الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: الإمام محمد بن عبد الوهاب والدعوة المباركة
الفصل الأول: حياة الإمام محمد بن عبد الوهاب ونشأته
…
الإمام محمد بن عبد الوهاب والدعوة المباركة
حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب "رحمه الله"
اسمه ونسبه:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب1 بن سليمان بن علي2 بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف، التميمي3.
وقد ذكر ابن بشر نسبه فقال:
"هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن حمد بن أحمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب"4.
1 كان عبد الوهاب والد الشيخ، من أعلم أهل زمانه، وكان شيخاً وقوراً جليلاً متواضعاً، ولي القضاء في العيينية في إمارة عبد الله بن محمد بن معمر، وألف في الفقه والتفسير، وألقى فيهما وفي الحديث دروساً، وحدث في منزله وفي المسجد، وكان الناس يقبلون عليه إقبالاً شديداً. وقد رزق بوليدن، وهما محمد الذي هو مجدد الإسلام في القرن الثاني عشر، والثاني سليمان، وكان عالماً فقيهاً، تولى القضاء في حريملاء، وكل رجال هذه الأسرة تولى القضاء أو رياسته حتى زماننا هذا، لأنهم أشد الناس صيانة لهذا الدين في عصرنا.
2 سليمان، جد الشيخ محمد، من أكبر علماء نجد، كان محبوباً وبحراً في العلوم، تولى منصب الفتيا، وأخذ على يديه كثير من العلماء: التفسير والحديث والفقه والتوحيد. وله رسائل علمية وتصانيف عامة. قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في ترجمته للإمام محمد بن عبد الوهاب: ووالده هو مفتي تلك البلاد، وجده مفتي البلاد.
وآثاره وتصانيفه وفتاواه تدل على علمه وفقهه، وكان جده إليه المرجع في الفقه والفتوى.
وكان معاصراً للشيخ منصور البهوتي الحنبلي خادم المذاهب، اجتمع به في مكة.
3 تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات الإسلام: تأليف حسين بن غنام 1/75.
4 عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر ج (1) ص 89.
يقول الدكتور العثيمين:
وكانت أسرة آل مشرف ذات شهرة ومكانة في العلم، أنجبت عدة علماء، كان لهم اليد العليا في العلم والتحقيق والديانة منذ القرن الهجري، منهم القاضي عبد القادر بن بريد بن مشرف، وأحمد بن محمد بن مشرف، وسليمان بن علي مرجع علماء نجد بالكثير من المسائل، وكذلك ابنه عبد الوهاب، وإبراهيم وأحمد، والقصير1.
ولادته ونشأته:
ولد الشيخ محمد في بلدة العيينة2 عام 1115هـ، الموافق 1703م في بيت كالواحة الخضراء في صحراء الجهل، وهجير الفتن، حيث يعيش العالم الإسلامي ومنه الجزيرة العربية حالة من التخلف والفوضى والانحطاط، والبعد عن روح الإسلام.
نشأ الشيخ وترعرع، يفيض عليه حب والده وحنان والدته غدقاً من العطف الأبوي، وبتعهده وتربيته بما يغرس فيه روح الإيمان، ويغمر نفسه الغضة بالطمأنينة والرضى، وتهيئته لطلب العلم بقلب متفتح وعقل متقبل.
وكلما شب تألف على محياه الذكاء اللماح، وشعت في أساريره المخائل النجيبة، يميزه عن أترابه فوق تلك السمات النبيلة، والخلق الجاد، والعزيمة المصممة، والنضوج المبكر، والنبوغ المرتقب، يصرف جل وقته في تلك السن
1 الشيخ محمد بن عبد الوهاب: للدكتور ابن عثيمين.
2 العيينة: بتصغير العين تقع في وادي حنيفة، وتسمى الآن "آبار الشيخ"، وتقع شمال غرب الرياض، وتبعد عن الرياض (40) كليو متراً تقريباً.
