الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحر وصام بمكة شهر رمضان وأقام إلى الموسم وعاد في أوائل سنة ثلاث وخمسين وكان بينه وبين والدي رحمه الله مودة أكيدة فكان من يتوجه إلى الديار المصرية يتوسل إليه بكتب والدي فيبالغ في إكرامه والإحسان إليه وكانت وفاته في رابع عشر شهر رجب بالقاهرة ودفن بتربته بالقرافة رحمه الله.
أبو القاسم بن.... الشيخ المشهور صاحب الزاوية بقرية حواراي من عمل السواد كان رجلاً صالحاً وله ثروة وإتباع وصيت في تلك النواحي ويضيف من يرد عليه من الفقراء وغيرهم وصلى عليه بالقدس صلاة الغائب في يوم عيد النحر وبجامع دمشق في تاسع عشر ذي الحجة يوم الجمعة رحمه الله تعالى.
السنة الرابعة والستون وستمائة
دخلت هذه السنة والخليفة وملوك الطوائف على الصورة المستقرة خلا صاحب مراكش الملقب بالمرتضى فإنه قتل وولى بعده أبو العلاء إدريس الملقب بالواثق والملك الظاهر بقلعة الجبل.
مجددات الأحوال
خرج الملك الظاهر من القعلة إلى الصيد في رابع ربيع الأول
وعاد في رابع عشر ربيع الآخر فأقام بالقلعة يومين ثم توجه إلى تروجه فأقام بها إلى تاسع عشري جمادى الأولى وفي رابع عشر جمادى الآخرة توجه لحفر خليج الإسكندرية في شهر رجب.
وفي العشرين من جمادى الآخرة سمر على الجمال أحدا وعشرين نفراً من مقدمي العربان بالشرقية وحملوا عليها إلى بلادهم فماتوا في الطريق.
وفي هذه السنة ظهر كتاب وقف المدرسة النورية رحم الله واقفها ببعلبك وفيه اشتراك بين الشافعية وغيرهم من المشتغلين بالعلم من أهل السنة وكان نبي عصرون الذين يدعون النظر على الأوقاف النورية يخفون لذلك فلما ظهر أمره جدد إثباته وأخذ به نسخة وتنجز عليها فتاوي العلماء ومراسيم نواب السلطنة ونزل بالمدرسة المذكورة من أراد الاشتغال من الحنابلة وغيرهم واستمر الحال على ذلك عبد فصول يطول شرحها.
وفي يوم السبت مستهل شعبان برز الملك الظاهر إلى بركة الجب قاصداً صفد وترك نائباً عنه بالديار المصرية الملك السعيد والحلي في خدمته والوزير بهاء الدين وسار حتى نزل عين جالوت وبعث عسكراً مقدمه الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي وعسكراً آخر مقدمه الأمير سيف الدين قلاون الألفي للغارة على بلاد الساحل فأغاروا على عكا وصور وغرقد وإطرابلس وجلبا وحصن الأكراد في يوم واحد وهو سلخ شعبان على مواعدة كانت بينهم فغنموا وسبوا ما لا يحصر ثم نزل الملك الظاهر على صفد في ثامن شهر رمضان ونصب عليها المجانيق ودام الاهتمام
بعمل الآلات الحربية إلى مستهل شوال فشرع في الزحف والحصار والقتال وأخذت النقوب على الباشورة من جميع الجهات إلى أن ملكت بكرة الثلاثاء خامس عشر شوال واستمر الزحف والقتال ونصبت السلالم على القلعة وسلطت عليها النقوب والملك الظاهر يباشر ذلك بنفسه فبذل أهل الحصن التسليم على أن يؤمنوا على أنفسهم وطلبوا اليمين على ذلك فأجلس الملك الظاهر الأمير سيف الدين كرمون من التتر في دست السلطنة وحضرت رسلهم فاستحلفوه فحلف وهم يظنونه الملك الظاهر وكان في قلب الملك الظاهر منهم لما أنكوا ولما فعلوا بالمسلمين ثم شرط عليهم أن لا يأخذوا معهم من أموالهم شيئاً فلما كان يوم الجمعة ثامن عشر شوال طلعت السناجق على القلعة ووقف السلطان بنفسه على بابها وأخرج من كان فيها من الداوية والاسبتار والفلاحين وغيرهم ودخل الأمير بدر الدين الخازندار