المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من - دقائق التفسير - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما لبن الْميتَة وأنفحتها فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي عُقُوبَة الْمُحَاربين بَين وقطاع الطَّرِيق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ الشَّيْخ الْإِسْلَام رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بطلَان الِاسْتِدْلَال بالمتشابه

- ‌فصل فِي ادِّعَاء النَّصَارَى أَن الْقُرْآن سوى بَين الْأَدْيَان

- ‌ فصل فِي كَفَّارَة الْيَمين

- ‌ فصل فِي معنى روح الْقُدس

- ‌فصل عِيسَى عبد الله وَرَسُوله

- ‌معنى التوفي

- ‌فصل فَسَاد قَول النَّصَارَى فِي أَن الْمَسِيح خَالق

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌فصل

- ‌فَصِلَ

- ‌فصل

- ‌لَا أحب الآفلين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذَبَائِح أهل الْكتاب

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌ فصل

- ‌فَصْل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل عرض لما تضمنته السُّورَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَسُئِلَ رحمه الله

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة فَمن سبقت لَهُ من الله الْحسنى فَلَا بُد أَن يصير مُؤمنا تقيا فَمن لم يكن من الْمُؤمنِينَ لم تسبق لَهُ من الله الْحسنى لَكِن الله إِذا سبقت للْعَبد مِنْهُ سَابِقَة اسْتَعْملهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يصل بِهِ إِلَى تِلْكَ السَّابِقَة كمن سبق

- ‌فصل وَأما قَول الْقَائِل مَا لنا فِي جَمِيع أفعالنا قدرَة فقد كذب فَإِن الله تَعَالَى فرق بَين المستطيع الْقَادِر وَغير المستطيع وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام فَقيل لَهُ

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصل فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من

‌فصل

فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ}

وَقد روى مَالك فِي موطئِهِ عَن زيد بن اسْلَمْ عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب أَنه أخبرهُ عَن مُسلم بن يسَار الْجُهَنِيّ أَن عمر بن الْخطاب سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا} الْآيَة فَقَالَ عمر بن الْخطاب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسْأَل عَنْهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثمَّ مسح على ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة فَقَالَ خلقت هَؤُلَاءِ للجنة وبعمل اهل الْجنَّة يعْملُونَ ثمَّ مسح على ظَهره فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة فَقَالَ خلقت هَؤُلَاءِ للنار وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله فَفِيمَ الْعَمَل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله تبارك وتعالى إِذا خلق العَبْد للجنة اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل الْجنَّة وَإِذا خلق العَبْد للنار اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل النَّار

وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ أهل السّنَن وَالْمَسَانِيد كَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن وَقد قيل إِن إِسْنَاده مُنْقَطع وَأَن رَاوِيه مَجْهُول وَمَعَ هَذَا فقد رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ مَعَ أَنه أبلغ من غَيره لقَوْله ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة ثمَّ مسح ظَهره فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة وَمن الْعجب أَن الْآجُرِيّ يروي فِي كتاب الشَّرِيعَة لَهُ من طَرِيق مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَغَيرهم فَلَو تَأمل أَبُو الْمَعَالِي وذووه الْكتاب الَّذِي أنكروه لوجدوا فِيهِ مَا يخصمهم وَلَكِن أَبُو الْمَعَالِي مَعَ فرط ذكائه وحرصه على الْعلم وعلو قدره فِي فنه كَانَ قَلِيل الْمعرفَة بالآثار النَّبَوِيَّة وَلَعَلَّه لم يطالع الْمُوَطَّأ بِحَال حَتَّى يعلم مَا فِيهِ فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ بالصحيحين البُخَارِيّ وَمُسلم وَسنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ أَمْثَال هَذِه السّنَن علم أصلا فَكيف بالموطأ وَنَحْوه وَكَانَ مَعَ حرصه على الِاحْتِجَاج فِي مسَائِل الْخلاف فِي الْفِقْه إِنَّمَا عمدته سنَن أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو الْحسن مَعَ تَمام إِمَامَته فِي الحَدِيث فَإِنَّهُ إِنَّمَا صنف هَذِه السّنَن كي يذكر فِيهَا الْأَحَادِيث المستغربة فِي الْفِقْه وَيجمع طرقها فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي يحْتَاج فِيهَا إِلَى مثله فَأَما الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا فَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا فِي ذَلِك فَلهَذَا كَانَ مُجَرّد

