الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثيراً وأجيب بما طاب به قلب الملك المنصور ورجع إلى صاحبه مكرماً، وكان ناصر الدين هذا متميزاً عنده فضيلة وله نظم جيد منه:
لله در عصابة تغشى الوغى
…
تهوى الخياطة لا إليه تنتمى
ذرعوا الفوارس بالوشيج وفصلوا
…
بالمرهفات وخيطوا بالأسهم
ذكر خروج الأمير شمي الدين البرلي والعزيزية من دمشق على حمية
واستيلائهم على حلب
لما استقرت العزيزية مع مقدمهم الأمير شمس الدين بدمشق وكان التتر قد نازلوا البيرة وضايقوها من غير محاصرة والأمير علاء الدين البندقداري مقيم بدمشق وقد جرد إلى حلب الأمير فخر الدين الحمصي مقدماً وصحبته جماعة من الأمراء فوصولا حلب وحكم الأمير فخر الدين فيها وضم بها شمل الرعية وتوجه الملك المنصور والملك الأشرف إلى بلديهما واشتدت مضايقة التتر البيرة فكتب فخر الدين الحمصي إلى الملك الظاهر وطلب إيجاده على التتر فكتب الملك الظاهر إلى البندقداري بأن يكون على أهبة المسير إلى حلب بجميع من عنده من العسكر وأن يقبض على شمس الدين البرلي وبهاء الدين بغدي وعلى جماعة من العزيزية والناصرية وبلغ ذلك هؤلاء الأمراء واتفق رأيهم على الخروج من دمشق يداً واحدة على حمية وإن يتوجهوا إلى حلب ويقبضوا على فخر الدين الحمصي ويقيموا في تلك الجهات
وتحالفوا على ذلك فتوجه بهاء الدين بغدي إلى الأمير علاء الدين البندقداري رجاء أن يسلم بذلك ويتقدم عنده فحين دخل إليه قبض عليه وقيده ورسم عليه جماعة، وورد الخبر بذلك إلى الأمير شمس الدين البرلي ومن معه من العزيزية والناصرية فركبوا وخرجوا من دمشق ليلاً ووقع بسبب هذه الحركة انزعاج شديد بدمشق ونزل البرلي بأصحابه في المرج فبعث إليه البندقداري يلومه على ذلك وحلف له أن الأمر ما ورد إلا بقبض بهاء الدين خاصة وأرسل إليه مثالاً ورد من مصر بما يرضيه وكان الأمير شمس الدين قد تحقق أن الأمر بخلاف ذلك من جهة من ورد إليه من مصر فتوجه بأصحابه طالباً حلب، ولما وصل إلى حمص راسل الملك الأشرف بأن يتفق معه فلم يجبه إلى ذلك وكان قد كاتب بعض أمراء حماة بأن يفتح له أحد أبواب حماة ليدخل إليها ويستولي عليها فأجابه إلى ذلك وكان في معسكر البرلي وهو نازل بظاهر حمص ناصر الدين ناصر الجذامي وهو من أصحاب صاحب حماة ومختص بخدمته وإنما كان في عسكر البرلي ليكشف الأخبار لصاحبه فحين بلغه ذلك سار مسرعاً إلى حماة وأخبر الملك المنصور بذلك وكان الذي كاتبوا البرلي على الباب الذي واعدوه الدخول منه فجعل الملك المنصور على الباب غيرهم، ووصل الأمير شمس الدين إلى حماة فنزل ظاهرها وقد فاته ما طلب ولم يظهر الملك المنصور تغيراً على الذين كان منهم ذلك ولا غير أخبازهم ولا أشعرهم أنه عرف شيئاً من أمرهم ولما نزل الأمير شمس الدين ظاهر حماة أرسل إلى الملك المنصور يدعوه إلى الاتفاق
معه وأنه يقيم الملك المنصور سلطاناً ويكون في خدمته.
