المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَإِنَّهُ قد قيل المُرَاد بِذكر اسْم الله عَلَيْهَا إِذا كَانَت - دقائق التفسير - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما لبن الْميتَة وأنفحتها فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي عُقُوبَة الْمُحَاربين بَين وقطاع الطَّرِيق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ الشَّيْخ الْإِسْلَام رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بطلَان الِاسْتِدْلَال بالمتشابه

- ‌فصل فِي ادِّعَاء النَّصَارَى أَن الْقُرْآن سوى بَين الْأَدْيَان

- ‌ فصل فِي كَفَّارَة الْيَمين

- ‌ فصل فِي معنى روح الْقُدس

- ‌فصل عِيسَى عبد الله وَرَسُوله

- ‌معنى التوفي

- ‌فصل فَسَاد قَول النَّصَارَى فِي أَن الْمَسِيح خَالق

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌فصل

- ‌فَصِلَ

- ‌فصل

- ‌لَا أحب الآفلين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذَبَائِح أهل الْكتاب

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌ فصل

- ‌فَصْل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل عرض لما تضمنته السُّورَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَسُئِلَ رحمه الله

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة فَمن سبقت لَهُ من الله الْحسنى فَلَا بُد أَن يصير مُؤمنا تقيا فَمن لم يكن من الْمُؤمنِينَ لم تسبق لَهُ من الله الْحسنى لَكِن الله إِذا سبقت للْعَبد مِنْهُ سَابِقَة اسْتَعْملهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يصل بِهِ إِلَى تِلْكَ السَّابِقَة كمن سبق

- ‌فصل وَأما قَول الْقَائِل مَا لنا فِي جَمِيع أفعالنا قدرَة فقد كذب فَإِن الله تَعَالَى فرق بَين المستطيع الْقَادِر وَغير المستطيع وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام فَقيل لَهُ

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

الفصل: فَإِنَّهُ قد قيل المُرَاد بِذكر اسْم الله عَلَيْهَا إِذا كَانَت

فَإِنَّهُ قد قيل المُرَاد بِذكر اسْم الله عَلَيْهَا إِذا كَانَت حَاضِرَة

وَقيل بل يعم ذكره لأَجلهَا فِي مغيبها وشهودها بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى {لتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ}

وَفِي الْحَقِيقَة مآل الْقَوْلَيْنِ إِلَى شَيْء وَاحِد فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا ذبح على النصب} كَمَا قد أومأنا إِلَيْهِ

وفيهَا قَول ثَالِث ضَعِيف أَن الْمَعْنى على اسْم النّصْف وَهَذَا ضَعِيف لِأَن هَذَا الْمَعْنى حَاصِل من قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} فَيكون تكريرا لَكِن اللَّفْظ يحْتَملهُ كَمَا روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَنه كَانَ يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

أَنه لَقِي زيد بن عَمْرو بن نفَيْل بِأَسْفَل بلدح وَذَلِكَ قبل أَن ينزل على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْوَحْي فَقدمت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فِيهَا لحم فَأبى أَن يَأْكُل مِنْهَا ثمَّ قَالَ زيد إِنِّي لست آكل مِمَّا تذبحون على أنصابكم وَلَا آكل إِلَّا مَا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ

‌فصل

قَالَ شيخ الْإِسْلَام

الْجِنّ مأمورون ومنهيون كالإنس وَقد بعث الله الرُّسُل من الْإِنْس إِلَيْهِم وَإِلَى الْإِنْس وَأمر الْجَمِيع بِطَاعَة الرُّسُل كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي وينذرونكم لِقَاء يومكم هَذَا قَالُوا شَهِدنَا على أَنْفُسنَا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين} وَهَذَا بعد قَوْله {وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا يَا معشر الْجِنّ قد استكثرتم من الْإِنْس وَقَالَ أولياؤهم من الْإِنْس رَبنَا استمتع بَعْضنَا بِبَعْض وبلغنا أجلنا الَّذِي أجلت لنا قَالَ النَّار مثواكم خَالِدين فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ الله} قَالَ غير وَاحِد من السّلف أَي كثير من أغويتم من الْإِنْس وأضللتموهم قَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ بَعضهم استمتاع الْإِنْس بالجن مَا كَانُوا يلقون لَهُم من الأراجيف وَالسحر وَالْكهَانَة وتزيينهم

ص: 135

لَهُم الْأُمُور الَّتِي يهيؤونها ويسهل سَبِيلهَا عَلَيْهِم واستمتاع الْجِنّ بالإنس طَاعَة الْإِنْس لَهُم فِيمَا يزينن لَهُم من الضَّلَالَة والمعاصي قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب هُوَ طَاعَة بَعضهم لبَعض وموافقة بَعضهم بَعْضًا وَذكر ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ مَا كَانَ استمتاع بَعضهم بِبَعْض إِلَّا أَن الْجِنّ أمرت وَعلمت الْإِنْس وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ هُوَ الصَّحَابَة فِي الدُّنْيَا وَقَالَ ابْن السَّائِب استمتاع الْإِنْس بالجن استعاذتهم بهم واستمتاع الْجِنّ بالإنس أَن قَالُوا قد أسرنا الْإِنْس مَعَ الْجِنّ حَتَّى عاذوا بِنَا فيزدادون شرفا فِي أنفسهم وعظما فِي نُفُوسهم وَهَذَا كَقَوْلِه {وَأَنه كَانَ رجال من الْإِنْس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقا}

قلت الِاسْتِمْتَاع بالشَّيْء هُوَ أَن يتمتع بِهِ ينَال بِهِ مَا يَطْلُبهُ ويريده ويهواه وَيدخل فِي ذَلِك استمتاع الرِّجَال بِالنسَاء بَعضهم لبَعض كَمَا قَالَ {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ فَرِيضَة} وَمن ذَلِك الْفَوَاحِش كاستمتاع الذُّكُور بالذكور وَالْإِنَاث بالإناث

وَيدخل فِي هَذَا الِاسْتِمْتَاع بالاستخدام وأئمة الرياسة كَمَا يتمتع الْمُلُوك والسادة بجنودهم ومماليكهم وَيدخل فِي ذَلِك الِاسْتِمْتَاع بالأموال كاللباس وَمِنْه قَوْله {ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} وَكَانَ من السّلف من يمتع الْمَرْأَة بخادم فَهِيَ تستمتع بخدمته وَمِنْهُم من يمتع بكسوة أَو نَفَقَة وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاء أَعلَى الْمُتْعَة خَادِم وَأَدْنَاهَا كسْوَة يجزىء فِيهَا الصَّلَاة