للمطالعة العميقة في كتب التفسير والحديث، وقبل بلوغه العاشرة أتقن كثيراً من العلوم والمعارف، فكبر عقله وازداد توقد ذهنه، وتأمل قومه فوجدهم جهلاء زائفين عن طريق الحق والصواب، فآلمه ذلك حتى قال فيه أحدهم:
بلغت لعشر مضت من سنيك
…
ما يبلغ السيد الأشيب
فهمك فيها جسام الأمور
…
وهم لداتك أن يلعبوا
ولما بلغ الثانية عشرة من عمره، وقد بلغ الحلم، وأدرك ما يدرك الرجال، قدمه أبوه في إمامة الصلاة، وكان والده شديد التعجب من قوة حافظته وسرعة حفظه، لكل ما يطالعه ولو لمرة واحدة، ويعترف علنا بالاستفادة منه في بعض الأحكام، حتى قال: استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام قبل بلوغه.
وفي رسالة لأحد أصدقائه قال عنه: إن له فهماً جيداً، ولو يلازم الدرس سنة على الولاية لظهر في الحفظ والإتقان آية.
"وقد تحققت أنه بلغ الاحتلام قبل إكمال اثنتي عشرة سنة على الإتمام. ورأيته أهلاً للصلاة بالجماعة والإتمام، فقدمته لمعرفته بالأحكام، وزوجته بعد البلوع في ذلك العام. ثم طلب مني الحج إلى بيت الله الحرام، فأجبته بالإسعاف لذلك المرام، فحج وقضى ركن الإسلام".
ولا عجب في ذلك فبعد مشيئة الله سبحانه وتعالى قد تضافرت في الفتى مقومات التفوق ومؤهلات النجاح أسباب ومسببات –هيأها الله عز وجل للفتى
وراثية وفطرية وبيئية، تجمعت في شخصيته الفذة من الذكاء المتقد، والشغف العلمي الملتهب، والطموح الخلقي الملحق لاستيعاب أكبر قدر من المعارف الدينية والعلوم الإسلامية، في أقصر وقت.
ومع كل ذلك فالفتى عملي الطبع، ديني الخلق والعلم، لديه معلومات، يستوعب في سرعة، وتركيز، وفهم مدارك عظام، ثم تتحول إلى عمل يطبق في التوحيد والعبادة والأخلاق والمعاملات والتوجيه، وإرشاد وتعليم إسلامي يسير على ضوء العقيدة الصحيحة والنهج القويم المستمد من الكتاب والسنة، في تلك السن المبكرة من عمره الغض جلي في دروسه وتفوق في معلوماته.
أبناء الإمام
تزوج الإمام محمد بن عبد الوهاب "جوهرة بنت عبد الله بن معمر" وهو صغير لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. ونقل عن أبيه عبد الرحمن قوله: "رأيته أهلاً للصلاة بالجماعة وزوجته في ذاك العام"1. وقد رزقه الله تبارك وتعالى بأولاد بارك فيهم وجعلهم علماء يقتدى بهم، ويؤخذ العلم عنهم، ومنهم:
أولاً: حسين بن محمد بن عبد الوهاب2:
آلت إليه القيادة بعد والده، وكان ضريراً لا يرى، إلا أنه على جانب كبير من العلم والفضل.
1 الشيخ محمد بن عبد الوهاب: أحمد بن حجر بن محمد آل طامي ط4 ص 17.
2 هو أكبر أولاد الشيخ، وكان قاضياً في الدرعية، وإماماً في جامعها، توفي سنة 1224هـ، وله عدة أولاد نبغوا في العلم والعمل، وهم: علي –حسن –حمد –عبد الرحمن –عبد الملك. انظر: عنوان المجد ج1 ص 2/143.
