المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في اللجنة العليا لطلاب سوريا - ذكريات - علي الطنطاوي - جـ ٢

[علي الطنطاوي]

الفصل: ‌في اللجنة العليا لطلاب سوريا

-40 -

‌في اللجنة العليا لطلاّب سوريا

المسافر يقف أحياناً (ولو كان مستعجلاً) ليسمع خبراً أو يقضي وطَراً، وأنا أقف اليوم لأردّ على رسالتين وردتا عليّ ليس لهما عنوان في الرأس ولا اسم في الذيل، وهما إن لم تكونا من صُلب «الذكريات» فليستا بعيدتين عن موضوعها.

أما الرسالة الأولى فإنها طريفة حقاً وظريفة أيضاً، لو صرّح مُرسِلها باسمه لأثنيت على براعة أسلوبه، فهو أسلوب أديب، وما أدري كيف يتنازل عن حقه عليّ في الثناء عليه! أمّا موضوعها فخليط غريب من إعجاب وغزل

نعم، غزل! ومن لوم وإنكار. خلاصة ذلك كله أنه رأى صورتي المنشورة في العدد الأربعين من مجلة «المسلمون» فأُعجِبَ بأناقتي وفُتِنَ بجمالي. وما كنت أحسب يوماً أني سأكون فتنة، أعوذ بالله من أن أفتن أو أُفتَن! ويلومني على أني ظهرت بذلك المظهر فلبست لباس الكفار وتشبّهت بهم، ويُنكِر ذلك عليّ ويبالغ في الإنكار.

أما إنكاره لبسي لباس الكفار فلا أسلّمه له ولا أوافقه عليه. ولقد كانت تَرِد على أسواق المدينة ثياب متعددة الأقمشة

ص: 15

والأزياء والألوان من اليمن ومن مصر ومن الشام، وكان الرسول ‘ يلبس ما يجد منها، لا ينهى عنها إلاّ إن كانت شعاراً لغير المسلمين خاصّة بهم، يتوهّم الناس بمن يلبسها أنه منهم. هذا هو التشبّه الممنوع لا مطلق التشابه، فنحن نأكل كما يأكلون ونركب ما يركبون ونصنع كثيراً ممّا يصنعون، وما قال أحدٌ إن هذا من التشبه بهم. وقد غدا لبس الحُلّة الآن (البنطال والجاكيت) من هذا القبيل، صار لباساً عاماً يلبسه المسلم والكافر. ولقد جاءنا من سنوات جماعة من مسلمي أميركا من السود والبيض، لقيتهم في الحرَم، فكان فيما سألوني عنه الزيّ الذي يجب على من دخل في الإسلام أن يتخذه، فقلت لهم: ما في الإسلام زيّ خاص لا يجوز غيره، فليلبسوا ما شاؤوا على ألاّ يكشف الثوب عورة، ولا يشفّ من رقّته عنها، ولا يصوّر من ضيقه حجمها، ولا يكون خاصاً بغير المسلمين لا يلبسه غيرهم، ولا يكون ثوب شهرة يلفت إلى لابسه الأنظار أو يسبّب له الاحتقار، ولا يكون ثوب حرير يلبسه الرجل. فإذا سلم من هذا كله فليكن ثوباً فوقه عباءة أو بلا عباءة كَلِباسِنا هنا، أو قميصاً تحته سراويل كلباس المسلمين في الهند، أو «الشرواني» في باكستان أو الإزار (الفوطة) في أندونيسيا، أو ما شئتم من ضروب الثياب.

لا يوجب الإسلام على من دخل فيه زياً معيناً، ولا كان الرسول ‘ يتخذ زياً معيناً، وما جُعلت للقضاة ثياب يُعرفون بها وللعلماء وللجند وللتجار إلاّ بعد اختلاطنا بالفرس في صدر الدولة العباسية. ولقد كان الوافد على رسول الله ‘ يدخل المجلس يكون فيه بين أصحابه فيُجيل بصره فيهم يسأل: أيّكم

ص: 16

محمد؟ وما كان يميّزه من أصحابه ثوب ولا مجلس ولا شارة ولا علامة، ويوم الهجرة حسبوا أبا بكر هو النبي حتى دلّهم عليه أبو بكر.

