المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذبائح أهل الكتاب - دقائق التفسير - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما لبن الْميتَة وأنفحتها فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران للْعُلَمَاء

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي عُقُوبَة الْمُحَاربين بَين وقطاع الطَّرِيق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ الشَّيْخ الْإِسْلَام رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي بطلَان الِاسْتِدْلَال بالمتشابه

- ‌فصل فِي ادِّعَاء النَّصَارَى أَن الْقُرْآن سوى بَين الْأَدْيَان

- ‌ فصل فِي كَفَّارَة الْيَمين

- ‌ فصل فِي معنى روح الْقُدس

- ‌فصل عِيسَى عبد الله وَرَسُوله

- ‌معنى التوفي

- ‌فصل فَسَاد قَول النَّصَارَى فِي أَن الْمَسِيح خَالق

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌فصل

- ‌فَصِلَ

- ‌فصل

- ‌لَا أحب الآفلين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذَبَائِح أهل الْكتاب

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌ فصل

- ‌فَصْل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل عرض لما تضمنته السُّورَة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَسُئِلَ رحمه الله

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام

- ‌فصل

- ‌فصل وَأما قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة فَمن سبقت لَهُ من الله الْحسنى فَلَا بُد أَن يصير مُؤمنا تقيا فَمن لم يكن من الْمُؤمنِينَ لم تسبق لَهُ من الله الْحسنى لَكِن الله إِذا سبقت للْعَبد مِنْهُ سَابِقَة اسْتَعْملهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يصل بِهِ إِلَى تِلْكَ السَّابِقَة كمن سبق

- ‌فصل وَأما قَول الْقَائِل مَا لنا فِي جَمِيع أفعالنا قدرَة فقد كذب فَإِن الله تَعَالَى فرق بَين المستطيع الْقَادِر وَغير المستطيع وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ

- ‌ فصل

- ‌فصل

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام فَقيل لَهُ

- ‌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

الفصل: ‌فصل في ذبائح أهل الكتاب

‌فصل فِي ذَبَائِح أهل الْكتاب

قَالَ شيخ الْإِسْلَام

قَالَ الله عز وجل {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} وَقَالَ {وَمَا أهل بِهِ لغير الله} فَكل مَا ذبح لغير الله فَلَا يُؤْكَل لَحْمه

وروى ابْن حَنْبَل عَن عَطاء فِي ذَبِيحَة النَّصْرَانِي يَقُول اسْم الْمَسِيح قَالَ كل

قَالَ ابْن حَنْبَل سَمِعت أَبَا عبد الله يسْأَل عَن ذَلِك قَالَ لَا تَأْكُل قَالَ الله {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} فَلَا أرى هَذَا ذَكَاته {وَمَا أهل لغير الله بِهِ}

فاحتجاج أبي عبد الله بِالْآيَةِ دَلِيل على أَن الْكَرَاهَة عِنْده كَرَاهَة تَحْرِيم وَهَذَا قَول عَامَّة قدماء الْأَصْحَاب

قَالَ الْخلال فِي بَاب التوقي لأكل مَا ذبحت النَّصَارَى وَأهل الْكتاب لأعيادهم وذبائح أهل الْكتاب لكنائسهم كل من رُوِيَ عَن أبي عبد الله روى الْكَرَاهَة فِيهِ وَهِي مُتَفَرِّقَة فِي هَذِه الْأَبْوَاب

وَمَا قَالَ ابْن حَنْبَل فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ ذكر عَن أبي عبد الله {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} فَإِنَّمَا الْجَواب من أبي عبد الله فِيمَا أهل لغير الله بِهِ وَأما التَّسْمِيَة وَتركهَا فقد روى عَنهُ جَمِيع أَصْحَابه أَنه لَا بَأْس بِأَكْل مَا لم يسموا عَلَيْهِ إِلَّا فِي

ص: 130

وَقت مَا يذبحون لأعيادهم وكنائسهم فَإِنَّهُ فِي معنى قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهل لغير الله بِهِ}

وَعند أبي عبد الله أَن تَفْسِير {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} إِنَّمَا عَنى بِهِ الْميتَة وَقد أخرجته فِي مَوْضِعه

ومقصود الْخلال أَن نهي أَحْمد لم يكن لأجل ترك التَّسْمِيَة فَقَط فَإِن ذَلِك عِنْده لَا يحرم وَإِنَّمَا كَانَ لأَنهم ذبحوه لغير الله سَوَاء كَانُوا يسمون غير الله أَو لَا يسمون الله وَلَا غَيره وَلَكِن قصدهم الذّبْح لغير الله