ص: 168

الِاكْتِفَاء بكتابه فِي هَذَا الحَدِيث يُورث جهلا عَظِيما بأصول الْإِسْلَام وَاعْتبر ذَلِك بِأَن كتاب أبي الْمَعَالِي الَّذِي هُوَ نخبة عمره نِهَايَة الْمطلب فِي دراية الْمَذْهَب لَيْسَ فِيهِ حَدِيث وَاحِد معزو إِلَى صَحِيح البُخَارِيّ إِلَّا حَدِيث وَاحِد فِي الْبَسْمَلَة وَلَيْسَ ذَلِك الحَدِيث فِي البُخَارِيّ كَمَا ذكره ولقلة علمه وَعلم أَمْثَاله بأصول الْإِسْلَام اتّفق أَصْحَاب الشَّافِعِي على أَنه لَيْسَ لَهُم وَجه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي فَإِذا لم يسوغ أَصْحَابه أَن يعْتد بخلافهم فِي مَسْأَلَة من فروع الْفِقْه كَيفَ يكون حَالهم فِي غير هَذَا وَإِذا اتّفق أَصْحَابه على أَن لَا يجوز أَن يتَّخذ إِمَامًا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة من مسَائِل الْفُرُوع فَكيف يتَّخذ إِمَامًا فِي أصُول الدّين مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ إِنَّمَا نبل قدره عِنْد الْخَاصَّة والعامة بتبحره فِي مَذْهَب الشَّافِعِي رضي الله عنه لِأَن مَذْهَب الشَّافِعِي مؤسس على الْكتاب وَالسّنة وَهَذَا الَّذِي ارْتَفع بِهِ عِنْد الْمُسلمين غَايَته فِيهِ أَنه يُوجد مِنْهُ نقل جُمُعَة أَو بحث تفطن لَهُ فَلَا يَجْعَل إِمَامًا فِيهِ كالأئمة الَّذين لَهُم وُجُوه فَكيف بالْكلَام الَّذِي نَص الشَّافِعِي وَسَائِر الْأَئِمَّة على أَنه لَيْسَ بعد الشّرك بِاللَّه ذَنْب أعظم مِنْهُ وَقد بَينا أَن مَا جعله أصل دينه فِي الْإِرْشَاد والشامل وَغَيرهمَا هُوَ بِعَيْنِه من الْكَلَام الَّذِي نصت عَلَيْهِ الْأَئِمَّة وَلِهَذَا روى عَنهُ ابْن طَاهِر أَنه قَالَ وَقت الْمَوْت لقد خضت الْبَحْر الخضم وخليت أهل الْإِسْلَام وعلومهم وَدخلت فِي الَّذِي نهوني عَنهُ والآن إِن لم يدركني رَبِّي برحمته فالويل لِابْنِ الْجُوَيْنِيّ وَهَا أَنا أَمُوت على عقيدة أُمِّي أَو عقائد عَجَائِز نيسابور وَقَالَ أَبُو عبد الله بن الْعَبَّاس الرستمي حكى لنا الإِمَام أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ الطَّبَرِيّ الْفَقِيه قَالَ دَخَلنَا على الإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ نعوده فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ بنيسابور فَأقْعدَ فَقَالَ لنا اشْهَدُوا على أَنِّي رجعت عَن كل مقَالَة قلتهَا أُخَالِف فِيهَا مَا قَالَ السّلف الصَّالح عليهم السلام وَإِنِّي أَمُوت على مَا يَمُوت عَلَيْهِ عَجَائِز نيسابور وَعَامة الْمُتَأَخِّرين من أهل الْكَلَام سلكوا خَلفه من تلامذته وتلامذة تلامذته وتلامذة تلامذة تلامذته وَمن بعدهمْ ولقلة علمه بِالْكتاب وَالسّنة وَكَلَام سلف الْأمة يظنّ أَن أَكثر الْحَوَادِث لَيست فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع مَا يدل عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يعلم حكمهَا بِالْقِيَاسِ كَمَا يذكر ذَلِك فِي كتبه وَمن كَانَ لَهُ علم بالنصوص ودلالتها على الْأَحْكَام علم أَن قَول أبي مُحَمَّد بن حزم وَأَمْثَاله أَن النُّصُوص تستوعب جَمِيع الْحَوَادِث أقرب إِلَى الصَّوَاب من هَذَا القَوْل وَإِن كَانَ فِي طَريقَة هَؤُلَاءِ من الْإِعْرَاض عَن بعض الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة مَا قد يُسمى قِيَاسا جليا وَقد يَجْعَل من دلَالَة اللَّفْظ مثل فحوى الْخطاب وَالْقِيَاس فِي معنى الأَصْل وَغير ذَلِك وَمثل الجمود على الِاسْتِصْحَاب الضَّعِيف وَمثل الْإِعْرَاض عَن مُتَابعَة أَئِمَّة من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ مَا هُوَ معيب عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ الْقدح فِي أَعْرَاض الْأَئِمَّة لَكِن الْغَرَض أَن قَول هَؤُلَاءِ فِي اسْتِيعَاب النُّصُوص للحوادث وَإِن الله وَرَسُوله قد بَين للنَّاس دينهم هُوَ أقرب إِلَى الْعلم وَالْإِيمَان الَّذِي هُوَ الْحق مِمَّن يَقُول أَن الله لم يبين النَّاس حكم أَكثر مَا يحدث لَهُم من الْأَعْمَال بل وَكلهمْ فِيهَا إِلَى الظنون المتقابلة والآراء المتعارضة وَلَا ريب أَن سَبَب هَذَا كُله ضعف الْعلم بالآثار النَّبَوِيَّة والْآثَار السلفية

