المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري

- ‌ ذكر دخول التتر إلى الشام

- ‌ واندفاع عسكر حلب وحماة بين أيديهم

- ‌فصل

- ‌ذكر بدايته

- ‌نبذة من كراماته

- ‌ ذكر قطبيته رحمه الله

- ‌ذكر أدب الملوك والوزراء بين يديه

- ‌السنة التاسعة والخمسون وستمائة

- ‌متجددات الأحوال في هذه السنة

- ‌ذكر انتزاع دمشق من يد الأمير علم الدين الحلبي

- ‌ذكر نزوح التتار عن حلب وما حدث بعد نزوحهم

- ‌ذكر وصول المستنصر بالله إلى القاهرة ومبايعته

- ‌باب في مبايعته

- ‌نسخة التقليد

- ‌ذكر ولاية الأمير علم الدين الحلبي نيابة السلطنة بحلب

- ‌ذكر أخذ البرلي البيرة وعوده إلى حلب

- ‌ذكر وصول ولدي صاحب الموصل إلى القاهرة

- ‌ذكر توجه الخليفة والسلطان إلى الشام

- ‌ وأولاد صاحب الموصل

- ‌ذكر مصاهرة الخزندار المواصلة

- ‌ذكر وصول الخليفة والسلطان إلى

- ‌دمشق وخروج الخليفة منها

- ‌ذكر توجه الخليفة إلى العراق

- ‌ ذكر القبض على علم الدين الحلبي

- ‌ذكر خروج الأمير شمي الدين البرلي والعزيزية من دمشق على حمية

- ‌واستيلائهم على حلب

- ‌ذكر بيعة المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بمصر

- ‌ذكر تبريز الملك الظاهر والخليفة للمسير إلى الشام

- ‌فصل

- ‌ذكر سيرة الملك الناصر

- ‌رحمه الله

- ‌السنة الستون وستمائة

- ‌ذكر عود البرلي إلى حلب وخروجه عنها

- ‌ذكر ما آل إليه أمر أولاد صاحب الموصل

- ‌بعد فراقهم المستنصر بالله

- ‌ذكر حصار الموصل

- ‌ذكر استيلاء التتر على الموصل

- ‌وقتل الملك الصالح صاحبها

- ‌ذكر رسل الملك الظاهر إلى السلطان عز الدين

- ‌صاحب الروم

- ‌ذكر الخلف الواقع بين هولاكو وبركة

- ‌فصل

- ‌فيها درج إلى رحمة الله تعالى الإمام المستنصر بالله

- ‌السنة الحادية والستون وستمائة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى الشام

- ‌وقبضه على الملك المغيث صاحب الكرك

- ‌حرب جرت بين بركة وهولاكو

- ‌فصل وفيها توفي

- ‌السنة الثانية والستون وستمائة

- ‌متجددات السنة

- ‌ فصل

- ‌السنة الثالثة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر قبض الملك الظاهر على سنقر الأقرع

- ‌فصل

- ‌السنة الرابعة والستون وستمائة

- ‌مجددات الأحوال

- ‌ فصل

- ‌السنة الخامسة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌فصل

- ‌السنة السادسة والستون وستمائة

- ‌ذكر خلاص الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر قطيعة قررت على بساتين دمشق

- ‌ذكر أخذ مالك بن منيف المدينة الشريفة

- ‌السنة السابعة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ ذكر ما تجدد في هذه السنة من حوادث بلاد الشمال والعجم

- ‌فصل

- ‌السنة الثامنة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر كسرة أبغا لبرق

- ‌ذكر المصاف

- ‌فصل

- ‌السنة التاسعة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌ذكر دخول آجاي بن هولاكو وصمغرا

- ‌صحبته إلى بلاد الروم

- ‌فصل

- ‌السنة السبعون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى حلب

- ‌ذكر وصول رسل التتر إلى الملك الظاهر

- ‌فصل

الفصل: ‌فصل وفيها توفي

يأخذ منه في مقابلة ترحيله عنه قيمة ما فسد من الهدية لاضطراره إلى ذلك فلما قفل الفارس إلى مصر واجتمع بالسلطان نقم عليه ما فعله وقبض عليه وأخذ منه ما كان وصل معه من البضائع وقيمتها أربعون ألف دينار وكان وصوله في جمادى الآخرة سنة خمس وستين.

وفيها خلق المقياس وكسر الخليج يوم الاثنين ثالث عشر شوال سنة إحدى وستين وانتهت الزيادة إلى ثلاث عشرة إصبعاً من ثمان عشر ذراعاً وكان الملك الظاهر بالإسكندرية فخلف عنه الأمير عز الدين أيدمر الحلبي نائب السلطنة بالقاهرة.

‌فصل وفيها توفي

ريدا فرنس واسمه لويس وهو من أجل ملوك الفرنج وأعظمهم قدراً وأوسعهم مملكة وأكثرهم عساكر وأموالاً وبلاداً وكان قصد الديار المصرية واستولى على طرف منها وملك دمياط في سنة سبع وأربعين واتفق موت الملك الصالح نجم الدين فقام بتدبير الأمور وتقدمة العساكر الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ فاستشهد ثم حضر الملك المعظم توران شاه بن الملك الصالح فقتل على ما هو مشهور وقدر الله تعالى مع هذه الأسباب التي يوجب بعضها استيلاء الفرنج على الديار المصرية بجملتها بل على البلاد وبأسرها ثم إن الله تعالى خذل

ص: 199

الفرنج وأهلكهم ورزق المسلمين النصر من حيث لم يحتسبوا فأسر ريداً فرنس وبقي أياماً كثيرة بيد المسلمين ثم أطلق عبد تسلم دمياط من الفرنج وتوجه إلى بلاده وفي قلبه ما فيه مما جرى عليه من ذهاب أمواله ورجاله وأسره فبقي في بلاده ونفسه تحدثه بالعود إلى الديار المصرية وأخذ ثأره فجمع جموعاً عظيمة وأهتم اهتماماً كثيراً لذلك في مدة سنين إلى سنة ستين وستمائة عزم على التوجه إليها فقيل له إنك إن قصدت ديار مصر ربما يجري لك مثل ما جرى في المرة الأولى والأولى أن تقصد تونس من بلاد إفريقية وكان ملكها يومئذ محمد بن يحيى بن عبد الواحد ويلقب المستنصر بالله ويدعى له على منابر إفريقية بالخلافة فإنك إن ظهرت عليه وملكت إفريقية تمكنت من قصد الديار المصرية في البر والبحر فأصغي إلى هذا الرأي وقصد تونس في عالم عظيم ونازلها وكان أن يستولي عليها وكان معه جماعة من الملوك فأوقع الله تعالى في عسكره وباء عظيماً فهلك ريداً فرنس وجماعة من الملوك الذين معه بظاهر تونس في هذه السنة ورجع من بقي منهم إلى بلاهم بالخيبة ووصلت البشرى بذلك إلى الملك الظاهر ركن الدين رحمه الله فكتب إلى سائر بلاده بها.