وأما إعجابه وفتنته فشيء لا شأن لي به، الشأن فيه له هو ولصاحب الصورة. إن رضي عنه أو سخط عليه أو أعجبته أناقته أو فتنه شكله، فهذا له وحده لا أنازعه فيه. الذي أنازع فيه قوله إنها صورتي. صورتي أنا؟ إن صورتي هي التي توضع في صدر كل حلقة من حلقات هذه الذكريات، جمّلها الرسّام فمحا ما كان تحت الجفون من غضون وصغّرني فيها سنوات، كما كبّرني سنوات في الصورة التي وُضعت من قبل على جلدة العدد الرابع من مجلة «المسلمون» ، فعاتبتُه يومئذٍ على تلك وأشكره اليوم على هذه، وإن كنت في الحقيقة لم أكبر ولم أصغر، ولا أدري لماذا أعاتب أو أشكر؟

هذه هي صورتي، وإن لم تصدّق فتعال إليّ لتراني شيخاً بعيداً عن الأناقة وعن الجمال. فهل الصورة المنشورة في العدد الأربعين من «المسلمون» وُلدت -إذن- في خيال فنان وظهرت على طرف ريشته ما لصاحبها وجود؟ لا، بل هي صورة حقيقية لإنسان حقيقي وقف بنفسه أمام آلة التصوير، إنسان أعرفه كما أعرف نفسي، كان دائماً معي لا يفارقني، يفكّر بعقلي وينطق بلساني واسمه مثل اسمي، ولكنه ليس أنا!

فمن هو إذن؟ وأين ذهب؟

يا سادة، أنا لا أغرّب ولا أتفلسف ولا آتي بالأحاجي

ص: 17

والألغاز، ولكن أقول الحق. الحق الذي لا أعرف الطريق إلى إدراكه تماماً. ففكّروا معي، لا في صورتي أنا بل في صورة كل واحد منكم قبل عشرين أو ثلاثين سنة. وإن كان أحدكم شيخاً مثلي فليمسك الصورة بيد والمرآة بيد: هل الذي في المرآة هو الذي في الصورة؟ لا. فهل هو غيره؟ لا. هل أحدهما خيال لا وجود له والآخر إنسان موجود؟ لا. هل هما موجودان معاً؟ لا.

فما القصة إذن؟ إن كان هذا الشاب هو علي الطنطاوي فأنا لست علي الطنطاوي. فمن هو؟ ومن أنا؟ وأين ذهب؟ وكيف لا يعود؟

لقد صرت مثل هبَنّقة: كانت له قلادة يضعها حول عنقه ليعرف بها نفسه، فنام ليلة فسرقها أخوه فتقلدها، فلما أصبح ورآها عليه، قال له: أنت أنا، فمن أنا؟!

لقد أثار مسألة عجز الناس عن جوابها فقالوا: هو أحمق، وحسبوا أنهم استراحوا لأن الحمقى لا يستحقون الجواب. فهل تعرفون أنتم جواب سؤالي؟ أم تفرّون عاجزين؟ أم تقرون بأن في وجودنا وفيما هو حولنا وفيما وقع لنا ما تعجز عن إدراكه عقولنا؟ أم تقولون عني ما قالوه عن هبنّقة المسكين، فتستريحون ولكنكم لا تُريحون؟

* * *

أما الرسالة الثانية فليس فيها لطف ولا ظرف، ولكنْ فيها غلظة وعنف وفيها افتراء وعسف. وكان يسعني أن أرمي بها ولا

ص: 18

يلومني أحد، لأنه لا يعلم بها أحد. وأنا لا أحفل بالشتم الصريح يُنشَر في الصحف، ولكن اهتممت بها خشية أن يكون ما جاء فيها هو ظنّ جماعة رأيُهم فيّ مثل رأي مرسلها.

وترجمة ما جاء في الرسالة باللسان المهذَّب الذي يمكن أن تحتمله الجريدة وقُرّاؤها أني مُدّعٍ كاذب، أنسب لنفسي -وأنا في السنّ التي يدخل فيها الشابّ الجامعة- من القدرة على الكتابة والإقدام على التأليف وذيوع الاسم في الناس والتأثير في الشباب ما لا يمكن أن يكون.