وتسلمها واطلع على أنهم أخذوا شيئاً كثيراً من التحف له قيمة فأمر الملك الظاهر بضرب رقابهم فضربت على تل هناك وانتشئت كتب البشائر فمنها ما كتبه كمال الدين أحمد بن العجمي عن الملك الظاهر إلى قاضي قضاة الشام شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله ومضمونه: سر الله خاطر المجلس السامي واطلع عليه وجوه البشائر سوافر، وأمتع نواظره باستجلاء محاسنها النواضر، وواصلها إليه متوالية تواجهه كل يوم بمراتبها الزواهي الزواهر، وأماثلها لديه متضاهية الجمال متناسبة في حسن المبادي والأواخر، ولم تزل وجوه
البشائر أحسن وجوه نستجلي، وألفاظه أعذب ألفاظ تستعاد وتستحلى، وإذا كررت على المسامع أحاديث كتبها لا تمل بل تستملي، لا سيما إذا كانت بإعزاز الدين، وتأييد المسلمين، ونبأ فتح نرجو أن يكون طليعة فتوحات كل فتح منها هو الفتح المبين، فإن أنباءها تجل وقعاً وتعظم في الدنيا والآخرة نفعاً، وتود كل جارحة عند حديثه أن تكون سمعاً، لحديث هذا الفتح الذي كرم خبرا، وخبراً وحسن أثره في الإسلام وردا وصدرا، وطابت أخبار ذكره فشغل به السارون حداً، والسامرون سمراً، وهو فتح صفد واستنقاذه من أسره واسترجاعه إلى الإسلام. وقد طالت عليه في النصرانية مدة من عمره، وإقرار عين الدين بفتحه وكان قذى في عينه وشجى في صدره، وقد كنا لما وصلنا الشام بالعزم الذي نفرته دواعي الجهاد، وأنقذته عوالي الصعاد، وقربته أيدي الجياد ملنا على سواحل العدو المخذول فغرقناها ببحار عساكرنا الزاخرة، وشنينا بها من الغارات ما ألبسها ذلاً رفل بها الإسلام في ملابس عزه الفاخرة، وهي وإن كانت غارة عظيمة شنت في يوم واحد على جميع سواحله واستولى بها النهب والتخريب على أمواله ومنازله، واستبيح من حرمه وحرمه مصونات معاقله، وعقائله، إلا أنها كانت بين يدي عزائمنا المنصورة نشيطة نشطناً بها الغازين واسترهفنا بها همم المجاهدين وقدمناها لهم كلللهنة قبل الطعام للساغبين، وأعقبنا ذلك بما رأيناه أولى بالتقديم وأحرى، وتبيناه شد وطأة على الإسلام وأعظم ضراً، وهي
صفد التي باء بأثمها حاملها على النصرانية، ومسلطها بالنكاية، على البلاد الإسلامية، حتى جعلها للشرك ما سدة آساده ومراد مراده، ومجر رماحه ومجرى جياده، كم استبيح للإسلام من حمى، وكمن استرق الكفار بواسطتها مسلمة من الأحرار ومسلماً، وكم تسرب منها جيش الفرنج إلى بلاد المسلمين فحازوا ومغنماً وقوضوا معلماً، فنازلناها منازلة الليل بانعقاد القساطل، وطالعناها مطالعة الشمس ببريق المرهفات وأسنة الذوابل، وقصدناها بجحفل لم يزحم بلداً إلا هدمه ولا قصد جيشاً إلا هزمه ولا أم ممتنعاً طغا جبارة الأسهلة وقصمه فلما طالعتها أوائل طلائعنا منازلة وقابلتها وجوه كماتنا المقاتلة اغتر كافرها فبرز للمبارزة والقتال ووقف دون المنازلة
داعياً نزال، فتقدم إليه من فرساننا كل حديد الشباجديد الشباب يهوى إلى الحرب فيرى منه ومن طرفه أسد فوق عقاب، ويخفف نحوها متسرعاً فيقال إذا لقاء أعداء أم لقاء أحباب، فهم فوارس كمناصلهم رونقاً وضياء، تجري بهم جياد كذوابلهم علاناً ومضاء، إذا مشوا إلى الحرب مزجوا المرح بالتيه فيظن في أعطافهم كسل، وهزوا قاماتهم مع الذوابل فجهلت الحرب من منهم الأسل، فحين شاهد أعداء الله آساد الله تصول من رماحها بأساودها، وتبدي ظمأ لا ينفعه إلا أن ترد من دماء الأعداء محمر مواردها، وأنها