وكانت نوبة المنصورة المشار إليها من أعظم الوقائع وأجلها نصر الله فيها الإسلام وتداركه بلطفه ورحمته فلا بأس بشرح الحال فيها على وجه الإجمال فقد يقف على هذه الترجمة من لم يطلع على تفصيل الحال

ص: 200

في ذلك فتوق نفسه إلى الإطلاع عليه وكانت الفرنج جمعوا وحشدوا وقصدوا دمياط في عدد عظيم وجماعة من ملوكهم في سنة ثماني عشرة وستمائة ونزلوا بر دمياط ونازلوها وضايقوها قريب سنة ففنيت أزواد أهلها ومات أكثرهم في الحصار من وباء حصل لهم فتسلموها والملك الكامل نازل بالمنصورة وما حولها ولا يمكنه مهاجمتهم لكثرتهم وشدة بأسهم، وكان نزول الفرنج قبالة دمياط يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة ثم نزلوا البر الشرقي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي القعدة من السنة المذكورة، وأخذ الثغر المذكور يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شعبان سنة ست عشرة وستمائة، واستعيد منهم ثغر دمياط المذكور يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رجب سنة ثماني عشرة وستمائة، ومدة نزولهم على دمياط وتملكهم لها وإلى أن انفصلوا عنها ثلاث سنين وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوماً.

ومن الاتفاق العجيب نزولهم عليها يوماً الثلاثاء وإحاطتهم بها يوم الثلاثاء وملكهم لها يوم الثلاثاء وقد جاء في الآثار أن الله تعالى خلق المكروه يوم الثلاثاء ولما ملك الفرنج دمياط قالوا هذه البلاد ليس لنا بها خبرة ولا نعرف طرقها ومسالكها لا في البر ولا في البحر يعنون النيل وما ينبغي لنا أن نغرر بأنفسنا ونخرج إلا على بصيرة فاتفق رأيهم على أن جهزوا بعض ملوكهم الأكابر رسولاً وكان خبيراً بالحروب فطناً مجرباً وسيروا جميع من معه من الخدم والحاشية والغلمان وغيرهم خيالة من أعيان فرسانهم وأولي البصائر منهم وقد غيروا زي الجميع

ص: 201

وكان مقصودهم أن يكشفوا البلاد ويسلكوها ويخبروا طرقها ليبقى لهم بذلك أنسه، فجاء الرسول إلى الملك الكامل وقال له الملوك والمقدمون يسلموا عليك وقالوا مقصودهم القدس وإنما قصدوا هذه البلاد ليأخذوها ويتوصلوا بها إلى القدس فأنت تسلم إليهم القدس وتأخذ دمياط فأجابهم إلى ذلك وعادوا بالجواب بعد أن أقاموا عنده أياماً وليس قصدهم إلا كشف البلاد لا غير، ثم جاء رسول آخر بالشرح في تقرير هذه القواعد واشتراطات تقتضي المراجعة وتكرر ترداد الرسل ولم يزالوا على هذا المنوال وكل رسول يحضر لا يعود بنفسه ولا أحد ممن معه إلى أن لم يبق من أعيانهم من لا حضر ورأى البلاد وخبرها حسبما أمكن، فلما بلغوا مقصودهم من ذلك حضر رسول يطلب تسليم ما تقرر فقال الملك الكامل سيروا نوابكم يتسلموا القدس وسلموا لنا دمياط فقال الرسول والكرك قال الملك الكامل والله هذا ما سمعته إلى الآن وبعد فالكرك ليست لي ولا بحكمي الكرك لأخي الملك المعظم ولو رمت أن أراها بعيني ما مكنني منها والقدس له أيضاً ولكني استطلقه منه فانفصلوا على غير شيء وقد حصل مقصود الفرنج من رؤية البلاد وكشفها بهذه الحلية.

وقال الشيخ شمس الدين أبو المظفر لما أخذت دمياط كان الملك المعظم عند الملك الكامل فبكيا بكاء شديداً وتأخرت العساكر عن تلك المنزلة ثم قال الكامل للمعظم قد فات ما ذبح وجرى المقدور بما

ص: 202

هو كائن وما في مقامك هاهنا فائدة والمصلحة أن تنزل إلى الشام تشغل خواطر الفرنج وتستجلب العساكر من الشرق فعاد إلى الشام ونازل قيسارية وفتحها عنوة وفتح غيرها من حصون الفرنج وهدمه وعاد إلى دمشق بعد أن أخرب بلاد الفرنج، وكان الملك الكامل كثير الحزم والتثبت والتأني لا يرى المخاطرة والمناقشة ما لم يكن على ثقة من قوته ويغلب على ظنه الظفر غلبة تقرب من اليقين فسير إلى إخوته الملك الأشرف والملك المعظم يستنجد بهم فجاؤه بالعساكر، فلما بلغ الفرنج ذلك ضعفت أنفسهم وقالوا نحن جئنا نقاتل الملك الكامل وفينا له ولعسكره أما إذا اجتمع هو وأخوته فلا واتفق أن الفرنج أرادوا مناجزته قبل وصول النجد فخرجوا بفارسهم وراجلهم وأرسوا إلى بعض الترع وكان النيل زائداً جداً ففتح المسلمون عليهم الترع من كل مكان وأحدقت بهم عساكر الملك الكامل وهم في الوحل لا يقدرون على السلوك ولم يبق لهم وصول إلى دمياط وجاء أسطول المسلمين فأخذوا مراكبهم ومنعهم من أن تصل إليهم ميرة من دمياط وكانوا خلقاً عظيماً وانقطعت أخبارهم عن دمياط وكان فيهم مائة كند وثماني مائة من الخيالة المعروفين وملك عكا ونائب البابا وجماعة من الملوك ومن التركبلية والرجالة ما لا يحصى، فلما عاينوا الهلاك أرسلوا إلى الملك الكامل يطلبون منه الصلح والرهائن ويسلمون

ص: 203

دمياط فقال الملك الكامل للرسول ما أفعل أصالحهم وهم في قبضتي وأخذهم برقابهم فقال له الرسول وكان من ملوكهم ما كأنك تدري ما تقول هؤلاء ملوك الفرنج وفرسانهم وشجعانهم يسلمون أنفسهم إليك إلا بعد أن يقتل كل واحد منهم واحداً من عسكرك أو كل اثنين واحداً أو كل ثلاثة واحداً أو كل أربعة واحداً أو كل خمسة واحداً، فإذا قتلوا من عسكرك بمقدار خمسهم من يبقى معك فعلم الملك الكامل أن الصواب معه مع ما كان يراه من المسالمة وعدم المغافصة والمخاطرة فأجابهم إلى الصلح، ووصل الملك الأشرف والملك الأشرف والملك المعظم في ذلك الوقت جرائد على البريد والعساكر متقطعة وراءهم فطلبوا من الملك الكامل رهائن ليسلموا دمياط ويحضر عنده ملوكهم ونصوا على الملك الأشرف في الرهينة فقال الملك الكامل الملك الأشرف أكبر مني قدراً وأكثر بلاداً وقلاعاً وعساكر وقد ترك مملكته وجاء بنفسه لنصرتي كيف يسعني أن أخاطبه في مثل ذلك ولكن أنا أسير لكم ولدي وابن أختي فسير لهم الملك الصالح نجم الدين وابن أخته شمس الملوك، وجاء سائر ملوكهم إلى الملك الكامل فالتقاهم وأنعم عليهم وضرب لهم الخيام وجلس لهم مجلساً عظيماً في خيمة عالية ودهليز هائل وأعد سماطاً عظيماً وأحضر ملوك الفرنج وكنودهم وأعيانهم ووقف الملك الأشرف والملك المعظم في خدمته وقام شرف الدين راجح الحلى الشاعر فأنشد