وَفِي الْجُمْلَة استمتاع الْإِنْس بالجن وَالْجِنّ بالإنس يشبه استمتاع الْإِنْس بالإنس قَالَ تَعَالَى {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} وَقَالَ تَعَالَى {وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} قَالَ مُجَاهِد هِيَ المودات الَّتِي كَانَت لغير الله قَالَ الْخَلِيل {إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثانا مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يكفر بَعْضكُم بِبَعْض ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ تَعَالَى {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} فالمشرك يعبد مَا يهواه وَاتِّبَاع الْهوى هُوَ استمتاع من صَاحبه بِمَا يهواه وَقد وَقع فِي الْإِنْس وَالْجِنّ هَذَا كُله

ص: 136

وَتارَة يخْدم هَؤُلَاءِ لهَؤُلَاء فِي أغراضهم وَهَؤُلَاء لهَؤُلَاء فِي أغراضهم فالجن تَأتيه بِمَا يُرِيد من صُورَة أَو مَال أَو قتل عدوه وَالْإِنْس تطيع الْجِنّ فَتَارَة يسْجد لَهُ وَتارَة لما يَأْمُرهُ بِالسُّجُود لَهُ وَتارَة يُمكنهُ من نَفسه فيفعل بِهِ الْفَاحِشَة وَكَذَلِكَ الجينات مِنْهُنَّ من يُرِيد من الْإِنْس الَّذِي يخدمنه مَا يُرِيد نسَاء الْإِنْس من الرِّجَال وَهَذَا كثير فِي رجال الْجِنّ وَنِسَائِهِمْ فكثير من رِجَالهمْ ينَال من نسَاء الْإِنْس مَا يَنَالهُ الْإِنْسِي وَقد يفعل ذَلِك بالذكران

وصرع الْجِنّ للإنس هُوَ لأسباب ثَلَاثَة

تَارَة يكون الجني يحب المصروع ليتمتع بِهِ وَهَذَا الصرع يكون أرْفق من غَيره وأسهل

وَتارَة يكون الْإِنْسِي آذاهم إِذا بَال عَلَيْهِم أَو صب عَلَيْهِم مَاء حارا أَو يكون قتل بَعضهم أَو غير ذَلِك من أَنْوَاع الْأَذَى هَذَا أَشد الصرع وَكَثِيرًا مَا يقتلُون المصروع

وَتارَة يكون بطرِيق الْعَبَث بِهِ كَمَا يعبث سُفَهَاء الْإِنْس بأبناء السَّبِيل

وَمن استمتاع الْإِنْس وَالْجِنّ استخدامهم فِي الْإِخْبَار بالأمور الغائبة كَمَا يخبر الْكُهَّان فَإِن فِي الْإِنْس من لَهُ غَرَض فِي هَذَا لما يحصل بِهِ من الرياسة وَالْمَال وَغير ذَلِك فَإِن كَانَ الْقَوْم كفَّارًا كَمَا كَانَت الْعَرَب لم تبال بِأَن يُقَال أَنه كَاهِن كَمَا كَانَ الْعَرَب كهانا وَقدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة وفيهَا كهان وَكَانَ المُنَافِقُونَ يطْلبُونَ التحاكم إِلَى الْكُهَّان وَكَانَ أَبُو ابرق الْأَسْلَمِيّ أحد الْكُهَّان قبل أَن يسلم وَإِن كَانَ الْقَوْم مُسلمين لم يظْهر أَنه كَاهِن بل يَجْعَل ذَلِك من بَاب الكرامات وَهُوَ من جنس الْكُهَّان فَإِنَّهُ لَا يخْدم الْإِنْسِي بِهَذِهِ الْأَخْبَار إِلَّا لما يسْتَمْتع بِهِ من الْإِنْسِي بِأَن يطيعه الْإِنْسِي فِي بعض مَا يُريدهُ إِمَّا فِي شرك وَإِمَّا فِي فَاحِشَة وَإِمَّا فِي أكل حرَام وَإِمَّا فِي قتل بِغَيْر حق فالشياطين لَهُم غَرَض فِيمَا نهى الله عَنهُ من الْكفْر والفسوق والعصيان وَلَهُم لَذَّة فِي الشَّرّ والفتن يحبونَ ذَلِك وَإِن لم يكن فِيهِ مَنْفَعَة لَهُم وهم يقومُونَ بِأَمْر السَّارِق أَن يسرق وَيذْهب إِلَى أهل المَال فَيَقُولُونَ فلَان سرق مَتَاعكُمْ وَلِهَذَا يُقَال الْقُوَّة الملكية والبهيمية والسبعية والشيطانية فَإِن الملكية فِيهَا الْعلم النافع وَالْعَمَل الصَّالح والبهيمية فِيهَا الشَّهَوَات كَالْأَكْلِ وَالشرب والسبعية فِيهَا الْغَضَب وَهُوَ دفع المؤذي وَأما الشيطانة فشر مَحْض لَيْسَ فِيهَا جلب مَنْفَعَة وَلَا دفع مضرَّة

والفلاسفة وَنَحْوهم مِمَّن لَا يعرف الْجِنّ وَالشَّيَاطِين لَا يعْرفُونَ هَذِه وَإِنَّمَا يعْرفُونَ الشَّهْوَة وَالْغَضَب والشهوة وَالْغَضَب خلقا لمصْلحَة وَمَنْفَعَة لَكِن المذموم هُوَ الْعدوان فيهمَا وَأما الشَّيْطَان فيأمر بِالشَّرِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ وَيُحب ذَلِك كَمَا فعل إِبْلِيس بِآدَم لما وسوس لَهُ وكما امْتنع من السُّجُود لَهُ فالحسد يَأْمر بِهِ الشَّيْطَان والحاسد لَا ينْتَفع بِزَوَال النِّعْمَة عَن الْمَحْسُود

ص: 137

لَكِن يبغض ذَلِك وَقد يكون بغضه لفَوَات غَرَضه وَقد لَا يكون

وَمن استمتاع الْإِنْس بالجن استخدامهم فِي إِحْضَار بعض مَا يطلبونه من مَال وَطَعَام وَثيَاب وَنَفَقَة فقد يأْتونَ بِبَعْض ذَلِك وَقد يدلونه على كنز وَغَيره واستمتاع الْجِنّ بالإنس استعمالهم فِيمَا يُريدهُ الشَّيْطَان من كفر وفسوق ومعصية

