المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَاخْتلف الْفُقَهَاء أَيْضا فِيمَن يقتل السُّلْطَان كقتلة عُثْمَان وَقَاتل عَليّ - دقائق التفسير - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما لبن الْميتَة وأنفحتها فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي عُقُوبَة الْمُحَاربين بَين وقطاع الطَّرِيق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ الشَّيْخ الْإِسْلَام رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بطلَان الِاسْتِدْلَال بالمتشابه

- ‌فصل فِي ادِّعَاء النَّصَارَى أَن الْقُرْآن سوى بَين الْأَدْيَان

- ‌ فصل فِي كَفَّارَة الْيَمين

- ‌ فصل فِي معنى روح الْقُدس

- ‌فصل عِيسَى عبد الله وَرَسُوله

- ‌معنى التوفي

- ‌فصل فَسَاد قَول النَّصَارَى فِي أَن الْمَسِيح خَالق

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌فصل

- ‌فَصِلَ

- ‌فصل

- ‌لَا أحب الآفلين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذَبَائِح أهل الْكتاب

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌ فصل

- ‌فَصْل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل عرض لما تضمنته السُّورَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَسُئِلَ رحمه الله

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة فَمن سبقت لَهُ من الله الْحسنى فَلَا بُد أَن يصير مُؤمنا تقيا فَمن لم يكن من الْمُؤمنِينَ لم تسبق لَهُ من الله الْحسنى لَكِن الله إِذا سبقت للْعَبد مِنْهُ سَابِقَة اسْتَعْملهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يصل بِهِ إِلَى تِلْكَ السَّابِقَة كمن سبق

- ‌فصل وَأما قَول الْقَائِل مَا لنا فِي جَمِيع أفعالنا قدرَة فقد كذب فَإِن الله تَعَالَى فرق بَين المستطيع الْقَادِر وَغير المستطيع وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام فَقيل لَهُ

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

الفصل: وَاخْتلف الْفُقَهَاء أَيْضا فِيمَن يقتل السُّلْطَان كقتلة عُثْمَان وَقَاتل عَليّ

وَاخْتلف الْفُقَهَاء أَيْضا فِيمَن يقتل السُّلْطَان كقتلة عُثْمَان وَقَاتل عَليّ رضي الله عنهما هَل هم كالمحاربين فيقتلون حدا أَو يكون أَمرهم إِلَى أَوْلِيَاء الدَّم على قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره لِأَن فِي قَتله فَسَادًا

