المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله بن - ذيل مرآة الزمان - جـ ٢

[اليونيني، أبو الفتح]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري

- ‌ ذكر دخول التتر إلى الشام

- ‌ واندفاع عسكر حلب وحماة بين أيديهم

- ‌فصل

- ‌ذكر بدايته

- ‌نبذة من كراماته

- ‌ ذكر قطبيته رحمه الله

- ‌ذكر أدب الملوك والوزراء بين يديه

- ‌السنة التاسعة والخمسون وستمائة

- ‌متجددات الأحوال في هذه السنة

- ‌ذكر انتزاع دمشق من يد الأمير علم الدين الحلبي

- ‌ذكر نزوح التتار عن حلب وما حدث بعد نزوحهم

- ‌ذكر وصول المستنصر بالله إلى القاهرة ومبايعته

- ‌باب في مبايعته

- ‌نسخة التقليد

- ‌ذكر ولاية الأمير علم الدين الحلبي نيابة السلطنة بحلب

- ‌ذكر أخذ البرلي البيرة وعوده إلى حلب

- ‌ذكر وصول ولدي صاحب الموصل إلى القاهرة

- ‌ذكر توجه الخليفة والسلطان إلى الشام

- ‌ وأولاد صاحب الموصل

- ‌ذكر مصاهرة الخزندار المواصلة

- ‌ذكر وصول الخليفة والسلطان إلى

- ‌دمشق وخروج الخليفة منها

- ‌ذكر توجه الخليفة إلى العراق

- ‌ ذكر القبض على علم الدين الحلبي

- ‌ذكر خروج الأمير شمي الدين البرلي والعزيزية من دمشق على حمية

- ‌واستيلائهم على حلب

- ‌ذكر بيعة المستنصر بالله أبي القاسم أحمد بمصر

- ‌ذكر تبريز الملك الظاهر والخليفة للمسير إلى الشام

- ‌فصل

- ‌ذكر سيرة الملك الناصر

- ‌رحمه الله

- ‌السنة الستون وستمائة

- ‌ذكر عود البرلي إلى حلب وخروجه عنها

- ‌ذكر ما آل إليه أمر أولاد صاحب الموصل

- ‌بعد فراقهم المستنصر بالله

- ‌ذكر حصار الموصل

- ‌ذكر استيلاء التتر على الموصل

- ‌وقتل الملك الصالح صاحبها

- ‌ذكر رسل الملك الظاهر إلى السلطان عز الدين

- ‌صاحب الروم

- ‌ذكر الخلف الواقع بين هولاكو وبركة

- ‌فصل

- ‌فيها درج إلى رحمة الله تعالى الإمام المستنصر بالله

- ‌السنة الحادية والستون وستمائة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى الشام

- ‌وقبضه على الملك المغيث صاحب الكرك

- ‌حرب جرت بين بركة وهولاكو

- ‌فصل وفيها توفي

- ‌السنة الثانية والستون وستمائة

- ‌متجددات السنة

- ‌ فصل

- ‌السنة الثالثة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر قبض الملك الظاهر على سنقر الأقرع

- ‌فصل

- ‌السنة الرابعة والستون وستمائة

- ‌مجددات الأحوال

- ‌ فصل

- ‌السنة الخامسة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌فصل

- ‌السنة السادسة والستون وستمائة

- ‌ذكر خلاص الأمير شمس الدين سنقر الأشقر

- ‌ذكر قطيعة قررت على بساتين دمشق

- ‌ذكر أخذ مالك بن منيف المدينة الشريفة

- ‌السنة السابعة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ ذكر ما تجدد في هذه السنة من حوادث بلاد الشمال والعجم

- ‌فصل

- ‌السنة الثامنة والستون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر كسرة أبغا لبرق