ص: 204

قصيدة امتدحه بها من جملتها:

هنيئاً فإن السعد راح مخلداً

وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا

حبانا إله الخلق فتحاً بدا لنا

مبينا وأنعاماً وعزاً مؤبدا

تهلل وجه الدهر بعد قطوبه

وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا

ولما طغا البحر الخضم بأهله ال

طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا

أقام لهذا الدين من سل عزمه

صقيلاً كما سل الحسام مجردا

فلم ينج إلا كل شلو مجدل

ثوى منهم أمن تراه مقيدا

ونادى لسان الكون في الأرض رافعاً

عقيرته في الخافقين ومنشدا

أعباد عيسى أن عيسى وحزبه

وموسى جميعاً يخدمون محمدا

من أبيات، ووقع الصلح بين الملك الكامل والفرنج يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رجب وسار بعض الفرنج في البر وبعضهم في البحر إلى عكا وتسلم الملك الكامل دمياط ووصلت العساكر الشرقية والشامية بعد تسلم دمياط، فهذه خلاصة نوبة دمياط الأولى.

وذكر القاضي جمال الدين محمد بن واصل أن الفرنج نازلوها سنة خمس عشرة وملكوها سنة ست عشرة وستمائة والأصح أن الواقعة سنة ثماني عشرة وستمائة والله أعلم، وأما نوبة دمياط الآخرة فإن ريدا فرنس مقدم الأفرنسيسية من الفرنج وهو المشار إليه في أول هذه الترجمة خرج من بلاده في جموع عظيمة طامعاً في الديار المصرية وتملكها وشتا بجزيرة قبرص سنة ست وأربعين، وكان أعظم ملوك الفرنج

ص: 205

وأشدهم بأساً متديناً بدين النصرانية مرتبطاً به فحدثته نفسه أن يستعيد البيت المقدس وعلم أن ذلك لا يتم له إلا بتملك الديار المصرية فقصدها سنة سبع وأربعين وكان جمعه يزيد على خمسين ألف وقيل كان يزيد على مائة ألف بكثير، وبلغ الملك الصالح نجم الدين ما عزم عليه من قصد الديار المصرية فأخذ في جمع الذخائر والأقوات والزرد خاناة وآلات الحرب بدمياط واستكثر من ذلك وهيأ الشواني بالصناعة وعمرها بالرجال والعدد وأمر الأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ أن ينزل على جيزة دمياط في العساكر مقدماً عليها فنزل بها وبينه ويبن دمياط بحر النيل، وأقام الملك الصالح بأشمون طناج فلما كان ثاني ساعة من نهار الجمعة لتسع بقين من صفر سنة سبع وأربعين وصلت مراكب الفرنج وفيها جموعهم العظيمة وقد انضم إليهم فرنج الساحل فأرسلوا بإزاء المسلمين.

وفي يوم الجمعة ثاني يوم نزولهم شرعوا في الخروج إلى البر الذي فيه المسلمون وضربت خيمة عظيمة حمراء لريدا فرنس وناوشهم بعض المسلمين فاستشهد في ذلك اليوم الوزيري وهو من أمراء الديار المصرية والأمير نجم الدين بن شيخ الإسلام وكان رجلاً صالحاً رحمهما الله، فلما أمس المسلمون رحل بهم الأمير فخر الدين وقطع بهم الجسر إلى البر الشرقي الذي فيه دمياط وخلا البر الغربي للفرنج ثم رحل بالعساكر طالباً أشمون طناج وخلا البر الشرقي والغربي من عساكر المسلمين فخاف أهل دمياط على أنفسهم وكان بها جماعة شجعان

ص: 206

من الكنانية فألقى الله في قلوبهم الرعب فخرجوا هم وأهل دمياط على وجوههم طول الليل ولم يبق بدمياط أحد البتة، ورحلوا تحت الليل مع العسكر هاربين إلى أشمون طناج ولو غلقوا أبوابها وأقاموا بها مع مشيئة الله لم يقدر العدو عليها ولما كان صباح الأحد جاء الفرنج إلى دمياط فوجدوها صفراً من الناس وأبوابها مفتحة فملكوها صفوا عفواً واحتووا على ما فيها من العد والأسلحة والذخائر والأقوات والمجانيق، فلما وصلت العساكر وأهل دمياط إلى الملك الصالح حنق على الكنانيين فشنقهم جميعهم وكان فيهم شيخ له ابن فسأل أن يشنق قبل ولده لئلا يراه فحمل الملك الصالح ما عنده من الجبروت وقلة الرحمة والحنق على أن شنق الولد قبل والده وعينه تراه ثم شنق والده بعده وعظم على الناس شنق الكنانيين وأطلقوا لسنتهم بسبب الملك الصالح وكونه تزود بدمائهم وهو في آخر رمق وقد يئس من نفسه ولم يمكنه أن يقول للأمير فخر الدين وبقية العسكر شيئاً لقوة مرضه وعجزه، ثم رحل الملك الصالح بالعساكر إلى المنصورة وهي شرقي النيل فنزل بقصرها الذي أنشأه الملك الكامل بها وضرب دهليزه إلى جانبه وكان استقراره بالمنصورة يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر وشرعت العساكر في تجديد الأبنية وقامت بها الأسواق وأصلح السور الذي كان على البحر وستر بالستائر وجاءت الشواني والحراريق

