المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل اعْتِرَاض وَجَوَابه قَالَ الْمُعْتَرض فِي أَسمَاء الله الْحسنى النُّور الْهَادِي يجب - دقائق التفسير - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما لبن الْميتَة وأنفحتها فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي عُقُوبَة الْمُحَاربين بَين وقطاع الطَّرِيق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ الشَّيْخ الْإِسْلَام رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بطلَان الِاسْتِدْلَال بالمتشابه

- ‌فصل فِي ادِّعَاء النَّصَارَى أَن الْقُرْآن سوى بَين الْأَدْيَان

- ‌ فصل فِي كَفَّارَة الْيَمين

- ‌ فصل فِي معنى روح الْقُدس

- ‌فصل عِيسَى عبد الله وَرَسُوله

- ‌معنى التوفي

- ‌فصل فَسَاد قَول النَّصَارَى فِي أَن الْمَسِيح خَالق

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌فصل

- ‌فَصِلَ

- ‌فصل

- ‌لَا أحب الآفلين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذَبَائِح أهل الْكتاب

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌ فصل

- ‌فَصْل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل عرض لما تضمنته السُّورَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَسُئِلَ رحمه الله

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة فَمن سبقت لَهُ من الله الْحسنى فَلَا بُد أَن يصير مُؤمنا تقيا فَمن لم يكن من الْمُؤمنِينَ لم تسبق لَهُ من الله الْحسنى لَكِن الله إِذا سبقت للْعَبد مِنْهُ سَابِقَة اسْتَعْملهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يصل بِهِ إِلَى تِلْكَ السَّابِقَة كمن سبق

- ‌فصل وَأما قَول الْقَائِل مَا لنا فِي جَمِيع أفعالنا قدرَة فقد كذب فَإِن الله تَعَالَى فرق بَين المستطيع الْقَادِر وَغير المستطيع وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام فَقيل لَهُ

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصل اعْتِرَاض وَجَوَابه قَالَ الْمُعْتَرض فِي أَسمَاء الله الْحسنى النُّور الْهَادِي يجب

‌فصل

اعْتِرَاض وَجَوَابه

قَالَ الْمُعْتَرض فِي أَسمَاء الله الْحسنى النُّور الْهَادِي يجب تَأْوِيله قطعا إِذْ النُّور كَيْفيَّة قَائِمَة بالجسمية وَهُوَ ضد الظلمَة وَجل الْحق سُبْحَانَهُ أَن يكون لَهُ ضد وَلَو كَانَ نورا لم تجز إِضَافَته إِلَى نَفسه فِي قَوْله {مثل نوره} فَتكون إِضَافَته الشَّيْء إِلَى نَفسه وَهُوَ غير جَائِز وَقَوله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ يَعْنِي هادي أهل السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ ضَعِيف لِأَن ذكر الْهَادِي بعده يكون تَكْرَارا وَقيل منور السَّمَاوَات بالكواكب وَقيل بالأدلة والحجج الباهرة والنور جسم لطيف شفاف فَلَا يجوز على الله والتأويل مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَأنس وَسَالم وَهَذَا يبطل دَعْوَاهُ أَن التَّأْوِيل يبطل الظَّاهِر وَلم ينْقل عَن السّلف وَلَو كَانَ نورا حَقِيقَة كَمَا يَقُوله المشبهة لوَجَبَ أَن يكون الضياء لَيْلًا وَنَهَارًا على الدَّوَام

وَقَوله {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا} وَمَعْلُوم أَنه صلى الله عليه وسلم لم يكن السراج الْمَعْرُوف وَإِنَّمَا سمي سِرَاجًا بِالْهدى الَّذِي جَاءَ بِهِ ووضوح أدلته بِمَنْزِلَة السراج الْمُنِير

وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى وَأبي الْعَالِيَة وَالْحسن يَعْنِي منور السَّمَاوَات وَالْأَرْض شمسها وقمرها ونجومها وَمن كَلَام العارفين النُّور هُوَ الَّذِي نور قُلُوب الصَّادِقين بتوحيده وَنور أسرار المحبين بتأييده وَقيل هُوَ الَّذِي أَحْيَا قُلُوب العارفين بِنور مَعْرفَته ونفوس العابدين بِنور عِبَادَته

وَالْجَوَاب أَن هَذَا الْكَلَام وَأَمْثَاله لَيْسَ باعتراض علينا وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاء نقص حرمته مِنْهُم لما يظنّ أَنه يلْزمنَا أَو يظنّ أَنا نقُوله على الْوَجْه الَّذِي حَكَاهُ وَقد قَالَ تَعَالَى {اجتنبوا كثيرا من الظَّن إِن بعض الظَّن إِثْم}

ص: 470

وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَإِذا كَانَ فِي الْكَلَام إِخْبَار عَن الْغَيْر بِأَنَّهُ يَقُول أقوالا بَاطِلَة فِي الْعقل وَالشَّرْع وَفِيه رد تِلْكَ الْأَقْوَال كَانَ هَذَا كذبا وظلما فنعوذ بِاللَّه من ذَلِك ثمَّ مَعَ كَونه ظلما لنا يَا ليته كَانَ كلَاما صَحِيحا مُسْتَقِيمًا فَكُنَّا نحلله من حَقنا وَيُسْتَفَاد مَا فِيهِ من الْعلم وَلَكِن فِيهِ من تَحْرِيف كتاب الله والإلحاد فِي آيَاته وأسمائه وَالْكذب وَالظُّلم والعدوان الَّذِي يتَعَلَّق بِحُقُوق الله مِمَّا فِيهِ لَكِن عَفَوْنَا عَن حَقنا فَحق الله إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيره

وَنحن نذْكر من الْقيام بِحَق الله وَنصر كِتَابه وَدينه مَا يَلِيق بِهَذَا الْموضع فَإِن هَذَا الْكَلَام الَّذِي ذكره فِيهِ من التَّنَاقُض وَالْفساد مَا لَا أَظن تمكنه من ضَبطه من وُجُوه

أَحدهَا أَنه قَالَ فِي أَوله النُّور كَيْفيَّة قَائِمَة بالجسمية ثمَّ قَالَ فِي آخِره جسم لطيف شفاف فَذكر فِي أول الْكَلَام أَنه عرض وَصفَة فِي آخِره جسم وَهُوَ جَوْهَر قَائِم بِنَفسِهِ