لَكِن قَالَ ابْن أبي مُوسَى ويجتنب أكل كل مَا ذبحه الْيَهُود وَالنَّصَارَى لكنائسهم وأعيادهم وَلَا يُؤْكَل مَا ذبح للزهرة

وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أَن ذَلِك مَكْرُوه غير محرم وَهَذَا الَّذِي ذكره القَاضِي وَغَيره وَأخذُوا ذَلِك فِيمَا أَظُنهُ مِمَّا نَقله عبد الله بن أَحْمد سَأَلت أبي عَمَّن ذبح للزهرة قَالَ لَا يُعجبنِي قلت أحرام أكله قَالَ لَا أَقُول حَرَامًا وَلَكِن لَا يُعجبنِي وَذَلِكَ أَنه أثبت الْكَرَاهَة دون التَّحْرِيم

وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّمَا توقف عَن تَسْمِيَته محرما لِأَن مَا اخْتلف فِي تَحْرِيمه وتعارضت فِيهِ كالجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوه هَل يُسمى حَرَامًا على رِوَايَتَيْنِ كالروايتين عِنْده فِي أَن مَا اخْتلف فِي وُجُوبه هَل يُسمى فرضا على رِوَايَتَيْنِ

وَمن أَصْحَابنَا من أطلق الْكَرَاهَة وَلم يُفَسر هَل أَرَادَ التَّحْرِيم أَو التَّنْزِيه

قَالَ أَبُو الْحسن الْآمِدِيّ مَا ذبح لغير الله مثل الْكَنَائِس والزهرة وَالشَّمْس وَالْقَمَر فَقَالَ أَحْمد هُوَ مِمَّا اهل بِهِ لغير الله أكرهه كل مَا ذبح لغير الله وَالْكَنَائِس وَمَا ذَبَحُوا فِي أعيادهم أكرهه فَأَما مَا ذبح أهل الْكتاب على معنى الذَّكَاة فَلَا بَأْس بِهِ

وَكَذَلِكَ مَذْهَب مَالك يكره مَا ذبحه النَّصَارَى لكنائسهم أَو ذَبَحُوا على اسْم الْمَسِيح أَو الصَّلِيب أَو أَسمَاء من مضى من أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ

وَفِي الْمُدَوَّنَة وَكره مَالك أكل مَا ذبحه أهل الْكتاب لكنائسهم أَو لأعيادهم من غير تَحْرِيم وَتَأَول قَول الله {أَو فسقا أهل لغير الله بِهِ}

قَالَ ابْن الْقَاسِم وَكَذَلِكَ مَا ذَبَحُوا وَسموا عَلَيْهِ اسْم الْمَسِيح وَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا ذَبَحُوا لكنائسهم وَلَا أرى أَن يُؤْكَل

ونقلت الرُّخْصَة فِي ذَبَائِح الأعياد وَنَحْوهَا عَن طَائِفَة من الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَهَذَا فِيمَا لم يسموا عَلَيْهِ غير الله فَإِن سموا غير الله فِي عيدهم أَو غير عيدهم حرم فِي أشهر

ص: 131

الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَهُوَ مَذْهَب الْفُقَهَاء الثَّلَاثَة فِيمَا نَقله غير وَاحِد وَهُوَ قَول عَليّ بن أبي طَالب وَغَيره من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو أُمَامَة والعرباض بن سَارِيَة وَعبادَة بن الصَّامِت وَهُوَ قَول أَكثر فُقَهَاء الشَّام وَغَيرهم

وَالثَّانيَِة لَا يحرم وَإِن سموا غير الله وَهُوَ قَول عَطاء وَمُجاهد وَمَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث

نقل ابْن مَنْصُور أَنه قيل لأبي عبد الله سُئِلَ سُفْيَان عَن رجل ذبح وَلم يذكر اسْم الله مُتَعَمدا قَالَ أرى أَن لَا يُؤْكَل قيل لَهُ أَرَأَيْت إِن كَانَ يرى أَنه يجزىء عَنهُ فَلم يذكر قَالَ أرى أَنه لَا يُؤْكَل قَالَ أَحْمد الْمُسلم فِيهِ اسْم الله يُؤْكَل وَلَكِن قد أَسَاءَ فِي ترك التَّسْمِيَة النَّصَارَى أَلَيْسَ يذكرُونَ غير اسْم الله