ص: 207

بالعدد الكاملة والمقاتلة فأرسوا قدام السور وحضر من الرجالة والغزاة المطوعة والعربان من سائر النواحي خلق لا يحصون وشرع العربان في الإغارة على الفرنج وحصن الفرنج أسوار دمياط وشحنوها بالمقاتلة وفي كل وقت يحضر المسلمون جماعة سرى من الفرنج واتفقت وفاة الملك الصالح في حدود منتصف شعبان سنة سبع وأربعين، فلما تحقق الفرنج موته رحلوا بجملتهم من دمياط وشوانيهم تحاذيهم في البحر ونزلوا على فارس كور ثم تقدموا منها مرحلة، وذلك يوم الخميس لخمس بقين من شعبان، ولما كان يوم الثلاثاء مستهل شهر رمضان وقع بين المسلمين والفرنج وقعة استشهد فيها جماعة من الجند وغيرهم، وفي يوم الأحد عشر شهر رمضان وصلت الفرنج طرف جزيرة دمياط وهي المنزلة التي نزلوها في أيام الملك الكامل وانتصر المسلمون عليهم فيها والمسلمون قبالة الفرنج وبينهم النيل وخندق الفرنج على أنفسهم وأداروا عليهم سوراً وستروه بالستائر ونصبوا المجانيق يرمون بها المسلمين وأرست شوانيهم بإزائهم في النيل وشواني المسلمين بإزاء المنصورة ونشب القتال بين الفريقين براً وبحراً، وكل يوم يقتل من الفرنج ويؤسر جماعة وفي يوم الأربعاء لسبع مضين من شوال أخذ المسلمون من الفرنج شينيا فيه مائتا رجل وكند كبير، وفي يوم الخميس منتصف شوال ركبت الفرنج والمسلمون ودخل المسلمون إلى برهم واقتتلوا قتالاً شديداً فقتل من الفرنج أربعون فأرسا، وفي يوم الخميس لثمان بقين من شوال أحرق

ص: 208

المسلمون للفرنج مرمة عظيمة في البحر واستظهر عليهم المسلمون استظهاراً بيناً.

ومن غريب ما حكى أن شخصاً من المسلمين دخل عسكرهم ومعه فرس يقصد بيعه عليهم فمر بشخص في خيمة وبين يديه جماعة غلمان فطلبه إليه وقال له بلسان ترجمانه تبيع هذا الفرس قال نعم فقال لغلامه خذه منه فأخذه وأحضر جرابين ملآنة دراهم ففرغها بين يديه وقال له خذ ثمن فرسك قال ما الذي آخذ قال خذ ما تختار إلى أن ترضى، فأخذت قريب خمسة آلاف درهم ولعل فرسه لا يساوي ثماني مائة درهم فقال رضيت قال نعم قال نعم قال اذهب بمالك فلما أبعد رده وقال له نحن قد خرجنا من هذا البحر ومعنا دراهم كثيرة وذهب كثير ما لنا به حاجة وما معنا خيل ونحن محتاجون إلى الخيل فمن أحضر إلينا فرساً حكمناه في الثمن كما رأيت فخرج ذلك الرجل من عندهم، وأشهر هذا الأمر بين العربان والتركمان وغيرهم فجلب إليهم من الخيول بهذه الطريق فوق حاجتهم واشتروها بما اختاروا من الثمن فإن الخروج من عسكرهم بفرس خطر جداً والدخول أسهل فما يبقى بعد الدخول بالفرس إلى عسكرهم إلا بيعه ولو بأقل الأثمان، ولما كان بكرة الثلاثاء خامس ذي القعدة ركب الفرنج ونزلوا بخيولهم في مخاضة سلمون ببحر أشمون دلهم عليها بعض المفسدين وكبسوا عسكر المسلمين فلم يشعر بهم المسلمون إلا وقد خالطوهم وكان الأمير فخر الدين في الحمام فأتاه الصريخ فركب

ص: 209

دهشاً غير معتد ولا متحفظ فصادفه جماعة من الفرنج فاستشهد إلى رحمة الله تعالى، ودخل ريدا فرنس المنصورة ووصل إلى قصر السلطان الذي على البحر وتفرقت الفرنج في أزقة المنصورة وهرب كل من فيها من الجند والعامة والسوقة يميناً وشمالاً وكادت شأفة الإسلام تستأصل وأيقن الفرنج بالظفر واشتد الأمر وأعضل الخطب فانتدب لهم جماعة من فرسان المسلمين وأولي البصائر وحملوا عليهم حملة رجل واحد فزعزعوا أركانهم وأخذتهم السيوف فقتل منهم خلق كثير قريب ألفي وخمس مائة من فرسانهم وصناديدهم وشجعانهم ولولا ضيق مجال القتال لاستؤصلوا ومضى من سلم إلى مكان يقال له جديلة واجتمعوا به ودخل الليل فضربوا عليهم سوراً وخندقاً وأقامت طائفة بالبر الشرقي، وكانت هذه الواقعة مقدمة النصر وورد المنهزمون من المسلمين آخر النهار من ذلك اليوم إلى القاهرة ولا علم لهم بما تجدد من النصر وأخبروا بما شاهدوا من هجوم الفرنج المنصورة فانزعج الناس، فلما طلعت الشمس من يوم الأربعاء وردت البشرى بالنصر وزين البلدان وعظم السرور.

ولما استقر الفرنج بمنزلتهم كانت الميرة تأتيهم من دمياط في النيل فعمد المسلمون إلى مراكب شحنوها بالمقاتلة وكانوا قد حملوها على الجمال إلى بحر المحلة وألقوها فيه وفيه ماء من أيام زيادة النيل واقف لكنه متصل بالنيل فلما حاذت مراكب الفرنج وهي مقلعة من دمياط بحر

ص: 210

المحلة وفيه المراكب المكمنة للمسلمين خرجت عليها المراكب من بحر المحلة ووقع القتال بين الفريقين وجاءت أساطيل المسلمين منحدرة من جهة المنصورة والتقى الأسطول والمراكب المكمنة وأحاطوا بهم وقبضوهم أخذاً باليد، وكانت عدة المراكب المأخوذة من الفرنج اثنين وخمسين مركباً وقتل وأسر ممن فيها نحو ألف رجل وأخذ ما فيها من الميرة ثم حملت الأسى على الجمال وقد بهم العسكر وانقطعت الميرة بسبب ذلك عن الفرنج ووهنوا وهنا عظيماً هذا وحجارة مجانيقهم تقع إلى جهة أساطيل المسلمين، وكان يوماً مشهوداً أعز الله فيه الإسلام وأوهى قوى أهل الشرك واشتد من يومئذ عندهم الغلاء وعدمت الأقوات وبقوا محصورين لا يستطيعون المقام ولا الذهاب وطمع فيهم المسلمون.

وفي مستهل ذي الحجة أخذ الفرنج من مراكب المسلمين التي في بحر الملحة سبع حراريق وهرب من بها من المسلمين.

وفي يوم عرفة تاسع ذي الحجة خرجت شواني المسلمين على مراكب وصلت للفرنج تحمل الميرة فالتقوا عند مسجد النصر فأخذت شواني المسلمين من مراكب الفرنج اثنين وثلاثين مركباً منها تسع شواني فازداد عند ذلك ضعف الفرنج ووهنهم وقوى الغلاء عندهم وشرعوا في مراسلة المسلمين وطلب الهدنة وإن يسلموا ثغر دمياط على أن يأخذوا عوضه بيت المقدس وبعض الساحل فلم تقع الإجابة إلى ذلك.