الثَّانِي أَنه ذكر عَن الْمُفَسّرين أَنهم تأولوا ذَلِك بالهادي وَضعف ذَلِك ثمَّ ذكر فِي آخِره أَن من كَلَام العارفين أَن النُّور هُوَ الَّذِي نور قُلُوب الصَّادِقين بتوحيده وأسرار المحبين بتأييده وَأَحْيَا قُلُوب العارفين بِنور مَعْرفَته وَهَذَا هُوَ معنى الْهَادِي الَّذِي ضعفه أَولا فيضعفه أَولا ويجعله من كَلَام العارفين وَهِي كلمة لَهَا صولة فِي الْقُلُوب وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام بعض الْمَشَايِخ الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بِنَوْع من الْوَعْظ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَحْقِيق فَإِن الشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن ذكر فِي تَحْقِيق التَّفْسِير من الإشارات الَّتِي بَعْضهَا كَلَام حسن مُسْتَفَاد وَبَعضهَا مَكْذُوب على قَائِله مفترى كالمنقول عَن جَعْفَر وَغَيره وَبَعضهَا من الْمَنْقُول الْبَاطِل الْمَرْدُود فَإِن إشارات الْمَشَايِخ وَهِي إشارتهم بالقلوب وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي امتازوا بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه وينقسم إِلَى الإشارات الْمُتَعَلّقَة بالأقوال مثل مَا يأخذونها من الْقُرْآن وَنَحْوه فَتلك الإشارات هِيَ من بَاب الِاعْتِبَار وَالْقِيَاس وإلحاق مَا لَيْسَ بمنصوص بالمنصوص مثل الِاعْتِبَار وَالْقِيَاس الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ الْفُقَهَاء فِي الْأَحْكَام لَكِن هَذَا يسْتَعْمل فِي التَّرْغِيب والترهيب وفضائل الْأَعْمَال ودرجات الرِّجَال وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَت الْإِشَارَة اعتبارية من جنس الْقيَاس الصَّحِيح كَانَت حَسَنَة مَقْبُولَة وَإِن كَانَت كالقياس الضَّعِيف كَانَ لَهَا حكمه وَإِن كَانَ تحريفا للْكَلَام على غير تَأْوِيله كَانَت من جنس كَلَام القرامطة والباطنية والجهمية فَتدبر هَذَا فَإِنِّي قد أوضحت هَذَا فِي قَاعِدَة الإشارات

الْوَجْه الثَّالِث فِي تناقضه فَإِن قَالَ التَّأْوِيل مَنْقُول عَن ابْن عَبَّاس وَأنس وَسَالم وَلم يذكر

ص: 471

إِلَّا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه هادي أهل السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَقد ضعف ذَلِك فَإِن كَانَ الْمَنْقُول هُوَ هَذَا الضَّعِيف فيا خيبة الْمَسْعَى إِذْ لم ينْقل عَن السّلف فِي جَمِيع كَلَامه إِلَى هُنَا شَيْئا عَن السّلف إِلَّا هَذَا الَّذِي ضعفه وأوهاه وَإِن كَانَ الْمَنْقُول عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة أَنه منور السَّمَاوَات بالكواكب كَانَ متناقضا من وَجه آخر وَهُوَ أَنه قد ذكر فِيمَا بعد أَن هَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى وَأبي الْعَالِيَة وَالْحسن أَنه منورها بالشمس وَالْقَمَر والنجوم وَهَذَا يُوجب أَن يكون الْمَنْقُول عَن ابْن عَبَّاس والاثنين أَولا غير الْمَنْقُول عَنهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى وَعَمن لَيْسَ مَعَه فِي الأولى وَإِن كَانَ نوره بالحجج الباهرة والأدلة كَانَ متناقضا فَإِن هَذَا هُوَ معنى الْهَادِي إِذا نَصبه للأدلة والحجج هِيَ من هدايته وَهُوَ قد ضعف هَذَا القَوْل فَمَا أَدْرِي من أَيهمَا الْعجب أم من حكايته الْقَوْلَيْنِ اللَّذين أَحدهمَا دَاخل فِي معنى الآخر أم من تَضْعِيفه لقَوْل السَّائِل الَّذِي يُوجب تَضْعِيف الِاثْنَيْنِ وَهُوَ لَا يدْرِي أَنه قد ضعفهما جَمِيعًا

فَيجب على الْإِنْسَان أَن يعرف معنى الْأَقْوَال المنقولة وَيعرف أَن الَّذِي يُضعفهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي عظمه

الْوَجْه الرَّابِع أَنه قد تبين أَنه لم ينْقل عَن ابْن عَبَّاس وَأنس وَسَالم إِلَّا القَوْل الَّذِي ضعفه أَو مَا يدْخل فِيهِ فَإِنَّهُ إِن كَانَ قَوْلهم الْهَادِي فقد صرح بضعفه وَإِن كَانَ مُقيم الْأَدِلَّة فَهُوَ من معنى الْهَادِي وَإِن كَانَ الْمنور بالكواكب فقد جعله قولا آخر وَإِن كَانَ مَا ذكره عَن بعض العارفين فَهُوَ أَيْضا دَاخل فِي الْهَادِي وَإِذا كَانَ قد اعْترف بِضعْف مَا حَكَاهُ عَن ابْن عَبَّاس وَأنس وَسَالم لم يكن فِيهِ حجَّة علينا

فَتبين أَن مَا ذكره عَن السّلف إِمَّا أَن يكون مُبْطلًا فِي نَقله أَو مفتريا بتضعيفه وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا حجَّة علينا بذلك

الْوَجْه الْخَامِس أَنه أَسَاءَ الْأَدَب على السّلف إِذْ يذكر عَنْهُم مَا يُضعفهُ وَأظْهر للنَّاس أَن السّلف كَانُوا يتأولون ليحتج بذلك على التَّأْوِيل فِي الْجُمْلَة وَهُوَ قد اعْترف بِضعْف هَذَا التَّأْوِيل وَمن احْتج بِحجَّة وَقد ضعفها وَهُوَ لَا يعلم أَنه ضعفها فقد رمى نَفسه بسهمه وَمن رمى بِسَهْم الْبَغي صرع بِهِ وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين

الْوَجْه السَّادِس قَوْله هَذَا يبطل دَعْوَاهُ أَن التَّأْوِيل دفع الظَّاهِر وَلم ينْقل عَن السّلف فَإِن هَذَا القَوْل لم أَقَله وَإِن كنت قلته فَهُوَ لم ينْقل إِلَّا مَا عرف أَنه ضَعِيف والضعيف لَا يبطل شَيْئا فَهَذِهِ الْوُجُوه فِي بَيَان تناقضه وحكايته عَنَّا مَا لم نَقله