قال الملك المنصور رحمه الله أرسل إلى الأمير شمس الدين يقول ينبغي أن تقوم وتحيى بيتك الكريم فما بقي في البيت الأيوبي من يصلح لهذا الأمر سواك ونكون بين يديك ونقاتل معك ونملكك البلاد فأرسلت إليه ناصر الدين البدوي أقول له متى وفيتم أنتم لأحد من بيت أستاذكم حتى تفوا لي وأنا ما لي حاجة بالملك وإنما أنا قانع بهذه البلدة وأكون فيها مطيعاً لمن يكون مالكاً للديار المصرية، ولما يئس الأمير شمس الدين من إجابة الملك المنصور غضب وأمر بإحراق بيدر الشعير غربي البلد فاحترق وأعقب ذلك جدب وغلاء شديد ثم توجه الأمير شمس الدين ومن معه إلى شيزر ونازلوها أياماً ثم ساروا إلى حلب فلما وصلوا الوضيحى جمع الأمير شمس الدين أصحابه واستشارهم فيما يفعل فأشاروا عليه بأن يكون الدخول في صبيحة الغد وأنهم لا يلبسون لأمة الحرب ولا يظهرون إلا طاعة الملك الظاهر ويقولون أنا خفنا على أنفسنا لما سمعنا تغير خاطره علينا فالتجأنا إلى أطراف البلاد إلى أن يصلنا أمانه ونعود إلى خدمته فوافقهم على ذلك وفي صبيحة الغد رحلوا إلى حلب وقد خرج فخر الدين الحمصي ومن معه من العسكر لابسين لأمة الحرب مستعدين للقاء وجاء البرلي ومن معه ودخلوا بينهم واختلطوا جميعاً بهم ودخلوا حلب ونزل الأمير شمس الدين في دار الأمير شمس الدين لؤلؤ ونزل أمراء العزيزية والناصرية حوله ثم طلبوا من فخر الدين الحمصي أن يتوجه إلى الملك الظاهر ويطلب لهم الأمان
والرضا بشرط أن يكون الأمير شمس الدين مقدم العساكر بحلب والأمراء الذين في صحبته عنده ويصلهم المناشير من الديار المصرية بما يختاره الملك الظاهر ويكون الأمير شمس الدين مستقلاً بنيابة السلطنة ولا يكلف الاجتماع بالملك الظاهر وتوجه فخر الدين إلى مصر ليدبر هذه القاعدة فلما وصل إلى الرمل وجد الأمير جمال الدين الحمدي قد جرد معه عسكراً ليتوجهوا إلى الأمير شمس الدين البرلي حيث كان ويقاتلوه فكتب فخر الدين إلى الملك الظاهر يخبره بما قدم لأجله فورد عليه الجواب ينكر عليه غاية الإنكار ويأمره أن ينضم إلى المحمدي بمن معه من العسكر ويقصلون البرلي ثم رضي الملك الظاهر عن الأمير علم الدين الحلبي وجهزه وراءهم في جمع من العسكر ثم جهز بعدهم الأمير عز الدين الدمياطي في جمع آخر وتوجهوا كلهم إلى جهة حلب ليقبضوا على الأمير شمس الدين البرلي أو يطردوه عن حلب وكان الأمير شمس الدين لما توجه فخر الدين الحمصي علم أن الملك الظاهر لا يوافقه على ما طلب فأخرج من عنده من العسكر المصري واستبد بالأمرو جمع إليه من العربان والتركمان وأخرج ما كان مخبأ في حلب وبلادها من الغلال وفرقه على الشود وكان قصده إخلاء حلب من الغلال لئلا تبقى ميرة لعسكر مصر واستعد للقاء عسكر مصر وبلغه توجههم إلى قتاله وانقضت هذه السنة والأمر على ذلك.
وفي السابع من جمادى الأولى عقد عزاء بجامع دمشق للملك الناصر