وَمن استمتاع الْإِنْس بالجن استخدامهم فِيمَا يَطْلُبهُ الْإِنْس من شرك وَقتل وفواحش فَتَارَة بتمثل الجني فِي صُورَة الْإِنْسِي فَإِذا اسْتَغَاثَ بِهِ فِي بعض أَتْبَاعه أَتَاهُ فَظن أَنه الشَّيْخ نَفسه وَتارَة يكون التَّابِع قد نَادَى شَيْخه وهتف بِهِ يَا سَيِّدي فلَان فينقل الجني ذَلِك الْكَلَام إِلَى الشَّيْخ بِمثل صَوت الْإِنْسِي حَتَّى يظنّ الشَّيْخ أَنه صَوت الْإِنْسِي بِعَيْنِه ثمَّ إِن الشَّيْخ يَقُول نعم وَيُشِير إِشَارَة يدْفع بهَا ذَلِك الْمَكْرُوه فَيَأْتِي الجني بِمثل ذَلِك الصَّوْت وَالْفِعْل يظنّ ذَلِك الشَّخْص أَنه شَيْخه نَفسه وَهُوَ الَّذِي أَجَابَهُ وَهُوَ الَّذِي فعل ذَلِك حَتَّى إِن تَابع الشَّيْخ قد تكون يَده فِي إِنَاء يَأْكُل فَيَضَع الجني يَده فِي صُورَة يَد الشَّيْخ وَيَأْخُذ من الطَّعَام فيظن ذَلِك التَّابِع أَنه شَيْخه حَاضر مَعَه والجني يمثل للشَّيْخ نَفسه مثل ذَلِك الْإِنَاء فَيَضَع يَده فِيهِ حَتَّى يظنّ الشَّيْخ أَن يَده فِي ذَلِك الْإِنَاء فَإِذا حضر المريد ذكر لَهُ الشَّيْخ أَن يَدي كَانَت فِي الْإِنَاء فيصدقه وَيكون بَينهمَا مَسَافَة شهر وَالشَّيْخ فِي مَوْضِعه وَيَده لم تطل وَلَكِن الجني مثل للشَّيْخ وَمثل للمريد حَتَّى ظن كل مِنْهُمَا أَن أَحدهمَا عِنْد الآخر وَإِنَّمَا كَانَ عِنْده مَا مثله الجني وخيله وَإِذا سُئِلَ الشَّيْخ المخدوم عَن أَمر غَائِب إِمَّا سَرقَة وَإِمَّا شخص مَاتَ وَطلب مِنْهُ أَن يخبر بِحَالهِ أَو عِلّة فِي النِّسَاء أَو غير ذَلِك فَإِن الجني قد يمثل ذَلِك فيريه صُورَة الْمَسْرُوق فَيَقُول الشَّيْخ ذهب لكم كَذَا وَكَذَا ثمَّ إِن كَانَ صَاحب المَال مُعظما وَأَرَادَ أَن يدله على سَرقته مثل لَهُ الشَّيْخ الَّذِي أَخذه أَو الْمَكَان الَّذِي فِيهِ المَال فيذهبون إِلَيْهِ فيجدونه كَمَا قَالَ وَالْأَكْثَر مِنْهُم أَنهم يظهرون صُورَة المَال وَلَا يكون عَلَيْهِ لِأَن الَّذِي سرق المَال مَعَه أَيْضا حَتَّى يَخْدمه وَالْجِنّ يخَاف بَعضهم من بعض كَمَا أَن الْإِنْس يخَاف بَعضهم بَعْضًا فَإِذا دلّ الجني عَلَيْهِ جَاءَ إِلَيْهِ أَوْلِيَاء السَّارِق فآذوه وَأَحْيَانا لَا يدل لكَون السَّارِق وأعوانه يخدمونه ويرشونه كَمَا يُصِيب معرف اللُّصُوص من الْإِنْس تَارَة يعرف السَّارِق وَلَا يعرف بِهِ إِمَّا لرغبة ينالها مِنْهُ وَإِمَّا لرهبة وَخَوف مِنْهُ وَإِذا كَانَ المَال الْمَسْرُوق لكبير يخافه ويرجوه عرف سارقه فَهَذَا وَأَمْثَاله من استمتاع بَعضهم بِبَعْض

وَالْجِنّ مكلفون كتكليف الْإِنْس وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم مُرْسل إِلَى الثقلَيْن الْجِنّ وَالْإِنْس وكفار الْجِنّ يدْخلُونَ النَّار بنصوص وَإِجْمَاع الْمُسلمين وَأما مؤمنهم ففيهم قَولَانِ وَأكْثر الْعلمَاء على أَنهم يثابون أَيْضا ويدخلون الْجنَّة وَقد رُوِيَ أَنهم يكونُونَ فِي ربضها يراهم الْإِنْس من

ص: 138

حَيْثُ لَا يرَوْنَ الْإِنْس عكس الْحَال فِي الدُّنْيَا وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الصَّغِير يحْتَاج النّظر فِي إِسْنَاده وَقد احْتج ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف على ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} وَقد ذكر الْجِنّ وَالْإِنْس الْأَبْرَار والفجار فِي الْأَحْقَاف والأنعام وَاحْتج الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره بقوله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} وَقد قَالَ تَعَالَى فِي الْأَحْقَاف {أُولَئِكَ الَّذين حق عَلَيْهِم القَوْل فِي أُمَم قد خلت من قبلهم من الْجِنّ وَالْإِنْس إِنَّهُم كَانُوا خاسرين وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} وَقد تقدم قبل هَذَا ذكر أهل الْجنَّة وَقَوله {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز عَن سيئاتهم فِي أَصْحَاب الْجنَّة} ثمَّ قَالَ {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا وليوفيهم أَعْمَالهم وهم لَا يظْلمُونَ} قَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم دَرَجَات أهل الْجنَّة تذْهب علوا ودرجات أهل النَّار تذْهب سفلا وَقد قَالَ تَعَالَى عَن قَول الْجِنّ {منا الصالحون وَمنا دون ذَلِك كُنَّا طرائق قددا} وَقَالُوا {وَأَنا منا الْمُسلمُونَ وَمنا القاسطون فَمن أسلم فَأُولَئِك تحروا رشدا وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا} ففيهم الْكفَّار والفساق والعصاة وَفِيهِمْ من فِيهِ عباة وَدين بِنَوْع من قلَّة الْعلم كَمَا فِي الْإِنْس وكل نوع من الْجِنّ يمِيل إِلَى نَظِيره من الْإِنْس فاليهود مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَعَ النَّصَارَى والمسلمون مَعَ الْمُسلمين والفساق مَعَ الْفُسَّاق وَأهل الْجَهْل والبدع مَعَ أهل الْجَهْل والبدع