ص: 169

وَإِلَّا فَلَو كَانَ لأبي الْمَعَالِي وَأَمْثَاله بذلك علم راسخ وَكَانُوا قد عضوا عَلَيْهِ بضرس قَاطع لكانوا ملحقين بأئمة الْمُسلمين لما كَانَ فيهم من الاستعداد لأسباب الِاجْتِهَاد وَلَكِن اتبع أهل الْكَلَام الْمُحدث والرأي الضَّعِيف للظن وَمَا تهوى الْأَنْفس الَّذِي ينقص صَاحبه إِلَى حَيْثُ جعله الله مُسْتَحقّا لذَلِك وَإِن كَانَ لَهُ من الِاجْتِهَاد فِي تِلْكَ الطَّرِيقَة مَا لَيْسَ لغيره فَلَيْسَ الْفضل بِكَثْرَة الِاجْتِهَاد وَلَكِن بِالْهدى والسداد كَمَا جَاءَ فِي الْأَثر مَا ازْدَادَ مُبْتَدع اجْتِهَادًا إِلَّا ازْدَادَ من الله بعدا وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْخَوَارِج يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ وقراءته مَعَ قراءتهم يقرؤون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية وَيُوجد لأهل الْبدع من أهل الْقبْلَة لكثير من الرافضة والقدرية والجهمية وَغَيرهم من الِاجْتِهَاد مَا لَا يُوجد لأهل السّنة فِي الْعلم وَالْعَمَل وَكَذَلِكَ لكثير من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين لَكِن إِنَّمَا يُرَاد الْحسن من ذَلِك كَمَا قَالَ الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله تَعَالَى {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ أخلصه وأصوبه فَقيل لَهُ يَا أَبَا عَليّ مَا أخلصه وأصوبه فَقَالَ إِن الْعَمَل إِذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل حَتَّى يكون خَالِصا صَوَابا والخالص أَن يكون لله وَالصَّوَاب أَن يكون على السّنة

وَأما الشَّافِعِي رضي الله عنه فقد روى الْأَحَادِيث الَّتِي تتَعَلَّق بغرض كِتَابه مثل حَدِيث النُّزُول وَحَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ الَّذِي فِيهِ قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِلْجَارِيَةِ أَيْن الله قَالَت فِي السَّمَاء قَالَ من أَنا قَالَت أَنْت رَسُول الله قَالَ أعْتقهَا فَإِنَّهَا مُؤمنَة وَقد رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بل روى فِي كِتَابه الْكَبِير الَّذِي اختصر مِنْهُ مُسْنده من الحَدِيث مَا هُوَ من أبلغ أَحَادِيث الصِّفَات وَرَوَاهُ بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف فَقَالَ أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنِي مُوسَى بن عُبَيْدَة حَدثنِي أَبُو الْأَزْهَر مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق بن طَلْحَة عَن عبيد الله بن عُمَيْر أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول أَتَى جِبْرِيل بِمِرْآة بَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا هَذِه قَالَ هَذِه الْجُمُعَة فضلت بهَا أَنْت وَأمتك فَالنَّاس لكم فِيهَا تبع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلكم فِيهَا خير وفيهَا سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عبد مُؤمن يَدْعُو الله بِخَير إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ عندنَا يَوْم الْمَزِيد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَا جِبْرِيل وَمَا يَوْم الْمَزِيد قَالَ إِن رَبك اتخذ فِي الفردوس وَاديا أفيح فِيهِ كثب مسك فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أنزل الله عز وجل مَا شَاءَ من مَلَائكَته وَحَوله مَنَابِر من نور عَلَيْهَا مقاعد لِلنَّبِيِّينَ وحفت تِلْكَ المنابر بمنابر من ذهب مكللة

ص: 170

بالياقوت والزبرجد عَلَيْهَا الشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقُونَ وَيجْلس من ورائهم على تِلْكَ الكثب فَيَقُول الله عز وجل لَهُم أَنا ربكُم قد صدقتكم وعدي فاسألوني أعطكم فَيَقُولُونَ رَبنَا نَسْأَلك رضوانك فَيَقُول قد رضيت عَنْكُم وَلكم عَليّ مَا تمنيتم وَلَدي مزِيد فهم يحبونَ يَوْم الْجُمُعَة لما يعطيهم فِيهِ رَبهم من خير وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي اسْتَوَى ربكُم على الْعَرْش فِيهِ وَفِيه خلق آدم وَفِيه تقوم السَّاعَة