وأنا بشر له نقائص وفيّ عيوب، وعيوبي كثيرة، لكن الكذب ليس منها. إنما يكذب الجبان، وأنا (مُتّهَم) من مطلع الشباب بالجرأة والإقدام، وأني طويل اللسان صامد الجَنان، وأني إن هجمت لم أبالِ العواقب. ومن كانت له هذه النقائص لا يمكن أن يجمع معها نقيصة الكذب، لأنها تناقضها وتنافيها ولا تجامعها. ولو أني كنت أحتفظ بالصحف والمجلاّت التي نشرت أخبار نشاطي قبل نصف قرن وما كُتب فيها عني يومئذ، عليّ أو لي، لجاء منها ما يملأ كتاباً يبلغ ربع القاموس المحيط. وهذا كلام أقوله أول مرة، وأرجو أن تكون آخر مرة، لأني أحاول في هذه الذكريات أن أكون مؤرّخاً لا شاعراً مفاخراً ومنافراً في عكاظ أو في المِربد. والذي أقوله رطل من قنطار ممّا قيل فيّ أو كُتب عني، وعندي منه الكثير في قصاصات، وأنا أخجل أن أروي الثناء عليّ بلساني أو أن أخطّه بقلمي، ولكني ظُلمْت فحقّ لي الدفاع عن نفسي. لذلك أتخلّى اليوم عن خجلي وأنقل كلمة واحدة تؤيّد

ص: 19

قولي الذي كذّبني فيه هذا «الأخ المهذّب» مرسل الرسالة، كلمة لم تأتِني مطويّة في ظرف فنشرتُها أنا هنا، فهذا عمل تأباه مروءة ذوي المروءات، بل جاءت منشورة في مجلة كانت لها الصدارة بين المجلاّت لكاتب كانت له الصدارة بين الكتّاب، هي شهادة من الزيات ما حظي بمثلها منه إلاّ قليل، رحمه الله.

لم تُكتب عني اليوم وقد ازددت (بلا شك) اطّلاعاً وتمرساً بالحياة وصلة بالأدب وإلفاً بالمنابر، ولكن كُتبَت في العدد (101) من مجلة الرسالة، الصادر في اليوم التاسع من ربيع الأول سنة 1354هـ، أي قبل خمسين سنة، وثقوا أني أستشعر أشد الحرج وأنا أنقل هذا الكلام ولكني اضطُررت.

قال: الأستاذ علي الطنطاوي (أو الشيخ علي الطنطاوي كما يحبّ أن يُدعى) ثمرة ناضجة من ثمار الثقافة العربية الحديثة، ثَقِفَ علوم الدين وعلوم اللسان ثقافة محيطة، ثم درس القانون دراسة فقهية عميقة، وشارك في إيقاظ النهضة الفكرية والدينية والاجتماعية في سوريا مشاركة منتجة، فله في قيادة الشباب محلّ، وفي توجيه الآداب طريقة، وفي سياسة الإصلاح مذهب. وهو ونفر من صحابته يمثّلون في سوريا الناهضة الحلقة الواصلة بين عقلية تنكر القديم وعقلية تنكر التجدّد. وليس الأستاذ الطنطاوي مجهولاً لدى قرّاء الرسالة، فهو يطالعهم الحين بعد الحين بالفصول الممتعة في الأدب والتاريخ والقصص، ينقلها عن فكر خصب، واطّلاع واسع، ومنطق سليم، وإيمان صادق، وعاطفة نبيلة.

ص: 20

والكلمة طويلة كتبها بمناسبة صدور كتابي «أبو بكر الصديق» سنة 1353هـ.

وما دمت أكتب تاريخاً لا أتنكّب فيه -إن شاء الله- جادة الصدق، فإني أقول إن الزيات رحمه الله ما كذب ولا بالغ لمّا قال إنه كان لي في قيادة الشباب محلّ، وكان -في الحقّ- محلاً ظاهراً؛ فلقد أدرت اللجنة العليا لطلاب سوريا لا في دمشق وحدها (أو ما يُسمّى اليوم «الاتحاد العامّ لطلاب سوريا») من سنة 1929 إلى أواخر سنة 1931.