- ‌ذكر المصاف

- ‌فصل

- ‌السنة التاسعة والستون وستمائة

- ‌متجدادت الأحوال

- ‌ذكر دخول آجاي بن هولاكو وصمغرا

- ‌صحبته إلى بلاد الروم

- ‌فصل

- ‌السنة السبعون وستمائة

- ‌متجددات هذه السنة

- ‌ذكر توجه الملك الظاهر إلى حلب

- ‌ذكر وصول رسل التتر إلى الملك الظاهر

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصل وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله بن

‌فصل

وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله بن أحمد بن علي بن مرزوق أبو إسحاق صفي الدين العسقلاني الكاتب التاجر مولده في شهر رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة سمع بمصر من أبي محمد عبد الله بن محمد بن بجلي وأجاز له غير واحد وحدث وكان أحد الرؤساء المعروفين بالثروة وسعة ذات اليد وله الوجاهة الوافرة والتقدم عند الملوك وأرباب الدول وله بر ومعروف وأوقاف منسوبة إليه وتوفي في ثاني عشر ذي القعدة بمصر ودفن من الغد بسفح المقطم رحمه الله.

إسحاق بن يعيش بن علي بن يعيش بن أبي السرايا بن علي بن المفضل أبو إبراهيم الحلبي الكاتب كان من الفضلاء الرؤساء ومولده بحلب في ثالث شهر رجب سنة إحدى وستمائة وتوفي بالقاهرة في السادس والعشرين من ربيع الآخر هذه السنة ودفن من يومه بالقرافة رحمه الله.

إسماعيل بن شيركوه بن محمد بن شيركوه الملك الصالح نور الدين ابن صاحب حمص كان له اختصاص كبير بالملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله وقرب منه وكان عنده حزم وعزم وسياسة وكان من رأيه مداراة التتر وعدم مشاققتهم وكان يعضد الزين الحافظي عند الملك الناصر ويثني عليه ويشكره فكان يقال إن الزين الحافظي أحضر له فرماناً من هولاكو وإن للملك الصلاح باطناً مع التتر وأنه لم

ص: 126

يدخل الديار المصرية مع العساكر لذلك لا محافظة للملك الناصر وتوهم أنه إذا وصل إلى هولاكو أبقى عليه ووفى له بما في الفرمان فعاد مع الملك الناصر من قطيا وحسن له قصد هولاكو وتوجه صحبته إليه فلما أمر هولاكو بقتل الملك الناصر ومن معه على ما سيأتي في ترجمة الملك الناصر رحمه الله إن شاء الله أمر بقتل الملك الصالح أيضاً فقتل في أطراف بلاد العجم وكان يلقب السيس ومولده ومرباه حمص وإنما انتقل عنها بعد موت والده الملك المجاهد أسد الدين شيركوه وكان مقتله في أوائل هذه السنة وقيل في أواخر سنة ثمان وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى وحكي أنه قال يوماً للأمير عماد الدين إبراهيم بن المحبر رحمه الله وهما في مجلس السلطان الملك الناصر نريد أن نعمل مشوراً وكان عماد الدين رأيه قتال التتر وعدم مداراتهم فقال له لم هذا المفشر فقال له الملك الصالح أنت كما قيل طويل ولحيتك طويلة فقال له عماد الدين ألا أني ما ربيت في حمص أشار الملك الصالح إلى أن الطويل القامة واللحية غالباً يكون قليل العقل وأشار عماد الدين رحمه الله إلى أن من ربى بحمص يكون أجدر بقلة العقل وهذا إنما هو على ما يقوله العوام لا على الحقيقة.

إسماعيل بن عمر بن قرناص أبو العرب مخلص الدين الحموي كان فقيهاً متأدباً وله شعر حسن وعنده معرفة بطرف من العربية وكان يدرس بحماة في مدرسة نسيبة مخلص الدين بن قرناص ومدرسة الشيخ

ص: 127

تقي الدين ابن البققي ويقرئ العربية بالجامع ومولده سنة اثنتين وستمائة وتوفي في جمادى الآخرة هذه السنة بحماة وله أشعار حسنة منها قوله:

فقد إلا حبة مولم وبنا إذا

غاب شخصك فوق ذاك المولم

إذ أنت بين الأحبة منعم

وأحقهم بالشوق وجه المنعم

وله:

أما والله لو شقت قلوب

ليعلم ما بها من فرط حبي

لأرضاك الذي لك في فوأدي

وأرضاني رضاك بشق قلبي

أيل غازي الملك السعيد نجم الدين صاحب ماردين توفي في سادس عشر صفر هذه السنة وقيل في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وقد ذكرناه هناك.

الحسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر أبو محمد شرف الدين المقدسي الحنبلي مولده سنة خمس وستمائة سمع الكثير من أبي اليمن الكندي وغيره وكان من العلماء الفضلاء وهو من أولاد المشايخ الأئمة من بيت الحفظ والحديث حدث هو وأبوه وجده وكانت وفاة شرف الدين المذكور في ليلة الثامن من المحرم بدمشق رحمه الله وجده الإمام الحافظ عبد الغني رحمة الله عليه صاحب التصانيف والفوائد وإليه انتهى علم الحديث ومعرفة الآثار النبوية في وقته رحمه الله.

ص: 128

عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاهر بن موهب أبو البركات زين الدين الحموي الشافعي خطيب الجامع الأعلى بحماة كان فاضلاً عالماً حسن الخطابة متمولاً وله وجاهة كبيرة وكرم ومعروف مشهور وكان الملك المظفر صاحب حماة يحترمه كثيراً وترسل بعد وفاة الملك المظفر إلى الملك الصالح نجم الدين بالديار المصرية فأكرمه واحترمه وبنى زين الدين المذكور بحماة مدرسة جليلة ووقف عليها وقفاً كثيراً ودفن بها لما توفي ومولده في سنة ثمانين وخمسمائة وتوفي بحماة صبح يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الأول وقيل توفي ليلة الثامن والعشرين منه حدث عن عمر بن أبي اليسر وغيره وكان من المشايخ المشهورين بالخير والصلاح والعلم والنبل والجلالة رحمه الله وقيل في نسبه هو عبد الرحمن بن محمد ابن عبد القاهر بن موهوب والله أعلم.

عثمان بن منكورس بن خمردكين الأمير مظفر الدين صاحب صهيون وبرزية كان حازماً يقظاً مهيباً كثير السياسة والنهضة تملك صهيون وما معها بعد وفاة والده الأمير ناصر الدين منكورس في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وجده بدر الدين خمردكين كان عتيق الأمير مجاهد الدين بزان صاحب صرخد وكانت وفاة مظفر الدين المذكور في ثاني عشر ربيع الأول بقلعة صهيون ودفن بها عند والده وقد نيف على تسعين سنة رحمه الله وولى بعده الأمير سيف الدين محمد مكانه.

ص: 129

علي بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذى الملك الظاهر سيف الدين كان جميل الأوصاف حسن الصورة كريم الأخلاق شجاعاً جواداً ممدحاً وهو شقيق الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله أمهما أم ولد تركية وكان الملك الناصر يحبه محبة شديدة ولما كان في أواخر سنة سبع وخمسين أعطاه الملك الناصر أماكن من جملتها الصلت وقلعتها واتفق أن جماعة من الناصرية والعزيزية مالوا إليه وأرادوا تمليكه والقبض على الملك الناصر فأوجب ذلك وحشة اقتضت أن الملك الظاهر فارق الملك الناصر في أوائل سنة ثمان وخمسين وتوجه بحريمه إلى قلعة الصلت تركهم بها وقصد غزة فاجتمع على طاعته الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري بمن معه من البحرية وجماعة من الناصرية والعزيزية والشهرزورية وسلطنوه عليهم ثم لما بلغهم أن التتر قد دهموا البلاد وملكوا قلعة حلب اتفق هو والأمير ركن الدين أن يرسلا إلى الملك المظفر قطز رحمه الله ويقررا معه الاتفاق معهما ليكون عضداً لهما فأرسلا رسولين أما رسول الأمير ركن الدين فكان الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري وحمله رسالة باطنة مضمونها أن يستوثقوا له من الملك المظفر ليقدم عليه وظاهرها ما اتفقا عليه فلما وصلا إلى الملك المظفر أجاب الملك الظاهر سيف الدين بأنه عضده وأن ألجأته ضرورة إلى دخول الديار المصرية وآواه وأحسن إليه وأجاب الأمير ركن الدين إلى ما طلب وحلف له فعند ما عاد بالجواب توجه الأمير ركن الدين