ثانياً: عبد الله1 بن محمد بن عبد الوهاب:
ولد في الدرعية سنة 1165، فنشر العلم واضطلع بالدعوة إلى جانب عمله في القضاء، وشارك في قتال إبراهيم باشا وجنده حين طوق الدرعية، وبعد أن سقطت في يد الباشا نقل الشيخ عبد الله إلى مصر سنة 1233هـ، وظل بها كالمعتقل حتى وافته المنية سنة 1242هـ، رحمه الله.
قال ابن بشر:
واجتمع عليه أهل البحيرة ونهضوا على الترك من كل جانب كأنهم الأسود، وقاتلوا قتالاً يشيب لهوله المولود، فأظلمت البحيرة كأنها الليل، وصريخ السيوف في الرؤس كأنه صهيل الخيل، فأخرجوهم منها صاغرين، وقتلوا من الترك عدة مئات حتى قال لي بعض من حضر ذلك: لو حلفت بالطلاق أني من الموضع الفلاني إلى الموضع الفلاني لم أطأ إلا على رجل مقتول لم أحنث، فدخل الترك بعد هذا الفشل، وصار في قلوبهم منهم وجل، ثم أرسلوا إلى الباشا وطلبوا الصلح، فأجابهم إليه بعد ما كان أبياً، ولان لهم بعدما كان قاسياً.
وحين سلمت الدرعية سنة 1233هـ نقل الإمام عبد الله وابنه عبد الرحمن إلى مصر ومعه بعض آل الشيخ، وأما ابنه سليمان فقتله هذا الطاغية في الدرعية. وأما عبد الرحمن فتوفي بمصر سنة 1273 مع أخيه علي، رحمهما الله رحمة واسعة2.
1 هو عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ولد في الدرعية سنة 1165هـ، ونشأ في بيت والده، وتلقى العلم من والده أيضاً، ولما توفي والده خلفه في أعماله، فصارت له الزعامة الدينية، واستمر في منصبه إلى أن سقطت الدرعية سنة 1233هـ/1818م على يد إبراهيم باشا، الذي حمل معه الشيخ عبد الله إلى مصر، فبقي السيخ عبد الله في مصر إلى أن توفي سنة 1244هـ -1829م.
2 عنوان المجد في تاريخ نجد. عثمان بن بشر.
مؤلفات الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
1-
جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية
2-
منسك في الحج.
3-
الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة.
4-
التوضيح عن توحيد الخلاق.
5-
مختصر سيرة ابن هشام.
6-
وله فتاوى ورسائل ضم بعضها لمجموعة الرسائل النجدية.
وقد دافع دفاعاً مريراً ضد الطاغية إبراهيم باشا حين هاجم الدرعية سنة 1222هـ، وحين رأى قتل الأبرياء وتدمير الدرعية من قبل الجيش المصري شهر سيفه ضد هؤلاء الطواغيت عند باب البحيرة بالدرعية.
ثالثاً: علي بن محمد بن عبد الوهاب:
كان عالماً نابغاً يضرب به المثل في الزهد والورع، وكان ذا ملكة عظيمة في الفقه.
رابعاً: إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب
ولد بالدرعية. وقرأ على والده المجدد محمد بن عبد الوهاب، وقرأ على علماء الدرعية، ومنهم الشيخ العالم الجليل عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب. نفي رحمه الله إلى مصر سنة 1233هـ عند الاستيلاء على الدرعية من قبل الطاغية إبراهيم باشا، وفي سنة 1241هـ رجع إلى نجد بعد استقرار الأمور، وله حلقة علم.
قال ابن بشر:
"وأما إبراهيم بن شيخ الإسلام، فرأيت عنده حلقة في التدريس، وله معرفة في العلم، ولكنه لم يتول القضاء، قرأت عليه في صغري كتاب التوحيد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف". قال الشيخ هم من ذرية هؤلاء الأربعة1.
خامساً: حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
مات شاباً ولم يكن ممن اشتغل بالعلم، بل بالتجارة والأعمال الأخرى2.