وفي يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة أحرقت الفرنج أخشابهم كلها وأفنوا مراكبهم وعزموا على الهرب إلى دمياط ودخلت سنة

ص: 211

ثمان وأربعين وهم على ذلك، فلما كانت ليلة الأربعاء لثلاث مضين من المحرم رحلوا بفارسهم وراجلهم إلى دمياط ليمتنعوا بها وأخذت مراكبهم في الانحدار في النيل قبالتهم فعدا المسلمون لي برهم وركبوا أكتافهم واتبعوهم وطلع الصباح من يوم الأربعاء المذكور وقد أحاط بهم المسلمون وأخذتهم سيوفهم واستنزلوا عليهم قتلاً وأسراً ولم يسلم منهم إلا الشاذ فبلغت عدة القتلى يومئذ ثلاثين ألفاً، وانحاز الملك ريدا فرنس والأكابر من أصحابه والملوك إلى تل هناك فوقفوا مستسلمين طالبين الأمان فأتاهم الطواشي محسن الصالحي فأمنهم فنزلوا على أمانه واحتيط عليهم ومضى بريداً فرنس وبهم إلى المنصورة وضرب في رجل ريدا فرنس القيد واعتقل في الدار التي كان نازلاً بها فخر الدين إبراهيم ابن لقمان كاتب الإنشاء ووكل به الطواشي جمال الدين صبيح المعظمي وفي هذا الواقعة يقول جمال الدين يحيى بن مطروح رحمه الله:

قل للفرنسيس إذا جئته

مقال حق عن قوول فصيح

آجرك الله على ما جرى

من قتل عباد يشوع المسيح

أتيت مصراً تبتغي ملكها

تحسب أن الزمر يا طبل ريح

فساقك الحين إلى أدهم

ضاق به عن ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أوردتهم

بحسن تدبيرك بطن الضريح

ص: 212

خمسون ألفاً لا يرى منهم

إلا قتيل أو أسير جريح

وفقك الله لأمثالها

لعل عيسى منكم يستريح

إن كان باباكم بذا راضياً

فرب غش قداتي من نصيح

وقل لهم أن أضمروا عودة

لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

ولما جرى ذلك رحل الملك المعظم توران شاه والعساكر إلى جهة دمياط ونزل بفارس كور وهو متراخ عن قصد دمياط وانتزاعها وسير البشائر إلى سائر البلاد بما تسنى هذا النصر العظيم، واتفق قتل المعظم على الصورة المشهورة فلا حاجة إلى شرحه والأمر على ذلك واستقر في الأتابكية وتقدمة العساكر الأمير عز الدين أيبك التركماني كما تقدم في ترجمته والسلطنة لشجرة الدر وشرعوا في الاحديث مع ريدا فرنس في تسليم دمياط إلى المسلمين وكان المتحدث معه الأمير حسام الدين بن أبي علي باتفاق الأتابك والأمراء عليه فجرى بينه وبين ريدا فرنس محاورات ومراجعات حتى وقع الاتفاق على تسليم دمياط وإن يذهب بنفسه ومن معه من الملوك والأكابر سالمين، وحكى الأمير حسام الدين بن أبي علي باتفاق الأتابك والأمراء عليه فجرى بينه وبين ريدا فرنس محاورات ومراجعات حتى وقع الاتفاق على تسليم دمياط وإن يذهب بنفسه ومن معه من الملوك والأكابر سالمين، وحكى الأمير حسام الدين عنه أنه كان فطناً عاقلاً حازماً قال حسام الدين قلت له في بعض محاورتي له كيف خطر للملك مع ما أرى

ص: 213

من عقله وفضله وصحة ذهنه أن يقدم على خشب ويركب متن هذا البحر ويأتي إلى هذه البلاد المملوءة من عساكر الإسلام ويعتقد أنه يحصل له تملكها وفيما فعل غاية التغير بنفسه وأهل ملته فضحك ولم يحر جواباً فقلت له قد ذهب بعض فقهاء شريعتنا أن من ركب البحر مرة بعد أخرى مغررا بنفسه وماله أنه لا يقبل شهادته فضحك وقال لقد صدق هذا القائل وما قصر فيما حكم به.

ولما وقع الاتفاق على تسليم دمياط أرسل ريدا فرنس إلى من بها من الفرنج يأمرهم بتسليمها إلى المسلمين فأجابوا بعد امتناع ومراجعات بينه وبينهم ودخل السنجق السلطاني دمياط يوم الجمعة لثلاث مضين من صفر سنة ثمان وأربعين ورفع على سورها وأعلن بها بكلمة الإسلام، وأفرج عن ريدا فرنس وانتقل هو وأصحابه إلى الجانب الغربي ثم ركب البحر غد هذا اليوم وأقلع هو وأصحابه إلى عكا وأقام بالساحر مدة وعمر قيسارية ثم رجع إلى بلاده، وكانت هذه النصرة أعظم من النصرة الأولى التي كانت في الأيام الكاملية لكثرة من قتل منهم وأسر في هذه المرة لله الحمد والمنة.

وإذ قد جرى ذكر الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ فلا بأس بالتنبيه عليه كان رحمه الله أميراً كبيراً جليل المقدار عالي الهمة فاضلاً عالماً متأدباً جواداً سمحاً ممدحاً خليقاً بالملك لما فيه من الأوصاف الجميلة التي قل مشاركه فيها وكان كريماً إلى العامة كبير النفس شجاعاً

ص: 214

حسن التدبير والسياسة محبوباً إلى الخاص والعام مطاعاً في الجند وغيرهم تعلوه الهيبة والوقار وأمه وأم أخوته ابنة شهاب الدين المطهر بن الشيخ شرف الدين أبي سعد عبد الله بن أبي عصرون، وكانت أرضعت الملك الكامل فكان أولادها الأربعة أخوته من الرضاعة وكان يحبهم ويعظمهم ويرى جانبهم ويقدمهم كثيراً خصوصاً الأمير فخر الدين فإنه لم يكن عنده في مكانته لا يطوي عنه سراً ويعتمد عليه في سائر أموره ويثق به وثوقاً عظيماً ويسكن إليه ظاهراً وباطناً ونال الأمير فخر الدين وأخوته من السعادة ما لا ناله غيرهم، ولما ملك الملك الصالح نجم الدين البلاد أعرض عن الأمير فخر الدين وأطرحه واعتقله ثم أفرج عنه وأمره بلزوم بيته ثم ألجأته الضرورة إلى ندبه في المهمات لما لم يجد من يقوم مقامه فجهزه إلى بلاد الملك الناصر داود رحمه الله فأخذها على ما تقدم ولم يترك بيده سوى مسور الكرك ثم جهزه لحصار حمص ثم ندبه لمقاتلة الفرنج فاستشهد على ما ذكرنا، وكان الأمير فخر الدين معماً في أول أمره فألزمه الملك الكامل أن يلبس الشربوش وزي الجند فأجابه إلى ذلك فأقطعه منية السودان بالديار المصرية ثم طلب منه أن ينادمه فأجابه إلى ذلك فأقطعه شبراً فقال ابن البطريق الشاعر:

