الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-51 -
الدعوة إلى العقال
وفي سنة 1931 أيضاً كانت «قصة العقال» . وما أكثر المحاولات التي كانت مني في تلك السنة! إني حين أتذكّرها وأرى ما صرت إليه الآن أعجب من ذلك النشاط ومن هذا الكسل؛ كنت كالفَرَس الذي لا يهدأ، إن لم يَعْدُ به صاحبه إلى غايته عدا إلى غير ما غاية، لا يستطيع أن يستقرّ لأن الحياة التي تتفجّر من كل خلية في جسده تمنعه من الهدوء، فصرت كالحصان العجوز الذي لا ينهض إلا إن مسّته الحياة بعصاها أو جرّته بحبالها، وإن قام قام متثاقلاً. هذه هي الدنيا وهذي سُنّة الله في أهلها، كل جديد يبلى وكل قوي يضعف، ثم إن كل حيّ يموت. على أني لا أزال أقوى جسداً وأتم صحّة وأصحّ فكراً من كل من أعرف من أقراني ممّن هم في مثل سني، فاللهمّ لك الحمد، اللهم أدِم نعمك علينا.
وبعد، فما هي قصة العقال؟
إننا نشأنا على لبس الطرابيش لا يجوز لنا أن نضعها عن رؤوسنا، وإن دخل الواحد منا على أستاذ الصف (أي الفصل) أو
مدير المدرسة أو قابل من يجب عليه توقيره وهو حاسر الرأس، يرتكب ذنباً يستوجب العقوبة أو يستحقّ عليه اللوم. وأحسب أن الطربوش من أسوأ ما يُغطّى به الرأس، فهو لا يحجب الشمس عن العيون في الصيف، ولا يدرأ المطر في الشتاء، وإن أصابه الماء فسد، وإن اختصم اثنان من التلاميذ فضُرب طربوش أحدهما تكسر القش الذي يُبطَّن به، وإن أمسك أحدهما بِطُرّته فقطعها لم يستطع أن يمشي حتى يشتري بدلاً عنها. ثم إنه لا يمكن طيّه، لذلك كنا نتخذ له في السفر علبة يُحفَظ فيها تملأ ربع الحقيبة، وكان يفسده العرق في الحرّ فيرَكب أطرافَه من الوسخ مثلُ الزفت. ولا بد من كيّه، فكان الناس ليلة العيد يزدحمون على الكوّاء مثل ازدحامهم على الحلاّق. والكواء عنده قوالب من النحاس مختلفة الأحجام، يُلبِس الطربوش القالب الذي يناسبه ثم يُلبِس القالب والطربوش قالباً أكبر منه، وتكون النار موقَدة تحته، وعنده مكبس يكبس به القالبَين معاً والطربوش بينهما، فيخرج مكوياً. ولطالما أخطأ الكواء فكبّر الطربوش ووسّعه أو ضيّقه وصغّره، فيعود إلى كيّه لإصلاحه. ومن الطرائف أن أستاذنا فارس الخوري كان له رأس من أكبر ما عرفت من الرؤوس، وكان من مزاياه أنه كان حاضر الجواب؛ ذهب مرة إلى كوّاء ليكوي طربوشه فطلب أجراً يزيد عن المعروف، قال: ولِمَ الزيادة؟ قال: لأنك لن تجد عند أحد غيري مثل هذا القالب؟ قال له فارس بك: وأنت لا تجد عند غيري مثل هذا الرأس.
وكان الناس يشكون في مصر والشام من الطربوش ويعملون على إبداله، ولكنهم يختلفون على البديل. وكان الاتجاه أكثر إلى
القبّعة (البرنيطة)، لا سيما بعد أن كشف مصطفى كمال القناع، كشف وجهه الأصلي، وجه ابن «الدونما» من يهود سالونيك الذين أظهروا فيها الإسلام لمّا جاؤوها من الأندلس، وكان منهم الاتحاديون الذين مهّدوا طريق الكفر بمحاربة الإسلام في الخفاء، فلما تمهد جاء مصطفى كمال (أتاتورك) فحاربه في العلن، وكان ممّا صنع أن ألزم المسلمين وضع القبّعات على رؤوسهم.