واستخدام الْإِنْس لَهُم مثل اسْتِخْدَام الْإِنْس للإنس بِشَيْء مِنْهُم من يستخدمهم الْمُحرمَات من الْفَوَاحِش وَالظُّلم والشرك وَالْقَوْل على الله بِلَا علم وَقد يظنون ذَلِك من كرامات الصَّالِحين وَإِنَّمَا هُوَ من أَفعَال الشَّيَاطِين

وَمِنْهُم من يستخدمهم فِي أُمُور مُبَاحَة إِمَّا إِحْضَار مَاله أَو دلَالَة على مَكَان فِيهِ مَال لَيْسَ لَهُ مَالك مَعْصُوم أَو دفع من يُؤْذِيه وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا كاستعانة الْإِنْس بَعضهم بِبَعْض فِي ذَلِك

ص: 139

وَالنَّوْع الثَّالِث أَن يستعملهم فِي طَاعَة الله وَرَسُوله كَمَا يسْتَعْمل الْإِنْس فِي مثل ذَلِك فيأمرهم بِمَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله وينهاههم عَمَّا نَهَاهُم الله عَنهُ وَرَسُوله كَمَا يَأْمر الْإِنْس وينهاهم وَهَذِه حَال نَبينَا صلى الله عليه وسلم وَحَال من اتبعهُ واقتدى بِهِ من أمته وهم أفضل الْخلق فَإِنَّهُم يأمرون الْإِنْس وَالْجِنّ بِمَا أَمرهم الله بِهِ وَرَسُوله وَينْهَوْنَ الْإِنْس وَالْجِنّ عَمَّا نَهَاهُم الله عَنهُ وَرَسُوله إِذْ كَانَ نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم مَبْعُوثًا بذلك إِلَى الثقلَيْن الْإِنْس وَالْجِنّ وَقد قَالَ الله لَهُ {قل هَذِه سبيلي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَنا وَمن اتبعني وَسُبْحَان الله وَمَا أَنا من الْمُشْركين} وَقَالَ {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم وَالله غَفُور رَحِيم} وَعمر رَضِي لما نَادَى يَا سَارِيَة الْجَبَل قَالَ إِن لله جُنُودا يبلغون صوتي وجنود الله هم من الْمَلَائِكَة وَمن صالحي الْجِنّ فجنود الله بلغُوا صَوت عمر إِلَى سَارِيَة وَهُوَ أَنهم نادوه بِمثل صَوت عمر وَإِلَّا نفس صَوت عمر لَا يصل نَفسه فِي هَذِه الْمسَافَة الْبَعِيدَة وَهَذَا كَالرّجلِ يَدْعُو آخر وَهُوَ بعيد عَنهُ فَيَقُول يَا فلَان فيعان على ذَلِك فَيَقُول الْوَاسِطَة بَينهمَا يَا فلَان وَقد يَقُول لمن هُوَ بعيد عَنهُ يَا فلَان احْبِسْ المَاء تعال إِلَيْنَا وَهُوَ لَا يسمع صَوته فيناديه الْوَاسِطَة بِمثل ذَلِك يَا فلَان احْبِسْ المَاء أرسل المَاء إِمَّا بِمثل صَوت الأول إِن كَانَ لَا يقبل إِلَّا صَوته وَإِلَّا فَلَا يضر بِأَيّ صَوت كَانَ إِذا عرف أَن صَاحبه قد ناداه وَهَذَا حِكَايَة كَانَ عمر مرّة قد أرسل جَيْشًا فجَاء شخص وَأخْبر أهل الْمَدِينَة بانتصار الْجَيْش وشاع الْخَبَر فَقَالَ عمر من أَيْن لكم هَذَا قَالُوا شخص صفته كَيْت وَكَيْت فَأخْبرنَا فَقَالَ عمر ذَاك أَبُو الهيتم يُرِيد الْجِنّ وَسَيَجِيءُ بريد الْإِنْسَان بعد ذَلِك بأيام

وَقد يَأْمر الْملك بعض النَّاس بِأَمْر ويستكتمه إِيَّاه فَيخرج فَيرى النَّاس يتحدثون بِهِ فَإِن الْجِنّ تسمعه وتخبر بِهِ النَّاس وَالَّذين يستخدمون الْجِنّ فِي الْمُبَاحَات يشبه اسْتِخْدَام سُلَيْمَان لَكِن أعطي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد بعده وسخرت لَهُ الْإِنْس وَالْجِنّ وَهَذَا لم يحصل لغيره وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما تفلت عَلَيْهِ العفريت ليقطع عَلَيْهِ صلَاته قَالَ فَأَخَذته فدعته حَتَّى سَالَ لعابه على يَدي وَأَرَدْت أَن أربطه إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد ثمَّ ذكرت دَعْوَة أخي سُلَيْمَان فأرسلته فَلم يستخدم النَّبِي الْجِنّ أصلا لَكِن دعاهم إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن وبلغهم الرسَالَة وبايعهم كَمَا فعل بالإنس وَالَّذِي أوتيه صلى الله عليه وسلم أعظم مِمَّا أوتيه سُلَيْمَان فَإِنَّهُ اسْتعْمل الْجِنّ وَالْإِنْس فِي عبَادَة الله وَحده وسعادتهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَا لغَرَض يرجع إِلَيْهِ إِلَّا ابْتِغَاء وَجه الله وَطلب مرضاته وَاخْتَارَ أَن يكون عبدا رَسُولا على أَن يكون نَبيا ملكا فداود وَسليمَان ويوسف أَنْبيَاء مُلُوك وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمّد رسل

ص: 140

عبيد فَهُوَ أفضل كفضل السَّابِقين المقربين على الْأَبْرَار أَصْحَاب الْيَمين وَكثير مِمَّن يرى هَذِه الْعَجَائِب الخارقة يعْتَقد أَنَّهَا من كرامات الْأَوْلِيَاء وَكثير من أهل الْكَلَام وَالْعلم لم يعرفوا الْفرق بَين الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ فِي الْآيَات الخارقة وَمَا لأولياء الشَّيْطَان من ذَلِك من السَّحَرَة والكهان وَالْكفَّار من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب وَأهل الْبدع والضلال من الداخلين فِي الْإِسْلَام جعلُوا الخوارق جِنْسا وَاحِدًا وَقَالُوا كلهَا يُمكن أَن تكون معْجزَة إِذا اقترنت بِدَعْوَى النُّبُوَّة وَالِاسْتِدْلَال بهَا والتحدي بِمِثْلِهَا