‌فصل

وَهَذَا كُله إِذا قدر عَلَيْهِ فَأَما إِذا طَلَبهمْ السُّلْطَان أَو نوابه لإِقَامَة الْحَد بِلَا عدوان فامتنعوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجب على الْمُسلمين قِتَالهمْ بِاتِّفَاق الْعلمَاء حَتَّى يقدر عَلَيْهِم كلهم وَمَتى لم ينقادوا إِلَّا بِقِتَال يُفْضِي إِلَى قَتلهمْ كلهم قوتلوا وَإِن أفْضى إِلَى ذَلِك سَوَاء كَانُوا قد قتلوا أَو لم يقتلُوا وَيقْتلُونَ فِي الْقِتَال كَيْفَمَا أمكن فِي الْعُنُق وَغَيره وَيُقَاتل من قَاتل مَعَهم مِمَّن يحميهم ويعينهم فَهَذَا قتال وَذَاكَ إِقَامَة حد وقتال هَؤُلَاءِ أوكد من قتال الطوائف الممتنعة عَن شرائع الْإِسْلَام فَإِن هَؤُلَاءِ قد تحزبوا لفساد النُّفُوس وَالْأَمْوَال وهلاك الْحَرْث والنسل لَيْسَ مقصودهم إِقَامَة دين وَلَا ملك وَهَؤُلَاء كالمحاربين الَّذين يأوون إِلَى حصن أَو مغارة أَو رَأس جبل أَو بطن وَاد وَنَحْو ذَلِك يقطعون الطَّرِيق على من مر بهم وَإِذا جَاءَهُم جند ولي الْأَمر يطلبهم للدخول فِي طَاعَة الْمُسلمين وَالْجَمَاعَة لإِقَامَة الْحُدُود قاتلوهم ودفعوهم مثل الْأَعْرَاب الَّذين يقطعون الطَّرِيق على الْحَاج أَو غَيره من الطرقات أَو الجبلية الَّذين يعتصمون برؤوس الْجبَال أَو المغارات لقطع الطَّرِيق وكالأحلاف الَّذين تحالفوا لقطع الطَّرِيق بَين الشَّام وَالْعراق ويسمون ذَلِك النهيضة فَإِنَّهُم يُقَاتلُون كَمَا ذَكرْنَاهُ وَلَكِن قِتَالهمْ لَيْسَ بِمَنْزِلَة قتال الْكفَّار إِذا لم يَكُونُوا كفَّارًا وَلَا تُؤْخَذ أَمْوَالهم إِلَّا أَن يَكُونُوا أخذُوا أَمْوَال النَّاس بِغَيْر حق فَإِن عَلَيْهِم ضَمَانهَا فَيُؤْخَذ مِنْهُم بِقدر مَا أخذُوا وَإِن لم نعلم عين الْآخِذ وَكَذَلِكَ لَو علم عينه فَإِن الردء والمباشر سَوَاء كَمَا قُلْنَاهُ لَكِن إِذا عرف عينه كَانَ قَرَار الضَّمَان عَلَيْهِ وَيرد مَا يُؤْخَذ مِنْهُ على أَرْبَاب الْأَمْوَال فَإِن تعذر الرَّد عَلَيْهِم كَانَ لمصَالح الْمُسلمين من رزق الطَّائِفَة الْمُقَاتلَة لَهُم وَغير ذَلِك بل الْمَقْصُود من قِتَالهمْ التَّمَكُّن مِنْهُم لإِقَامَة الْحُدُود ومنعهم من الْفساد فَإِذا جرح الرجل مِنْهُم جرحا مثخنا لم يُجهز عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوت إِلَّا أَن يَمُوت يكون قد وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل وَإِذا هرب وكفانا شَره لم نتبعه إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ حد أَو نَخَاف عاقبته وَمن أسر مِنْهُم أقيم عَلَيْهِ الْحَد الَّذِي يُقَام على غَيره وَمن الْفُقَهَاء من يشدد فيهم حَتَّى يرى غنيمَة أَمْوَالهم وتخميسها وَأَكْثَرهم يأبون ذَلِك فَأَما إِذا تحيزوا إِلَى مملكة طَائِفَة خَارِجَة عَن شَرِيعَة الْإِسْلَام وأعانوهم على الْمُسلمين قوتلوا كقتالهم

وَأما من كَانَ لَا يقطع الطَّرِيق وَلكنه يَأْخُذ خفارة أَو ضريبة من أَبنَاء السَّبِيل على الرؤوس

ص: 39

وَالدَّوَاب والأحمال وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا مكاس عَلَيْهِ عُقُوبَة المكاسين وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء جَوَاز قَتله وَلَيْسَ هُوَ من قطاع الطَّرِيق فَإِن الطَّرِيق لَا يَنْقَطِع بِهِ مَعَ أَنه أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الغامدية

لقد تابت تَوْبَة لَو تابها صَاحب مكس لغفر لَهُ

وَيجوز للمظلومين الَّذين ترَاد أَمْوَالهم قتل الْمُحَاربين بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَلَا يجب أَن يبْذل لَهُم من المَال لَا قَلِيل وَلَا كثير إِذا أمكن قِتَالهمْ فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ

من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دينه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون حرمته فَهُوَ شَهِيد وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيه الْفُقَهَاء الصَّائِل وَهُوَ الظَّالِم بِلَا تَأْوِيل وَلَا ولَايَة فَإِذا كَانَ مَطْلُوبه المَال جَازَ مَنعه بِمَا يُمكن فَإِذا لم ينْدَفع إِلَّا بِالْقِتَالِ قوتل وَإِن ترك الْقِتَال وَأَعْطَاهُمْ شَيْئا من المَال جَازَ وَأما إِذا كَانَ مَطْلُوبه الْحُرْمَة مثل أَن يطْلب الزِّنَا بمحارم الْإِنْسَان أَو يطْلب من الْمَرْأَة أَو الصَّبِي الْمَمْلُوك أَو غَيره الفجوربه فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يدْفع نَفسه بِمَا يُمكن وَلَو بِالْقِتَالِ وَلَا يجوز التَّمْكِين مِنْهُ بِحَال بِخِلَاف المَال فَإِنَّهُ يجوز التَّمْكِين مِنْهُ لِأَن بذل المَال جَائِز وبذل الْفُجُور بِالنَّفسِ أَو بِالْحُرْمَةِ غير جَائِز