يقول ابن بشر: "لقد رأيت لهؤلاء العلماء الأجلاء مجالس ومحافل في التدريس في الدرعية، عندهم من طلبة العلم من أهل الدرعية والغرباء المقيمين فيها ما يفضي لمن حكاه إلى التكذيب، ولهؤلاء الأربعة المذكورين من المعرفة ما فاقوا به أقرانهم، وكل واحد منهم جعل بيته مدرسة فيها طلبة العلم من الغرباء ونفقتهم من بيت المال. ويأخذون منهم العلم في كل وقت"3.
وآل الشيخ إلى يومنا هذا هم القائمون في جزيرة العرب بالوظائف الدينية والدفاع عن حوزة الدين، ونصرة شريعة سيد المرسلين، فجزى الله العاملين أحسن الجزاء ووفقنا وإياهم لما يحبه ويرضاه.
1 عنوان المجد في تاريخ نجد. عثمان بن بشر.
2 نفس المصدر.
3 نفس المصدر.
طلبه للعلم
لقد كانت البيئة التي نشأ فيها الفتى محمد بن عبد الوهاب بيئة علمية دينية صالحة، وقد تلقى علمه في البداية على يد والده عبد الوهاب حيث درس عليه كتب الفقه الحنبلي.
قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن:
"وأخذ محمد بن عبد الوهاب الفقه عن أبيه عن جده مفتي الديار النجدية في وقته، وسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد معروف مقرر عندهم"1.
ثم أخذ يزيد في معلوماته بالقراءة الخاصة، حيث أخذ يقرأ في كتاب التفسير والحديث والأصول، وقد ساعده حبه للقراءة وشغفه بها على الاطلاع على كل ما يقع في يده من كتب الدين، وخاصة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، فاهتم الشيخ بقراءة كتبهما بعناية خاصة، واعتد بأقوالهما، وتأثر بأفكارهما، واستنار بآرائهما، فكان لذلك أثر كبير في تصحيح عقيدته وتوجيه حياته، ومنهج دعوته.
ولقد وهب الله ابن عبد الوهاب قلباً واعياً، وأذناً سمعية، وعقلاً نيراً، وكان رحمه الله تعالى مرهف الحس، شديد التأثر، يتألم جداً لما يرى حوله من الحالة السيئة للقرى والمدن في نجد على وجه الخصوص، وكان أكثر العلماء في عالم الإسلام في حالة لا ترضى، فضلاً عن العوام.
لقد أخذ الشيخ عن والده كل ما كان يستطيع، وبعد ذلك عزم على الارتحال
1 مجموعة الرسائل النجدية ج 2 ص 379 مطبعة المنار –مصر.
إلى البلدان المجاورة طلباً للعلم والزيادة فيه، كعادة السلف الصالح، فبدأ بحج بيت الله الحرام للمرة الثانية، ثم توجه من مكة إلى المدينة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- وأقام فيها حيناً آخذ فيها العلم عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي1، أحد العلماء المشهورين من "المجمعة"، ولازمه في "المدينة" تعرف على الشيخ محمد حياة السندي2، وكان من أساتذة الحديث المعتمدين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عنه الحديث وعلومه.
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب وافقاً عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أناس يدعون ويستغيثون عند قبره صلى الله عليه وسلم، إذ مر به الشيخ السندي، فسأله عن رأيه فيهم، فقال: إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون3.
وقد ذكر ابن بشر: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب [قال] : كنت عنده يوماً فقال لي: أتريد أن أريك سلاحاً أعددته للمجمعة؟ قلت: نعم، فأدخلني منزلاً فيه كتب كثيرة، فقال: هذا الذي أعددنا لها4.