وَأما بَيَان فَسَاد الْكَلَام فَنَقُول أما قَوْله يجب تَأْوِيله قطعا فَلَا نسلم أَنه يجب تَأْوِيله وَلَا نسلم أَن ذَلِك لَو وَجب قَطْعِيّ بل جَمَاهِير الْمُسلمين لَا يتأولون هَذَا الِاسْم وَهَذَا مَذْهَب

ص: 472

السلفية وَجُمْهُور الصفاتية من أهل الْكَلَام وَالْفُقَهَاء والصوفية وَغَيرهم وَهُوَ قَول أبي سعيد بن كلاب ذكره فِي الصِّفَات ورد على الجمهية تَأْوِيل اسْم النُّور وَهُوَ شيخ الْمُتَكَلِّمين الصفاتية الأشعرية الشَّيْخ الأول وَحَكَاهُ عَنهُ أَبُو بكر ابْن فورك فِي كتاب مقالات ابْن كلاب والأشعرية وَلم يذكرَا تَأْوِيله إِلَّا عَن الْجَهْمِية المذمومين بِاتِّفَاق وَهُوَ أَيْضا قَول أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ذكره فِي الموجز

وَأما قَوْله إِن هَذَا ورد فِي الْأَسْمَاء الْحسنى فَالْحَدِيث الَّذِي ذكر فِيهِ ذَلِك هُوَ حَدِيث التِّرْمِذِيّ روى الْأَسْمَاء الْحسنى فِي جَامعه من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَرَوَاهَا ابْن مَاجَه فِي سنَنه من طَرِيق مخلد بن زِيَاد الْقَطوَانِي عَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة وَقد اتّفق أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ على أَن هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ ليستا من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا كل مِنْهُمَا من كَلَام بعض السّلف فالوليد ذكرهَا عَن بعض شُيُوخه الشاميين كَمَا جَاءَ مُفَسرًا فِي بعض طرق حَدِيثه وَلِهَذَا اخْتلف أعيانهما عَنهُ فروى عَنهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَات من الْأَسْمَاء بدل مَا ذكر فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لِأَن الَّذين جمعوها قد كَانُوا يذكرُونَ هَذَا تَارَة وَهَذَا تَارَة واعتقدوا هم وَغَيرهم أَن الْأَسْمَاء الْحسنى الَّتِي من أحصاها دخل الْجنَّة لَيست شَيْئا معينا بل من أحصى تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أَسمَاء الله دخل الْجنَّة أَو أَنَّهَا وَإِن كَانَت مُعينَة فالاسمان اللَّذَان يتفقان مَعْنَاهُمَا يقوم أَحدهمَا مقَام صَاحبه كالأحد وَالْوَاحد فَإِن فِي رِوَايَة هِشَام بن عمار عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ رَوَاهَا عُثْمَان بن سعيد الْأَحَد بل الْوَاحِد والمعطي بدل الْمُغنِي وهما متقاربان وَعند الْوَلِيد هَذِه الْأَسْمَاء بعد أَن روى الحَدِيث عَن خُلَيْد بن دعْلج عَن قَتَادَة عَن ابْن سِيرِين عَن أبي

ص: 473

هُرَيْرَة ثمَّ قَالَ هِشَام وَحدثنَا الْوَلِيد حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز مثل ذَلِك وَقَالَ كلهَا فِي الْقُرْآن {هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} مثل مَا سَاقهَا التِّرْمِذِيّ لَكِن التِّرْمِذِيّ رَوَاهَا عَن طَرِيق صَفْوَان بن صَالح عَن الْوَلِيد عَن شُعَيْب وَقد رَوَاهَا ابْن أبي عَاصِم وَبَين مَا ذكره هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ خلاف فِي بعض الْمَوَاضِع

وَهَذَا كُله مِمَّا يبين لَك أَنَّهَا من الْمَوْصُول المدرج فِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي بعض الطّرق وَلَيْسَت من كَلَامه وَلِهَذَا جمعهَا قوم آخَرُونَ على غير هَذَا الْجمع واستخرجوها من الْقُرْآن مِنْهُم سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيرهم كَمَا ذكرت ذَلِك فِيمَا تَكَلَّمت بِهِ قَدِيما على هَذَا وَهَذَا كُله يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدهم مِمَّا يقبل الْبَدَل فَإِن الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْمُسلمين أَن أَسمَاء الله أَكثر من تِسْعَة وَتِسْعين قَالُوا وَمِنْهُم الْخطابِيّ قَوْله

إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أحصاها التَّقْيِيد بِالْعدَدِ عَائِد إِلَى الْأَسْمَاء الموصوفة بِأَنَّهَا هِيَ هَذِه الْأَسْمَاء فَهَذِهِ الْجُمْلَة وَهِي قَوْله

من أحصاها دخل الْجنَّة صفة للتسعة وَالتسْعين لَيست جملَة مُبتَدأَة وَلَكِن موضعهَا النصب وَيجوز أَن تكون مُبتَدأَة وَالْمعْنَى لَا يخْتَلف وَالتَّقْدِير إِن لله أَسمَاء بِقدر هَذَا الْعدَد من أحصاها دخل الْجنَّة كَمَا يَقُول الْقَائِل إِن مائَة غُلَام أعددتهم لِلْعِتْقِ وَألف دِرْهَم أعددتها لِلْحَجِّ فالتقييد بِالْعدَدِ هُوَ فِي الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصّفة لَا فِي أصل اسْتِحْقَاقه لذَلِك الْعدَد فَإِنَّهُ لم يقل إِن أَسمَاء الله تِسْعَة وَتسْعُونَ

قَالَ وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو أنزلته فِي كتابك أَو عَلمته احدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك فَهَذَا يدل على أَن لله أَسمَاء فَوق تِسْعَة وَتِسْعين يحصيها بعض الْمُؤمنِينَ

وَأَيْضًا فَقَوله

إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين تَقْيِيد بِهَذَا الْعدَد بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} فَلَمَّا استقلوهم قَالَ {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} فَأن لَا يعلم أسماءه إِلَّا