على منية السودان صار مشربشا

وأعطوه شبراً عند ما شرب الخمرا

فلو ملكت الفرنج مصر وأنعموا

عليه ببيوس تنصر للأخرى

وقال فيه وفي عماد الدين أخيه وكان يذكر الدرس بالمدرسة التي

ص: 215

إلى جانب ضريح الشافعي رضي الله عنه:

ولد الشيخ في العلوم وفي الإمرة بالمال وحده والجاه

فأمير ولا قبال عليه

وفقيه والعلم عند الله

وقال في عماد الدين:

جاءني الشافعي عند رقادي

وهو يبكي بحرقة وينادي

عمر قبتي لعمري ولكن

هدموا مذهبي بفقه العماد

وقال فيهم ابن عنين:

أولاد شيخ الشيوخ قالوا

ألقابنا كلها محال

لا فخر فينا ولا عماد

ولا معين ولا كمال

ولقد قالا غير الحق فإن أولاد الشيخ رحمهم الله كانوا سادات زمانهم وكان لهم مع الإقطاعات مناصب دينية منها المدرسة التي بالقرافة إلى جانب قبة الشافعي رحمة الله عليه، ومنها المدرسة التي إلى جانب مشهد الحسين رضي الله عنه بالقاهرة ومنها خانكاة سعيد السعداء بالقاهرة، ولم تزل هذه المناصب بأيديهم إلى أن ماتوا كلهم وكانت بعد ذلك لولدي عماد الدين وكمال الدين مدة ثم انتزعت منهما ولم يكن للأمير فخر الدين إلا بنت واحدة وكان الأمير فخر الدين ينظم ومن شعره:

ص: 216

عصيت هوى نفسي صغير فعندما

رمتني الليالي بالمشيب وبالكبر

اطلعت الهوى عكس القضية ليتني

خلقت كبيراً وانتقلت إلى الصغر

وله:

إذا تحققتم ما عند صاحبكم

من الغرام فذاك القدر يكفيه

أنتم سلبتم فؤادي وهو منزلكم

وصاحب البيت أدري بالذي فيه

وقال في مملوك له توفي:

لا رغبة في الحياة من بعدك لي

يا من ببعاده تداني أجلي

إن مت ولم أمت أسىً وأخجلي

من عتبك لي في يوم عرض العمل

وكان قدم دمشق فنزل في دار أسامة وكان يعاني الشراب فدخل عليه الشيخ عماد الدين بن النحاس وكان يدل عليه وله عنده مكانة كبيرة وقال له يا فخر الدين إلى كم تشير إلى تناول الشراب فقال له يا عماد الدين والله لأسبقنك إلى الجنة إن شاء الله تعالى فكان والله أعلم كما قال استشهد فخر الدين في سنة سبع وأربعين وتوفي عماد الدين في سنة أربع وخمسين وقد ذكرناه هناك وكان للأمير فخر الدين يوم استشهد ست وستون سنة رحمه الله وكان قد رأى قبل مقتله بأيام والدته في المنام وهي تقول له قد أوحشتني وحملته على كتفها فاستشعر من ذلك فقتل ثم حمل من المعركة بقميص واحد وجعل في حراقة إلى القاهرة وحمل من المقياس إلى الشافعي رضي الله عنه فدفن عند والدته وبكى عليه الناس وكان يوماً مشهوداً وعمل له العزاء العظيم

ص: 217

رحمه الله تعالى ورثاه غير واحد فممن رثاه الصاخب جمال الدين يحيى ابن مطروح قال:

أأبا المظفر يوسف بن محمد

أودى مصابك بالندى والسودد

آليت لا أنساك ما هب الصبا

حتى أوسد في صفيح الملحد

ومنها:

فتكوا يوم الثلاثا فتكة

فجمع الخميس بها ولك موحد

وخلا الندى من المكارم والعلا

بخلوه من مثل ذاك السيد

قل ما بدا لك يا حسود فطالما

فقأت معاليه عيون الحسد

فعليك مني ما حييت تحية

كالمسك طيبة تروح وتغتدي

وقال لما بلغه نعيه:

فض فما نعى لنا

يوم الخميس يوسفا

وا أسفي من بعده

على العلا وإذا أسفا

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور ابن رافع بن حسن ابن جعفر أبو الفرج عز الدين المقدسي الدمشقي الحنبلي ومولده في ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة وكان عالماً فاضلاً صالحاً ثقة حسن الطريقة له رحلة سمع فيها من جماعة من المتأخرين وهو من بيت الحفظ والحديث وانتفع به جماعة وجده الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني المشهور صاحب التصانيف النافعة والعلوم الواسعة

ص: 218

وكانت وفاة عز الدين المذكور في النصف من ذي الحجة بجبل قاسيون ودفن به رحمه الله.

عبد الرحمن بن أبي الليث بن عيسى بن أبي الليث تقي الدين الحموي توفي بحماة في سبع عشري ربيع الآخر من هذه السنة ولم يبلغ من العمر خمسين سنة وكان من أولاد المشايخ حسن الطريقة رضي الأفعال وله زاوية بجامع حماة مشرفة على نهر العاص وهي من أحسن الأماكن وأنضرها يرد عليها الفقراء وغيرهم ووالده الشيخ أبو الليث رحمه الله من الصلحاء الأعيان وهو من جملة أصحاب سيدنا الشيخ عبد الله اليونيني الكبير رحمه الله ومن المنتمين إليه.

عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف أبو محمد عز الدين المحدث الرسعني مولده يوم الأحد بين الظهر والعصر الثالث والعشرين من شهر رجب سنة تسع وثمانين وخمسمائة برأس عين وتوفي ليلة الجمعة عشاء الآخرة المسفرة من ثاني عشر ربيع الآخر هذه السنة بسنجار ودفن بظاهرها شرقي البلد سمع وحدث وكان فاضلاً عالماً أديباً شاعراً جميل الأوصاف رئيساً من صدور تلك البلاد وأعيان أهلها وكانت له مكانة عند بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وغيره ومن شعره:

يا من يرينا كل وقت وجهه

بشراً ويبدي كفه معروفا

أصبحت في الدنيا سرياً بعد ما

أمسيت فيها بالتقى معروفا

وقال:

نعب الغراب فدلنا بنعيبه

أن الحبيب دنا أوان مغيبه

ص: 219

يا سائلي عن طيب عيشي بعدهم

جدلي بعيش ثم سل عن طيبه

وقال:

ولو أن إنساناً يبلغ لو عتى

وشوقي وأشجاني إلى ذلك الرشأ

لا سكنته عيني ولم أرضها له

ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا

علي بن شجاع بن سالم بن علي بن موسى بن حسان بن طوق واسمه عبيد الله بن سند بن علي بن الفضل بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو الحسن كمال الدين العباسي الضرير المصري الشافعي المقرئ مولده في سابع شعبان سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بالمعتمدية قرية من قرى الجيزية قرأ القرآن بالروايات وتفقه وقرأ الأدب والنحو وسمع الكثير من جماعة من أهل البلاد والقادمين عليه وحدث بالكثير مدة وتصدر بالجامع التعتيق بمصر وبمسجد موسك بالقاهرة مدة لإقراء القرآن الكريم فقرأ عليه جماعة كثيرة وانتفع الناس به انتفاعاً كثيراً وإليه انتهت رياسة الإقراء بالديار المصرية وكان أحد الأئمة المشهورين والفضلاء المذكورين مع ما جبل عليه من حسن الخلق ولين الجانب وكثرة التواضع وتوفي بالديار المصرية في سابع ذي الحجة ودفن من الغد بسفع المقطم رحمه الله.

