رجح حكماً على حكم مستنداً فيه إلىكتب الحديث فإن ذلك لا يفيد اليقين، بل يعد الأخذ به زندقة لا إسلامية.."، وهذا يعني إلغاء السنة النبوية بأكملها، لأنها كما يزعم ليس فيها بيان يهدي إلى الرشد، هذا الشيخ الهمام نفسه يتطاول على أهل التوحيد. ونراه في مكان آخر يخفف من غلوائه ويريد أن يتلطف شيئاً ما، فيقول: نحن وأنتم متفقون بالشهادتين مقرون بالأركان لا نختلف بأصول الإيمان، ولا ننكر أركان الإسلام، غير أننا نقول بالمحكم ونرجع إليه، وأنتم بالمتشابه وتعولون عليه، نحن نحتاط بما لا نرتاب وأنتم لا تتحرجون مما يريب، نحن نعتمد الإجماع وأنتم تترخصون بالإنفراد والتأويل بالرأي
…
وهكذا تبدو المراوغة والمخادعة التي يضحك بها على الكثيرين.
وتراه في موضع آخر من كتابه يقول: إني أراكم تدعون الناس لبدعة الاجتهاد في الدين وغيرها من البدع1.
وإذا أردت الاطلاع على المزيد من هذا الهراء فيمكنك مراجعة كتاب البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج المختار2..
وصدق الشيخ سليمان بن سحمان في رده على هذا الملحد داحضاً افتراءاته الكاذبة:
فليس اتباع المصطفى يا ذوي الردى
…
يكون معاداة وبغضاً لذي المجد
1 جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظماء: تأليف مختار بن أحمد باشا المؤيد العظمى ط1، مطبعة الضيماء –دمشق سوريا- 1330هـ.
2 كتاب البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار: تأليف فوزان السابق، سنة الطبع 1372هـ.
ولكنه عين الكمال لأنه
…
على وقف ما قد قال في كل ما يردي
وتعظيم أمر المصطفى باتباعه
…
وترك الذي يأباه من كل ما يبدي
فيأتي الذي يرضاه من كل مطلب
…
ويجتنب النهي الذي كان لا يجدي1
ولو ذهبنا نستقصي المجافين لهذه الدعوة المباركة وفحص اختلافاتهم2 وأكاذيبهم وافتراءاتهم، وما نسبوه إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ورجال الدعوة من زور وإشاعات باطلة لطال بنا المقام، علماً بأن أيادي المبشرين كانت تروج مثل هذه الأفكار بين المسلمين.
1 ديوان ابن سحمان ص 53.
2 بسبب هذه الدعايات والإشاعات اتخذ بعض العلماء مواقف غير طيبة من الدعوة منهم: ابن عابدين الشامي (سنة 1258هـ/1842م) في حاشيته المشهورة (رد المختار 3: 309)، يقول: اعتقدوا أنهم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركين، استباحوا قتل أهل السنة وقتل علمائهم".
ومنه الشيخ أنور شاه كشميري (م، 1352هـ/ 1933م) يقول في: فيض الباري 1 ص171 "أما محمد بن عبد الوهاب النجدي، فإنه كان رجلاً بليداً قليل العلم، فكان يتسارع إلى الحكم بالكفر". حسبنا الله ونعم والوكيل، وإلى الله المشتكى، فكم ظلموا الشيخ!!!