وَأما إِذا كَانَ مَقْصُوده قتل الْإِنْسَان جَازَ لَهُ الدّفع عَن نَفسه وَهل يجب عَلَيْهِ قَتله أم لَا على قَوْلَيْنِ للْعُلَمَاء فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره وَهَذَا إِذا كَانَ للنَّاس سُلْطَان فَأَما إِذا كَانَ وَالْعِيَاذ بِاللَّه فتْنَة مثل أَن يخْتَلف سلطانان للْمُسلمين ويقتتلان على الْملك فَهَل يجوز للْإنْسَان إِذا دخل أَحدهمَا بلد الآخر وَجرى السَّيْف أَن يدْفع عَن نَفسه فِي الْفِتْنَة أَو يستسلم فَلَا يُقَاتل فِيهَا على قَوْلَيْنِ لأهل الْعلم فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره فَإِذا ظفر السُّلْطَان بالمحاربين الحرامية وَقد أخذُوا الْأَمْوَال الَّتِي للنَّاس فَعَلَيهِ أَن يسْتَخْرج مِنْهُم الْأَمْوَال الَّتِي للنَّاس ويردها عَلَيْهِم مَعَ إِقَامَة الْحَد على أبدانهم

وَكَذَلِكَ السَّارِق فَإِن امْتَنعُوا من إحضارهم المَال بعد ثُبُوته عَلَيْهِم عاقبهم بِالْحَبْسِ وَالضَّرْب حَتَّى يمكنوا من أَخذه بإحضاره أَو تَوْكِيل من يحضرهُ والإخبار بمكانه كَمَا يُعَاقب كل مُمْتَنع من حق وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فَإِن الله قد أَبَاحَ للرجل فِي كِتَابه أَن يضْرب امْرَأَته إِذا نشزت فامتنعت من الْحق الْوَاجِب عَلَيْهَا حَتَّى تُؤَدِّيه فَهَؤُلَاءِ أولى وَأَحْرَى وَهَذَا الْمُطَالبَة والعقوبة حق لرب المَال فَإِن أَرَادَ هبتهم المَال أَو الْمُصَالحَة عَلَيْهِ أَو الْعَفو عَن عقوبتهم فَلهُ ذَلِك بِخِلَاف إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِم فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى الْعَفو عَنهُ بِحَال

ص: 40

وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يلْزم رب المَال بترك شَيْء من حَقه وَإِن كَانَت الْأَمْوَال قد تلفت بِالْأَكْلِ وَغَيره عِنْدهم أَو عِنْد السَّارِق فَقيل يضمنونها لأربابها كَمَا يضمن سَائِر الغارمين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد رضي الله عنهما وَتبقى مَعَ الْإِعْسَار فِي ذمتهم إِلَى ميسرَة وَقيل لَا يجْتَمع الْغرم وَالْقطع وَهُوَ قَول أبي حنيفَة رحمه الله وَقيل يضمنونها مَعَ الْيَسَار فَقَط دون الْإِعْسَار وَهُوَ قَول مَالك رحمه الله

وَلَا يحل للسُّلْطَان أَن يَأْخُذ من أَرْبَاب الْأَمْوَال جعلا عَن طلب الْمُحَاربين وَإِقَامَة الْحَد وارتجاع أَمْوَال النَّاس مِنْهُم وَلَا على طلب السارقين لَا لنَفسِهِ وَلَا للجند الَّذين يرسلهم فِي طَلَبهمْ بل طلب هَؤُلَاءِ من نوع الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فَيخرج فِيهِ جند الْمُسلمين كَمَا يخرج فِي غَيره من الْغَزَوَات الَّتِي تسمي البيكار وَينْفق على الْمُجَاهدين فِي هَذَا من المَال الَّذِي ينْفق مِنْهُ على سَائِر الْغُزَاة فَإِن كَانَ لَهُ أقطاع أَو عَطاء يكفيهم وَإِلَّا أَعْطَاهُم تَمام كِفَايَة غزوهم من مَال الْمصَالح من الصَّدقَات فَإِن هَذَا من سَبِيل الله فَإِن كَانَ على أَبنَاء السَّبِيل المأخوذين زَكَاة مثل التُّجَّار الَّذين قد يؤخذون فَأخذ الإِمَام زَكَاة أَمْوَالهم وأنفقها فِي سَبِيل الله كَنَفَقَة الَّذين يطْلبُونَ الْمُحَاربين جَازَ وَلَو كَانَت لَهُم شَوْكَة قَوِيَّة تحْتَاج إِلَى تأليف فَأعْطى الإِمَام من الْفَيْء والمصالح أَو الزَّكَاة لِبُغْض رُؤَسَائِهِمْ يعينهم على إِحْضَار البَاقِينَ أَو لترك شَره فيضعف الْبَاقُونَ وَنَحْو ذَلِك جَازَ وَكَانَ هَؤُلَاءِ من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَقد ذكر مثل ذَلِك غير وَاحِد من الْأَئِمَّة كأحمد وَغَيره وَهُوَ ظَاهر بِالْكتاب وَالسّنة وأصول الشَّرِيعَة