وَأما مَا رَوَاهُ الثَّوْريّ وَاللَّيْث بن سعد وَابْن جريج وَالْأَوْزَاعِيّ وَحَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَنَحْوهم من هَذِه الْأَحَادِيث فَلَا يُحْصِيه إِلَّا الله بل هَؤُلَاءِ عَلَيْهِم مدَار هَذِه الْأَحَادِيث من جهتهم أخذت وَحَمَّاد بن سَلمَة الَّذِي قَالَ إِن مَالِكًا احتذى موطأه على كِتَابه هُوَ قد جمع أَحَادِيث الصِّفَات لما أظهرت الْجَهْمِية إنكارها حَتَّى إِن حَدِيث خلق آدم على صورته أَو صُورَة الرَّحْمَن قد رَوَاهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد عَن ابْن عجلَان وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد وَمن طَرِيقه رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن عَطاء عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسلا وَلَفظه خلق آدم على صُورَة الرَّحْمَن مَعَ أَن الْأَعْمَش رَوَاهُ مُسْندًا فَإِذا كَانَ الْأَئِمَّة يروون مثل هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله مُرْسلا فَكيف يُقَال أَنهم كَانُوا يمتنعون عَن رِوَايَتهَا

والْحَدِيث هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث قَتَادَة عَن أبي أَيُّوب عَن أبي هُرَيْرَة وَقد رُوِيَ عَن ابْن الْقَاسِم قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَن من يحدث الحَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته والْحَدِيث إِن الله يكْشف عَن سَاقه يَوْم الْقِيَامَة وَإنَّهُ يدْخل فِي النَّار يَده حَتَّى يخرج من أَرَادَ فَأنْكر ذَلِك إنكارا شَدِيدا وَنهى أَن يتحدث بِهِ أحد

قلت هَذَانِ الحديثان كَانَ اللَّيْث بن سعد يحدث بهما فَالْأول حَدِيث الصُّورَة حدث بِهِ عَن ابْن عجلَان وَالثَّانِي هُوَ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الطَّوِيل وَهَذَا الحَدِيث قد أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث اللَّيْث وَالْأول قد أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث غَيره وَابْن الْقَاسِم إِنَّمَا سَأَلَ مَالِكًا لأجل تحديث اللَّيْث بذلك فَيُقَال إِمَّا أَن يكون مَا قَالَه مَالك مُخَالفا لما فعله اللَّيْث وَنَحْوه أَو لَيْسَ بمخالف بل يكره أَن يتحدث بذلك لمن يفتنه ذَلِك ولايحمله عقله كَمَا قَالَ ابْن مَسْعُود مَا من رجل يحدث قوما حَدِيثا لَا تبلغه عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ فتْنَة لبَعْضهِم وَقد كَانَ مَالك يتْرك رِوَايَة أَحَادِيث كَثِيرَة لكَونه لَا يَأْخُذ بهَا وَلم يَتْرُكهَا غَيره فَلهُ فِي ذَلِك مَذْهَب فغاية مَا يعْتَذر لمَالِك أَن يُقَال كره أَن يتحدث بذلك حَدِيث يفتن المستمع الَّذِي لَا يحمل عقله ذَلِك

واما إِن قيل أَنه كره التحدث بذلك مُطلقًا فَهَذَا مَرْدُود على من قَالَه فقد حدث بِهَذِهِ الْأَحَادِيث من هم أجل من مَالك عِنْد نَفسه وَعند الْمُسلمين كَعبد الله بن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَابْن

ص: 171

عَبَّاس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَقد حدث بهَا نظراؤه كسفيان الثَّوْريّ وَاللَّيْث بن سعد وَابْن عُيَيْنَة وَالثَّوْري أعلم من مَالك بِالْحَدِيثِ وأحفظه لَهُ وَهُوَ أقل غَلطا فِيهِ من مَالك وَإِن كَانَ مَالك ينقي من يحدث عَنهُ وَأما اللَّيْث فقد قَالَ فِيهِ الشَّافِعِي كَانَ أفقه من مَالك إِلَّا أَنه ضيعه أَصْحَابه فَفِي الْجُمْلَة هَذَا كَلَام فِي حَدِيث مَخْصُوص أما أَن يُقَال أَن الْأَئِمَّة أَعرضُوا عَن هَذِه الْأَحَادِيث مُطلقًا فَهَذَا بهتان عَظِيم

ص: 172