1 هو الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف بن عبد الله الشمري نسبة إلى قبيلة شمر، انتقل مع والده من بلدة المجمعة المعروفة بناحية سدير بنجد، إلى المدينة المنورة، وقرأ على علمائها، ثم جلس في المدينة لطلاب العلم، فأخذ عنه العلم في المدينة خلق كثير من ضمنهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبقي الشيخ عبد الله في المدينة حتى توفي بها. وقد ولد له في المدينة ابنه الفردي الشهير إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن سيف مؤلف كتاب "العذب الفائض في علم الفرائض". (انظر: عثمان بن بشر –ج1 ص35) .
2 هو الشيخ العلامة المحدث محمد حياة بن إبراهيم السندي، الحنفي، محدث فقهي، أصولي، مفسر ولد بالسند، ونشأ بها، وتوفي بالمدينة سنة 1163هـ/1750م. من تصانيفه: شرح الترغيب والترهيب للمنذري في مجلدين، شرح الأربعين النووية، مختصر الزواجر لابن حجر المكي، تحفة الأنام في العمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، إرشاد النقاد إلى تيسيير الاجتهاد. (انظر: الأعلام خير الدين الزركلي/ ج6 ص111، ومعجم المؤلفين لرضا كحالة –ج9 ص275 –دار إحياء التراث العربي.
3 انظر: ابن بشر ج1 ص 35.
4 انظر: نفس المصدر.
ومنها توجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى "البصرة"، وهناك درس على الشيخ محمد المجموعي الفقه والحديث واللغة، ولازم صحبته، وبعد ذلك قفل راجعاً بعد أن فتحت هذه الرحلات تفكيره، ووسعت مداركه وعلومه، وزادته اطلاعاً على الفساد السياسي والديني الذي يعيشه العالم الإسلامي، حينذاك عاد إلى بلاده وكله عزيمة وأمل بأن يميط هذا الفساد بقدر ما يسعه جهده، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"1.
وآب الشيخ من رحلته الطويلة وراء العلم والتحصيل متوجهاً إلى "حريملاء" التي انتقل إليها والده عبد الوهاب رحمه الله تعالى من العيينة في سنة 1139هـ، الموافقة 1736م. بعد عزله عن قضاء العيينة.
قال ابن بشر:
"فلما وصلها جلس يقرأ فيها عند عالم جليل من أهل "المجموعة"2 في مدرسة فيها، ذكر لي أن اسمه: "محمد المجموعي" فأقام مدة يقرأ عليه وينكر أشياء من الشركيات والبدع، وأعلن بالإنكار واستحسن شيخه قوله، وقرر له التوحيد، وانتفع به3.
فلما أنكر الشيخ لهذه الشركيات والعادات السيئة: آذاه أهل "البصرة" هو وشيخه "المجموعي" وأخرجوه من البصرة.
1 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والدارمي ومالك.
2 المجموعة قرية من قرى البصرة التابعة للعراق.
3 عنوان المجد في تاريخ نجد ج1 ص16.
وقرر الشيخ السفر إلى الشام، إلا أن ضياع نفقته في الطريق قد حالت بينه وبين السفر إلى الشام، فانثنى عزمه عنها، وعاد إلى نجد1.
ولما جاء من "البصرة" وهو في طريقه مر على "الإحساء"، فنزل فيها عند الشيخ "عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف"2 فأخذ عنه العلم، وناقش بعض علمائها في التوحيد والعقيدة، ثم رحل منها إلى "حريملاء"3.
تلاميذ الإمام
منذ أن وصل الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية والناس يلتهمون العلم من الإمام، وخاصة في العقيدة.
ويقول ابن بشر، رحمه الله:
إن الناس يطلبون العلم على الشيخ محمد وتلاميذه في أطراف النهار والليل، ويحترفون في النهار لكسب قوتهم والاستعانة على مطالب الحياة4.
ويقول أيضاً: وكان سعود بن عبد العزيز قدوة في ذلك، فقد زلام الشيخ أكثر من سنتين ملازمة تامة، فبرع في كثير من العلوم، واستفاد فائدة كبيرة.
1 حسين بن غنام ج1 ص77. تاريخ نجد –حسين بن أبي بن غنام.