وَلَا يجوز أَن يُرْسل الإِمَام من يضعف عَن مقارمة الحرامية وَلَا من يَأْخُذ مَالا من المأخوذين التُّجَّار وَنَحْوهم من أَبنَاء السَّبِيل بل يُرْسل من الْجند الأقوياء الْأُمَنَاء إِلَّا أَن يتَعَذَّر ذَلِك فَيُرْسل الأمثل فالأمثل فَإِن كَانَ بعض نواب السُّلْطَان أَو رُؤَسَاء الْقرى وَنَحْوهم يأمرون الحرامية بِالْأَخْذِ فِي الْبَاطِن أَو الظَّاهِر حَتَّى إِذا أخذُوا شَيْئا قاسمهم ودافع عَنْهُم وأرضى المأخوذين بِبَعْض أَمْوَالهم أَو لم يرضهم فَهَذَا أعظم جرما من مقدم الحرامية لِأَن ذَلِك يُمكن دَفعه بِدُونِ مَا ينْدَفع بِهِ هَذَا وَالْوَاجِب أَن يُقَال فِيهِ الردء والعون لَهُم

فَإِن قتلوا قتل هُوَ على قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَأكْثر أهل الْعلم

وَإِن أخذُوا المَال قطعت يَده وَرجله

وَإِن قتلوا وَأخذُوا المَال قتل وصلب وعَلى قَول طَائِفَة من أهل الْعلم يقطع وَيقتل ويصلب وَقيل يُخَيّر بَين هذَيْن وَإِن كَانَ لم يَأْذَن لَهُم لَكِن لما قدر عَلَيْهِم قاسمهم الْأَمْوَال وعطل بعض الْحُقُوق وَالْحُدُود

ص: 41

وَمن آوى مُحَاربًا أَو سَارِقا أَو قَاتلا وَنَحْوهم مِمَّن وَجب عَلَيْهِ حد أَو حق لله تَعَالَى أَو لآدَمِيّ وَمنعه مِمَّن يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْوَاجِب بِلَا عدوان فَهُوَ شَرِيكه فِي الجرم وَقد لَعنه الله وَرَسُوله روى مُسلم فِي صَحِيحه عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

لعن الله من أحدث حَدثا أَو آوى مُحدثا وَإِذا ظفر بِهَذَا الَّذِي آوى الْمُحدث فَإِنَّهُ يطْلب مِنْهُ إِحْضَاره أَو الْإِعْلَام بِهِ فَإِن امْتنع عُوقِبَ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْب مرّة بعد مرّة حَتَّى يُمكن من ذَلِك الْمُحدث كَمَا ذكرنَا أَنه يُعَاقب الْمُمْتَنع من أَدَاء المَال الْوَاجِب فَمَا وَجب حُضُوره من النُّفُوس وَالْأَمْوَال يُعَاقب من منع حُضُورهَا وَلَو كَانَ رجلا يعرف مَكَان المَال الْمَطْلُوب بِحَق أَو الرجل الْمَطْلُوب بِحَق وَهُوَ الَّذِي يمنعهُ فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْإِعْلَام بِهِ وَالدّلَالَة عَلَيْهِ وَلَا يجوز كِتْمَانه فَإِن هَذَا من بَاب التعاون على الْبر وَالتَّقوى وَذَلِكَ وَاجِب بِخِلَاف مَا لَو كَانَ النَّفس أَو المَال مَطْلُوبا بباطل فَإِنَّهُ لَا يحل الْإِعْلَام بِهِ لِأَنَّهُ من التعاون على الْإِثْم والعدوان بل يجب الدّفع عَنهُ لِأَنَّهُ نصر الْمَظْلُوم وَاجِب فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس ابْن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما قلت يَا رَسُول الله أنصره مَظْلُوما فَكيف أنصره ظَالِما قَالَ تَمنعهُ من الظُّلم فَذَلِك نصرك إِيَّاه وروى مُسلم نَحوه عَن جَابر