وَإِذا ادّعى النُّبُوَّة من لَيْسَ بِنَبِي من الْكفَّار والسحرة فَلَا بُد أَن يسلبه الله مَا كَانَ مَعَه من ذَلِك وَأَن يقيض لَهُ من يُعَارضهُ وَلَو عَارض وَاحِد من هَؤُلَاءِ النَّبِي لأعجزه الله فخاصة المعجزات عِنْدهم مُجَرّد كَون الْمُرْسل إِلَيْهِم لَا يأْتونَ بِمثل مَا أَتَى بِهِ النَّبِي كَانَ مُعْتَادا للنَّاس قَالُوا إِن عجز النَّاس عَن الْمُعَارضَة خرق عَادَة فَهَذِهِ هِيَ المعجزات عِنْدهم وهم ضاهوا سلفهم من الْمُعْتَزلَة الَّذين قَالُوا المعجزات هِيَ خرق الْعَادة لَكِن أَنْكَرُوا كرامات الصَّالِحين وأنكروا أَن يكون السحر وَالْكهَانَة من جنس الشعبذة وحيل لم يعلمُوا أَن الشَّيَاطِين تعين على ذَلِك وَأُولَئِكَ أثبتوا الكرامات ثمَّ زَعَمُوا أَن الْمُسلمين أَجمعُوا على أَن هَذِه لَا تكون إِلَّا لرجل صَالح أَو نَبِي قَالُوا فَإِذا ظَهرت على يَد رجل كَانَ صَالحا بِهَذَا الْإِجْمَاع وَهَؤُلَاء أنفسهم قد ذكرُوا أَنَّهَا تكون للسحرة مَا هُوَ مثلهَا وتناقضوا فِي ذَلِك كَمَا قد بسط فِي غير هَذَا الْموضع

فَصَارَ كثير من النَّاس لَا يعلمُونَ مَا للسحرة والكهان وَمَا يَفْعَله الشَّيَاطِين من الْعَجَائِب وظنوا أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا لرجل صَالح فَصَارَ من ظَهرت هَذِه لَهُ يظنّ أَنَّهَا كَرَامَة فيقوى قلبه بِأَن طَرِيقَته هِيَ طَريقَة الْأَوْلِيَاء وَكَذَلِكَ غَيرهم يظنّ فِيهِ ذَلِك ثمَّ يَقُولُونَ الْوَلِيّ إِذا تولى لَا يعْتَرض عَلَيْهِ فَمنهمْ من يرَاهُ مُخَالفا لما علم بالاضطرار من دين الرَّسُول مثل ترك الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة وَأكل الْخَبَائِث كَالْخمرِ والحشيشة وَالْميتَة وَغير ذَلِك وَفعل الْفَوَاحِش وَالْفُحْش والتفحش فِي الْمنطق وظلم النَّاس وَقتل النَّفس بِغَيْر حق والشرك بِاللَّه وَهُوَ مَعَ ذَلِك يظنّ فِيهِ أَنه ولي من أَوْلِيَاء الله قد وهبه هَذِه الكرامات بِلَا عمل فضلا من الله تَعَالَى وَلَا يعلمُونَ أَن هَذِه من أَعمال الشَّيَاطِين وَأَن هَذِه من أَوْلِيَاء الشَّيَاطِين يضل بِهِ النَّاس ويغويهم

وَدخلت الشَّيَاطِين فِي أَنْوَاع من ذَلِك

فَتَارَة يأْتونَ الشَّخْص فِي النّوم يَقُول أحدهم أَنا أَبُو بكر الصّديق وَأَنا أتوبك لي وأصير شيخك وَأَنت تتوب النَّاس لي ويلبسه فَيُصْبِح وعَلى رَأسه مَا ألبسهُ فَلَا يشك أَن الصّديق هُوَ الَّذِي جَاءَهُ وَلَا يعلم أَنه الشَّيْطَان وَقد جرى مثل هَذَا لعدد من الْمَشَايِخ بالعراق والجزيرة وَالشَّام وَتارَة يقص شعره فِي النّوم فَيُصْبِح فيجد شعره مقصوصا وَتارَة يَقُول أَنا الشَّيْخ فلَان فَلَا يشك أَن الشَّيْخ نَفسه جَاءَهُ وقص شعره

ص: 141

وَكَثِيرًا مَا يستغيث الرجل بشيخه الْحَيّ أَو الْمَيِّت فيأتونه فِي صُورَة ذَلِك الشَّيْخ وَقد يخلصونه مِمَّا يكره فَلَا يشك أَن الشَّيْخ نَفسه جَاءَهُ أَو أَن ملكا تصور بصورته وجاءه وَلَا يعلم أَن ذَلِك الَّذِي تمثل إِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَان لما أشرك بِاللَّه أضلته الشَّيَاطِين وَالْمَلَائِكَة لَا تجيب مُشْركًا

وَتارَة يأْتونَ إِلَى من هُوَ خَال فِي الْبَريَّة وَقد يكون ملكا أَو أَمِيرا كَبِيرا وَيكون كَافِرًا وَقد انْقَطع عَن أَصْحَابه وعطش وَخَافَ الْمَوْت فيأتيه فِي صُورَة إنسي ويسقيه ويدعوه إِلَى الْإِسْلَام ويتوبه فَيسلم على يَدَيْهِ ويطعمه ويدله على الطَّرِيق وَيَقُول من أَنْت فَيَقُول أَنا فلَان وَيكون فِي مَوضِع

كَمَا جرى مثل هَذَا لي كنت فِي مصر فِي قلعتها وَجرى مثل هَذَا إِلَى كثير من التّرْك من نَاحيَة الْمشرق وَقَالَ لَهُ ذَلِك الشَّخْص أَنا ابْن تَيْمِية فَلم يشك ذَلِك الْأَمِير أَنِّي أَنا هُوَ وَأخْبر بذلك ملك ماردين وَأرْسل بذلك ملك ماردين إِلَى مصر رَسُولا وَكنت فِي الْحَبْس فاستعظموا ذَلِك وَأَنا لم أخرج من الْحَبْس وَلَكِن كَانَ هَذَا جنيا يحبنا فيصنع بِالتّرْكِ التتر مثل مَا كنت أصنع بهم لما جاؤوا إِلَى دمشق كنت أدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فَإِذا نطق أحدهم بِالشَّهَادَتَيْنِ أطعمتهم مَا تيَسّر فَعمل مَعَهم مثل مَا كنت أعمل وَأَرَادَ بذلك إكرامي ليظن ذَاك أَنِّي أَنا الَّذِي فعلت ذَلِك