قد أقبلت نحوم بجحافل تضيق رحب الفضاء، وتحقق بنزولها ونزالها كيف نزول القضاء، وإنه جيش بعثه الله بإعزاز الجمعة وإذلال الأحد، وعقد برايته مذ عقدها إن لا قبل بها لأحد، وإن الفرار ملازم أعدائه ولا قرار على زائر على الأسد ولو مدبرين وأدبروا على أعقابهم ناكصين ولجأوا إلى معقلهم معتقلين لا متعقلين، فعند ذلك زحفنا إليه من كل جانب حتى صرنا كالنطاق بخصره، ودرنا به حتى عدنا كاللثام بثغره، وأمطرنا عليه من السهام وبلاً سحبت ذيول سحبه المتراكمة، وأجرينا حولها من الحديد بحراً غرقه أمواجه المتلاطمة، وضايقناها حتى لو قصد وفد النسيم وصولاً إليه لما تخلص، أو رام ظل الشمس أن يعود عليه فيئاً لعجز لأخذنا عليه أن يتقلص، ثم وكلنا به من المجانيق كل عالي الغوارب عاري المناكب عبل الشوى، سامي الذرى، له وثبات تحمل إلى الحصون البوائق وثبات تزول دونه ولا يزول الشواهق، ترفع لمرورها الستائر فتدخل أحجاره بغير استيذان، وتوضع لنزوله رؤوس الحصون فتخر خاضعة للأذقان، فلم يزل يصدع بثبات أركانه حتى هدمها، وتقبل ثنيات ثغره حتى أبدى ثرمها، وفي ضمن ذلك لصق الحجارون بجداره وتعلقوا باذيال أسواره ففتحوها أسراباً، وأججوها جحيماً يستعر جمرها التهاباً فصلى أهل النار بنارين من الحريق والقتال، ومنوا بعذابين من حر الضرام وحد النصال، هذه تستعر عليهم وقوداً، وهذه تجعل هامهم للسيف غموداً. اعياً نزال، فتقدم إليه من فرساننا كل حديد الشباجديد الشباب يهوى إلى الحرب فيرى منه ومن طرفه أسد فوق عقاب، ويخفف نحوها متسرعاً فيقال إذا لقاء أعداء أم لقاء أحباب، فهم فوارس كمناصلهم رونقاً وضياء، تجري بهم جياد كذوابلهم علاناً ومضاء، إذا مشوا إلى الحرب مزجوا المرح بالتيه فيظن في أعطافهم كسل، وهزوا قاماتهم مع الذوابل فجهلت الحرب من منهم الأسل، فحين شاهد أعداء الله آساد الله تصول من رماحها بأساودها، وتبدي ظمأ لا ينفعه إلا أن ترد من دماء الأعداء محمر مواردها، وأنها قد أقبلت نحوم بجحافل تضيق رحب الفضاء، وتحقق بنزولها ونزالها كيف نزول القضاء، وإنه جيش بعثه الله بإعزاز الجمعة وإذلال الأحد، وعقد برايته مذ عقدها إن لا قبل بها
لأحد، وإن الفرار ملازم أعدائه ولا قرار على زائر على الأسد ولو مدبرين وأدبروا على أعقابهم ناكصين ولجأوا إلى معقلهم معتقلين لا متعقلين، فعند ذلك زحفنا إليه من كل جانب حتى صرنا كالنطاق بخصره، ودرنا به حتى عدنا كاللثام بثغره، وأمطرنا عليه من السهام وبلاً سحبت ذيول سحبه المتراكمة، وأجرينا حولها من الحديد بحراً غرقه أمواجه المتلاطمة، وضايقناها حتى لو قصد وفد النسيم وصولاً إليه لما تخلص، أو رام ظل الشمس أن يعود عليه فيئاً لعجز لأخذنا عليه أن يتقلص، ثم وكلنا به من المجانيق كل عالي الغوارب عاري المناكب عبل الشوى، سامي الذرى، له وثبات تحمل إلى الحصون البوائق وثبات تزول دونه ولا يزول الشواهق، ترفع لمرورها الستائر فتدخل أحجاره بغير استيذان، وتوضع لنزوله رؤوس الحصون فتخر خاضعة للأذقان، فلم يزل يصدع بثبات أركانه حتى هدمها، وتقبل ثنيات ثغره حتى أبدى ثرمها، وفي ضمن ذلك لصق الحجارون بجداره وتعلقوا باذيال أسواره ففتحوها أسراباً، وأججوها جحيماً يستعر جمرها التهاباً فصلى أهل النار بنارين من الحريق والقتال، ومنوا بعذابين من حر الضرام وحد النصال، هذه تستعر عليهم وقوداً، وهذه تجعل هامهم للسيف غموداً.