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه قَالَ

أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِسبع ونهانا عَن سبع أمرنَا بعيادة الْمَرِيض وَاتِّبَاع الْجِنَازَة وتشميت الْعَاطِس وإبرار الْقسم وَإجَابَة الدعْوَة وَنصر الْمَظْلُوم ونهانا عَن خَوَاتِيم الذَّهَب وَعَن الشّرْب بِالْفِضَّةِ وَعَن المياثر وَعَن لبس الْحَرِير والقسي والديباج والاستبرق فَإِن امْتنع هَذَا الْعَالم بِهِ من الْإِعْلَام بمكانه جَازَ عُقُوبَته بِالْحَبْسِ وَغَيره حَتَّى يخبر بِهِ لِأَنَّهُ امْتنع من حق وَاجِب عَلَيْهِ لَا تدخله النِّيَابَة فَعُوقِبَ كَمَا تقدم ولاتجوز عُقُوبَته على ذَلِك إِلَّا إِذا عرف أَنه عَالم بِهِ وَهَذَا مطرد فِي مَا تتولاه الْوُلَاة والقضاة وَغَيرهم فِي كل من امْتنع من وَاجِب من قَول أَو فعل وَلَيْسَ هَذَا مُطَالبَة للرجل بِحَق وَجب على غَيره وَلَا عُقُوبَة على جِنَايَة غَيره حَتَّى يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَفِي قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم

أَلا لَا يجني جَان إِلَى على نَفسه وَإِنَّمَا ذَلِك مثل أَن يُطَالب بِمَال قد وَجب على غَيره وَهُوَ لَيْسَ وَكيلا وَلَا ضَامِنا وَلَا لَهُ عِنْده مَال

ص: 42

أَو يُعَاقب الرجل بجريمة قَرِيبه أَو جَاره من غير أَن يكون قد أذْنب لَا بترك وَاجِب وَلَا بِفعل محرم فَهَذَا الَّذِي لَا يحل فَأَما هَذَا فَإِنَّمَا يُعَاقب على ذَنْب نَفسه وَهُوَ أَن يكون قد علم مَكَان الظَّالِم الَّذِي يطْلب حُضُوره لِاسْتِيفَاء الْحق أَو مَكَان المَال الَّذِي قد تعلق بِهِ حُقُوق الْمُسْتَحقّين فَيمْتَنع من الْإِعَانَة والنصرة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع إِمَّا مُحَابَاة وحمية لذَلِك الظَّالِم كَمَا قد يفعل أهل الْمعْصِيَة بَعضهم بِبَعْض وَإِمَّا معاداة أَو بغضا للمظلوم وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على أَلا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} وَإِمَّا إعْرَاضًا عَن الْقيام لله وَالْقِيَام بِالْقِسْطِ الَّذِي أوجبه الله وجبنا وفشلا وخذلانا لدينِهِ كَمَا يَفْعَله التاركون لنصر الله وَرَسُوله وَدينه وَكتابه الَّذين إِذا قيل لَهُم انفروا فِي سَبِيل الله اثاقلوا إِلَى الأَرْض وعَلى كل تَقْدِير فَهَذَا الضَّرْب يسْتَحق الْعقُوبَة بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَمن لم يسْلك هَذِه السبل عطل الْحُدُود وضيع الْحُقُوق وَأكل الْقوي الضَّعِيف وَهُوَ يشبه من عِنْده مَال الظَّالِم المماطل من عين أَو دين وَقد امْتنع من تَسْلِيمه لحَاكم عَادل يُوفى بِهِ دينه أَو يُؤَدِّي مِنْهُ النَّفَقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لأَهله أَو أَقَاربه أَو مماليكه أَو بهائمه وَكَثِيرًا مَا يجب على الرجل حق بِسَبَب غَيره كَمَا تجب عَلَيْهِ النَّفَقَة بِسَبَب حَاجَة قريبَة وكما تجب الدِّيَة على عَاقِلَة الْقَاتِل