ص: 130

إلى الديار المصرية وقدم في أثر ذلك الملك الناصر إلى غزة فانضاف إليه أخوه الملك الظاهر ومن معه فصفح عنهم وصاروا في خدمته وتوجه الملك الظاهر مع أخيه الملك الناصر إلى قطيا وعاد معه ولولا اتسامه بالسلطنة تلك الأيام لدخل الديار المصرية لكنه خاف أن يتخيل منه الملك المظفر فيقبضه ولما توجه الملك الناصر إلى هولاكو كان معه فلما قتل قتل معه أيضاً وكان قتله في أوائل هذه السنة أو في أواخر سنة ثمان وخمسين وخلف الملك الظاهر ولداً ذكراَ اسمه زبالة كان مفرط الجمال وأمه تعرف بوجه القمر كانت من حظايا الملك الناصر فوهبها لأخيه الملك الظاهر فلما قتل تزوجها الأمير جمال الدين ايدغدي العزيزي فلما مات عنها تزوجها الأمير بدر الدين بيسرى الشمسي ثم درج الولد زبالة المذكور رحمه الله تعالى بالديار المصرية.

علي بن يوسف بن أبي المكارم بن أبي عبد الله بن عبد الجليل أبو الحسن نور الدين الأنصاري المصري العطار كان شاعراً فاضلاً وتوفي في هذه السنة ولم يبلغ الأربعين سنة من العمر، ومن شعره لغزاً في كوز الزير:

وذي أذن بلا سمع

له قلب بلا لب

مدى الأيام في خفض

وفي رفع وفي نصب

إذا استولى على الحب

فقل ما شئث في الحب

محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس أبو بكر

ص: 131

اليعمري الأندلسي مولده في صفر سنة سبع وتسعين وخمسمائة، سمع الكثير وحصل جملة من الكتب وحدث وصنف وجمع وكان أحد حفاظ المحدثين المشهورين وفضلائهم المذكورين وبه ختم هذا الشأن بالمغرب، وكانت وفاته في الرابع والعشرين من شهر رجب بمدينة تونس رحمه الله.

محمد بن صالح بن محمد بن حمزة بن محمد بن علي أبو عبد الله التنوخي الفقيه الشافعي، لقي بدمشق عمر بن طبرزد وزيد بن الحسن الكندي وعبد الصمد الحرستاني وولي نظر ثغر الإسكندرية وجميع أمورها من الأحباس والمساجد والجوامع والمدارس وحدث بالثغر وكان ذا سيرة مرضية ومولده بمدينة المحلة من غربية مصر سنة ثمان وسبعين وخمسمائة قال أبو المظفر منصور بن سليم أنشدنا القاضي أبو عبد الله محمد بن صالح لنفسه بمنزله بالثغر:

سلام على ذاك المقر فإنه

مقر نعيمي وهو روحي وراحتي

فإن تسمح الأيام مني بنظرة

إليه فقد أوتيت مأمول منيتي

قال وأنشدنا أيضاً لنفسه مكاتبة:

لو بقدر الحنين أرسل كتبي

كنت أفنى الأوراق والأنفاسا

غير أني أرجو اللقاء قريباً

في سرور ويبتدى الأعراسا

قال أنشدنا لنفسه في ولايته الثالثة بالثغر:

أصبحت من أسعد البرايا

في نعم الله بالقناعه

ص: 132

مع بلغة من كفاف عيش

وخدمة العلم كل ساعه

طلقت دنياهم ثلاثاً

بلا رجوع ولا شناعه

وارتجى من ثواب ربى

حشري مع صاحب الشفاعه

قال وأنشدنا لنفسه:

أقول لمن يلوم على انقطاعي

وإيثاري ملازمة الزوايا

أأطمع أن تجدد لي حياة

وقد جاوزت معترك المنايا

توفي القاضي تاج الدين أبو عبد الله محمد بالثغر في ليلة الأحد خامس صفر سنة تسع وخمسين وستمائة ودفن في محرس سوار جوار الشيخ أبي العباس الرأس رحمهما الله تعالى.

محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى بن معتبر بن علي بن يوسف أبو عبد الله الإسكندري الفقيه المالكي العدل من أهل العلم والحديث كان صالحاً ثبتاً ثقة وكان ينظم، ومن شعره كتب بها في الإجازة:

أجزت لهم على المهيمن قدرهم

وحلاهم ذكراً جميلاً معطرا

رواية ما أرويه شرقاً ومغرباً

وما قلته نظماً ونثراً محبرا

على شرط أهل العلم والصنعة التي

يكون بها معنى الإجازة مظهرا

وهذا جوابي ثم واسمي محمد

عفا الله عنه ما مضى وتأخرا

أقول وعبد الله اسم لوالدي

وإبراهيم جدي قد نصصت مخبرا

ويعرف بالمتيجى نسبة بلده

وسطرت خطى بالقريض معبرا

ص: 133

توفي أبو عبد الله المتيجي ليلة الاثنين الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وستمائة ودفن يوم الاثنين بجوار والده بمحروسة ثغر الإسكندرية رحمه الله.

محمد بن عبد الله بن موسى أبو عبد الله شرف الدين الحوراني المتاني الشيخ الفاضل العارف الزاهد كان له رياضات وخلوات وانقطاع ومعرفة جيدة بفنون متعددة من العلوم وكانت وفاته في هذه السنة بمدينة حماة وعمره مقدار سبعين سنة رحمه الله، ومتان بضم الميم قرية من عمل حوران.

محمد بن عبد الملك بن درباس أبو حامد كمال الدين الضرير الماراني الشافعي العدل مولده في ثاني عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة سمع من القاسم بن علي الدمشقي والبوصيري وغيرهما ودرس بالمدرسة السيفية بالقاهرة مدة وكان من الفضلاء ووالده صدر الدين عبد الملك قاضي قضاة الديار المصرية في الأيام الصلاحية كان كبير القدر وافر العلم والفضل، توفي كمال الدين المذكور في خامس شوال بالقاهرة ودفن من يومه بسفح المقطم رحمه الله.

يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذى أبو المظفر السلطان الملك الناصر صلاح الدين ومولده في يوم الأربعاء تاسع شهر

ص: 134

رمضان المعظم سنة سبع وعشرين وستمائة بحلب بقلعتها ولما ولد زين البلد ولبس العسكر أحسن زي وأظهر من السرور والابتهاج بمولده ما جاوز الحد، وتوفي والده الملك العزيز غياث الدين أبي المعالي محمد بن الملك الظاهر في عنفوان شبابه وعمره ثلاث وعشرون سنة وشهور وكان قد توجه إلى جارم للتنزه وكان له بها جوسق تحته نهر وإلى جانبه بستان فنزل به ثم حضر الحلقة لرمي البندق واغتسل بماء بارد فحم ودخل حلب وهو موعوك ودامت به الحمى وقوي مرضه فاستحلف الناس لولده الملك الناصر وأرسل كمال الدين ابن العديم إلى أخيه الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن الملك الظاهر صاحب عين تاب فاستحلفه لابنه بعد نفسه، وكان الملك العزيز عادلاً رقيق القلب رحوماً مشفقاً على رعيته متودداً إليهم مائلاً إلى أهل الخير محباً لأهل العلم والفضل وخلف من الولد الملك الناصر المذكور والملك الظاهر علي وقد تقدم ذكره وأمهما أم ولد تركية وشقيقتهما تزوجها الملك الأمجد مجد الدين الحسن ابن الملك الناصر داود رحمه الله فمات عنها بعد أن أولدها الأمير صلاح الدين محمود ثم ماتت وخلف ابنتين غيرها إحداهما عائشة خاتون وأمها فاطمة خاتون بنت الملك الكامل تزوجها الملك المنصور صاحب حماة وأولدها الملك المظفر تقي الدين محمود والأخرى غازية خاتون أمها أم ولد فقد عقدها بحلب على السلطان غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ ملك الروم فمات ولم تحمل إليه ثم تزوجها الملك السعيد فتح الدين