وأنا رجل متوحد، إذ جاوزت المجالس الخاصّة (التي أكون فيها مع من لا أحتشم من إخواني والتي أنطلق فيها على سجيّتي) لم أستطع مخالطة الناس ولا الاندماج فيهم إلاّ من وراء صحيفة المجلّة أو الكتاب، أو من فوق منبر الخطابة، أو من خلف لوحة الرائي أو سَمّاعة الرادّ. أنا اجتماعي في المجلس الخاصّ، ولكني شَموس نَفور متوحّش إن أدخلتَني مجلساً غيره، أو جمعتَني بمن لا أعرف من الناس أو مَن أعرفه لكني لا آلفه، فكيف -إذن- صرت رئيس اللجنة العليا لطلاب سوريا نحواً من سنتين؟

أقص عليكم القصة.

* * *

لما خرجت فجأة، بلا تمهيد ولا إعلان، من ظلال العزلة الكاملة عن رفاقي في «مكتب عنبر» إلى نور الشمس في شوارع دمشق، أغلق أنا متاجرها وأخطب في أسواقها وأقود أهلها في مظاهرة من المظاهرات الضخمة، لما كان ذلك انصبّت الأنظار

ص: 21

عليّ وتلفّت الناس إليّ، وكانت دمشق (كما قلت من قريب) بركة ساكنة في الفكر ولكنها بركان مضطرم هائج في السياسة: نضال للاستقلال وجهاد لدفع الاستعمار (ولو سمّوه بالانتداب)، وكان يعرف ذلك الناس جميعاً، وكان من أناشيدنا أيام الاستقلال على عهد الشريف فيصل (الملك فيصل بن الحسين) أنشودة مشهورة ما في دمشق من لا ينشدها ويردّدها، على ضعف تأليفها:

نحنُ لا نرضى الحمايةْ

لا ولا نرضى الوصايةْ

نحنُ أَولى بالرّعايةْ

لبَني العُربِ الكرام

الحماية والوصايهْ

كلُّها معنى الأسرْ

وعلى العيشِ بذُلٍّ

أبَداً لا نَصْطَبِرْ

وكان ذلك سنة 1918. ثم غدر بنا الإنكليز الذين وعدوا الحسين فاغترّ وصدّق، وحمله على ذلك خُبث طوايا الاتحاديين وسوء فعالهم ومحاربتهم العربية كيداً للإسلام. أعطاه مكماهون -باسم قومه- المواثيق، ثم عقدوا من وراء ظهره معاهدة «سايكس بيكو» التي تقاسموا فيها بلادنا كما يتقاسم اللصوص الغنيمة التي نالوها حراماً. وأنا لا أنقل صفحات معروفة من التاريخ، وهي تحت يدي لو أردت النقل عنها، ولكني أردت أن يؤمن الشباب بأن «الجميع» علينا، تداعوا لحربنا: حرب ديننا وعقيدتنا، لأن ذلك أساس قوّتنا، فإنْ نُسف الأساس هوى البناء.

تناوبوا توجيه المدفع، يتعب منه واحد منهم فيسلّمه إلى آخر، وهو أبداً موجّه إلينا وقنابله أبداً ساقطة علينا. فمِن بلفور الذي وعد، إلى غورو الذي أغار، إلى ساراي الذي هدم ثلث

ص: 22

دمشق على من كان فيها فما لم يصل إليه الدمار أشعل فيه النار، إلى الذين تعهّدوا لإبليس بأن يحموا أمن إسرائيل، ولو كان أمنها لا يقوم إلاّ على خراب صيدا وصور وتحويل الدور والقصور إلى أطلال وقبور، وتجرِبة السلاح الأميركي الجديد بقنابله العنقودية والفسفورية والتفريغية على الأطفال والنساء والشيوخ كما تُجرّب الأدوية الجديدة على الفئران في المختبَرات

لقد سمعنا بأن منهم من تأخذه الشفقة على حيوانات المختبرات فيحاولون إنقاذها، ولكن ما سمعنا فيمن رأوا ما يقع في بيروت بمن أشفق على أطفالٍ كنور الزهر وصبايا كريّا العطر وشيوخ تجسم فيهم العجز والطهر.