وَهَذَا الضَّرْب من التَّعْزِير عُقُوبَة لمن علم أَن عِنْده مَالا أَو نفسا يجب إِحْضَاره وَهُوَ لَا يحضرهُ كالقطاع والسراق وحماتهم أَو علم أَنه خَبِير بِهِ وَهُوَ لَا يخبر بمكانه فَأَما إِن امْتنع من الْإِخْبَار والإحضار لِئَلَّا يعتدي عَلَيْهِ الطَّالِب أَو يَظْلمه فَهَذَا محسن وَكَثِيرًا مَا يشْتَبه أَحدهمَا بِالْآخرِ ويجتمع شبهه وشهرته وَالْوَاجِب تَمْيِيز الْحق من الْبَاطِل وَهَذَا يَقع كثيرا فِي الرؤساء من أهل الْبَادِيَة والحاضرة وَإِذا استجار بهم مستجير أَو كَانَ بَينهمَا قرَابَة أَو صداقة فَإِنَّهُم يرَوْنَ الحمية الْجَاهِلِيَّة والعزة بالإثم والسمعة عِنْد الأوباش أَنهم ينصرونه وَإِن كَانَ ظَالِما مُبْطلًا على المحق الْمَظْلُوم لَا سِيمَا إِن كَانَ الْمَظْلُوم رَئِيسا يناوئهم ويناوؤنه فيرون فِي تَسْلِيم المستجير بهم إِلَى من يناوئهم ذلا أَو عَجزا وَهَذَا على الْإِطْلَاق جَاهِلِيَّة مَحْضَة وهم من أكبر أَسبَاب فَسَاد الدّين وَالدُّنْيَا وَقد ذكر أَنه إِنَّمَا كَانَ سَبَب حروب من حروب الْأَعْرَاب كحرب البسوس الَّتِي كَانَت بَين بني بكر وتغلب إِلَى نَحْو هَذَا وَكَذَا سَبَب دُخُول التّرْك المغول دَار الْإِسْلَام واستيلاؤهم على مُلُوك مَا وَرَاء النَّهر وخراسان كَانَ سَببه نَحْو هَذَا وَمن أذلّ نَفسه لله أعزها وَمن بذل الْحق من نَفسه فقد أكْرم نَفسه فَإِن أكْرم الْخلق عِنْد الله أَتْقَاهُم وَمن اعتز بالظلم فِي منع وَفعل الْإِثْم فقد أذلّ نَفسه وأهانها قَالَ الله تَعَالَى {من كَانَ يُرِيد الْعِزَّة فَللَّه الْعِزَّة جَمِيعًا}

ص: 43

وَقَالَ تَعَالَى عَن الْمُنَافِقين {يَقُولُونَ لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَلَكِن الْمُنَافِقين لَا يعلمُونَ} وَقَالَ الله تَعَالَى فِي صفة هَذَا الضَّرْب {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه وَهُوَ أَلد الْخِصَام وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَالله لَا يحب الْفساد وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد} وَإِنَّمَا الْوَاجِب على من استجار بِهِ مستجير إِن كَانَ مَظْلُوما ينصره وَلَا يثبت أَنه مظلوم بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ فطالما اشْتَكَى الرجل وَهُوَ ظَالِم بل يكْشف خَبره من خَصمه وَغَيره فَإِن كَانَ ظَالِما رده عَن الظُّلم بالرفق إِن أمكن أما من صلح أَو حكم بِالْقِسْطِ وَإِلَّا فبالقوة وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا ظَالِما كَأَهل الْأَهْوَاء من قيس ويمن وَنَحْوهم وَأكْثر المتداعين من أهل الْأَمْصَار والبوادي أَو كَانَا جَمِيعًا غير ظالمين لشُبْهَة أَو تَأْوِيل أَو غلط وَقع فِيمَا بَينهمَا سعى بَينهمَا بالإصلاح أَو الحكم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله فَإِن فاءت فأصلحوا بَينهمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا إِن الله يحب المقسطين إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ ترحمون} وَقَالَ تَعَالَى {لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ إِلَّا من أَمر بِصَدقَة أَو مَعْرُوف أَو إصْلَاح بَين النَّاس وَمن يفعل ذَلِك ابْتِغَاء مرضات الله فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما} وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي السّنَن

عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قيل لَهُ أَمن العصبية أَن ينصر الرجل قومه فِي الْحق قَالَ لَا قَالَ وَلَكِن من العصبية أَن ينصر الرجل قومه فِي الْبَاطِل وَقَالَ

خَيركُمْ الدَّافِع عَن قومه مَا لم يَأْثَم وَقَالَ

مثل الَّذِي ينصر قومه بِالْبَاطِلِ كبعير تردى فِي بِئْر فَهُوَ يجر بِذَنبِهِ وَقَالَ

من سمعتموه يتعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة فأعضوه بِهن أَبِيه وَلَا تكنوا

ص: 44