ص: 135

عبد الملك بن الملك الصالح عماد الدين إسماعيل فماتت عنده، وكان الملك العزيز عالي الهمة كريم الأخلاق واسع الصدر كثير الصفح والتجاوز حازم الرأي جواداً ممدحاً مدحه جماعة من الشعراء فكان يجيزهم الجوائز السنية ولما أخذ شيزر في سنة ثلاثين وستمائة من الأمير شهاب الدين يوسف بن عز الدين مسعود بن سابق الدين عثمان بن الداية قال شهاب الدين يحيى بن خالد بن القيسراني يهنئه:

يا مالكاً عم أهل الأرض نائله

وخص إحسانه الداني مع القاصي

لما رأت شيزر رايات نصرك في

أرجائها ألقت العاصي إلى العاصي

فأعطاه حملة عظيمة وكان عمر الملك الناصر لما أفضى إليه الملك بعد وفاة والده نحو سبع سنين وقام بتدبير مملكته الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني والأمير عز الدين عمر بن مجلى ووزير الدولة جمال الدين القفطي ويحضر معهم جمال الدولة إقبال الخاتوني في المشورة فإذا اتفق رأيهم على شيء دخل جمال الدولة إلى الصاحبة ضيفة خاتون بنت الملك العادل والدة الملك العزيز وعرفها ما اتفق الجماعة عليه فكانت الأمور منوطة بها، ولما تقررت هذه القواعد توجه القاضي زين الدين ابن الأستاذ وبدر الدين بدر بن أبي الهيجاء رسولين إلى الملك الكامل واستصحبا معهما كزاغند الملك العزيز وزرديته وخوذته ومركوبه فلما وصلا إلى الديار المصرية واجتمعا بالملك الكامل وأديا الرسالة وأحضرا

ص: 136

ما معهما أظهر الألم والحزن وقصر في إكرامهما وعطائهما وحلف للملك الناصر على الوجه الذي اقترح عليه وخاطب الرسولين بما يشير به من تقدمة الملك الصالح أحمد بن الملك الظاهر على العسكر وإن يقوم بتربية ابن أخيه الملك الناصر فلما رجع الرسولان إلى حلب وأنهيا إلى الصاحبة ذلك لم تره صوابا، وكذلك الجماعة القائمون بترتيب الدولة ثم بعد مدة يسيرة سير الملك الكامل خلعة للملك الناصر بغير مركوب وسير عدة خلع لأمراء الدولة وسير مع رسول آخر خلعة للملك الصالح أحمد صاحب عين تاب على أن يمضي بالخلعة إليه فاستشعرت الصاحبة وأرباب الدولة من ذلك وحصل عند الصاحبة وحشة من أخيها الملك الكامل بسبب ذلك فاتفق رأي الجماعة على أن يلبس الملك الناصر خلعة الملك الكامل ولم يخلع على أحد من الأمراء شيء مما سير إليهم ورد الرسول الوارد إلى الملك الصالح بخلعته ولم يمكنوه من الوصول إليه واستحكمت الوحشة في قلوبهم من الملك الكامل وفي سنة أربعين توفيت الصاحبة ضيفة خاتون بنت الملك العادل صاحبة حلب أم الملك العزيز فاستقل ابن ابنها الملك الناصر بالسلطنة وأشهد على نفسه بالبلوغ وله نحو ثلاث عشرة سنة وأمر ونهى وقطع ووصل وجلس في دار العدل والإشارة للأمير شمس الدين لؤلؤ ولجمال الدولة إقبال الخاتوني والوزير القاضي الأكرم جمال الدين القفطي، وفي سنة ست وأربعين خرجت عساكر حلب مع الأمير شمس الدين لؤلؤ إلى حمص فنازلوها ونصبوا عليها المجانيق