فعند ذلك جاءهم الموت من فوقهم ومن أسفل منهم، وأصبح ثغرهم الذي ظنوه عاصماً لا يغني عنهم، ومع ذلك فقاتلوا قتال مستقتل لا يرى من الموت بداً، وثبتوا متحايين يقدرون ببيضهم البيض والأبدان
قداً، فصبر أولياء الله على ما عاهدوا الله عليه، وقدموا نفوسهم قبل أقدامهم رغبة إليه، ورأوا الجنة تحت ظلال السيوف فلم يزودونها مقبلاً وتحققوا ما أعده الله لأهل الشهادة فاستحلوا وجه الموت على جهامته جميلاً، فعند ذلك خاب ظن أعداء الله وسقط في أيديهم وصار رجاء السلامة برؤوسهم أقصى تمنيهم فعدلوا عن القتال إلى السؤال وجنحوا إلى السلم وطلب النزول بعد النزال وتداعوا بالأمان صارخين، وجاؤا بدعاء التضرع لاجين، فأغمد الصفح عنهم بيض الصفاح، وقاتلوا من التوسل بأحد سلاح، واستدعوا راياتنا المنصورة فشرفوا بها الشرفات ونزلوا على حكمنا فأقالت القدرة لهم العثرات، وتسلم الحصن المبارك وقت صلاة الجمعة ثامن عشر شوال، وتحكم نوابنا على ما بها من الذخائر والأموال، ونودي في أرجائها بالواحد الأحد، واستديل للجمعة يوم الجمعة من يوم الأحد، ونحن نحمد الله على هذا الفتح الذي أعاد وجه الإسلام جميلاً، وأنام عين الدين في ظل من الأمن مدة ظليلاً، وألان من جانب هذا الثغر ما لا ظن أن سيلين، وذلل من صعبه ما شرح به صدر الملك والدين، فإنه حصن مر عليه دهر لم يدر فتحه بالأوهام، ولا تطاولت إليه يد الخطب ولا همة الأيام، وربما كان يجد منفساً فيدعوا الملوك إلى نفسها فيتصامموا وتخطبهم وممرها أدنى حرب فيرغبوا في العزلة والمسالمة فيسالموا إلهاهم عن فخر فتحها الرعية في رفاهية عيشه ظنوها راضية ووقف بهم دون السعي فيه همة لنزول الدنايا متغاضية وجنح بهم مراد السلم
وإرادة السلم كانت عليهم القاضية، والمجلس أيده الله يأخذ حظه من هذه البشرى، ويقر بها عيناً ويشرح بها صدراً، ويحلي وجوه بشائرها من هذه المكاتبة على عيون الناس من كل حاضر وباد، ويستنطق بها ألسن المحدثين وفي كل محفل وناد، والله يحرس المجلس ويسهل بهمته كل مراد، إن شاء الله تعالى في التاريخ المذكور من وقت الفتح.