قَالَ لي طَائِفَة من النَّاس فَلم لايجوز أَن يكون ملكا قلت لَا إِن الْملك لَا يكذب وَهَذَا قد قَالَ أَنا ابْن تَيْمِية وَهُوَ يعلم أَنه كَاذِب فِي ذَلِك

وَكثير من النَّاس رأى من قَالَ إِنِّي أَن الْخضر وَإِنَّمَا كَانَ جنيا ثمَّ صَار من النَّاس من يكذب بِهَذِهِ الحكايات إنكارا لمَوْت الْخضر وَالَّذين قد عرفُوا صدقهَا يقطعون بحياة الْخضر وكل من الطَّائِفَتَيْنِ مخطىء فَإِن الَّذين رَأَوْا من قَالَ إِنِّي أَنا الْخضر هم كَثِيرُونَ صَادِقُونَ والحكايات متواترة لَكِن أخطؤوا فِي ظنهم أَنه الْخضر وَإِنَّمَا كَانَ جنيا وَلِهَذَا يجْرِي مثل هَذَا للْيَهُود وَالنَّصَارَى فكثيرا مَا يَأْتِيهم فِي كنائسهم من يَقُول أَنه الْخضر وَكَذَلِكَ الْيَهُود يَأْتِيهم فِي كنائسهم من يَقُول أَنه الْخضر وَفِي ذَلِك من الحكايات الصادقة مَا يضيق عَنهُ هَذَا الْموضع يبين صدق من رأى شخصا وَظن أَنه الْخضر وَأَنه غلط فِي ظَنّه أَنه الْخضر وَإِنَّمَا كَانَ جنيا وَقد يَقُول أَنا الْمَسِيح أَو مُوسَى أَو مُحَمَّد أَو أَبُو بكر أَو عمر اَوْ الشَّيْخ فلَان فَكل هَذَا قد وَقع وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي حَقًا فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صُورَتي قَالَ ابْن عَبَّاس فِي صورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاته وَهَذِه رُؤْيا فِي الْمَنَام وَأما فِي الْيَقَظَة فَمن ظن أَن أحدا من الْمَوْتَى يَجِيء بِنَفسِهِ للنَّاس عيَانًا قبل يَوْم الْقِيَامَة فَمن جَهله أَتَى

وَمن هُنَا ضلت النَّصَارَى حَيْثُ اعتقدوا أَن الْمَسِيح بعد أَن صلب كَمَا يظنون أَنه أَتَى

ص: 142

إِلَى الحواريين وكلمهم ووصاهم وَهَذَا مَذْكُور فِي أَنَاجِيلهمْ وَكلهَا تشهد بذلك وَذَاكَ الَّذِي جَاءَ كَانَ شَيْطَانا قَالَ أَنا الْمَسِيح وَلم يكن هُوَ الْمَسِيح نَفسه وَيجوز أَن يشْتَبه مثل هَذَا على الحواريين كَمَا اشْتبهَ على كثير من شُيُوخ الْمُسلمين وَلَكِن مَا أخْبرهُم الْمَسِيح قبل أَن يرفع بتبليغه فَهُوَ الْحق الَّذِي يجب عَلَيْهِم تبليغه وَلم يرفع حَتَّى بلغ رسالات ربه فَلَا حَاجَة إِلَى مَجِيئه بعد أَن رفع إِلَى السَّمَاء

وَأَصْحَاب الحلاج لما قتل كَانَ يَأْتِيهم من يَقُول أَن الحلاج فيرونه فِي صورته عيَانًا وَكَذَلِكَ شيخ بِمصْر يُقَال لَهُ الدسوقي بعد أَن مَاتَ كَانَ يَأْتِي أَصْحَابه من جِهَته رسائل وَكتب مَكْتُوبَة وَأرَانِي صَادِق من أَصْحَابه الْكتاب الَّذِي أرْسلهُ فرأيته بِخَط الْجِنّ وَقد رَأَيْت خطّ الْجِنّ غير مرّة وَفِيه كَلَام من كَلَام الْجِنّ وَذَاكَ المعتقد يعْتَقد أَن الشَّيْخ حَيّ وَكَانَ يَقُول انْتقل ثمَّ مَاتَ وَكَذَلِكَ شيخ آخر كَانَ بالمشرق وَكَانَ لَهُ خوارق من الْجِنّ وَقيل كَانَ بعد هَذَا يَأْتِي خَواص أَصْحَابه فِي صورته فيعتقدون أَنه هُوَ وَهَكَذَا الَّذين كَانُوا يَعْتَقِدُونَ بَقَاء عَليّ أَو بَقَاء مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قد كَانَ يَأْتِي إِلَى بعض أَصْحَابهم جني فِي صورته وَكَذَا منتظر الرافضة قد يرَاهُ أحدهم أَحْيَانًا وَيكون المرئي جنيا جنيا فَهَذَا بَاب وَاسع وَاقع كثيرا وَكلما كَانَ الْقَوْم أَجْهَل كَانَ عِنْدهم أَكثر فَفِي الْمُشْركين أَكثر مِمَّا فِي النَّصَارَى وَهُوَ فِي النَّصَارَى كَمَا هُوَ فِي الداخلين فِي الْإِسْلَام وَهَذِه الْأُمُور يسلم بِسَبَبِهَا نَاس وَيَتُوب بِسَبَبِهَا نَاس يكونُونَ أضلّ من أَصْحَابهَا فينتقلون بِسَبَبِهَا إِلَى مَا هُوَ خير مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ كالشيخ الَّذِي فِيهِ كذب وفجور من الْإِنْس قد يَأْتِيهِ قوم كفار فيدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فيسلمون ويصيرون خيرا مِمَّا كَانُوا وَإِن كَانَ قصد ذَلِك الرجل فَاسِدا وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله يُؤَيّد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر وبأقوام لَا خلاق لَهُم وَهَذَا كَانَ كالحجج والأدلة الَّتِي يذكرهَا كثير من أهل الْكَلَام والرأي فَإِنَّهُ يَنْقَطِع بهَا كثير من أهل الْبَاطِل ويقوى بهَا قُلُوب كثير من أهل الْحق وَإِن كَانَت فِي نَفسهَا بَاطِلَة فغيرها أبطل مِنْهَا وَالْخَيْر وَالشَّر دَرَجَات فينتفع بهَا أَقوام ينتقلون مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إِلَى مَا هُوَ خير مِنْهُ وَقد ذهب كثير من مبتدعة الْمُسلمين من الرافضة والجهمية وَغَيرهم إِلَى بِلَاد الْكفَّار فَأسلم على يَدَيْهِ خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مُسلمين مبتدعين وَهُوَ خير من أَن يَكُونُوا كفَّارًا وَكَذَلِكَ بعض الْمُلُوك قد يَغْزُو غزوا يظلم فِيهِ الْمُسلمين وَالْكفَّار وَيكون آثِما بذلك وَمَعَ هَذَا فَيحصل بِهِ نفع خلق كثير كَانُوا كفَّارًا فصاروا مُسلمين وَذَاكَ كَانَ شرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَائِم بِالْوَاجِبِ وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكفَّار فَهُوَ خير وَكَذَلِكَ كثير من الْأَحَادِيث الضعيفة فِي التَّرْغِيب والترهيب والفضائل وَالْأَحْكَام والقصص قد يسْمعهَا أَقوام فينتقلون بهَا إِلَى خير مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَإِن كَانَت كذبا وَهَذَا كَالرّجلِ يسلم رَغْبَة فِي الدُّنْيَا وَرَهْبَة من السَّيْف ثمَّ إِذا أسلم وَطَالَ مكثه بَين الْمُسلمين دخل الْإِيمَان فِي قلبه فَنَفْس ذَلِك الْكفْر الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وانتهاره ودخوله فِي حكم الْمُسلمين خير من أَن يبْقى كَافِرًا فانتقل إِلَى خير مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ وخف الشَّرّ الَّذِي كَانَ فِيهِ ثمَّ