وَوجه الِاخْتِلَاف أَن هَذَا قد دخل فِي قَوْله عز وجل {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} وَفِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} لِأَن هَذِه الْآيَة تعم كل مَا نطق بِهِ لغير الله يُقَال أَهلَلْت بِكَذَا إِذا تَكَلَّمت بِهِ وَإِن كَانَ أَصله الْكَلَام الرفيع فَإِن الحكم لَا يخْتَلف بِرَفْع الصَّوْت وخفضه وَإِنَّمَا لما كَانَت عَادَتهم رفع الصَّوْت فِي الأَصْل خرج الْكَلَام على ذَلِك فَيكون الْمَعْنى وَمَا تكلم بِهِ لغير الله وَمَا نطق بِهِ لغير الله

وَمَعْلُوم أَن مَا حرم أَن تجْعَل غير الله مُسَمّى فَكَذَلِك منويا إِذْ هَذَا مثل النيات فِي الْعِبَادَات فَإِن اللَّفْظ بهَا وَأَن كَانَ أبلغ لَكِن الأَصْل الْقَصْد

أَلا ترى أَن المتقرب بالهدايا والضحايا سَوَاء قَالَ أذبحه لله أَو سكت فَإِن الْعبْرَة بِالنِّيَّةِ وتسميته الله على الذَّبِيحَة غير ذَبحهَا لله فَإِنَّهُ يُسَمِّي على مَا يقْصد بِهِ اللَّحْم وَأما القربان فَيذْبَح لله سُبْحَانَهُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قربانه

اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك بعد قَوْله بِسم الله وَالله أكبر لقَوْله تَعَالَى {إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين} والكافرون يصنعون بآلهتهم كَذَلِك فَتَارَة يسمون آلِهَتهم على الذَّبَائِح وَتارَة يذبحونها قربانا إِلَيْهِم وَتارَة يجمعُونَ بَينهمَا وكل ذَلِك وَالله أعلم يدْخل فِيمَا أهل لغير الله بِهِ فَإِن من سمى غير الله فقد أهل بِهِ لغير الله فَقَوله باسم كَذَا استعانة بِهِ وَقَوله لكذا عبَادَة لَهُ وَلِهَذَا جمع الله بَينهمَا فِي قَوْله {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين}

ص: 132

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ حرم مَا ذبح على النصب وَهِي كل مَا ينصب ليعبد من دون الله

وَأما احتجاج أَحْمد على هَذِه الْمَسْأَلَة بقوله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} فَحَيْثُ اشْترطت التَّسْمِيَة فِي ذَبِيحَة الْمُسلم هَل تشْتَرط فِي ذَبِيحَة الْكِتَابِيّ على رِوَايَتَيْنِ وَإِن كَانَ الْخلال هُنَا قد ذكر عدم الِاشْتِرَاط فاحتجاجه بِهَذِهِ الْآيَة يخرج على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

فَلَمَّا تعَارض الْعُمُوم الحاظر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} والعموم الْمُبِيح وَهُوَ قَوْله {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك

وَالْأَشْبَه بِالْكتاب وَالسّنة مَا دلّ عَلَيْهِ أَكثر كَلَام أَحْمد من الْحَظْر وَإِن كَانَ من متأخري أَصْحَابنَا من لَا يذكر هَذِه الرِّوَايَة بِحَال وَذَلِكَ لِأَن عُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} {وَمَا ذبح على النصب} عُمُوم مَحْفُوظ لم تخص مِنْهُ صُورَة بِخِلَاف طَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب فَإِنَّهُ يشْتَرط لَهُ الذَّكَاة المبيحة فَلَو ذكى الْكِتَابِيّ فِي غير الْمحل الْمَشْرُوع لم تبح ذَكَاته وَلِأَن غَايَة الْكِتَابِيّ أَن تكون ذَكَاته كَالْمُسلمِ وَالْمُسلم لَو ذبح لغير الله أَو ذبح باسم غير الله لم يبح وَإِن كَانَ يكفر بذلك فَكَذَلِك الذِّمِّيّ لِأَن قَوْله تَعَالَى {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم حل لَهُم} سَوَاء وهم وَإِن كَانُوا يسْتَحلُّونَ هَذَا وَنحن لَا نستحله فَلَيْسَ كل مَا اسْتَحَلُّوهُ يحل لنا

وَلِأَنَّهُ قد تعَارض دليلان حاظر ومبيح فالحاظر أولى أَن يقدم

وَلِأَن الذّبْح لغير الله أَو باسم غَيره قد علمنَا يَقِينا أَنه لَيْسَ من دين الْأَنْبِيَاء عليهم السلام فَهُوَ من الشّرك الَّذِي أحدثوه فَالْمَعْنى الَّذِي لأَجله حلت ذَبَائِحهم مُنْتَفٍ فِي هَذَا وَالله تَعَالَى أعلم