قامت في مصر في العشرينيات حملة قوية، لنبذ الطربوش واتخاذ القبّعة، يدعو إليها سراً أكثر الذين درسوا في أوربا وحملوا منها العلم الحديث ومع هذا العلم جراثيم المرض الخبيث، ودعا إليها جهراً سلامة موسى وأمثاله. وكادت تقضي على الطربوش لولا أن ردّتها أقلام قوية ورفضها زعماء كبار ما سلامة موسى وأمثاله أمامهم إلا الأرانب تحت أرجل الفِيَلة، منهم سعد يوم كان زعيم مصر وأحد قوّاد العرب. ولقد كتبت في «الناقد» المجلة الدمشقية (العدد 25 الصادر يوم الجمعة التاسع من ذي القعدة سنة 1349 السابع والعشرين من آذار (مارس) سنة 1931) في مقالة لي هي الآن أمامي، بعض أقوالهم. فكان ممّا قال سعد:"وما مثل الذين يبدلون بشعارهم شعار غيرهم إلا كمثل الذين يتبرؤون من أنسابهم وينتسبون إلى غير آبائهم، فلا يكسبون إلا غضب الآباء وأن يُعَدّوا من الأدعياء". وقال الأستاذ العقاد: "ومن سقوط الهمة أن يتوارى الإنسان وراء القبّعة خجلاً من جنسه وتهافتاً على لذة عارضة. ومن الجبن، لا من الجرأة على الجمود، أن يسرق مظهر قوم لا يحسبونه كأحدهم ولا يُنزِلونه بينهم منزلتهم، وإن لبس ما يلبسون وتكلّم ما يتكلمون". وكتب صاحب «المقتطَف»
شيخ المجلاّت العربية: "إذا نظرنا إلى الطربوش وإلى البرنيطة من الوجهة الاقتصادية والصحّية فالمرجّح عندنا أنّ الطربوش يفضل البرنيطة، ولعلّ العقال أصلح منها ومنه". واحتجّ ناس يومئذ بأن أهل اليمن يتخذون القبّعة فكذبهم الشيخ محمد باجنيد وبيّن "أن الذي يلبسه اليمانيون مظلّة من الخوص عَرْضها نحو ذراع لها أسّ مستدير مع استطالة ودقة شديدة يستعملها الفَعَلة والرعاة لتقيهم وهج الشمس ويسمونها المظلة". وقال الدكتور محجوب ثابت، وكان يومئذٍ من المشهورين وكان أستاذ الطب الشرعي في الجامعة، في حديث لمحرّر مجلة الزهراء حين اشتدت أزمة القبّعة في مصر:"إن لباس الرأس هو العقال، فليعدل إليه شبابنا إذا كانوا نابذين الطربوش لا محالة. والعقال كان لباس مملكة اليمن السبئية كما دلّت عليه التماثيل التي وُجدت في جنوب الجزيرة وفي أعماق بلاد اليمن، وكان لباس الرأس عند قدماء المصريين شبيهاً به، وكذلك الحال في شمال الجزيرة العربية، ولولا أن له حظاً من الجَمال والهيبة لما رأينا بعض الإفرنج في سوريا وفلسطين يتزيّنون به هم وصغارهم مع أنهم قادمون من بلاد عريقة في التبرنُط. وقد راقني منظر مفتّش الزراعة الإنكليزي يوم رأيته أثناء تطوافي بنابلس والعقال على رأسه والعباءة مسدولة على بذلته. أمّا غير المسلمين فحدّث عن عقالاتهم ولا حرج، وكل الذين اجتمعنا بهم من مسيحيّي شرق الأردن رأيناهم تتوّج رؤوسَهم هاتيك العقالات، ما بين مفضَّض ومذهَّب ومسوَّد، وكان ذلك زيّهم حتى في الكنيسة". إلى أن قال: "إن تيجاناً كهذه تزيّن مثل هذه الرؤوس لا أرى مسوّغاً لتقويضها وتنكيسها، ولا الاستعاضة عنها بتلكم القبّعات عديمة الطعم الإسطيطيقي (أي
الجمالي) ". وقال في خطبة له في نادي الرابطة الشرقية: "إن الكوفية من أجمل ما تزدان به الرؤوس".