ص: 143

إِذا أَرَادَ الله هدايته أَدخل الْإِيمَان فِي قلبه وَالله تَعَالَى بعث الرُّسُل بتحصيل الْمصَالح وتكميلها وتعطيل الْمَفَاسِد وتعليلها وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَعَا الْخلق بغاية الْإِمْكَان وَنقل كل شخص إِلَى خير مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ بِحَسب الْإِمْكَان {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا وليوفيهم أَعْمَالهم وهم لَا يظْلمُونَ} وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين يردون بَاطِلا بباطل وبدعة ببدعة لَكِن قد يردون بَاطِل الْكفَّار من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب بباطل الْمُسلمين فَيصير الْكَافِر مُسلما مبتدعا وأخص من هَؤُلَاءِ من يرد الْبدع الظَّاهِرَة كبدعة الرافضة ببدعة أخف مِنْهَا وَهِي بِدعَة أهل السّنة وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَصْنَاف الْبدع

وَلَا ريب أَن الْمُعْتَزلَة خير من الرافضة وَمن الْخَوَارِج فَإِن الْمُعْتَزلَة تقر بخلافة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَكلهمْ يتولون أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَكَذَلِكَ الْمَعْرُوف عَنْهُم أَنهم يتولون عليا وَمِنْهُم من يفضله على أبي بكر وَعمر وَلَكِن حُكيَ عَن بعض متقدميهم أَنه قَالَ فسق يَوْم الْجمل إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَلَا أعلم عينهَا وَقَالُوا أَنه قَالَ لَو شهد عَليّ وَالزُّبَيْر لم أقبل شَهَادَتهمَا لفسق أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَلَو شهد عَليّ مَعَ آخر فَفِي قبُول شَهَادَته قَولَانِ وَهَذَا القَوْل شَاذ فيهم وَالَّذِي عَلَيْهِ عامتهم تَعْظِيم عَليّ

وَمن الْمَشْهُور عِنْدهم ذمّ مُعَاوِيَة وَأبي مُوسَى وَعَمْرو بن الْعَاصِ لأجل عَليّ وَمِنْهُم من يكفر هَؤُلَاءِ ويفسقهم بِخِلَاف طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ أَن هَؤُلَاءِ تَابُوا من قِتَاله وَكلهمْ يتَوَلَّى عُثْمَان ويعظمون أَبَا بكر وَعمر ويعظمون الذُّنُوب فَهُوَ يتحرون الصدْق كالخوارج لَا يختلقون الْكَذِب كالرافضة وَلَا يرَوْنَ أَيْضا اتِّخَاذ دَار غير دَار الْإِسْلَام كالخوارج وَلَهُم كتب فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَنصر الرَّسُول وَلَهُم محَاسِن كَثِيرَة يترجحون على الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض وَهُوَ قصدهم إِثْبَات تَوْحِيد الله وَرَحمته وحكمته وَصدقه وطاعته وأصولهم الْخمس على هَذِه الصِّفَات الْخمس لكِنهمْ غلطوا فِي بعض مَا قَالُوهُ فِي كل وَاحِد من أصولهم الْخمس فَجعلُوا من التَّوْحِيد نفي الصِّفَات وإنكار الرُّؤْيَة وَالْقَوْل بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَوَافَقُوا فِي ذَلِك الْجَهْمِية وَجعلُوا من الْعدْل أَنه لَا يَشَاء مَا يكون وَيكون مَا لَا يَشَاء وَأَنه لم يخلق أَفعَال الْعباد فنفوا قدرته ومشيئته وخلقه لإِثْبَات الْعدْل وَجعلُوا من الرَّحْمَة نفي أُمُور خلقهَا لم يعرفوا مَا فِيهَا من الْحِكْمَة وَكَذَلِكَ هم الْخَوَارِج قَالُوا بإنفاذ الْوَعيد ليثبتوا أَن الرب صَادِق لَا يكذب إِذا كَانَ عِنْدهم قد أخبر بالوعيد الْعَام فَمَتَى لم يقل بذلك لزم كذبه وغلطوا فِي فهم الْوَعيد وَكَذَلِكَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بِالسَّيْفِ قصدُوا بِهِ طَاعَة الله وَرَسُوله كَمَا يَقْصِدهُ الْخَوَارِج والزيدية فغلطوا فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ إنكارهم للخوارق غير المعجزات قصدُوا بِهِ إِثْبَات النُّبُوَّة ونصرها وغلطوا فِيمَا سلكوه فَإِن النَّصْر لَا يكون بتكذيب الْحق وَذَلِكَ لكَوْنهم لم يحققوا خَاصَّة آيَات الْأَنْبِيَاء ولأشعرية مَا ردُّوهُ من بدع الْمُعْتَزلَة والرافضة والجهمية وَغَيرهم وبينوا مَا بَينُوهُ من تناقضهم وعظموا الحَدِيث وَالسّنة وَمذهب الْجَمَاعَة فَحصل بِمَا قَالُوهُ من بَيَان تنَاقض