ص: 474

هُوَ أولى وَذَلِكَ أَن هَذَا لَو كَانَ قد قيل مُنْفَردا لم يفد النَّفْي إِلَّا بِمَفْهُوم الْعدَد الَّذِي هُوَ دون مَفْهُوم الصّفة والنزاع فِيهِ مَشْهُور وَإِن كَانَ الْمُخْتَار عندنَا أَن التَّخْصِيص بِالذكر بعد قيام الْمُقْتَضى للْعُمُوم يُفِيد الِاخْتِصَاص بالحكم فَإِن الْعُدُول عَن وجوب التَّعْمِيم إِلَى التَّخْصِيص إِن لم يكن للاختصاص بالحكم وَإِلَّا كَانَ تركا للمقتضى بِلَا معَارض وَذَلِكَ مُمْتَنع فَقَوله إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين قد يكون للتحصيل بِهَذَا الْعدَد فَوَائِد غير الْحصْر وَمِنْهَا ذكر أَن إحصاءها يُورث الْجنَّة فَإِنَّهُ لَو ذكر هَذِه الْجُمْلَة مُنْفَرِدَة وأتبعها بِهَذِهِ مُنْفَرِدَة لَكَانَ حسنا فَكيف وَالْأَصْل فِي الْكَلَام الِاتِّصَال وَعدم الِانْفِصَال فَتكون الْجُمْلَة الشّرطِيَّة صفة لَا ابتدائية فَهَذَا هُوَ الرَّاجِح فِي الْعَرَبيَّة مَعَ مَا ذكر من الدَّلِيل وَلِهَذَا قَالَ

انه وتر يحب الْوتر ومحبته لذَلِك تدل على أَنه مُتَعَلق بالإحصاء أَي يجب أَن يحصي من أَسْمَائِهِ هَذَا الْعدَد وَإِذا كَانَت أَسمَاء الله أَكثر من تِسْعَة وَتِسْعين أمكن أَن يكون إحصاء تِسْعَة وَتِسْعين اسْما يُورث الْجنَّة مُطلقًا على سَبِيل الْبَدَل فَهَذَا يُوَجه قَول هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ كثيرا

وَكثير من النَّاس من يَجْعَلهَا أَسمَاء مُعينَة ثمَّ من هَؤُلَاءِ من يَقُول لَيْسَ إِلَّا تِسْعَة وَتِسْعين اسْما فَقَط وَهُوَ قَول ابْن حزم وَطَائِفَة وَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُم يَقُولُونَ وَإِن كَانَت أَسمَاء الله أَكثر لَكِن الْمَوْعُود بِالْجنَّةِ لمن أحصاها هِيَ مُعينَة وَبِكُل حَال فتعيينها لَيْسَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِاتِّفَاق أهل الْمعرفَة حَدِيثه وَلَكِن رُوِيَ فِي ذَلِك عَن السّلف أَنْوَاع

من ذَلِك مَا ذكره التِّرْمِذِيّ وَمِنْهَا غير ذَلِك فَإِذا عرف هَذَا فَقَوله فِي أَسْمَائِهِ الْحسنى النُّور الْهَادِي لَو نازعه مُنَازع فِي ثُبُوت ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم تكن لَهُ حجَّة وَلَكِن جَاءَ ذَلِك فِي أَحَادِيث صِحَاح مثل قَوْله فِي الحَدِيث الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَقُول

اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أَنْت نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ الحَدِيث وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي ذَر قَالَ

سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل رَأَيْت رَبك فَقَالَ نور أَنى أرَاهُ أَو قَالَ رَأَيْت نورا فَالَّذِي فِي الْقُرْآن والْحَدِيث الصَّحِيح إِضَافَة النُّور بقوله {نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَو نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ

وَأما قَوْله أَن النُّور كَيْفيَّة قَائِمَة فَنَقُول النُّور الْمَخْلُوق محسوس لَا يحْتَاج إِلَى بَيَان كَيْفيَّة لكنه نَوْعَانِ أَعْيَان وأعراض فالأعيان هُوَ نفس جرم النَّار حَيْثُ كَانَت نور السراج والمصباح

ص: 475

الَّذِي فِي الزجاجة وَغَيره وَهِي النُّور الَّذِي ضرب الله بِهِ الْمثل وَمثل الْقَمَر فَإِن الله سَمَّاهُ نورا فَقَالَ {جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا} ولاريب أَن النَّار جسم لطيف شفاف وأعراض مثل مَا يَقع من شُعَاع الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنَّار على الْأَجْسَام الصقيلة وَغَيرهَا فَإِن الْمِصْبَاح إِذا كَانَ فِي الْبَيْت أَضَاء جَوَانِب الْبَيْت فَذَلِك النُّور والشعاع الْوَاقِع على الْجدر والسقف وَالْأَرْض هُوَ عرض وَهُوَ كَيْفيَّة قَائِمَة بالجسم

وَقد يُقَال لَيْسَ الصّفة الْقَائِمَة بالنَّار وَالْقَمَر وَنَحْوهمَا نورا فَيكون الِاسْم على الْجَوْهَر تَارَة وعَلى صفة أُخْرَى وَلِهَذَا يُقَال لضوء النَّهَار نور كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَجعل الظُّلُمَات والنور} وَمن هَذَا تَسْمِيَة اللَّيْل ظلمَة وَالنَّهَار نورا فَإِنَّهُمَا عرضان وَقد قيل هما جوهران وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بسط ذَلِك فَتبين أَن اسْم النُّور يتَنَاوَل هذَيْن والمعترض ذكر أَولا حد الْعرض وَذكر ثَانِيًا حد الْجِسْم فتناقض وَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من كَلَامي وَلم يهتدوا لوجه الْجمع وَكَذَلِكَ اسْم الْحق يَقع على ذَات الله تَعَالَى وعَلى صِفَاته القدسية الْقَدِيمَة كَقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنْت الْحق وقولك الْحق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق والنبيون حق وَمُحَمّد حق

وَأما قَول الْمُعْتَرض النُّور ضد الظلمَة وَجل الْحق أَن يكون لَهُ ضد فَيُقَال لَهُ لم تفهم معنى الضِّدّ الْمَنْفِيّ عَن الله فَإِن الضِّدّ يُرَاد بِهِ مَا يمْنَع ثُبُوت الآخر كَمَا يُقَال فِي الْأَعْرَاض المتضادة مثل السوَاد وَالْبَيَاض وَيَقُول النَّاس الضدان لَا يَجْتَمِعَانِ وَيمْتَنع اجْتِمَاع الضدين وَهَذَا التضاد عِنْد كثير من النَّاس لَا يكون إِلَّا فِي الْأَعْرَاض وَأما الْأَعْيَان فَلَا تضَاد فِيهَا فَيمْتَنع عِنْد هَذَا أَن يُقَال لله ضد أَو لَيْسَ لَهُ ضد وَمِنْهُم من يَقُول يتَصَوَّر التضاد فِيهَا وَالله تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ضد يمْنَع ثُبُوته ووجوده بِلَا ريب بل هُوَ القاهر الْغَالِب الَّذِي لَا يغلب

وَقد يُرَاد بالضد الْمعَارض لأَمره وَحكمه وَإِن لم يكن مَانِعا من وجود ذَاته كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

من حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله فقد ضاد الله فِي أمره رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَتَسْمِيَة الْمُخَالف لأَمره وَحكمه ضدا كتسميته عدوا وَبِهَذَا الِاعْتِبَار فالمعادون المضادون لله كَثِيرُونَ فَأَما على التَّفْسِير الأول فَلَا ريب أَنه لَيْسَ فِي نفس الْأَمر مضادا لله لَكِن المضاد يَقع

ص: 476

فِي نفس الْكَافِر فَإِن الْبَاطِل ضد الْحق وَالْكذب ضد الصدْق فَمن اعتند فِي الله مَا هُوَ منزه عَنهُ كَانَ هَذَا ضدا للْإيمَان الصَّحِيح بِهِ

وَأما قَوْله النُّور ضد الظلمَة وَجل الْحق أَن يكون لَهُ ضد فَيُقَال لَهُ والحي ضد الْمَيِّت والعليم ضد الْجَاهِل والسميع والبصير وَالَّذِي يتَكَلَّم ضد الْأَصَم لأعمى الأبكم وَهَكَذَا سَائِر مَا سمى الله بِهِ من الْأَسْمَاء لَهَا أضداد وَهُوَ منزه عَن أَن يُسمى بأضدادها فجل الله أَن يكون مَيتا أَو عَاجِزا أَو فَقِيرا وَنَحْو ذَلِك

وَأما وجود مَخْلُوق لَهُ مَوْصُوف بضد صفته مثل وجود الْمَيِّت وَالْجَاهِل وَالْفَقِير والظالم فَهَذَا كثير بل غَالب أَسْمَائِهِ لَهَا أضداد مَوْجُودَة فِي الْمَوْجُودين وَلَا يُقَال لأولئك إِنَّهُم أضداد الله وَلَكِن يُقَال إِنَّهُم موصوفون بضد صِفَات الله فَإِن التضاد بَين إِنَّمَا يكن فِي الْمحل الْوَاحِد لَا فِي محلين فَمن كَانَ مَوْصُوفا بِالْمَوْتِ ضادته الْحَيَاة وَمن كَانَ مَوْصُوفا بِالْحَيَاةِ ضاده الْمَوْت وَالله سُبْحَانَهُ يمْتَنع أَن يكون ظلمَة أَو مَوْصُوفا بالظلمة كَمَا يمْتَنع أَن يكون مَيتا أَو مَوْصُوفا بِالْمَوْتِ فَهَذَا الْمُعْتَرض أَخذ لفظ الضِّدّ بالاشتراك وَلم يُمَيّز بَين الضِّدّ الَّذِي يضاد ثُبُوته ثُبُوت الْحق وَصِفَاته وأفعاله وَبَين أَن يكون فِي مخلوقاته مَا هُوَ مَوْصُوف بضد صِفَاته وَبَين مَا يضاده فِي أمره وَنَهْيه فالضد الأول هُوَ الْمُمْتَنع وَأما الْآخرَانِ فوجودهما كثير لَكِن لايقال إِنَّه ضد الله فَإِن المتصف بضد صِفَاته لم يضاده وَالَّذين قَالُوا النُّور ضد الظلمَة قَالُوا يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي عين وَاحِدَة وَلم يَقُولُوا أَنه يمْتَنع أَن يكون شَيْء مَوْصُوف بِأَنَّهُ نور وَشَيْء آخر مَوْصُوف بِأَنَّهُ ظلمَة فليتدبر الْعَاقِل هَذَا التعطيل والتخطيط

وَأما قَوْله لَو كَانَ نورا لم يجز إِضَافَته إِلَى نَفسه فِي قَوْله {مثل نوره} فَالْكَلَام عَلَيْهِ من طَرِيقين أَحدهمَا أَن نقُول النَّص فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله قد سمى الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَقد أخبر النَّص أَن الله نور وَأخْبر أَيْضا أَنه يحتجب بِالنورِ فَهَذِهِ ثَلَاثَة أنوار فِي النَّص وَقد تقدم ذكر الأول

وَأما الثَّانِي قَوْله {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} وَفِي قَوْله {مثل نوره} وَفِيمَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

إِن الله خلق خلقه فِي ظلمَة وَألقى عَلَيْهِم من نوره فَمن أَصَابَهُ من ذَلِك النُّور اهْتَدَى وَمن أخطأه ضل وَمِنْه قَوْله

ص: 477

ص = فِي دُعَاء الطَّائِف

أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن ينزل بِي سخطك أَو يحل عَليّ غضبك رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَغَيره وَمِنْه قَول ابْن مَسْعُود إِن ربكُم لَيْسَ عِنْده ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَاوَات من نور وَجهه وَمِنْه قَوْله مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَع كَلِمَات فَقَالَ إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام يخْفض الْقسْط وَيرْفَع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل حجابه النُّور لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا أدْركهُ بَصَره من خلقه فَهَذَا الحَدِيث فِيهِ ذكر حجابه فَإِن تردد الرَّاوِي فِي لفظ النَّار والنور لَا يمْنَع ذَلِك فَإِن مثل هَذِه النَّار الصافية الَّتِي كلم بهَا مُوسَى يُقَال لَهَا نَار وَنور كَمَا سمى الله نَار الْمِصْبَاح نورا بِخِلَاف النَّار الْمظْلمَة كنار جَهَنَّم فَتلك لَا تسمى نورا

فالأقسام ثَلَاثَة إشراق بِلَا إحراق وَهُوَ النُّور الْمَحْض كَالْقَمَرِ وإحراق بِلَا إشراق وَهِي النَّار الْمظْلمَة وَمَا هُوَ نَار وَنور كَالشَّمْسِ ونار المصابيح الَّتِي فِي الدُّنْيَا تُوصَف بالأمرين وَإِذا كَانَ كَذَلِك صَحَّ أَن يكون نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَن يُضَاف إِلَيْهِ النُّور وَلَيْسَ الْمُضَاف هُوَ عين الْمُضَاف إِلَيْهِ

وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن يُقَال هَذَا يرد عَلَيْكُم لَا يخْتَص بِمن يُسَمِّيه بِمَا سمى بِهِ نَفسه وَبَينه فَأَنت إِذا قلت هاد أَو منور أَو غير ذَلِك فالمسمى نورا هُوَ الرب نَفسه لَيْسَ هُوَ النُّور الْمُضَاف إِلَيْهِ فَإِذا قلت هُوَ الْهَادِي فنوره الْهدى جعلت أحد النورين عينا قَائِمَة وَالْآخر صفة فَهَكَذَا يَقُول من يُسَمِّيه نورا وَإِذا كَانَ السُّؤَال يرد على الْقَوْلَيْنِ والقائلين كَانَ تَخْصِيص أَحدهمَا بِأَنَّهُ مُخَالف ظلما ولددا فِي المحاجة أَو جهلا وضلالا عَن الْحق

واما مَا ذكره من الْأَقْوَال فَلَا ريب أَن للنَّاس فِيهَا من الْأَقْوَال أَكثر مِمَّا ذكره وَالْمَوْجُود بأيدي الْأمة من الرِّوَايَات الصادقة والكاذبة والآراء الْمُصِيبَة والمخطئة لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَالْكَلَام فِي تَفْسِير أَسمَاء الله وَصِفَاته وَكَلَامه فِيهِ من الغث والسمين مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا رب الْعَالمين وَإِنَّمَا الشَّأْن فِي الْحق وَالْعلم وَالدّين

وَقد كتبت قَدِيما فِي بعض كتبي لبَعض الأكابر أَن الْعلم مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيل والنافع مِنْهُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول فالشأن فِي أَن نقُول علما وَهُوَ النَّقْل والصدق والبحث الْمُحَقق فَإِن مَا سوى ذَلِك وَإِن زخرف مثله بعض النَّاس خزف مُزَوق وَإِلَّا فَبَاطِل مُطلق مِثْلَمَا ذكره فِي هَذِه الْآيَة وَغَيرهَا

ص: 478

وَهَذِه الْكتب الَّتِي يسميها كثير من النَّاس كتب التَّفْسِير فِيهَا كثير من التَّفْسِير منقولات عَن السّلف مكذوبة عَلَيْهِم وَقَول على الله وَرَسُوله بِالرَّأْيِ الْمُجَرّد بل بِمُجَرَّد شُبْهَة قياسية أَو شُبْهَة أدبية فالمفسرون الَّذين ينْقل عَنْهُم لم يسمهم وَمَعَ هَذَا فقد ضعف قَوْلهم بِالْبَاطِلِ فَإِن الْقَوْم فسروا النُّور فِي الْآيَة بِأَنَّهُ الْهَادِي وَلم يفسروا النُّور فِي الْأَسْمَاء الْحسنى والْحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَا يَصح تَضْعِيف قَوْلهم بِمَا ضعفه وَنحن مَا ذكرنَا ذَلِك لبَيَان تناقضه وَأَنه لَا يحْتَج علينا بِشَيْء يروج على ذِي لب فَإِن التَّنَاقُض أول مقامات الْفساد وَهَذَا التَّفْسِير قد قَالَه طَائِفَة من الْمُفَسّرين

وَأما كَونه ثَابتا عَن ابْن عَبَّاس أَو غَيره فَهَذَا مِمَّا لم يُثبتهُ وَمَعْلُوم أَن فِي كتب التَّفْسِير من النَّقْل عَن ابْن عَبَّاس من الْكَذِب شَيْء كثير من رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح وَغَيره فَلَا بُد من تَصْحِيح النَّقْل لتقوم الْحجَّة فَليُرَاجع كتب التَّفْسِير الَّتِي يحرر فِيهَا النَّقْل مثل تَفْسِير مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ الَّذِي ينْقل فِيهِ كَلَام السّلف بِالْإِسْنَادِ وليعرض عَن تَفْسِير مقَاتل بَقِي بن مخلد الأندلسي وَعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم الشَّامي وَعبد بن حميد الْكشِّي وَغَيرهم إِن لم يصعد إِلَى تَفْسِير الإِمَام إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه وَتَفْسِير الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة الَّذين هم أعلم أهل الأَرْض بالتفاسير الصَّحِيحَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كَمَا هُوَ أعلم النَّاس بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَغير ذَلِك من الْعُلُوم فَأَما أَن يثبت أصلا يَجعله قَاعِدَة بِمُجَرَّد رَأْي فَهَذَا إِنَّمَا ينْفق على الْجُهَّال بالدلائل الأغشام فِي الْمسَائِل وَمثل هَذِه المنقولات الَّتِي لَا يُمَيّز صدقهَا من كذبهَا والمعقولات الَّتِي لَا يُمَيّز صدقهَا من خطئها ضل من ضل من أهل الْمشرق فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَالْفِقْه والتصوف

وَمَا أحسن مَا جَاءَ هَذَا فِي آيَة النُّور الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} نسْأَل الله يَجْعَل لنا نورا

ثمَّ نقُول هَذَا القَوْل الَّذِي قَالَه بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي هادي أهل السَّمَاوَات لَا يضرنا وَلَا يُخَالف مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُم قَالُوهُ فِي تَفْسِير الْآيَة الَّتِي ذكر النُّور فِيهَا مُضَافا لم يذكروه فِي تَفْسِير نور مُطلق كَمَا ادعيت أَنْت من وُرُود الحَدِيث بِهِ فَأَيْنَ هَذَا من هَذَا

ثمَّ قَول من قَالَ من السّلف هادي أهل السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَا يمْنَع أَن يكون فِي نَفسه نورا فَإِن من عَادَة السّلف فِي تفسيرهم أَن يذكرُوا بعض صِفَات الْمُفَسّر من الْأَسْمَاء أَو بعض أَنْوَاعه وَلَا يُنَافِي ذَلِك ثُبُوت بَقِيَّة الصِّفَات الْمُسَمّى بل قد يكونَانِ متلازمين وَلَا دُخُول لبَقيَّة

ص: 479

الْأَنْوَاع فِيهِ وَهَذَا قد قَرَّرْنَاهُ غير مرّة فِي الْقَوَاعِد الْمُتَقَدّمَة وَمن تدبره علم أَن أَكثر أَقْوَال السّلف فِي التَّفْسِير متفقة غير مُخْتَلفَة