* * *
كان هذا كله في مصر، وقد أخمدَت هذه الألسنةُ وهذه الأقلامُ نارَ الفتنة وردّت على أعقابها هذه الحملة، وبقي الطربوش على رأس الملك ورؤوس الوزراء والموظفين والطلاّب. أما في الشام فقد بدأَت بعد دخول الفرنسيين حرب على الطربوش ودعوة إلى القبّعة، ولكن أصحابها لم يجرؤوا على إعلانها قولاً بل سرّبوها إلينا فعلاً، يعملون دائبين وفق خطّة شيطانية مرسومة، فما مضى على دخول الفرنسيين عشر سنين حتى بدأ ظهور القبّعات على الرؤوس في المصايف، القبّعات الخفيفة المصنوعة من شبه القشّ التي تشبه الخوذة التي كانت على رؤوس الجند والضباط أيام الشريف فيصل، بل إن الخوذة هي القبّعة نفسها قد وضعوا لها ذيلاً من الخلف من القماش رمزاً للكوفية (أي الغترة) ووضعوا فوقها عقالاً صغيراً.
ثم أخذت تنتشر في المدارس، فكنا نرى «البيريه» ، وهي نوع من القبّعات يشبه الكُمّة (أي الطاقية) الواسعة متعدد الألوان، حتى إن شيخاً في الشام معروفاً بسوء السيرة كانت له مدرسة أهلية ابتدائية أمر تلاميذه بلبسها، ولم يمنعه من ذلك أن على رأسه عمامة ضخمة بيضاء وأنه كان خطيب جامع الشهداء. وكانت له جريدة تصدر عند الحاجة، أي الحاجة إلى شتم موظف لم يُنجِز له معاملته أو تاجر لم يؤدِّ إتاوته. وكان عندنا جرائد مثلها، منها جريدة بسيم مراد، وشرّ
منها جريدة فوزي أمين (1)، وكان الفرنسيون يتغاضون عنها، بل إنهم ليحمونها ويشجّعونها ما دامت لا تنبّه الناس إلى تحرير البلاد منهم وتكون بإفسادها المجتمع عوناً لهم على بلوغ غايتهم.
وكنا نرى هذا فنتألّم، وقد نتكلّم ولكن في مجالسنا أو يوم الجمعة في مساجدنا، فتضيع أصواتنا في هذه الضجّة الهائلة المنكرة من حولنا، حتى مرّ بدمشق الزعيم الهندي المسلم شوكة علي، وكان هو وأخوه محمد علي من أظهر قادة المسلمين في الهند في تلك الأيام، وكان قنبلة «عنقودية» تتفجر بالحماسة، فما يخطب في ناد أو مسجد أو يتحدث في جماعة إلا أصابتهم شظيّة منها فأشعلَت نار الحماسة في صدورهم. وكنا يومئذ كالخشب عليه كومة القش المركوم وقد ابتلّ بالبنزين، لا تحتاج في إيقاد النار إلاّ إلى عود الكبريت
…
وكانت زيارته هي عود الكبريت. والعجيب أني لم ألقَه ولم أستمع إلى شيء من كلامه، ولكن أخي الأستاذ سعيد الأفغاني حضر خطبة له وجاء يصفه لي ويلخّص ما قال.
وكنت كلما دعوت إلى أمر طبعت منشوراً وكلّفت مَن كان معي من الشباب والطلاّب (وكانوا مئات) فوزّعوه، فلا يمرّ يوم حتى يكون في كل دكّان وفي كل مدرسة وكل مسجد. وكان الورق رخيصاً وأجور الطبع قليلة، ولا يحتاج ذلك إلى إذن من الحكومة فالطباعة حرة، حتى المجلات غير السياسية لا يحتاج من يريد إصدارها إلا إلى إخبار (مجرد إخبار) وزارة الداخلية!