فَإِن قيل مَا إِذا سموا عَلَيْهِ غير الله بِأَن يَقُولُوا باسم الْمَسِيح وَنَحْوه فتحريمه ظَاهر أما إِذا لم يسموا أحدا وَلَكِن قصدُوا الذّبْح للمسيح أَو للكوكب وَنَحْوهمَا فَمَا وَجه تَحْرِيمه

قيل قد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك وَهُوَ أَن الله سُبْحَانَهُ قد حرم مَا ذبح على النصب وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْرِيمه وَإِن كَانَ ذابحه كتابيا لِأَنَّهُ لَو كَانَ التَّحْرِيم لكَونه وثينا لم يكن فرق بَين ذبحه على النصب وَغَيرهَا وَلِأَنَّهُ لما أَبَاحَ لنا طَعَام أهل الْكتاب دلّ على أَن طَعَام الْمُشْركين حرَام فتخصيص مَا ذبح على الوثن يَقْتَضِي فَائِدَة جَدِيدَة

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذكر تَحْرِيم مَا ذبح على النصب وَمَا أهل بِهِ لغير الله وَقد دخل فِيمَا أهل بِهِ

ص: 133

لغير الله مَا أهل بِهِ أهل الْكتاب لغير الله فَكَذَلِك كل مَا ذبح على النصب فَإِذا ذبح الْكِتَابِيّ على مَا قد نصبوه من التماثيل فِي الْكَنَائِس فَهُوَ مَذْبُوح على النصب

وَمَعْلُوم أَن حكم ذَلِك لَا يخْتَلف بِحُضُور الوثن وغيبته فَإِنَّمَا حرم لِأَنَّهُ قصد بذَبْحه عبَادَة الوثن وتعظيمه وَهَذِه الأنصاب قد قيل هِيَ من الْأَصْنَام وَقيل هِيَ غير الْأَصْنَام

قَالُوا كَانَ حول الْبَيْت ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ حجرا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يذبحون عَلَيْهَا ويشرحون اللَّحْم عَلَيْهَا وَكَانُوا يعظمون هَذِه الْحِجَارَة ويعبدونها ويذبحون عَلَيْهَا وَكَانُوا إِذا شاؤوا أبدلوا هَذِه الْحِجَارَة بحجارة هِيَ أعجب إِلَيْهِم مِنْهَا وَيدل على ذَلِك قَول أبي ذَر فِي حَدِيث إِسْلَامه حَتَّى صرت كالنصب الْأَحْمَر يُرِيد أَنه كَانَ يصير أَحْمَر من تلوثه بِالدَّمِ

وَفِي قَوْله {وَمَا ذبح على النصب} قَولَانِ

أَحدهمَا أَن نفس الذّبْح كَانَ يكون عَلَيْهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ فَيكون ذبحهم غير الْأَصْنَام فَيكون الذّبْح عَلَيْهَا لأجل أَن الْمَذْبُوح عَلَيْهَا مَذْبُوح للأصنام أَو مَذْبُوح لَهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْرِيم كل مَا ذبح لغير الله وَلِأَن الذّبْح فِي الْبقْعَة لَا تَأْثِير لَهُ إِلَّا من جِهَة الذّبْح لغير الله كَمَا كرهه النَّبِي صلى الله عليه وسلم من الذّبْح فِي مَوَاضِع أصنام الْمُشْركين ومواضع أعيادهم وَإِنَّمَا يكره الْمَذْبُوح فِي الْبقْعَة الْمعينَة لكَونهَا مَحل شرك فَإِذا وَقع الذّبْح حَقِيقَة لغير الله كَانَت حَقِيقَة التَّحْرِيم قد وجدت فِيهِ

وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الذّبْح على النصب أَي لأجل النصب كَمَا قيل

أولم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على زَيْنَب بِخبْز وَلحم وَأطْعم فلَان على وَلَده وَذبح فلَان على وَلَده وَنَحْو ذَلِك وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} وَهَذَا ظَاهر على قَول من يَجْعَل النصب نفس الْأَصْنَام وَلَا مُنَافَاة بَين كَون الذّبْح لَهَا وَبَين كَونهَا كَانَت تلوث بِالدَّمِ

وعَلى هَذَا القَوْل فالدلالة ظَاهِرَة

وَاخْتِلَاف هذَيْن الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {على النصب} نَظِير الِاخْتِلَاف فِي قَوْله تَعَالَى {وَلكُل أمة جعلنَا منسكا لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} وَقَوله تَعَالَى {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام}

ص: 134