محمد بن أحمد بن عنتر أبو عبد الله شرف الدين السلمي الدمشقي كان من أعيان أهل دمشق وعدولها وأولي الثروة بها وولي الحسبة بها

ص: 220

في أيام التتر فطلب لذلك إلى الديار المصرية فأدركته المنية بها في أوائل صفر رحمه الله.

محمد بن أحمد بن الموفق بن جعفر أبو القاسم علم الدين الأندلسي المرسي اللورقي مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة سمع من عبد العزيز ابن الأخضر وأبي اليمن الكندي وغيرهما واشتغل بالقرآت والنحو والعربية وبرع في ذلك وشرح كتاب المفصل ومقدمة الجزولي وقصيدة الشاطبي وكان إماماً عالماً فاضلاً أحد المشايخ الصلحاء الجامعين بين العلم والعمل وكانت وفاته في سابع شهر رجب بدمشق ودفن من الغد بمقابر باب توما رحمه الله وكان يسمى القاسم أيضاً.

محمد بن عبد الرحيم بن.... أبو عبد الله شهاب الدين المعروف بابن الضياء ويعرف بأجير البهاء كاتب الشروط كان قد فاق كتاب عصره في ذلك وكان الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله يفضله في ذلك على غيره فصار له بذلك شأن عظيم وهو أخذ هذه الصناعة عن الشريف بهاء الدين عبد القاهر بن عقيل العباسي رحمه الله لكنه فاق عليه وتوفي في السابع والعشرين من شهر رجب هذه السنة بدمشق ولم يكن يشهد على الحكام ولا يتعاطى ذلك لاستغنائه بصناعته وبما يتحصل له من الأجر الوافرة قيل أنه كان يكتب في اليوم الواحد ما يتحصل له فيه من الأجرة فوق المائة درهم ولعل هذا كان يقع له

ص: 221

في غالب الأوقات ومات وهو في عشر الستين رحمه الله تعالى.

محمد بن نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي ابن حمزة أبو الفضل جمال الدين التميمي الدمشقي المعروف بابن القلانسي مولده بدمشق في ذي الحجة سنة ست وستمائة سمع من أبي اليمن الكندي وغيره وحدث هو وغير واحد من أهل بيته وكان من العدول الرؤساء الأعيان ومن أولي الثروة والوجاهة بدمشق وتوفي في الرابع والعشرين من جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون رحمه الله.

إلياس بن عيسى بن محمد الأربلي الشيخ الصالح الفاضل كان مقيماً بدمشق وأكثر نهاره بالجامع في رواق الحنابلة وكان على ذهنه من الحكايات والنوادر والوقائع شيء كثير من حسن الحديث والمحاضرة وكان مليح الشكل ظريفاً لطيفاً وكان والدي رحمه الله يحبه ويؤثر سماع حديثه فكان لا يكاد يفارقه إذا كان والدي بدمشق وله على والدي رسم من النفقة يسيره إليه في كل سنة وكان يجلس عليه الأعيان والصدور لصلاحه وحسن شكله وسمته وحديثه ثم سكن جبل قاسيون في آخر عمره وبه توفي في ثالث عشر شعبان وهو في عشر الثمانين رحمه الله تعالى.

أبو الهيجاء بن عيسى بن خشترين الأمير مجير الدين الأزكشي الكردي الأموي كان من أعيان الأمراء وأكابرهم وشجعانهم وكان له في مصاف التتار بعين جالوت اليد البيضاء والأثر العظيم ولما قدم الملك المظفر

ص: 222

قطن رحمه الله دمشق بعد الوقعة رتب الأمير علم الدين سنجر الحلبي نائباً عنه وجعل الأمير مجير الدين المذكور مشاركاً له في الرأي والتدبير ويجلس معه في دار العدل وأقطعه بالشام خبزاً جليلاً فبقي مقيماً بالشام إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى في تاسع عشري شعبان بدمشق ودفن بجبل قاسيون رحمه الله قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله ووالده مات في حبس الملك الأشرف بن الملك العادل ببلاد الشرق هو وعماد الدين أحمد بن المشطوب رحمهما الله.

وإذ قد جرى ذكر هما فلا بأس بشرح شيء من خبرهما كان الأمير حسام الدين عيسى بن خشترين من أعظم أمراء الملك الظاهر بحلب فلما توفي الملك الظاهر وترك ولده الملك العزيز صغيراً حصل الطمع في بلاده لصغر سنه فسيرت والدته الصاحبة بنت الملك العادل باتفاق الأتابك شهاب الدين طغريل إلى الملك الأشرف واستدعته فحضر إلى حلب واجتمع بأخته وبالأتابك شهاب الدين فقررا معه القيام بنصرة الملك العزيز فأجاب إلى ذلك وأقام بحلب مدة وصار الحاكم المنصرف فخاف الأمراء الظاهرية من استيلائه واستقلاله وقالوا كيف العمل فقل حسام الدين دعوني وإياه فركب يوماً وهم في خدمته على العادة فلما عادوا إلى ظاهر البلد ترجل حسام الدين بن خشترين ووقف

ص: 223

بين يديه وقال يا خوند هذا اليتيم قد ضيقت عليه بمقامك في حلب ونشتهي أن تتوجه إلى بلادك فما تحملك هذه البلاد ومنعه من دخول حلب وظهر للملك الأشرف أن ذلك باتفاق من سائر الأمراء فلم يسعه إلا التروح عن حلب وبقي في قلبه من حسام الدين كونه تجاسر عليه بهذه المخاطبة وأوجهه بها واتفق أنه ظفر به بعد ذلك بمدة فحبسه وضيق عليه فمات في حبسه رحمه الله.