(1) وقد بلغني أنه صلح وصار من المتّقين فالحمد لله، ونسأله حسن الخاتمة لنا جميعاً.
وُزّع منشور في أربع صفحات عنوانه «نداء إلى الشبان المسلمين» كان ممّا قلت فيه، أنقله من نسخة من المنشور هي الآن في يدي:
"
…
وألقى خطبة بالإنكليزية نقلها إلى العربية فخر الشباب عجاج نُوَيْهض، وضع فيها بذرة مباركة علينا نحن أن نتعهدها بالرعاية والسقيا حتى تنمو وتثمر الثمر المرجّى. إن هذه الدعوة قد تبدو لك غريبة أو هيّنة، فلا يمنعك ذلك من أن تمعن النظر فيها وتبصر مداخلها ومخارجها، لأنك إن فعلت ذلك عرفت قدرها. إن من القواعد المقرّرة في ديننا أن من سنّ سنة حسنة (في التطبيق لا في التشريع) كان له أجرها وأجر من عمل بها، وسيكون للزعيم شوكة علي ثواب ما ذكّرَنا به من جرأة المسلم على إقامة شعائر دينه والجهر بنصرته". إلى أن قلت: "ورآنا نصفّق له استحساناً وتأثّراً فغضب وقال: لقد كان أولى بكم يا أهل دمشق، ظئر الإسلام، أن تعدلوا عن هذه العادة الإفرنجية. قالوا: وماذا نستبدل بها؟ قال: ما استبدلته الهند المسلمة وفلسطين العربية بمسلميها ونَصاراها. قالوا: وما ذاك؟ فصاح بملء شدقيه بصوت ارتجّ له المكان: الله أكبر، الله أكبر (1). ولما رآنا نرتدي الأزياء الأوربية
(1) ولي على هذا تعليق اقرؤوه في باب الفتاوى، خلاصته أنّ التصفيق ليس حراماً في ذاته، فالشرع ذمّه فيمَن اتخذه عبادة أو أدخله فيها، وأمر النساء به إن رابهنّ شيء في صلاتهنّ كما أمر الرجال بالتسبيح. وهو من الأمور التي الأصل فيها الإباحة فلا تُحرَّم إلا بدليل ولا دليل على تحريمه في جميع الحالات.
قلت: والفتوى مفصَّلة في كتاب «فتاوى علي الطنطاوي» ، ص313 (مجاهد).
من الأقمشة المصنوعة في أوربا قال: إن هذا استعمار لأجسادنا فوق استعمارهم لبلداننا! ودعا إلى العودة إلى الأزياء الوطنية والتمسك بها والمصنوعات الوطنية والحرص عليها، وقال بأنه كان في إنكلترا أيام الدراسة من أكثر الشباب أناقة وكان يحلق لحيته في اليوم مرتين، وهو الآن يكتفي بقميص من صنع الهند يبلغ الركبتين وتحته سراويل من قماش هندي وعلى رأسه كُمّة (طاقية) عليها شيء يبدو كالهلال، فإن اقتربت منه قرأت فيه جملة «نحن أنصار الله» ".