ثم أمر بعمارتها وتحصينها ونقل الذخائر والأسلحة إليها وأقطع بلدها لمن ربته لحفظها من الأجناد وجعل مقدمهم الأمير علاء الدين الكبكي وجعل في نيابة السلطنة بالقلعة الأمير عز الدين العلاني وولاية القلعة للأمير مجد الدين الطوري ثم رحل إلى دمشق في تاسع عشر شوال.
ولما كان الملك الظاهر منازلاً صفد وصل إليه في خامس عشر شهر رمضان رسول صاحب صهيون بهدية جليلة ورسالة مضمونها الاعتذار من تأخره عن الحضور فقبل الهدية والعذر ووصلت رسل صاحب سيس أيضاً بهدية فلم يقبلها ولا سمع رسالتهم ووصلت البريدية من متولي قوص يخبر أنه استولى على جزيرة سواكن وهرب صاحبها وبعث يطلب من السلطان الدخول في الطاعة وإبقاءها عليه فكتب له بذلك.
وفي يوم الخميس مستهل ذي القعدة حل الملك الظاهر بدمشق ثم تقدم إلى العساكر بالمسير إلى بلد سيس للغارة فخرجوا من دمشق يوم السبت ثالث الشهر وقدم عليهم الملك المنصور صاحب حماة وتدبير
الأمور إلى الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني فوصلوا الدرب الذي يدخل منه إليها وكان صاحبها قد بنى عليه أبرجة وجعل فيه المقاتلة. فلما رأوا العساكر تركوها ومضوا فملكها المسلمون وهدموها ودخلوا إلى بلد سيس فأسروا وقتلوا وسبوا وكان فيمن أسر ابن صاحب سيس وابن أخته وجماعة من أكابرهم ودخلوا المدينة يوم السبت ثاني وعشرين من ذي القعدة فنهبوها وأخذوا منها ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ولما عادوا خرج الملك الظاهر من دمشق لتلقيهم في ثاني ذي الحجة وجاز بقارا في سادسه فأمر بنهبها وقتل من فيها، وسبب ذلك أن بعض ركابية الديار المصرية خدم مع الطواشي مرشد وخرج معه عند عوده من مصر إلى حماة فحصل له مرض فانقطع بالعيون قريباً من قارا أمس عليه المساء فأتاه نفران من أهل قارا وحادثاه وحملاه إلى قارا ليمرضاه فبقي عندهما ثلاثة أيام فعوفي فأخذاه تحت الليل ووصلا به إلى حصن الأكراد وباعاه بأربعين ديناراً صوريه واتفق توجه بعض تجار دمشق إلى حصن الأكراد لمشتري أسراء فاشتراه في الجملة واتفق أنه خدم بعض الأجناد وخرج صحبته، فلما حل ركاب الملك الظاهر بقارا حضر الركابي مجلس الأتابك وأنهى إليه صورة فحاله فسير معه جاندارية فطوق عليهما فصادف أحدهما بباب الخان فحمل إلى الأتابك فدخل الأتابك على الملك الظاهر وقص عليه القصة فأمر
بإحضارهما فحضرا وتقابلا فأنكر القاري فقال الركابي أعرف داره وما فيها، فلما سمع اعترف وقال ما أنا وحدي أفعل هذا بل جميع من بقارا يفعله واتفق حضور رهبان من أهل قارا إلى باب الدهليز بضيافة فقبض الملك الظاهر عليهم وركب بنفسه وقصد الديارة التي خارج فاراً فقتل من بهاونهبها ثم أمر العسكر بالركوب. وقصد التل الذي ظاهر قارا من الشمال واستدعى أبا العز رئيسها وقال نحن قاصدون الصيد فمر أهل قارا بالخروج بأجمعهم فخرج منهم جماعة إلى ظاهر القرية فلما بعدوا أمر العسكر فضرب رقابهم ولم يسلم إلا من هرب واختفى بالمغائر والآبار وعصى بالأبرجة جماعة فآمنوا وأخذوا أسرى وكانوا ألفاً وسبعين نفرا ما بين رجل وامرأة وصبي وانتمى جماعة إلى أبي العز رئيسها فأطلقوا له لأنه كان خدم السلطان وضيفه في الأيام المظفرية عند عوده من خلف منهزمي التتر فرعى ذلك له ثم أمر بالرهبان الذين كانوا قبضوا فوسطوا عن أخرهم وتقدم إلى العسكر بنهب قارا فنهبت وجعلت كنيستها جامعاً ورتب بها خطيباً وقاضياً ونقل إليها الرعية من التركمان قناة الأغنام وغيرهم ثم رحل للقاء العسكر الراجع من سيس فالتقى بهم على أفامية وعاد معهم فدخل دمشق والغنائم والأسرى بين يديه يوم الاثنين خامس عشري ذي الحجة وخرج منها طالباً للكرك مستهل المحرم سنة خمس وستين.
