الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الْكتاب وَغَيرهم عِنْد عَامَّة الْعلمَاء لِأَنَّهُ أفرده وجرده وَإِن كَانُوا إِذا قرن بِأَهْل الْكتاب كَانَا صنفين
وَفِي صَحِيح مُسلم عَن بُرَيْدَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم
كَانَ إِذا أرسل أَمِيرا على سَرِيَّة أَو جَيش أوصاه فِي خَاصَّة نَفسه بتقوى الله وأوصاه بِمن مَعَه من الْمُسلمين خيرا وَقَالَ لَهُم اغزوا بِسم الله فِي سَبِيل الله فِي دعة قَاتلُوا من كفر بِاللَّه اغزوا وَلَا تغلوا وَلَا تغدروا وَلَا تمثلوا وَلَا تقتلُوا وليدا وَإِذا لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى إِحْدَى خلال ثَلَاث فَإِنَّهُم مَا أجابوك إِلَيْهَا فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أجابوك إِلَى ذَلِك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم ثمَّ ادعهم إِلَى التَّحَوُّل من دَارهم إِلَى دَار الْمُهَاجِرين وَأخْبرهمْ أَنهم إِن فعلوا ذَلِك فَإِن لَهُم مَا للمهاجرين وَعَلَيْهِم مَا عَلَيْهِم فَإِن أَبَوا أَن يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا فَأخْبرهُم أَنهم يكونُونَ كأعراب الْمُسلمين يجْرِي عَلَيْهِم حكم الله الَّذِي يجْرِي على الْمُسلمين وَلَيْسَ لَهُم فِي الْغَنِيمَة والفيء نصيب إِلَّا أَن يجاهدوا مَعَ الْمُسلمين فَإِن هم أَبَوا فاسألهم الْجِزْيَة فَإِن هم أجابوا فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم
وَهَذَا الحَدِيث كَانَ بعد نزُول آيَة الْجِزْيَة وَهِي إِنَّمَا نزلت عَام تَبُوك لما قَاتل النَّبِي صلى الله عليه وسلم النَّصَارَى بِالشَّام وَالْيَهُود بِالْيمن
وَهَذَا الحكم ثَابت فِي أهل الْكتاب بِاتِّفَاق الْمُسلمين كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَلَكِن تنازعوا فِي الْجِزْيَة هَل تُؤْخَذ من غير أهل الْكتاب وَهَذَا مَبْسُوط فِي مَوْضِعه
فصل فِي ادِّعَاء النَّصَارَى أَن الْقُرْآن سوى بَين الْأَدْيَان
قَالُوا فِي سُورَة الْمَائِدَة {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصابئون وَالنَّصَارَى من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
فساوى بِهَذَا القَوْل بَين سَائِر النَّاس الْيَهُود والمسلمون وَغَيرهم
وَالْجَوَاب أَن يُقَال أَولا لَا حجَّة لكم فِي هَذِه الْآيَة على مطلوبكم فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنكُم وَبَين الْيَهُود وَالصَّابِئِينَ وَأَنْتُم مَعَ الْمُسلمين متفقون على أَن الْيَهُود كفار من بعث الْمَسِيح إِلَيْهِم فَكَذبُوهُ
وَكَذَا الصابئون من حَيْثُ بعث إِلَيْهِم رَسُول فَكَذبُوهُ فهم كفار فَإِن كَانَ فِي الْآيَة مدح
لدينكم الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ بعد مبعث مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَفِيهَا مدح دين الْيَهُود أَيْضا وَهَذَا بَاطِل عنْدكُمْ وَعند الْمُسلمين
وَإِن لم يكن فِيهَا مدح الْيَهُود بعد النّسخ والتبديل فَلَيْسَ فِيهَا مدح لدين النَّصَارَى بعد النّسخ والتبديل
وَكَذَلِكَ يُقَال لِلْيَهُودِيِّ إِن احْتج بهَا على صِحَة دينه
وَأَيْضًا فَإِن النَّصَارَى يكفرون الْيَهُود فَإِن كَانَ دينهم حَقًا لزم كفر الْيَهُود وَإِن كَانَ بَاطِلا لزم بطلَان دينهم فَلَا بُد من بطلَان أحد الدينَيْنِ فَيمْتَنع أَن تكون الْآيَة مدحتهما وَقد سوت بَينهمَا
فَعلم أَنَّهَا لم تمدح وَاحِدًا مِنْهُمَا بعد النّسخ والتبديل وَإِنَّمَا معنى الْآيَة أَن الْمُؤمنِينَ بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالَّذين هادوا الَّذين اتبعُوا مُوسَى عليه السلام وهم الَّذين كَانُوا على شرعة قبل النّسخ والتبديل وَالنَّصَارَى الَّذين اتبعُوا الْمَسِيح عليه السلام وهم الَّذين كَانُوا على شَرِيعَته قبل النّسخ والتبديل
والصابئون وهم الصائبون الحنفاء كَالَّذِين كَانُوا من الْعَرَب وَغَيرهم على دين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق قبل التبديل والنسخ
فَإِن الْعَرَب من ولد إِسْمَاعِيل وَغَيره الَّذين كَانُوا جيران الْبَيْت الْعَتِيق الَّذِي بناه إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل كَانُوا حنفَاء على مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَى أَن غير دينه بعض وُلَاة خُزَاعَة وَهُوَ عَمْرو بن لحي وَهُوَ أول من غير دين إِبْرَاهِيم بالشرك وَتَحْرِيم مَا لم يحرمه الله وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم
رَأَيْت عَمْرو بن لحي يجر قصبه أَي أمعاءه فِي النَّار وَهُوَ أول من بَحر الْبحيرَة وسيب السوائب وَغير دين إِبْرَاهِيم
وَكَذَلِكَ بَنو إِسْحَاق الَّذين كَانُوا قبل مبعث مُوسَى مُتَمَسِّكِينَ بدين إِبْرَاهِيم كَانُوا من السُّعَدَاء المحمودين فَهَؤُلَاءِ الَّذين كَانُوا على دين مُوسَى والمسيح وَإِبْرَاهِيم وَنَحْوهم الَّذين مدحهم الله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
فَأهل الْكتاب بعد النّسخ والتبديل لَيْسُوا مِمَّن آمن بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَعمل صَالحا كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون}