الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْيَوْم الآخر وَغير ذَلِك فَلم تنسخ
وَكَذَلِكَ الدّين الْجَامِع والشرائع الْكُلية لَا نسخ فِيهَا وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذمهم على ترك اتِّبَاع الْكتاب الأول لِأَن أهل الْكتاب كفرُوا من جِهَتَيْنِ من جِهَة تبديلهم الْكتاب الأول وَترك الْإِيمَان وَالْعَمَل بِبَعْضِه وَمن جِهَة تكذيبهم بِالْكتاب الثَّانِي وَهُوَ الْقُرْآن كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا بِمَا أنزل الله قَالُوا نؤمن بِمَا أنزل علينا ويكفرون بِمَا وَرَاءه وَهُوَ الْحق مُصدقا لما مَعَهم قل فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله من قبل إِن كُنْتُم مُؤمنين}
فَبين أَنهم كفرُوا قبل مبعثه بِمَا أنزل عَلَيْهِم وَقتلُوا الْأَنْبِيَاء كَمَا كفرُوا حِين مبعثه بِمَا أنزل عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {الَّذين قَالُوا إِن الله عهد إِلَيْنَا أَلا نؤمن لرَسُول حَتَّى يأتينا بقربان تَأْكُله النَّار قل قد جَاءَكُم رسل من قبلي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلم قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنْتُم صَادِقين}
وَقَالَ تَعَالَى {فَإِن كَذبُوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ والزبر وَالْكتاب الْمُنِير}
وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَهُوَ سُبْحَانَهُ يذمهم على ترك اتِّبَاع مَا أنزلهُ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وعَلى ترك اتِّبَاع مَا أنزلهُ فِي الْقُرْآن وَبَين كفرهم بِالْكتاب الأول وبالكتاب الثَّانِي وَلَيْسَ فِي شَيْء من ذَلِك أَمرهم أَن يحكموا بالمنسوخ من الْكتاب الأول كَمَا لَيْسَ فِي أَمرهم أَن يحكموا بالمنسوخ فِي الْكتاب الثَّانِي
فصل
فَهَذَا ثَنَاء مِنْهُ على الْمَسِيح وَالْإِنْجِيل وَأمر لِلنَّصَارَى بالحكم بِمَا أنزل الله فِيهِ كَمَا أثنى على مُوسَى والتوراة بأعظم مِمَّا عظم بِهِ الْمَسِيح وَالْإِنْجِيل فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر من الَّذين قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم وَمن الَّذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك} أَي قَائِلُونَ للكذب مصدقون مستجيبون مطيعون لقوم آخَرين لم يأتوك فهم مصدقون للكذب مطيعون لما يخالفك وَأَنت رَسُول الله
فَكل من تَصْدِيق الْكَذِب وَالطَّاعَة لمن خَالف رَسُول الله من أعظم الذُّنُوب
وَلَفظ السَّمِيع يُرَاد بِهِ الإحساس بالصوت وَيُرَاد بِهِ فهم الْمَعْنى وَيُرَاد بِهِ قبُوله فَيُقَال فلَان سمع مَا يَقُول فلَان أَي يصدقهُ أَو يطيعه وَيقبل مِنْهُ بقوله سماعون للكذب أَي مصدقون بِهِ وَإِلَّا مُجَرّد سَماع صَوت الْكَاذِب وَفهم كَلَامه لَيْسَ مذموما على الْإِطْلَاق وَكَذَلِكَ سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك أَي مستجيبون لَهُم مطيعون لَهُم كَمَا قَالَ فِي حق الْمُنَافِقين وَفِيكُمْ سماعون لَهُم أَي مستجيبون لَهُم مطيعون لَهُم وَمن قَالَ إِن المُرَاد بِهِ الجاسوس فَهُوَ غالط كغلط من قَالَ سماعون لَهُم هم الجواسيس فَإِن الجاسوس إِنَّمَا ينْقل خبر الْقَوْم إِلَى من لَا يعرفهُ وَمَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ مَا يذكرهُ وَيَأْمُر بِهِ ويفعله يرَاهُ ويسمعه كل من بِالْمَدِينَةِ مؤمنهم ومنافقهم وَلم يكن يقْصد أَن يكتم يهود الْمَدِينَة مَا يَقُوله ويفعله خلاف من كَانَ يَأْتِيهم من الْيَهُود وهم يصدقون الْكَذِب ويطيعون للْيَهُود الآخرين الَّذين لم يأتوه وَالله نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أَن يحزنهُ المسارعون فِي الْكفْر من هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ المنافقتين الَّذين أظهرُوا الْإِيمَان بِهِ وَلم تؤمن قُلُوبهم وَمن أهل الْكتاب الَّذين يطْلبُونَ أَن يحكم بَينهم وَلَيْسَ مقصودهم أَن يطيعوه ويتبعوا حكمه بل إِن حكم بِمَا يهوونه قبلوه وَإِن حكم بِخِلَاف ذَلِك لم يقبلوه لكَوْنهم مُطِيعِينَ لقوم آخَرين لم يأتوه
قَالَ تَعَالَى {سماعون للكذب سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك} أَي لم يأتك أُولَئِكَ الْقَوْم الْآخرُونَ يَقُولُونَ أَي يَقُول السماعون {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لم تؤتوه فاحذروا وَمن يرد الله فتنته فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا أُولَئِكَ الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم}
وَالْحكم يفْتَقر إِلَى الصدْق وَالْعدْل فَلَا بُد أَن يكون الشَّاهِد صَادِقا وَالْحَاكِم عادلا وَهَؤُلَاء يصدقون الْكَاذِبين من الشُّهُود ويتبعون حكم الْمُخَالفين للرسل الَّذين يحكمون بِغَيْر مَا أنزل الله وَإِذا لم يكن قصدهم اتِّبَاع الصدْق وَالْعدْل فَلَيْسَ عَلَيْك أَن تحكم بَينهم بل إِن شِئْت فاحكم بَينهم وَإِن شِئْت فَلَا تحكم
وَلَكِن إِذا حكمت فَلَا تحكم إِلَّا بِمَا أنزل الله إِلَيْك إِذْ هُوَ الْعدْل
قَالَ تَعَالَى {سماعون للكذب أكالون للسحت فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم وَإِن تعرض عَنْهُم فَلَنْ يضروك شَيْئا وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ إِن الله يحب المقسطين} ثمَّ قَالَ سُورَة الْمَائِدَة الْآيَات 43 46
فَهَذَا ثَنَاؤُهُ على التَّوْرَاة وإخباره أَن فِيهَا حكم الله وَأَنه أنزل التَّوْرَاة وفيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا وَقَالَ عقب ذكرهَا {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} وَهَذَا أعظم مِمَّا ذكره فِي الْإِنْجِيل فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْإِنْجِيل {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هدى وَنور} وَقَالَ فِيهِ {وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ}
وَقَالَ فِي التَّوْرَاة {يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا} وَقَالَ عقب ذكرهَا {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ إخْبَاره بإنزال