لقد قُتل نفر من اليهود، أيْ من خنازير البشر، في كنيس في باريس (ولعلّ بني إسرائيل هم الذين دبّروا قتلهم ليتّخذوا منه حجّة لهم)، قُتل نفر بفعل مجهول فقامت قيامة اليهود وكثير من النصارى، ويُقتل آلاف وآلاف ويُشوَّهون في بيروت بفعل مجرمين معروفين، يُقتلون عمداً حيث لا يَملكون دفعاً ولا منعاً، والعالَم المتحضّر، عالَم «حقوق الإنسان» ، يسمع ويرى فلا يحرّك ساكناً إلاّ اللسان، وربما خرس اللسان إلاّ عن كلمة واحدة هي «الفيتو» يحمون بها ظهور المجرمين.

* * *

إنّ هتلر إنْ قِيسَ به هذا النجس بيغن عُدّ من الأطهار. على أني ألعن هتلر في قبره (إن كان له قبر)، لا لما زعموا كذباً أنه فعله باليهود بل لأنه لم يخلص البشرية نهائياً من رجس اليهود.

ص: 23

إن الذي فعلوه في لبنان سيعجز أبلغ المؤرّخين لساناً وأفصحهم بياناً عن نقله كما وقع إلى الأجيال القادمة من البشر.

ما نيرون؟ ما جنكيز؟ ما هولاكو؟ ما يأجوج ومأجوج؟ ما وحوش الغاب وعقاربه وحيّاته وحشراته؟ ما الخنازير البرّية؟ كل أولئك إن قيسوا بهذين القذرين، بيغن وشارون، صاروا من أهل الطهارة والخير، صاروا أطهاراً أخياراً لأنك وضعتهم مع من هو أنجس وألعن.

كلاّ؛ ما رأى تاريخُ البشر قاتلين مجرمين كهذين الكلبَين المسعورَين. لقد قطعاني عن إتمام الكلام الذي بدأته فإلى الحلقة الآتية إن شاء الله، وقطع الله عليهما الطريق إلى كل خير وسدّ دونهما الباب إلى كلّ سعادة، وجعل ما فعلاه في لبنان مرضاً موجعاً مشوِّهاً في جسدَيهما، وقلقاً قاتلاً ورعباً دائماً في نفسيهما، وانزعاجاً مستمراً لا يذوقان معه استقراراً (1)، لا يُعرَف له سبب ظاهر ولا يُلفى له دواء شافٍ، ينغّص عليهما العيش حتى لا يُطيقانه، ويحبّب إليهما الموت فلا يجدانه، ويجعل ما أجرماه لعنة عليهما باقية فيهما متسلسلة في أعقابهما، ممتدة في ذراريهما شاملة أهلهما وأحباءهما، حتى يروي التاريخ ما حلّ بهما، فيجزع كل باغ ظالم وكل جبّار مغرور أن يحلّ به ما حلّ بهما، ولَعذاب الآخرة أشد وأبقى.

(1) استجاب الله دعائي على بيغن بين نشر هذا الكلام في الجريدة وطبعه في الكتاب، فغدا كالسامري معتزلاً في داره نافراً من البشر ينفر منه خيار البشر، وسيأتي دور شارون بإذن الله.

ص: 24

{وَلا تَحْسَبنَّ اللهَ غافلاً عمّا يَعمَلُ الظالمونَ، إنّما يؤخّرُهم ليومٍ تشخَصُ فيهِ الأبصارُ} .

فيا من كفلتم «أمن إسرائيل» ، هل تكفلونه لها في ذلك اليوم؟ أم هل تضمنونه لأنفسكم؟ أم تحسبون أنكم تفرّون من لقاء الله؟ وإلى أين؟ هل من إله غير الله تلجؤون إليه كما يلجأ السياسي إلى دولة غير دولته فتحميه؟ من يحميكم -ويْحَكم- من الله؟ يا سكارى بخمرة القوة اصحوا، فإن الله أقوى والله أكبر.

* * *

ص: 25