2 هو عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف، أحد علماء الأحساء، "ينتسب إلى مذهب الإمام مالك"، وقد وقف أمام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد ظهورها موقف العداء، فأرسل إليه الشيخ رسالة يبين له فيها حقيقة دعوته، ويلومه لموقفه المعادي له، ويطلب منه ألا يحكم عليه إلا بعد أن يقف على حقيقة دعوته.
(انظر: محمد بن عبد الوهاب –الرسائل الشخصية ص 267-350.
3 انظر تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام 1/77 حسين بن أبي بكر بن غنام وعنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر 1/37.
4 عنوان المجد في تاريخ نجد: 1/37.
ويقول الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين:
ومن ناحية أخرى فإن الشيخ ما أن استقر في بلده الجديد حتى بدأ أنصاره في البلدان الأخرى يفدون إليه، ومنهم من يستقر عنده، وقد ترك بعض هؤلاء بلدانهم لما كانوا يحسونه من ضغوط على أيدي زعمائهم الذين لم يكونوا نتيجة لذلك متعاطفين مع دعوة الشيخ آنذاك، أو لخوفهم من حدوث ضغوط عليهم، وربما كان السبب في مجيء البعض الآخر إلى الدرعية رغبة منهم في أن يكونوا قرب الشيخ ليستفيدوا من علمه، ويساعدوه في أموره، ومن الملاحظ أن هؤلاء المنتقلين إلى الدرعية من طبقات مختلفة، فبعض هؤلاء كانوا من أسر حاكمة1.
ويقول الشيخ عبد الله بن بسام:
فالدرعية بعد أن صارت مقر الدعوة وقاعدة الحكم الجديد، وفد عليها العلماء من كل حدب وصوب، وعمرت حلقات الدرس على الشيخ محمد وعلى أبنائه وكبار تلاميذه رحمهم الله تعالى، ووفد إليهم طلاب العلم والمعرفة من الجزيرة العربية وخارجها، وصاروا يجدون فيها العلم وكفاية المؤمنة كما يجد العلماء منهم المناصب الرفيعة، والرتب العالية في النواحي التابعة للعاصمة الفتية.
فراجت فيها سوق العلم، ونشطوا في تحصليه، وتنافسوا في نيله، حتى كان من ذلك حركة علمية كبيرة ربما لم تعرفها البلاد العربية من قبل2.
ومن أشهر تلاميذ الشيخ وأنبههم، وقد صاروا قضاة ومفتين، وأوسعهم إدراكاً وفهما هؤلاء:
1 الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره –دار العلوم –الرياض.
2 انظر مقدمة الكتاب: علماء نجد خلال ستة قرون.
1-
الشيخ العالم الجليل، حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، والد الشيخ عبد العزيز مؤلف منحة القريب.
2-
الشيخ الزاهد الورع، عبد العزيز بن عبد الله الحصين1 الناصري، تولى القضاء إذ ذاك في ناحية الدشم.
3-
الشيخ الفاضل العالم العامل، سعيد بن حجي، قاضي حوطة بني تميم.
4-
العالم الجليل الشيخ عبد الرحمن بن ناجي تولى القضاء ببلدة "العيينة" و"الإحساء".
5-
الشيخ الجليل حمد بن راشد العريني، قاضي في ناحية سدير.
6-
محمد بن سلطان العوسجي.
7-
عبد الرحمن بن خميس.
8-
حسن بن عبد الله بن عيدان، وكان قاضياً في بلاد حريملاء.
9-
عبد العزيز بن سويلم، وكان قاضياً في بلد القصيم.
10-
عبد الرحمن بن عبد المحسن أبا حسين.
11-
عبد الرحمن بن ناجي2.
1 لم يعقب من الأولاد شيئاً.
2 انظر: كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عقيدته السلفية ودعوته الاصلاحية: أحمد بن حجر آل بوطامي ص 38.