ص: 144

أَصْحَاب الْبدع الْكِبَار وردهم مَا انْتفع بِهِ خلق كثير

فَإِن الْأَشْعَرِيّ كَانَ من الْمُعْتَزلَة وَبَقِي على مَذْهَبهم أَرْبَعِينَ سنة يقْرَأ على أبي عَليّ الجبائي فَلَمَّا انْتقل عَن مَذْهَبهم كَانَ خَبِيرا بأصولهم وبالرد عَلَيْهِم وَبَيَان تناقضهم وَأما مَا بَقِي عَلَيْهِ من السّنة فَلَيْسَ هُوَ من خَصَائِص الْمُعْتَزلَة بل هُوَ من الْقدر الْمُشْتَرك بَينهم وَبَين الْجَهْمِية وَأما خَصَائِص الْمُعْتَزلَة فَلم يوالهم الْأَشْعَرِيّ فِي شَيْء مِنْهَا بل ناقضهم فِي جَمِيع أصولهم وَمَال فِي مسَائِل الْعدْل والأسماء وَالْأَحْكَام إِلَى مَذْهَب جهم وَنَحْوه وَكثير من الطوائف كالنجارية اتِّبَاع حُسَيْن النجار والضرارية أَتبَاع ضرار بن عمر ويخالفون الْمُعْتَزلَة فِي الْقدر والأسماء وَالْأَحْكَام وإنفاذ الْوَعيد والمعتزلة من أبعد النَّاس عَن طَرِيق أهل الْكَشْف والخوارق والصوفية يذمونها ويعيبونها وَكَذَلِكَ يبالغون فِي ذمّ النَّصَارَى أَكثر مِمَّا يبالغون فِي ذمّ الْيَهُود وهم إِلَى الْيَهُود أقرب كَمَا أَن الصُّوفِيَّة وَنَحْوهم إِلَى النَّصَارَى أقرب فَإِن النَّصَارَى عِنْدهم عبَادَة وزهد وأخلاق بِلَا معرفَة وَلَا بَصِيرَة فهم ضالون وَالْيَهُود عِنْدهم علم وَنظر بِلَا قصد صَالح وَلَا عبَادَة وَلَا زهد وَلَا أَخْلَاق كَرِيمَة فهم مغضوب عَلَيْهِم وَالنَّصَارَى ضالون

قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم وَلَا أعلم فِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَافا بَين الْمُفَسّرين وروى بِإِسْنَاد عَن أبي روق عَن ابْن عَبَّاس وَغير طَرِيق الضَّالّين وهم النَّصَارَى الَّذين أضلهم الله بفريتهم عَلَيْهِ يَقُول فألهمنا دينك الْحق وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ حَتَّى لَا تغْضب علينا كَمَا غضِبت على الْيَهُود وَلَا تضلنا كَمَا أضللت النَّصَارَى فتعذبنا كَمَا تُعَذبهُمْ يَقُول امنعنا من ذَلِك برفقك ورحمتك ورأفتك وقدرتك قَالَ ابْن أبي حَاتِم وَلَا أعلم فِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَافا بَين الْمُفَسّرين وَقد قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة كَانُوا يَقُولُونَ من فسد من عُلَمَائِنَا فَفِيهِ شبه من الْيَهُود وَمن فسد من عبادنَا فَفِيهِ شبه من النَّصَارَى

فَأهل الْكَلَام أصل أَمرهم هُوَ النّظر فِي الْعلم وَدَلِيله فيعظمون الْعلم وَطَرِيقه وَهُوَ الدَّلِيل والسلوك فِي طَرِيقه وَهُوَ النّظر

وَأهل الزّهْد يعظمون الْإِرَادَة والمريد وَطَرِيق أهل الْإِرَادَة فَهَؤُلَاءِ يبنون أَمرهم على الْإِرَادَة وَأُولَئِكَ يبنون أَمرهم على النّظر وَهَذِه هِيَ الْقُوَّة العلمية وَلَا بُد لأهل الصِّرَاط الْمُسْتَقيم من هَذَا وَهَذَا وَلَا بُد أَن يكون هَذَا وَهَذَا مُوَافقا لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول

فالإيمان قَول وَعمل وموافقة السّنة وَأُولَئِكَ عظموا النّظر وأعرضوا عَن الْإِرَادَة وعظموا جنس النّظر وَلم يلتزموا النّظر الشَّرْعِيّ فغلطوا من جِهَة كَون جَانب الْإِرَادَة لم يعظموه وَإِن كَانُوا يوجبون الْأَعْمَال الظَّاهِرَة فهم لَا يعْرفُونَ أَعمال الْقُلُوب وحقائقها وَمن جِهَة أَن النّظر لم يميزوا فِيهِ بَين النّظر الشَّرْعِيّ الْحق الَّذِي أَمر بِهِ الشَّارِع وَأخْبر بِهِ وَبَين النّظر البدعي الْبَاطِل الْمنْهِي عَنهُ

ص: 145

وَكَذَلِكَ الصُّوفِيَّة عظموا جنس الْإِرَادَة إِرَادَة الْقلب وذموا الْهوى وبالغوا فِي الْبَاب وَلم يُمَيّز كثير مِنْهُم بَين الْإِرَادَة الشَّرْعِيَّة الْمُوَافقَة لأمر الله وَرَسُوله وَبَين الْإِرَادَة البدعية بل أَقبلُوا على طَرِيق الْإِرَادَة طَريقَة النّظر

وَأعْرض كثير مِنْهُم فَدخل عَلَيْهِم الدَّاخِل من هَاتين الْجِهَتَيْنِ وَلِهَذَا صَار هَؤُلَاءِ يمِيل إِلَيْهِم النَّصَارَى ويميلون إِلَيْهِم وَأُولَئِكَ يمِيل إِلَيْهِم الْيَهُود ويميلون إِلَيْهِم وَبَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى غَايَة التنافر والتباغض وَكَذَلِكَ بَين أهل الْكَلَام والرأي وَبَين أهل التصوف والزهد تنافر وتباغض هَذَا وَهَذَا من الْخُرُوج عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا

ونسأل الله الْعَظِيم أَن يهدينا وَسَائِر إِخْوَاننَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين آمين

ص: 146