الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: المغرب
…
خامساً: المغرب
أما في المغرب العربي، فقد استقبل أهله دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقناعة، وتأثروا بها في العمل، بعد أن أدركوا منها انتهاج الدرب السليم الذي دعا إليه نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وسار عليها أصحابه من بعده، ثم من بعدهم في عصور ازدهار دولة الإسلام، وأن الشيخ ما هو إلا مجدد لدرب اندرست معالمه ومقتف آثار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بعد أن أدرك كما أدرك غيره من المجددين، أن سعادة الأمة لا تتم إلا في نبذ كل أمر محدث يتناقض مع المحجة البيضاء التي ترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عليها.
ويتضح استقبال أهل المغرب لهذه الدعوة في أمور تاريخية ثابتة، هي من الحقائق التي تجعلها واضحة للبيان، ضمن مقال لأحد المستشرقين يقول فيه:"إن الإمام سعود بن عبد العزيز، والشيخ محمد ابن عبد الوهاب بعثا رسالة مطولة إلى أهل تونس، لشرح عقيدة التوحيد، وأصول الدين، وما تنطوي عليه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتقع هذه الرسالة في ثلاث صفحات"1. وقد كان لهذه الرسالة صدى لدى حكام المغرب العلويين الذين قامت دولتهم لمحاربة النصارى، والنهوض بالمغرب من عام 1631م في المغرب الأقصى2 الإسلامي.
وكان من أقوى سلاطين الدولة العلوية سيدي محمد بن عبد الله العلوي:
1 انظر صحيفة إسلاميكا الألمانية –العدد الأول- المجلد السابع- الصادر عام 1935.
2 راجع كتاب المغرب الكبير د. جلال يحيى 3/65-66.
(1757م-1790م) الذي اهتم بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بعد أن درسها وأدرك ما تدعو إليه من التجديد الصحيح للعقيدة، وتنقيتها من الخرافات والبدع، فتأثر بهذه الدعوة واستجاب لها بعد أن أدرك ما تنطوي عليه، ولذا قام بمحاربة البدع والانحراف، كما كان رحمه الله يحارب تشعب الطرق الصوفية التي تسيء إلى عقيدة المسلمين، ودعا إلى الاجتهاد والسنة1، وقد وصلت إليه معلومات كثيرة عن هذه الدعوة الإسلامية بواسطة الحجاج المغاربة الذين عرفوها أثناء زيارتهم للحجاز في مواسم الحج، ودرسها كثير من المؤرخين والباحثين الفرنسيين، فأثنوا على دروها في تنقية الإسلام من البدع والخرافات الداخلة عليه. وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي معاصراً للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد كتب بدوره إلى العلماء يدعوهم إلى انتهاج منهج السلف الصالح، ومؤازرة دعوة الشيخ محمد التي انتشرت في الجزيرة العربية.
وقد وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان بقوله: "كان سيدي محمد بن عبد الله العلوي، وهو التقي الورع على علم –بواسطة الحجاج- بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، وتأييد عائلة آل سعود لها، وقد أعجب بعبارتها، وكان يؤثر عنه قوله: "أنا مالكي المذهب، وهابي العقيدة، وقد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين والمحللة لمذهب الأشعرية، وتهديم بعض الزوايا"2.
وقد تعرض خير الدين الزركلي لترجمة المولى سليمان، وذكر مصادر تلك
1 انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب –محمد كمال جمعة ص235.
2 تاريخ أفريقيا الشمالية –شارلي جوليان: تعريب محمد المزالي، والبشير بن سلامة ج2 ص311.
الترجمة التي أثبتت حياته واهتمامه الإسلامي، وحرصه على عقيدة السلف الصالح، وهي: الاستقصاء. والدرر الفاخرة، وفهرس الفهارس، وشجرة الدر1، وأكدت دائرة المعارف الإسلامية على تأثر المولى سليمان بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد عام 1810م، الموافق لعام 1225هـ، مما جعله يتخذ موقفاً صارماً ضد المربوطية، وهو اللقب الذي كان يطلق في المغرب2 على الصوفيين، وفي نفس الوقت الذي كانت فيه الطرق الحديثة النشأة تحظى بانتشار كبير في المغرب، وجاءت بعد ذلك الحركة السنوسية3 التي ابتدأها في الجزائر محمد بن علي السنوسي في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، وقد تأثر السنوسي بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عندما كان في مكة، حيث كان يطلب العلم، ولقد تزعم الدعوة إلى منهج السلف الصالح الشيخ أبو شعيب
1 الأعلام –خير الدين الزركلي 3/197-198.