مِثَال ذَلِك قَول بَعضهم فِي الصِّرَاط الْمُسْتَقيم إِنَّه الْإِسْلَام وَقَول آخر إِنَّه الْقُرْآن وَقَول آخر إِنَّه السّنة وَالْجَمَاعَة وَقَول آخر إِنَّه طَرِيق الْعُبُودِيَّة فَهَذِهِ كلهَا صِفَات لَهُ متلازمة لَا مباينة وتسميته بِهَذِهِ الْأَسْمَاء بِمَنْزِلَة تَسْمِيَة الْقُرْآن وَالرَّسُول بأسمائه بل بِمَنْزِلَة أَسمَاء الله الْحسنى

وَمِثَال الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات} فَذكر مِنْهُم صنفا من الْأَصْنَاف وَالْعَبْد يعم الْجَمِيع فالظالم لنَفسِهِ المخل بِبَعْض الْوَاجِب والمقتصد الْقَائِم بِهِ وَالسَّابِق المتقرب بالنوافل بعد الْفَرَائِض وكل من النَّاس يدْخل فِي هَذَا بِحَسب طَرِيقه وَالتَّفْسِير والترجمة بِبَيَان النَّوْع وَالْجِنْس ليقرب الْفَهم على الْمُخَاطب كَمَا قَالَ الأعجمي مَا الْخبز فَقيل لَهُ هَذَا وأشير إِلَى الرَّغِيف فالغرض الْجِنْس لَا هَذَا الشَّخْص فَهَكَذَا تَفْسِير كثير من السّلف وَهُوَ من جنس التَّعْلِيم فَقَوْل من قَالَ نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض هادي أهل السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَلَام صَحِيح فَإِن من مَعَاني كَونه نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن يكون هاديا لَهُم أما أَنهم نفوا مَا سوى ذَلِك فَهَذَا غير مَعْلُوم وَأما أَنهم أَرَادوا ذَلِك فقد ثَبت عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ إِن ربكُم لَيْسَ عِنْده ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَاوَات من نور وَجهه وَقد تقدم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من ذكر وَجهه وَفِي رِوَايَة النُّور مَا فِيهِ كِفَايَة فَهَذَا بَيَان معنى غير الْهِدَايَة وَقد أخبر الله فِي كِتَابه أَن الأَرْض تشرق بِنور رَبهَا فَإِذا كَانَت تشرق من نوره كَيفَ لَا يكون هُوَ نورا وَلَا يجوز أَن يكون هَذَا النُّور الْمُضَاف إِلَيْهِ إِضَافَة خلق وَملك واصطفاء كَقَوْلِه {نَاقَة الله} وَنَحْو ذَلِك من الْوُجُوه

أَحدهَا أَن النُّور لم يضف قطّ إِلَى الله إِذا كَانَ صفة لأعيان قَائِمَة فَلَا يُقَال فِي المصابيح إِنَّهَا نور الله وَلَا فِي الشَّمْس وَالْقَمَر وَإِنَّمَا يُقَال كَمَا قَالَ عبد الله بن مَسْعُود إِن ربكُم لَيْسَ عِنْده ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَاوَات من نور وَجهه وَفِي الدُّعَاء الْمَأْثُور عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

الثَّانِي أَن الْأَنْوَار المخلوقة كَالشَّمْسِ وَالْقَمَر تشرق لَهَا الأَرْض فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ من نور إِلَّا هُوَ خلق من خلق الله وَكَذَلِكَ من قَالَ منور السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَا يُنَافِي أَنه نور وكل

ص: 480

منور نور فهما متلازمان ثمَّ إِن الله تَعَالَى ضرب مثل نوره الَّذِي فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ بِالنورِ الَّذِي فِي الْمِصْبَاح وَهُوَ فِي نَفسه نور وَهُوَ منور لغيره فَإِذا كَانَ نوره فِي الْقُلُوب هُوَ نور وَهُوَ منور فَهُوَ فِي نَفسه أَحَق بذلك وَقد علم أَن كل مَا هُوَ نور فَهُوَ منور

وَأما قَول من قَالَ مَعْنَاهُ منور السَّمَاوَات بالكواكب فَهَذَا إِن أَرَادَ بِهِ قَائِله أَن ذَلِك من معنى كَونه نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَيْسَ لَهُ معنى إِلَّا هَذَا فَهُوَ مُبْطل لِأَن الله أخبر أَنه نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْكَوَاكِب لَا يحصل نورها فِي جَمِيع السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ {مثل نوره كمشكاة فِيهَا مِصْبَاح} فَضرب الْمثل لنوره الْمَوْجُود فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ نور الْإِيمَان وَالْعلم المُرَاد من الْآيَة لم يضْربهَا على النُّور الْحسي الَّذِي يكون للكواكب وَهَذَا هُوَ الْجَواب عَمَّا رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى وَأبي الْعَالِيَة وَالْحسن بعد الْمُطَالبَة بِصِحَّة النَّقْل وَالظَّن ضعفه عَن ابْن عَبَّاس لأَنهم جعلُوا ذَلِك من مَعَاني النُّور أما أَن يَقُولُوا قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لَيْسَ مَعْنَاهُ إِلَّا التَّنْوِير بالشمس وَالْقَمَر والنجوم فَهَذَا بَاطِل قطعا

وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم

أَنْت نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَمَعْلُوم أَن العميان لَا حَظّ لَهُم فِي ذَلِك وَمن يكون بَينه وَبَين ذَلِك حجاب لَا حَظّ لَهُ فِي ذَلِك والموتى لَا نصيب لَهُم من ذَلِك وَأهل الْجنَّة لَا نصيب لَهُم من ذَلِك فَإِن الْجنَّة لَيْسَ فِيهَا شمس وَلَا قمر كَيفَ وَقد رُوِيَ أَن أهل الْجنَّة يعلمُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار بأنوار تظهر من الْعَرْش مثل ظُهُور الشَّمْس لأهل الدُّنْيَا فَتلك الْأَنْوَار خَارِجَة عَن الشَّمْس وَالْقَمَر

وَأما قَوْله قد قيل بالأدلة والحجج فَهَذَا بعض معنى الْهَادِي وَقد تقدم الْكَلَام على قَوْله هَذَا يبطل قَوْله أَن التَّأْوِيل دفع للظَّاهِر وَلم ينْقل عَن السّلف فَإِن هَذَا الْكَلَام مَكْذُوب عَليّ وَقد ثَبت تنَاقض صَاحبه وَأَنه لم يذكر عَن السّلف إِلَّا مَا اعْترف بضعفه