وأما عماد الدين أبو العباس أحمد بن الأمير سيف الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن أبي الهيجاء بن عبد الله بن أبي الخليل بن مرزبان الهكاري فكان أميراً كبيراً جليلاً شجاعاً جواداً واس العطاء عالي الهمة يضاهي كبار الملوك في كثرة الحشم والغلمان والأتباع تهابه الملوك وله وقائع مشهورة في الخروج علهم وكان ولده يعرف بالأمير الكبير ذلك علماً عليه لا يشاركه فيه غيره وجده أبو الهيجاء صاحب العمادية وعدة قلاع من بلاد الهكارية وكان سيف الدين كبير القدر عند السلطان صلاح الدين رحمه الله وكتب إليه يخبره بولادة عماد الدين وان عنده امرأة أخرى حاملاً فكتب القاضي الفاضل عن السلطان جوابه وصل كتاب الأمير الأعلى الخبر بالولدين الحال على التوفيق، والسائر كتب الله سلامته في الطريق، فسررنا بالغرة الطالعة من لثامها وتوقعنا المسرة بالثمرة الباقية في كمامها، وكان سيف الدين في عكا لما حاصرها الفرنج فلما أخذوها وخلص وصل إلى صلاح الدين وهو بالقدس يوم الخميس

ص: 224

مستهل جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة فدخل عليه بغتة وعنده الملك العادل فنهض إليه صلاح الدين واعتنقه وسر به سروراً عظيماً وأخلى المكان وتحدث معه طويلاً، وقال قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان رحمه الله رأيت بخط القاضي الفاضل ورد الخبر بوفاة الأمير سيف الدين المشطوب أمير الأكراد وكبيرهم وكان وفاته يوم الأحد الثاني والعشرين من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة بالقدس وخبزه يوم وفاته نابلس وعبرتها ثلاثمائة ألف دينار وكان بين خلاصه من أسره وحضور أجله دون مائة يوم، فسبحان الحي الذي لا يموت وتهدم به بنيان قوم، والدهر قاض ما عليه لوم، وقوله تهدم به بنيان قوم حل به بيت عبدة بن الطبيب في مرثية قيس بن عاصم المنقري سيد أهل الوبر من ثلاثة أبيات وهو الآخر منها:

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء أن يترحما

تحية من غادرته غرض الردى

إذا زار عن شحط بلادك سلما

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما

وأما الأمير عماد الدين فكان السلطان صلاح الدين أقطعه معظم خبز والده بعد وفاته وبقي إلى سنة ست عشرة وستمائة فاتفق مع الملك الفائز سابق الدين إبراهيم بن الملك العادل على الملك الكامل واستحلف جماعة من العسكر وكان مطاعاً فيهم وعرف الملك الكامل فرحل إلى أشمون وعزم على التوجه إلى اليمن ويئس من البلاد واطلع على ذلك

ص: 225

الملك المعظم فقال له لا بأس عليك وركب آخر النهار وجاء إلى خيمة ابن المشطوب وقال قولوا لعماد الدين يركب حتى نسير فأخبروه فخرج من الخيمة بغير صباغات وركب ولحق الملك المعظم فأبعد به عن العسكر وقال له الملك الأشرف قد طلبك وهو محتاج إليك فتسير إليه الساعة فقال ما في رجلي صباغات فقلع الملك المعظم صباغاته وأعطاه إياها ووكل به جماعة وأعطاه خمس مائة دينار وقال كل مالك يلحقك والله ما يضيع لك خيط واحد وسار به الموكلون ورجع الملك المعظم إلى خيمته فوقف حتى جهز خيله وغلمانه وثقله ولم يبق له خيطاً واحداً وساروا خلفه وعاد الملك المعظم إلى دهليزه فحضر إليه الملك الكامل وقبل رجله وشكره على ما فعل، وأما عماد الدين فوصل إلى حماة فأقام بها فبعث له الملك الأشرف منشوراً بأرجيش وغيرها وسير إليه الخلع والإنعام فسار إليه فأكرمه وأحسن إليه فصار يركب بالشبابة ويعمل في السلطنة أعظم مما يعمل الملك الأشرف ثم خامر على الملك الأشرف وعاث في بلاده وساعده صاحب ماردين ثم اتفق الملك الشرف وصاحب ماردين واصطلحا فدخل عماد الدين تل أعفر فسار إليه فارس الدين بن صبرة من نصيبين وبد الدين لؤلؤ من الموصل فحصراه وأنزله بدر الدين لؤلؤ بالأمان وحمله إلى الموصل ثم بعد مدة قريبة قيده وحمله إلى الملك الأشرف فألقاه في الجب وبقي فيه إلى أن مات رحمه الله في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة بحران ونبت له ابنته قبة على باب مدينة رأس عين ونقلته

ص: 226

من حران إليها ودفنته بها رحمه الله، وكانت ولادته في سنة خمس وسبعين وخمسمائة تقديراً ولما كان في السجن كتب بعض من كان متعلقاً بخدمته إلى الملك الأشرف دوبيت وهو.

يا من بدوام سعده دار الفلك

ما أنت من الملوك بل أنت ملك

مملوكك ابن المشطوب في السجن هلك

أطلقه فإن الأمر لله ولك

ولما كان في السجن كتب إليه بعض الأدباء:

يا أحمد ما زلت عماد للدين

يا أشجع من أمسك رمحاً بيمين

لا تيأسن أن جعلت في سجنهم

ها يوسف قد أقام في السجن بضع سنين

وهذا مأخوذ من قول البحتري من جملة أبيات.

أما في رسول الله يوسف أسوة

لمثلك محبوساً على الظلم والأفك

قام جميل الصبر في السجن برهة

فآل به الصبر الجميل إلى الملك

وقد رثي الأمير جمال الدين أبو الطيب خشترين بن تليل الحكمي الأميرين المشار إليهما عماد الدين وحسام الدين رحمهما الله بقصيدة طويلة مطلعها:

نعى الناعي فاعلن في النحيب

ففت كبود شبان وشيب

نعى عيسى وأحمد فاستهلت

غريبات الدموع من الغروب

ص: 227

نعى كسرى الملوك بكل أرض

وقيصر في الجلالة والمهيب

نعى قس بن ساعدة الأيادي

وقيس الرأي في دفع الكروب

من أبيات طويلة، وهذا الشاعر هو خشترين بن تليل بن أبي الهيجاء ابن أفشين بن خشترين الكردي الحكمي الأربلي من بني مروان بن الحكم ولد بمصر سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وتوفي ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع عشرة وستمائة بإربل وتخرج على المهذب سالم بن سعادة الحمصي، وله أشعار حسنة، فمنها قصيدة مدح بها نسيبه الأمير حسام الدين عيسى بن خشترين:

شاقني بالغوير ربع يباب

ظعنت عنه زينب والرباب

منزل طالما سقاه سحاب

من جفوني إن ضن عنه السحاب

وغدا في ربوعه كل يوم

للغوادي وللدموع انسكاب

شمرت نحوه الخطوب فأضحى

لذيول السحاب فيه انسحاب

ولعهدي به وفيه شموس

مشرقات أفلاكهن القباب

كل مرتجة الروادفقد رف عليها الصباوراق الشباب

لست أدري وقد رشفت لماها

أمدام بثغرها أم رضاب

وشقيق زها على وجنتيها

عند وقت العتاب أم عناب

أظهرت ساعة السلام بنانا

قد نمى من دمي عليه الخضاب

حجبوها وما دروا أن من أسياف أجفانها عليها حجاب

فلم ذا أعلل القلب منها

بغرور الوعود وهي سراب

ص: 228