ص: 137

وضايقوها شهرين ورسل الملك الأشرف صاحبها ووزيره مخلص الدين ابن قرناص تتردد إلى الأمير فخر الدين بن الشيح وهو بدمشق وإلى الملك الصالح نجم الدين وهو بالديار المصرية يطلب النجدة وكان الملك الصالح بأشمون طناج وقد عرض له ورم في مأبضه ثم فتح وحصل له منه ناصور تعسر بربوه وحصل في رئته بعد ذلك قرحة تيقن الأطباء أنه لا خلاص له منها لكنه لم يشعر بذلك فأشغله ما به عن أنجاد صاحب حمص ولما ضاق الأمر بصاحب حمص راسل الأمير شمس الدين لؤلؤ وطلب منه العوض فعوضه عن حمص تل باشر مضافاً إلى ما بيده من الرحبة وتدمر وتسلم حمص منه واطلع الأمير شمس الدين في أثناء ذلك على كتاب لمخلص الدين إلى الأمير فخر الدين ابن الشيخ يستعجله ليقدم ويدفع عسكر حلب وقد بسط القول في الكتاب فغضب الأمير شمس الدين وحمل الملك الأشرف على القبض على مخلص الدين فقبض عليه وعذبه حتى مات بتل باشر وتسلم الملك الأشرف تل باشر ولما بلغ ذلك الملك الصالح نجم الدين عظم عليه جداً وتوجه إلى دمشق في محفة لما به من المرض وتقدم إلى الأمير فخر الدين بالمسير بالعساكر إلى حمص لانتزاعها من يد نواب الملك الناصر فسارت العساكر ونازلوها وضايقوها ونصبوا عليها المجانيق ومنها منجنيق مغربي حجره مائة وأربعون رطلاً بالشامي

ص: 138

وجدوا في حصارها لأن الزمان كان شتاء وخرج الملك الناصر من حلب في منتصف رمضان فنزل بأرض كفر طاب ولم يزل الحصار مستمراً إلى أن ورد الشيخ نجم الدين الباذراني للإصلاح بين الملك الصالح نجم الدين والملك الناصر صاحب حلب على أن يقر حمص بيد الملك الناصر فوقع الاتفاق على ذلك ورحلوا عنها وكان سبب انتزاع الملك الناصر حمص من الملك الأشرف أنه سلم قلعة شميميس في سنة خمس وأربعين إلى الملك الصالح نجم الدين بسفارة مخلص الدين فعظم ذلك على الملك الناصر والأمير شمس الدين لؤلؤ وكرها مجاورة الملك الصالح لحلب وما والاها وخشياً أن تسلم إليه حمص ولهذا انتصر الملك الصالح للملك الأشرف وجهز العساكر لنجدته لكن فات الأمر فأمرهم

بمحاصرة حمص وانتزاعها فجرى الأمر على ما ذكرنا. صرة حمص وانتزاعها فجرى الأمر على ما ذكرنا.

وفي يوم الاثنين لعشر مضين من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين تسلم الملك الناصر صلاح الدين يوسف دمشق صفواً عفواً بغير ممانعة ولا قتال ثم تسلم سائر الأعمال والقلاع المضافة إليها بعد ذلك.

وفي سنة اثنتين وخمسين قدمت ابنة السلطان علاء الدين كيقباذ ابن كيخسرو إلى دمشق وفي خدمتها الشريف عز الدين المرتضى وهي التي عقد عليها عقد الملك الناصر في بلاد الروم وكانت في تجمل عظيم يقصر عنه الوصف وأمها ابنة الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد

ص: 139