وَأما الَّذِي أقوله الْآن وأكتبه وَإِن كنت لم أكتبه فِيمَا تقدم من أجوبتي وَإِنَّمَا أقوله فِي كثير من الْمجَالِس إِن جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن من آيَات الصِّفَات فَلَيْسَ عَن الصَّحَابَة اخْتِلَاف فِي تَأْوِيلهَا وَقد طالعت التفاسير المنقولة عَن الصَّحَابَة وَمَا رَوَوْهُ من الحَدِيث ووقفت من ذَلِك على مَا شَاءَ الله تَعَالَى من الْكتب الْكِبَار وَالصغَار أَكثر من مائَة تَفْسِير فَلم أجد إِلَى سَاعَتِي هَذِه عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه أول شَيْئا من آيَات الصِّفَات أَو أَحَادِيث الصِّفَات بِخِلَاف مقتضاها الْمَفْهُوم الْمَعْرُوف بل عَنْهُم من تَقْرِير ذَلِك وتثبيته وَبَيَان أَن ذَلِك من صِفَات الله مَا يُخَالف كَلَام المتأولين مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَكَذَلِكَ فِيمَا يذكرُونَهُ آثرين وذاكرين عَنْهُم شَيْء

ص: 481

كثير وَتَمام هَذَا أَنِّي لم أجدهم تنازعوا إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْم يكْشف عَن سَاق} فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَطَائِفَة أَن المُرَاد بِهِ الشدَّة أَن الله يكْشف عَن الشدَّة فِي الْآخِرَة وَعَن أبي سعيد وَطَائِفَة أَنهم عدوها فِي الصِّفَات للْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سعيد فِي الصحيين وَلَا ريب أَن ظَاهر الْقُرْآن يدل على أَن هَذِه من الصِّفَات فَإِنَّهُ قَالَ {يَوْم يكْشف عَن سَاق} نكرَة فِي الْإِثْبَات لم يضفها إِلَى الله وَلم يقل عَن سَاقه فَمَعَ عدم التَّعْرِيف بِالْإِضَافَة لَا يظْهر أَنه من الصِّفَات إِلَّا بِدَلِيل آخر وَمثل هَذَا لَيْسَ بِتَأْوِيل إِنَّمَا التَّأْوِيل صرف الْآيَة عَن مدلولها ومفهومها وَمَعْنَاهَا الْمَعْرُوف وَلَكِن كثيرا من هَؤُلَاءِ يجْعَلُونَ اللَّفْظ على مَا لَيْسَ مدلولا لَهُ ثمَّ يُرِيدُونَ صرفه عَنهُ ويجعلون هَذَا تَأْوِيلا وَهَذَا خطأ من وَجْهَيْن كَمَا قدمنَا غير مرّة

وَأما قَوْله لَو كَانَ نورا حَقِيقَة كَمَا تَقوله المشبهة لوَجَبَ أَن يكون الضياء لَيْلًا وَنَهَارًا على الدَّوَام فَنحْن نقُول بِمُوجب مَا ذكره من هَذَا القَوْل فَإِن المشبهة يَقُولُونَ إِنَّه نور كَالشَّمْسِ وَالله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء فَإِنَّهُ لَيْسَ كشيء من الْأَنْوَار كَمَا أَن ذَاته لَيست كشيء من الذوات لَكِن مَا ذكره لَهُ حجَّة عَلَيْهِم فَإِنَّهُ يُمكن أَن يكون نورا يَحْجُبهُ عَن خلقه كَمَا قَالَ فِي الحَدِيث حجابه النُّور أَو النَّار لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه

لَكِن غلط هُنَا فِي النَّقْل وَهُوَ إِضَافَة هَذَا القَوْل إِلَى المشبهة فَإِن هَذَا من أَقْوَال الْجَهْمِية المعطلة أَيْضا كالمريسي فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول إِنَّه نور وَهُوَ كَبِير الْجَهْمِية وَإِن كَانَ قَصده بالمشبهة من أثبت أَن الله نور حَقِيقَة فالمثبتة للصفات كلهم عِنْده مشبهة وَهَذِه لُغَة الْجَهْمِية الْمَحْضَة يسمون كل من أثبت الصِّفَات مشبها فقد قدمنَا أَن ابْن كلاب والأشعري وَغَيرهمَا ذكرا أَن نفي كَونه نورا فِي نَفسه هُوَ قَول الْجَهْمِية والمعتزلة وأنهما أثبتا أَنه نور وقررا ذَلِك هما وأكابر أصحابهما فَكيف بِأَهْل الحَدِيث وأئمة السّنة وَأول هَؤُلَاءِ الْمُؤمنِينَ بِاللَّه وبأسمائه

ص: 482

وَصِفَاته وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد أجَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم على هَذَا السُّؤَال الَّذِي عَارض بِهِ الْمُعْتَرض فَقَالَ صلى الله عليه وسلم

حجابه النُّور لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا أدْركهُ بَصَره من خلقه فَأخْبر أَنه حجب عَن الْمَخْلُوقَات بحجابه النُّور أَن تدركها سبحات وَجهه وَأَنه لَو كشف ذَلِك الْحجاب لأحرقت سبحات وَجهه مَا أدْركهُ بَصَره من خلقه فَهَذَا الْحجاب عَن إحراق السبحات يبين مَا يُرَاد فِي هَذَا الْمقَام

وَأما مَا ذكره عَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَته الْأُخْرَى فَمَعْنَاه بعض الْأَنْوَار الحسية وَمَا ذكره من كَلَام العارفين فَهُوَ بعض مَعَاني هدايته لِعِبَادِهِ وَإِنَّمَا ذَلِك تنويع بعض الْأَنْوَاع بِحَسب حَاجَة المخاطبين كَمَا ذَكرْنَاهُ من عَادَة السّلف أَن يُفَسِّرهَا بِذكر بعض الْأَنْوَاع يَقع على سَبِيل التَّمْثِيل لحَاجَة المخاطبين لَا على سَبِيل الْحصْر والتحديد فقد تبين أَن جَمِيع مَا ذكر من الْأَقْوَال يرجع إِلَى مَعْنيين من مَعَاني كَونه نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَيْسَ فِي ذَلِك دلَالَة على أَنه فِي نَفسه لَيْسَ بِنور

ص: 483