وخلصت إلى الدعوة -في هذا المنشور- إلى نبذ الطربوش واتخاذ العقال. وذهبت إلى أحد تجّار العقالات والعباءات في سوق مدحة باشا، هو والد الصديق الدكتور حكمة هاشم، فاشتريت عقالاً وكوفية وعباءة وخرجت بها. ودعوت مَن حولي من الطلاّب إلى العقال، فكان أول من لبسه وذهب به إلى مدرسة التجهيز (مكتب عنبر) أخي ناجي ورفيقه محمود الرفاعي (الذي صار بعدُ من كبار ضباط الجيش وكانت له مشاركة قوية في القضاء على حسني الزعيم، ثم تُوفّي شهيداً رحمه الله ورفيقه أنور العشّ. وكان في اليوم الذي يليه اثنان وأربعون عقالاً، ثم انتشر حتى صار نصف الطلاّب في بعض المدارس، وربعهم في بعض، من أرباب العقال. ومنع بعضُ المديرين التلاميذَ من لبسه؛ منهم مدير مدرسة البحصة، وهي التي كانت «السلطانية الثانية» وقد مرّ ذكرها، وهي أكبر مدرسة ابتدائية في دمشق ومعها (يلحق بها) المدرسة التجارية. فذهبت إليه ومعي نفر من كبار الطلاّب الذين يعملون معي، فلما بلغه وصولي ذُعِر، ولكنه كان عاقلاً فبعث من يخبر المراقب بأن
يسمح لمن جاء بالعقال أن يظهر به (وكان قد منعهم منه فلفّوه ووضعوه في حقائبهم). واستقبلني بالترحاب ودعاني ومن معي إلى الشاي معه في غرفته، وجعل يروغ بالحديث عما أدركَ أنني جئت من أجله حتى اطمأن إلى أن العقالات ظهرت في باحة المدرسة، فقال: نعم؟ أمر؟ قلت: أحببت أن أسأل: هل عندكم قانون يمنع التلاميذ من اتخاذ العقال وهو شعار العرب و
…
فقاطعني مظهراً الدهشة وقال: ومَن منعهم؟ أعوذ بالله، أبداً ما عندنا شيء من هذا، وتفضّل انظر.
وخرج بي إلى الباحة فرأيت العقالات في كل زاوية من الزوايا وكل مكان من المدرسة! لقد خاف أن يوقع نفسه في ورطة معي لأني كنت يومئذ خطيباً شعبياً قادراً على إثارة الناس، ورئيسَ لجنة الطلبة، وعاملاً في أكبر جريدة في البلد.
* * *
انتشر العقال حتى اتخذه بعض وجهاء البلد. وفي مجلة «الناقد» صورة لي بالعقال مع الأمير سعيد الجزائري، حفيد الأمير عبد القادر ورئيس أول حكومة (مؤقّتة) بعد نزوح الأتراك، ورضا باشا الصبّان وغيرهم، ولكني لم أجد عدد المجلة هذا عندي.
وتناقلت الصحف الفرنسية والإنكليزية من وكالات الأخبار نبأ هذه الحركة موسَّعاً مبالَغاً فيه، وزعمَت جريدة «الطان» (أي «الزمان»، أكبر الجرائد الفرنسية يومئذ)، أننا أحرقنا الطرابيش في مرجة الحشيش (وهي الآن الملعب البلدي ومعرض دمشق الدائم)، وعُلّق عليها تعليقات وفُسّرت تفسيرات لم أسمع بها أنا
صاحب الدعوة إلى العقال ولم تخطر لي على بال.
ثم أخذ الشباب ينفضّون عنها كما أقبلوا عليها ولم يبقَ معي إلا قليل، ثم لم يبقَ غيري. وثبتّ عليها سبعة أشهر قاسيت خلالها متاعب كثيرة من العباءة (المشلح)، إن تسلّقت الترام في الزحام علق طرفها في الباب أو داس عليه أحد الركّاب، أو انفتحت فدخل فيها أحد أو سُحبَت عني فخرجت أنا منها، وإن دخلت المطبعة (في الجريدة) تلوّثَت بالحبر أو علقَت بالآلات.
ولكنها حققت ما كنا نؤمّله منها وهي أن نوقف سريان القبّعات، فقلّت حتى انقطعت أو كادت. ولكنا ما عدنا إلى الطرابيش، بل غدونا حفاة من فوق
…
نمشي حاسري الرؤوس، حتى صار الحسور وكشف الرأس عاماً يشمل الأساتذة والوزراء ورؤساء الدول.
وصار الحديث عن الطرابيش وكيّها ودكاكين الكوّائين والازدحام عليها ليلة العيد، من أحاديث الماضي البعيد.
لقد أحسنّا بالخلاص من القبّعات، فهل أحسنّا كذلك بإبطال الطرابيش؟ لست أدري، ولكن الذي أدريه أنني ما قصدت فيما صنعت إلا الخير.
* * *