وفي ذي الحجة دخل رجل إلى دار العدل بالقاهرة وبيده قصة
وسأل إيصالها إلى الأمير عز الدين الحلى فأذن له فلما دخل جرد سكيناً ووثب عليه فجرحه فقام إليه الصارم قيماز المسعودي متولي القاهرة ليدفعه عنه فضربه بالسكين فقتله فنهض الحلى والوزير وتاج الدين ابن بنت الأعز وهربوا ووثب الجاندارية على الرجل فقتلوه وزعم قوم أنه من جهة زين الدين بن الزبير وبحث عن ذاك فلم يعرف له خبر.
وفي هذه السنة أمر الملك الظاهر بعمارة جسر بالغور على الشريعة ما بين دامية وقرأوا فشرع فيه وكان المتولى لعمارته جمال الدين محمد بن نهار ومحمد بن رحال والي نابلس والأغوار ولما تكاملت عمارته اضطرب بعض أركانه فقلق الملك الظاهر لذلك وأعاد الناس لإصلاحه فتعذر ذلك لزيادة الماء فاتفق وقوف الماء عن جريانه بحيث أمكن إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه فلما تم إصلاحه عاد الماء إلى حاله قيل وقع في النهر قطعة كبيرة مما يجاوره من الأماكن العالية فسكر به وهذا من عجيب الاتفاق.
وفيها سير الملك الظاهر سبيلاً إلى مكة شرفها الله تعالى وكسوة للكعبة الشريفة على العادة صحبة جمال الدين يوسف نائب دار العدل أمير الحاج وعادوا إلى مصر في العشرين من صفر سنة خمس وستين.
وفي هذه السنة هلك هولاكو بن قاآن بن جنكزخان في
كوكرجلك وسنذكره إن شاء الله تعالى وجلس ولده أبغا على التخت مكان أبيه وكتب إلى ممالكه يعرفهم بجلوسه وسير يغلغا إلى الروم ينضم الدعاء له وطلب السلطان ركن الدين والبرواناة فتوجها بهدية سنية وهنؤه بالملك وطلبوا منه يغلغا بالبلاد التي كانت في يد آبائه وإن البلاد التي خرجت عن أيديهم في أيام السلطان عز الدين وآبائه يسترجعها وكانت سنوب في ذلك التاريخ في يد كمناقوس ملك جانت تغلب عليها في الأيام التي وقع فيها الخلف بين عز الدين وركن الدين في سنة سبع وخمسين فعاد ركن الدين وبقي معين الدين سليمان البرواناة مقيماً لقضاء الأشغال فتحدث معه أبغا سراً فقال البرواناة هؤلاء بنو سلجوق ما يؤمنوا وربما لركن الدين باطن مع صاحب مصر فقال أبغا قد وليتك نيابة السلطنة بالروم فإن تحققت أحداً يخالف طاعتي أقتله ثم استأذنه في محاصرة سنوب فأذن له وعاد إلى الروم واجتمع بركن الدين وعرفه خدمته فشكره على ذلك ثم جمع وحشد ما أمكنه وقصد سنوب وهي قلعة حصينة يحفها البحر من جوانبها وكان مقدم العسكر بها إذ ذاك غضراس الكافر وكان قد عمد إلى المساجد فجعلها كنائس، فلما وصل البرواناة بالعساكر إلى سنوب سير اليغلغ إلى غضراس وطلب تسليم البلد فأبى فرتب البرواناة حوله مراكب فيها المجانيق والمقاتلة وزحف عليها وكان من أمراء الروم تاج الدين قليج وبينه وبين البرواناة شنآن فاتفق أنه