2 الشيخ محمد عبد الوهاب عقيدته السلفية –أحمد بن حجر بن محمد آل بو طابي ص 106-107.
3 من أولى الحركات التي انبعثت من دعوة التوحيد قد صيغت على نحو جامع محرر لمفهوم الإسلام المتكامل بين الزهد والفقه والعبادة بتشكيل تربوي على نمط الصوفية، متحرراً من أخطاء الصوفية وانحرافاتهم، واستطاعت أن تكون جيلاً قادراً على نشر الإسلام في أنحاء أفريقيا، وكان رد فعل ضخم للتحدي الذي واجه العالم الإسلامي باحتلال الفرنسيين للجزائر وعودة الحروب الصليبية، وإذا كان الإمام محمد بن عبد الوهاب قد انطلق من الدرعية فإن السنوسي رحمه الله انطلق من زاوية "البيضاء" بالجبل الأخضر، والتي كانت تضم مسجداً ومدرسة لتحفيظ القرآن، وتدريس العلوم الشرعية.
وكان الكتاب المستعمرون الأوروبيون يحذرون منها كما كانوا يحذرون من خطر الدعوة الإسلامية في نجد، حتى قال:"مسيو ردوفرير جن": إن السنوسية هي المسؤولة عن جميع أعمال المقاومة التي قامة ضد فرنسا في الجزائر، وإن السنوسية هي المدبرة لجميع نكبات فرنسا في الشمال الإفريقي والسنغال، وإنها أيدت ثورة محمد بن عبد الله في تلمسان، وصحراء الجزائر (1848-1861) ، وثورة الصادق في جبال الأوراس (1879) ، وثورات أولاد سيدي الشيخ (1879-8181) ، عالم الإسلام المعاصر 3/216.
الدكالي، أحد كبار المحدثين، والذي أقام في مكة مدة تزيد على عشر سنوات، قام خلالها بتدريس الحديث في الحرم المكي، ثم عاد إلى المغرب حيث أصبح زعيماً للحركة السلفية لمدة تزيد على ربع قرن، ونشر بالفكرة السلفية، وحارب البدع والضلالات1.
من هذه النقول الوثائقية، ندرك اهتمام المغاربة2 بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحرصهم عليها، لأنهم وجدوا فيها نقاوة الإسلام واتباع هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعوتهم إلى الكتاب والسنة في كل أمر يعترض، سواء كان تعبدياً أو عقدياً، أو في شوون الحياة، وأن كثيراً من علماء المغرب قد تأثروا بعد دراسة وتمحيص، وبعد اكتشافهم للأكاذيب التي حبكها المخرفون، والجاهلون حول الشيخ ودعوته، فبعثوا العلماء للمناظرة، وللوقوف أمام الحقيقة التي ظهرت لهم، وهذا منهج العلماء في البحث والتدقيق والتمحيص والتحقيق، ونبذ الدعايات والمقالات التي لا تستند إلى علم موثق بفهم حقيقي لكتاب الله جل وعلا، وصحيح السنة النبوية.
من أجل ذلك صارت دعوة الإمام في كل مكان، واستقرت في كل قلب يرجو الله، والدار الآخرة، ويدعو إلى الله على بصيرة، ويتفهم تعاليم الدين بروية وعلم، وما زالت منذ انبلاج صبحها تلقى القبول في النفوس، وتزداد رسوخاً مع الأيام، وتتوسع بين الجماهير الظامئة، رغم محاولات الأعداء اليائسة التي تقف ضدها، وتبث الفرقة بين المسلمين بالأكاذيب والمفتريات.
1 انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب –محمد كمال جمعة ص 237-238.
2 برز من أصحاب المنهج السلفي في المغرب بالإضافة إلى أبي شعيب الدمالي: محمد بن العربي العلوي، وعبد العزيز الثعالبي، والطاهر بن عاشور.